الميثاق نت-تحقيق: مرشد العجي -
>
تعتبر محافظة الجوف من محافظات الوطن التي نشأت على سهولها الخصبة كبريات المدن والعواصم والمراكز الهامة للحضارة المعينية الموغلة في القدم مثل قرناو وبراقش والسوداء والبيضاء وغيرها من الحواضر التي ذاع صيتها في العالم القديم، وبلغت اوج الرخاء والازدهار بفضل الزراعة والتجارة ومازالت حتى اليوم آثارها ومعالمها الظاهرة والمطمورة تدل على ذلك.
وتشير النتائج الأولية للاكتشافات التي توصلت اليها البعثات الأثرية مؤخراً في الاماكن الجاري التنقيب والبحث فيها والواقعة في مدينتي السوداء والبيضاء التاريخيتين إن مناطق الجوف ربما تكون قد شهدت ظهور النواة الاولى للمدينة والمجتمعات الحضرية في تاريخ البشرية.. وإذا صح ذلك وتم التأكد منه علمياً فإنها ستصبح بالفعل أرض المهد والموطن الاول الذي شهد ميلاد فجر الحضارة الانسانية.
ولا نستبعد صحة هذه الفرضية خصوصاً ان محافظة الجوف تصنف ضمن المناطق الاولى في العالم التي تحتوي على مخزون اثري كبير من حيث العدد، ولكن ما يجعلنا نأسف هو ما تتعرض له هذه الثروة القيمة من تدمير وضياع وبالتالي فقدان اليمن بصفة عامة ومحافظة الجوف بصفة خاصة لأهم ثروة حضارية تشكل عامل رئيسي يؤهل اليمن إذا ما تم الحفاظ عليه ان تصبح في مقدمة البلدان الجاذبة لأنواع السياحة الثقافية والتاريخية في العالم.
والتي تمثل نسبة كبيرة من اجمالي الحركة السياحية العالمية، وهنا ندعو الجهات المختصة بسرعة اتخاذ الاجراءات التي وعدت بها لحماية آثار الجوف من العبث والنهب ا لذي تتعرض له في جنح الليل وفي وضح النهار!!
كما نلفت انتباه وزارة السياحة التي اصبحت كياناً مستقلاً ان تضع محافظة الجوف ضمن أولوية اهتماماتها وخططها لإيجاد تنمية سياحية، واعتقد ان معالي وزير السياحة الاستاذ نبيل الفقيه أول من يدرك أهمية الجوف كمنتج سياحي يتميز بالعديد من المقومات الحضارية والثقافية والطبيعية، ويكفي انه عند بداية توليه لمنصب وزير السياحة حرص ان يكون حاضراً بنفسه مهرجان قرناو السياحي الثاني ويشاهد بصورة مباشرة ما تتمتع به المحافظة من امكانيات كثيرة لقيام نشاط سياحي واعد ومتعدد الوجه ابتداءً من السياحة الاثرية الى سياحة الصحراء وإحياء طرق التجارة القديمة والقيام برحلات الاستكشاف والمغامرة.. الخ.
ولا أظن أن الهاجس الامني يمثل عقبة اساسية في قيام تنمية سياحية في المحافظة كما يعتقد البعض بل على العكس ان غياب الخطط والمشاريع الخدمية في المجال السياحي ساعد الى حد كبير في فرض العزلة على المحافظة وحرمان ابنائها والوطن عموماً من استغلال المقومات الحضارية والطبيعية الذي يتميز بها منتجها السياحي المغري، كما ادى ذلك الى تفشي الجهل بين اهلها باهمية ما تمتلكه المحافظة من ارث تاريخي، وساعد في غياب الشعور والاحساس بقيمة هذه الثروة وفوائدها العظيمة مما شجع ضعفاء النفوس في المتاجرة بآثارها دون خجل او خوف من عقاب او رادع يضع حداً لهذه الظاهرة سواء من السلطات التنفيذية في المحافظة او من ابناء المحافظة انفسهم الذين غالباً مايقفون موقف المتفرج أمام تفشي هذا السلوك المشين، وخصوصاً في المناطق التي نشأت على انقاض المدن القديمة.
حيث يساعد مع الاسف ابناء هذه المناطق المهربين في اقتلاع الجذور التي تربطهم بالارض بل ويشتركون معهم احياناً في تهريبها مرتكبي جرم المتاجرة بماضي الوطن التاريخي والحضاري.
ولمزيد من الايضاح حول الاوضاع التي آلت اليه المواقع الاثرية في المحافظة والاسباب الحقيقية لغياب اي نشاط سياحي او استثماري، وعلى وجه الخصوص في مجال الخدمات السياحية يقول الاخ علي محمد كزمان مدير عام مكتب السياحة بمحافظة الجوف: للأسف الشديد المواقع التاريخية والاثرية في محافظة الجوف ظلت ومازالت تعاني من الإهمال والنهب، وهناك الكثير من عواصم الدولة المعينية ومراكزها المهمة التي اشتهرت بقصورها ومعابدها وأسوارها وأبراجها العالية وتحصيناتها المنيعة اصبحت خالية على عروشها، وتعرضت معظم آثارها ونقوشها وأحجارها المهندمة للنهب والسلب، ومازالت هناك أجزاء من تلك المعالم باقية حتى وقتنا الحاضر وتشهد على حالة الثراء والازدهار الذي بلغته تلك المدن في العهد القديم.
ويضيف كزمان بأن مدينتي السوداء والبيضاء الواقعة بمديرية المصلوب محافظة الجوف تعتبر من المدن العظيمة والغنية بالنقوش والمليئة بالآثار والمعالم التاريخية التي ما يزال جزء كبير منها مطموراً تحت الرمال.
وقال ان هاتين المدينتين تمتازان بفنهما المعماري الفريد ولهما أسوار وبوابات شيدت بأحجار مهندمة لكنهما تعرضتا للهدم ومازالت الايدي العابثة تحفر في داخل محيطهما الى هذه اللحظة وتشوه معالمهما وتسرق كنوزهما، ومعظم الآثار التي يتم تهريبها والمتاجرة بها تتسرب من المواقع الاثرية لمدينتي السوداء والبيضاء.
ونطالب جهات الاختصاص سرعة تسويرها وتعيين حراس لحمايتها من اعمال الحفر والنهب الذي تتعرض له بشكل مستمر.
أما بخصوص النشاط السياحي للمكتب فيقول الاخ كزمان: إن المكتب أعد الكثير من الخطط والبرامج لتنشيط واقع السياحة المتجمد في المحافظة لكنها جميعها لم ترَ النور.
ويضيف: إنه لم تعتمد للمكتب أية موازنة أسوة بالمكاتب الحكومية الاخرى رغم الرفع المتكرر لديوان الوزارة -الموازنة السنوية للفرع نهاية كل عام- وأطالب الاخ وزير السياحة بمواصلة اهتمامه بتنشيط السياحة في الجوف وتفعيل دور المكتب ودعم مهرجان قرناو الذي اقيم مرتين ثم توقف!؟
ويرى كزمان ان الاوضاع الامنية في المحافظة ليست عائقاً أمام النشاط السياحي والاستثماري، وما يردد حول ذلك مجرد اشاعات، فأبناء المحافظة يهمهم تدفق الاستثمارات ولن يسمحوا لكائن من كان ان يتعرض للنشاط الاستثماري.
ويتعشم كزمان من الرأسمال الوطني التوجه للإستثمار في المحافظة والاستفادة من المميزات الكثيرة والمغرية التي توفرها المحافظة للمستثمرين مع العلم انه لا يوجد فيها حتى الآن فندق واحد، ومن يأتيها لا يمكث الا بضع ساعات ثم يعود الى صنعاء او الى مارب.. متمنياً في الاخير من الاخ المحافظ ناجي صالح ثوابه أن يوجد الحراك التنموي والسياحي الذي انتظرته المحافظة طويلاً.