أمين الوائلي -
النجاح الكبير الذي حالف الأجهزة الأمنية خلال الأيام القليلة الماضية، وقاد إلى الكشف عن الخلية الإرهابية الأخطر والتي اتخذت من مدينة العلم والعلماء "تريم" الغناء ملاذاً ومخبأً لها.. ظناً منها أن ظروف وخصوصيات المكان، المنتقى بعناية وخبث كبيرين، سوف تبقيها بعيدة عن عين ويد العدالة وحُماة الأمن، أكد مجدداً أن رجال الأمن والقوات المسلحة أذكى من رجال الإرهاب.. وأن يد القانون أقوى وأطول من أيادي القتلة في كل زمان ومكان. يحق لنا، بل ويجب علينا أن نفخر بلا حدود بهذه العملية النوعية.. الاستباقية.. المباغتة، وأن نمتنَّ كثيراً.. وكثيراً جداً لأبطال مؤسستنا الأمنية والعسكرية الذين كانوا في المستوى والموعد.. وألحقوا العقاب المستحق بواحدة من أخطر عصابات وخلايا الإرهاب والجريمة، وقطعوا أمامها الطريق وحرموها من المضي في تنفيذ بقية الحلقات الشيطانية المرسومة ضمن مسلسل الاستهداف المخطط والمبرمج.. والذي وضعت الأجهزة الأمنية يدها عليه. يتأكد الآن وبعد هذه الجولة الموفقة والرابحة لمصلحتنا جميعاً، أن مجاراة العقلية الإرهابية والتغلب عليها، يقود إلى نتائج جيدة ومشهودة على الأرض، ويمنحنا امتيازاً حقيقياً، لاستباق المجرمين.. وتعطيل فاعلية الخلايا المتناوبة على إيذاء المجتمع واستهداف الأمن العام والحياة المشتركة والمصالح العليا للبلاد.. والعباد وتؤكد موقعة "تريم" أننا قادرون على المزيد. يعتقد رجال الجريمة والأفراد المنخرطين في عبادة الموت والدم والدمار أنهم أذكياء وسريعو الحركة.. وأن لا أحد يجاريهم أو ينازعهم السبق.. والأفضلية في هذه الصفات والمزايا. وإذا كان جزء من هذه المقولة صحيحاً إلى حد بعيد، على اعتبار أن "الشيطان ذكي" أو يساعدهم على ذلك أنهم يعملون ويدبرون في الخفاء وبعيداً عن الضوء.. علاوة على أنهم يتوزعون الأدوار والمهام على شكل خلايا وجماعات محدودة العدد ويتخيرون أهدافهم وضرباتهم في مساحة شاسعة ومتباعدة.. في الزمان والمكان، ويعتمدون أساليب الخفة والمرونة والفجائية الدموية. إلا أن المقولة السابقة ليست صحيحة بإطلاق إذ أن الاعتراف بالمزايا والصفات السابقة للإرهابيين ليس امتداحاً لهم أو إطراء وإنما هو إقرار أولي وضروري بحتمية معرفة العدو وكيف يخطط ويتصرف، لأن جهل العدو أخطر من ضرباته.. ويجعل إمكانية ملاحقته ومطاردته بعيدة المنال، ما لم تكن لدينا خبرة كافية ومتعمقة حوله، وبالتالي نصوغ خبرتنا العملية وخططنا وبرامجنا المعنية بملاحقته ومكافحته وضربه في جحوره ومخابئه البعيدة والأبعد، على ضوء الخبرة الأولى المعنية بقراءة وتفكيك وتحليل الظاهرة الإرهابية وتوقع الخطوات القادمة للعقل الإجرامي. أما أنهم الأذكى والأحذق والأسرع، فهذه ليست لهم.. ولن تكون لسبب بسيط ووجيه بالمرة، وهو أن الخير أحق وأصدق وأبقى، وأهله وحماته.. أصحاب حق ومشروعية لا غبار عليها كما أن الإجماع الشعبي والوطني والإنساني يصطف خلف رسالة الحياة والأمن والإيمان بهما.. أما الموت والجريمة والقتلة فليسوا أصحاب رسالة أو مشروع.. اللهم إلا رسالة الدم والكراهية.. ومشروع الخراب والفوضى واغتيال الحياة وأهلها. من المفيد والموضوعي ونحن نناقش هذا الأمر ونبحث عن مفاتيح المواجهة الحتمية مع ثقافة التطرف وخلايا الموت والإرهاب مراعاة اعتبارات وضرورات مهمة قد ربما يغفل عنها البعض تحت وطأة ومأساوية الجرائم الإرهابية وما تخلفه من خسائر وآلام وخدوش على جدار الذاكرة الوطنية والعاطفة الشخصية. ذلك أن المواجهة المفتوحة والشريفة، التي يخوضها بالنيابة عنا بفدائية وتضحوية رجولية نادرة.. رجال الأمن والجيش، مع الإرهاب والإرهابيين، ليست محكومة بنفس القواعد والمعايير التي يتحلل منها القتلة.. فهؤلاء لا يتورعون عن قتل الأبرياء وإلحاق الأذى بالمواطنين العُزل ومصالحهم وشئونهم.. ولذلك تجيء ضرباتهم موجعة وفاحشة البربرية والإيلام، وقد يرى البعض أو القلة أن هذا القدر من العنف والبشاعة يوازي أو يساوي قدراً مشابهاً من الذكاء والخفة والسرعة، أوليس هذا بحق. أما رجال الأمن والجيش فرسالتهم مختلفة تماماً.. وهم يحتكمون إلى قواعد وأخلاقيات تجعل مهمتهم، في دفع الضرر، وتجنيب الناس والمواطنين الخسائر المحتملة.. في هكذا جبهات ومواجهات مع الإرهابيين بالغة الدقة والحساسية فلا يتعلق الأمر هنا بالذكاء لوحده، بل يتعلق بالحرص والمسئولية الأدبية والأخلاقية المناطة بمنفذي القانون وملاحقي الجريمة والمجرمين، ومع ذلك وبرغم كل شيء يصلون إلى أهدافهم النهائية بكفاءة واقتدار، وبأقل الخسائر الممكنة.. وإن تأخر الوقت قليلاً إلا أن العبرة تكون دائماً بالنتائج، وهذا هو الذكاء، ذكاء مسئول، وكفاءة تكاملية.. في الأخلاق والأداء. ضرب وتفكيك خلية "تريم" ولن أقول الإرهابية خشية أن تلحق الصفة بالموصوف الأقرب عطل وأبطل قائمة من الجرائم والاعتداءات التي كان مخططاً لها ضد بلادنا وضد السعودية الشقيقة، كما قاد إلى الكشف عن خلية ثانية في مدينة المكلا وعطل خطة إرهابية للاعتداء على مزار النبي "هود" عليه السلام في حضرموت!. وهذا يقودنا إلى التساؤل مجدداً: ما هي الأهداف التي يتوخاها الإرهابيون من وراء جرائم واعتداءات بشعة كهذه؟. ماذا ينصرون، ومن ينصرون بالضبط؟ وهم يقتلون اليمنيين ويؤذون مجتمعاً مسلماً مسالماً.. ويتجرأون حتى على مزارات الأنبياء ومراقد الأولياء والصالحين؟!. وبالمثل.. فإن العناية يجب أن تركز على أن الإرهابيين باتوا الآن يستهدفون مناطق ومحافظات بعيدة عن التكتيكات المعهودة منهم.. وبعيدة عن الميدان والجبهات التقليدية التي شهدت سجالاً طويلاً ومتعاقباً مع ظاهرة التطرف والإرهاب الدموي. وهذا يدعونا إلى توسيع قراءاتنا التحليلية.. والتوسع في التوقعات ومجاراة هذا التطور بمثله لنسبقهم دائماً وأبداً ولنباغتهم كما فعلنا بالأمس. وإن كانت من إشارة أخيرة، فهي التذكير بأن بلادنا كانت السباقة دائماً، ولا تزال كذلك، في مواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب، عن قناعة وإرادة وطنية لا تتزعزع، ودعونا من تقولات وافتراضات توغل في تصنع التحليل، أو التحريم حتى إن سئتم!!، وتتلبس بحالة مسعورة من التذاكي، الأخرق والغباء، للقول بأن الإملاءات أو ما شابه هي من تصوغ المواجهات والسياسات الخاصة في هذا السياق!!. إن كانت هناك من إملاءات حقاً، فهي إملاءات اليمن.. والوطن.. والمصالح العليا.. والعيش الإنساني المشترك.. إنها إملاءاتنا نحن!. شكراً لأنكم تبتسمون..
[email protected]