د. علوي عبدالله طاهر - من المعروف ان المرحلة التي تمر بها بلادنا في الوقت الراهن هي مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، والنظام المؤسسي، وهذه المرحلة تحتاج إلى قيادة فعالة، قادرة على مواجهة متطلبات المرحلة ومشكلاتها، مما يتطلب أن يكون قائد هذه المرحلة يمتلك قدراً من المهارات القيادية ليكون قادراً على القيام بمهامه في قيادة الدولة والمجتمع بفاعلية.
إن القيادة الفاعلة هي القادرة على تخفيض الضغط الهابط عليها من الخارج، والضغط الصاعد إليها من خلال العلاقة مع المجتمع، ولن يستطيع أي قائد تخفيف الضغط- صاعداً أو هابطاً- إلاّ إذا كان مدركاً تماماً لطبيعة الشيء الذي يقوم به، وإدراكه للكيفية التي سيعمل بها.
ولذلك فإن المرحلة المقبلة تحتاج إلى قائد محنك عركته الحياة وصقلته التجارب، ذلكم هو الرئيس القائد علي عبدالله صالح الذي أكد فيما مضى على تميزه في الأداء، لامتلاكه قدرات قيادية مكنته من النجاح في حكم اليمن.. منها:
- انه كان سبَّاقاً دائماً ومبادراً دوماً في تحمل المواقف الصعبة والتغلب على الأزمات، وهذه الخاصية ميزت الرئيس علي عبدالله صالح عن غيره من الرؤساء، وقد ظهرت آثار فاعلية هذه الخاصية في عدد من المواقف الصعبة، وفي كثير من الأزمات التي واجهتها بلادنا، فقد أكد في كثير من المواقف انه كان قادراً على القفز إلى النار لا الهروب منها، أي أنه كان سباقاً في التعاطي مع الأحداث الكبيرة، ومبادراً دوماً في معالجة الأزمات، ولم يكن قط متخاذلاً في أي موقف من المواقف الصعبة، كما لم يكن متردداً في اتخاذ القرارات الحكيمة في الأوقات المناسبة، وخير مثال على ذلك أنه تولى السلطة في أحلك الظروف وأصعبها، وفي وقت كانت فيه القيادة غرماً إن لم تكن مهلكة، فخرج صالح من بين صفوف الجماهير في عملية استباقية ليمسك بزمام القيادة بعد ان رأى غيره متردداً لايجرؤ على تحمل تبعاتها ويخشى عواقبها. قدرته على الهداية والإرشاد إلى الطريق الصحيح، فقد كان قادراً على تحديد أهداف كل مرحلة من المراحل التي مرت بها بلادنا، واستطاع أن يحدد- للمشتغلين بالعمل السياسي في مستهل عمله القيادي- ماهية الأهداف العامة التي تؤدي إلى ازدهار البلاد وتقدمها واستقرارها، فأرشدهم إلى صياغة الميثاق الوطني، الذي به حدد مهام المراحل المقبلة والثوابت الوطنية، وبحنكته القيادية لم يتعامل مع قادة العمل السياسي كمجموعة من الأشخاص غير القادرين على السير بمفردهم وإنما جعل كل واحد منهم يفكر جيداً بما يتوجب عليه ان يفعل، لأنه إن فعل ذلك ولَّد في نفوسهم نوعاً من الاتكالية، وحتى لايكون ذلك اطلق العنان لآفاقهم الفكرية وإبداعاتهم الذاتية، فشكل لجنة للحوار الوطني ثم أرشدها إلى الطريق الذي يجب أن تسلكه من غير ان يلزمها باتباع طريق بعينه، بل فتح أبواب القدرات الشخصية الإبداعية لكل شخص، فانعكس ذلك إيجاباً في صياغة الميثاق الوطني.
- قدرته على التخلص من المشكلات المستمرة، فهو لم يركز على الماضي السلبي بل عمل على تجنب تكراره والابتعاد عنه، فكان يرنو إلى مستقبل خالٍ من المشكلات، أي توافرت لديه النية لإزالة تلك المسامير من الأقدام ليستطيع المجتمع السير إلى الأمام دون منغصات، فسعى لتأمين الجبهة الداخلية واطفاء نيران الصدامات الحدودية التي كانت مشتعلة بين الشطرين، فقام بالتوقيع مع نظام عدن على بيان الكويت في مارس 1979م وقبل بالشروط التي وضعها الجنوبيون في محاولة منه لإزالة التوتر بين الشطرين، في الوقت الذي كان هناك في جماعته من يرفض تلك الاتفاقية.
- قدرته على إزالة الألغام من الطريق لضمان السير بأمان وثبات، فقام بتأمين السلطة وضبط الأمن وضمان الاستقرار وبناء الدولة في وقت كانت الأرضية مفخخة، والأجواء مضطربة، والأوضاع غير مستقرة، والتحديات كثيرة، والمخاطر متعددة، فقام بإعادة ترتيب أوضاع أجهزة الأمن والدفاع، بحيث تصير قادرة على القيام بمهامها المنوطة بها على أكمل وجه وأفضل صورة، فقام باختيار عناصر موثوق بها، وبولائها لقيادة أجهزة الأمن والدفاع، بحسب متطلبات كل مرحلة، وقام في الوقت نفسه بإبعاد العناصر المشكوك بولائها، خاصة بعد اجهاض محاولة الانقلاب التي جرت ضده في أكتوبر 1978م.
- قدرته على امتصاص التعارض والتصادم سواءً في الداخل أو الخارج، ففي الداخل استطاع ان يطرح اتجاهات بديلة عند كل نقطة خلاف، فقام بسد بعض الأبواب والاتجاهات التي رأى عدم جدوى المضي فيها، ومن ذلك ايقافه نزيف الدم الذي كان يعقب كل عملية انتقال للسلطة، فأوقف مسلسل العنف الذي كان مستمراً طوال المراحل السابقة، فأخذ بمنهج التسامح والعفو لغرض احتواء الخصوم السياسيين، وإيقاف الصراعات الداخلية، وتعزيز اللحمة الوطنية.. وخير مثال على ذلك قرار العفو العام الذي أصدره في حرب عام 1994م والذي استطاع به أن يطفئ نيران فتنة كادت تأكل الأخضر واليابس.
- قدرته على تهيئة الظروف الملائمة للعمل السياسي، وتقديم الوسائل الدافعة للتقدم والنمو، فقد استطاع ان يهيئ الظروف الملائمة للحوار بين الشطرين، وتوفير الوسائل الدافعة لتحقيق وحدة الشطرين، بعد حوارات ومباحثات جادة بأساليب ديمقراطية، استمرت أكثر من عشر سنوات، (1979-1989م) والتي توجت بإعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.. وإلى جانب هذا وذاك فقد عمل بإخلاص على توفير بيئة ملائمة للعمل السياسي، ففتح الأبواب على مصاريعها أمام التعددية السياسية، وحرية التعبير، وتشكيل الأحزاب، والانتخابات النيابية والمحلية ثم الرئاسية.
- قدرته على إدارة الأزمات، والسيطرة على الأحداث وتوجيهها، فقد استطاع بحنكته المعهودة أن يدير أزمة 1994م، على نحو أحرج فيه خصومه، ورضا أصدقائه بما كان يقدمه من تنازلات وما يمارسه من تغاضٍ عن كثير من التجاوزات طوال مراحل الأزمة، وعندما أخذت الأزمة في التصاعد وقربت ساعة الخطر كان لابد من حسم الموقف لصالح الوحدة والحفاظ عليها، فاستطاع الخروج من تلك الأزمة مؤكداً بذلك قدرته على إدارة الأزمات، ومعالجتها خطوة خطوة بحكمة وبصيرة.
- قدرته على فتح بعض الأبواب المنتقاة، واغلاق أبواب أخرى، فقد استطاع بمهارته المعهودة ان يفتح أبواب الحوار مع الدول المجاورة لليمن فيما يتعلق بالنزاعات الحدودية، إلى أن توصل معها إلى إبرام اتفاقيات تم بموجبها ترسيم الحدود البرية والبحرية، بما من شأنه تأمين البلاد من اي خطر خارجي، واستطاع في الوقت ذاته سد ابواب النزاعات والحروب، وخير مثال على ذلك، موقفه من أزمة جزر حنيش التي كان يراد بها جر اليمن الى حروب متصلة، فاستطاع بذكاء أن يسد أبواب الحرب.، وذلك بلجوئه الى التحكيم الذي اعطى لكل ذي حق حقه.. فهو في معالجته لهذه الأزمة لم يسر في ممر ضيق يوصله الى المجهول، بل مضى بحركة بطيئة مدروسة يزن فيها كل خطوة بخطوها وصولاً الى غايته المنشودة.
- قدرته على النظر برؤية ثاقبة للمستقبل، وتعامله مع المتغيرات الدولية بموضوعية، حيث كان مدركاً خطورة الوضع الاقتصادي، وما وصلت اليه العملة من تدنًّ، فوجه الحكومة باتخاذ خطوات ايجابية للاصلاح الاقتصادي والمالي، فاستفاد من العلاقات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بما شأنه ايقاف حدة تدهور العملة، وتخفيض العجز بالميزانية العامة، وتثبيت سعر الصرف، واستكمال بعض المشاريع التنموية.
- امتلاكه رؤية واضحة واهدافاً محددة، اذ لم تكن رؤيته للأمور مشوشة، كما لم تكن أهدافه غامضة، لقد آمن بمبادئ الثورة الستة، وناضل من أجل تجسيدها على الواقع، وآمن بضرورة الوحدة وعمل جاهداً لتحقيقها، وآمن بالديمقراطية وبذل ما في وسعه لارساء قواعدها.. وآمن بتحديث اليمن وتطويرها، فصار يبذل ما في وسعه لايجاد تنمية مستديمة، وآمن بالوحدة العربية والتضامن العربي، فانتهج سياسة متوازنة وواقعية تراعي كل المتغيرات والظروف.. وآمن بالتضامن الاسلامي، فانتهج سياسة خارجية تؤكد على هذا التضامن، وهو في كل الحالات كان ومايزال داعية سلام وتضامن بين الشعوب.
- تحليه بالصدق والوفاء للشعب والوطن، اذ لم يقل قولاً الاّ وهو متأكد من صحة معلوماته، ولم يدلِ بتصريح الاّ اذا كان واثقاً من صوابه، ولم يعطِ وعداً الاّ أوفى به، ولم يبرم اتفاقية الاّ كان أول من يلتزم ببنودها، وكثيراً ما كان يقدم التنازلات في بعض القضايا وصولاً الى اتفاق يرضى عنه الطرف الآخر ولو كان ضد قناعاته، ويظل ملتزماً بما تم الاتفاق عليه الاّ اذا خرقه الطرف الآخر.. وخير مثال على ذلك اتفاقيات ترسيم الحدود مع جيران اليمن.
- صبره وحلمه في التعامل مع الخصوم، فقد كان يتخذ الحوار وسيلة للاقناع وفض النزاعات وانهاء الخلافات، وتقريب وجهات النظر، فقد استطاع التعامل مع ظاهرة العنف التي عمت العالم في اعقاب احداث سبتمبر ١٠٠٢م، باتباع نهج الحوار مع المتطرفين، مما ادى الى تخليهم عن مفاهيمهم الخاطئة والعودة الى جادة الصواب، في حين اتخذت بعض الدول اسلوب المواجهة الذي كانت له آثار سلبية وخطيرة.. الى جانب قدرته على تحمل تبعات الحوار ونتائجه، إذ كثيراً ما كان يتعرض للشتم والسب والتجريح من قبل الخصوم السياسيين، ولكنه يظل صابراً وحليماً، فلم يتصرف بردود افعال، بل يترك الحوار يمضي الى نهايته بصرف النظر عن قناعاته بمجريات الحوار ونتائجه، وخير مثال تلك الحوارات التي سبقت أزمة ٤٩م.
- رغبته في بناء قيادات جديدة، وعمله الدؤوب في تهيئة الظروف المناسبة للتجديد والتغيير، وبناء الدولة الحديثة، والتخفيف من السلطة المركزية، وتفعيل السلطة المحلية.
- اثبت نجاحه في قيادته للأزمات في أحلك الظروف وأصعبها، وخروجه ظافراً في معظم الحالات، ويرجع ذلك الى كون لديه الاستعداد التام والكامل للتضحية في سبيل المحافظة على الثوابت الوطنية، ومكتسبات الثورة، الى جانب ما يتميز به من نشاط عالٍ، وجدية في التعاطي مع القضايا، وحرص دائم على انجاز الاعمال وتنفيذ الخطط والبرامج، والمتابعة المستمرة لنشاط اجهزة الدولة المختلفة، وشجاعته المعهودة في اتخاذ القرارت اللازمة في الظروف الصعبة، وسعيه الدؤوب لبناء القوات المسلحة والأمن.
ما المطلوب الآن لمواجهة التحديات المقبلة؟
> لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة مطلوب من الرئيس القيام بجملة من الاجراءات على وجه السرعة، مثل:
- اعادة ترتيب اجهزة الدولة بما يسمح بتوفير الفرص المتكافئة لأصحاب الخبرات والكفاءات لاحتلال مواقع متقدمة في الجهاز الاداري للدولة، وازالة الغبن عن الكفاءة والخبرة المهمَّشة.. ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب.
وهو ما أشار اليه في برنامجه الانتخابي لعام ٦٠٠٢م، حين التزم بتطوير البناء الهيكلي والمؤسسي للجهاز الاداري للدولة بما يعزز التفاعل الكامل بين مؤسسات الدولة، ووحداتها الادارية، والغاء مظاهر الازدواج الوظيفي والاداري، والتزامه كذلك بمواصلة بناء القدرات المؤسسية في الجهاز الاداري.. وتدوير الوظيفة العامة في المراكز القيادية والالتزام بمعايير الكفاءة والنزاهة في اختيار الموظف العام.»ص٠١«
- مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ومعاقبتهم، والتأكيد على الاقرار بالذمة المالية لكل القيادات، وهو ما التزم بتحقيقه في المرحلة القادمة، والمنصوص عليه ببرنامجه الانتخابي لعام ٦٠٠٢م، حين اكد ان مكافحة الفساد خيار ثابت ومسار لا يتوقف، والتزم بمواصلة جهود مكافحة الفساد المالي والاداري من خلال تطوير سياسات وآليات مكافحته بتطبيق قانون الذمة المالية، واصدار قانون مكافحة الفساد، وانشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد المالي والاداري.
وكذا تفعيل اجهزة الرقابة والمحاسبة، وحماية المال العام وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وتفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، واصدار التشريع اللازم الذي يكفل ان تكون تبعيته لرئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية، وبحيث يقوم بموافاتهما بكافة تقاريره الخاصة بالرقابة عن سير الأداء المالي والاداري في كافة الاجهزة والمؤسسات الحكومية، وبما يكفل الحفاظ على المال العام.»ص٨١-٩١«
- الحد من البطالة ومكافحة الفقر، وتوسيع شبكة الامان الاجتماعي، وهو ما التزم به في برنامجه الانتخابي لعام ٦٠٠٢م، حين تعهد بتبني برامج لمحاربة البطالة والفقر وتوفير فرص عمل للشباب والقادرين، من خلال اتباع جملة من الاجراءات، كاستقطاب وتشجيع الاستثمارات الوطنية والاجنبية المشغلة للعمالة في كافة مناحي الاقتصاد الوطني، وكذا تأسيس برامج للاشغال الكثيفة لتوفير فرص عمل في كافة محافظات الجمهورية، الى جانب مواصلة الاهتمام بالفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود ورعايتهم وتحسين احوالهم المعيشية والاجتماعية والارتقاء بحياتهم الى مستوى افضل.. وكذا توسيع برامج الاقراض الاصغر، وانشاء بنوك للتمويل الأصغر، وتشجيع البنك على اقراض صغار المستثمرين، وتطوير وتحسين خدمات الاعمال للمنشآت الصغيرة والاصغر، وأهم من ذلك التزامه بإنشاء وحدات سكنية لمحدودي الدخل، وغيرها من المشروعات التي من شأنها تحسين معيشة ذوي الدخل المحدود.
* جامعة عدن
|