د- سعاد سالم السبع -
مثل كل المتخرجين من الجامعات؛ احتفل بتخرجه من الجامعة لبس الفل، وارتدى بدلة التخرج، والقبعة الإنجليزية ، واستمتع بدورة استعراض شبابية غير قصيرة أمام زملائه،وأساتذته ، وبقية الناس المتواجدين في طريقه، ارتفعت زغاريد إناث الأسرة فرحة باجتيازه التعليم الجامعي وحصوله على شهادة تؤهله للوظيفة المنتظرة ، هذا يومه هو لا بد أن يشعر بالزهو لأنه خرج من عنق الزجاجة ، وأصبح جاهزا للانطلاق وتحمل المسئولية العملية..، تنفست الأسرة الصعداء على أمل أن يستقل بنفسه ويعوض الأسرة عن بعض ما عانته من متاعب تعليمه، أصبح عليه أن يستثمر قدراته القرائية في تتبع الإعلانات عن الوظائف الشاغرة في أي قطاع (عام -مختلط -خاص ) لا يهم ، المهم أن يبدأ الحياة العملية ، هناك خطوة مهمة يجب أن يقدم عليها وهي تجهيز ملفه . يفكر في ماضيه ومستقبله ماذا يضع في هذا الملف ؟ قد يكون مفيدا أن يضع فيه كل شهاداته من أول ابتدائي وحتى نهاية الجامعة؟ سيصبح الملف عامرا بالشهادات لكن هل سيرضي أرباب العمل؟ .. يحدق في الإعلان ليجد أهم شرط للحصول على الوظيفة وجود شهادة خبرة سابقة في الوظيفة … ويتوقف : إنها ورطة حقيقية .. من أين له خبرة سابقة وهو لم يلتحق بالعمل بعد؟ وهنا يبدأ المتخرج رحلة البحث عن مخرج من ورطة الخبرة السابقة .. كثير من الشباب يصابون بخيبة الأمل ، ويصرفون النظر عن التقدم للوظائف التي تشترط خبرة سابقة حتى وإن كانوا من المبدعين المتميزين في تعليمهم،وبخاصة إذا كانوا من الجادين المتوقعين صدق الإعلانات.. وبعضهم يلجأ إلى وسائل غير شريفة للحصول على أوراق تثبت أن لديهم خبرات سابقة، وبعضهم يشمر ساعديه وساقيه وجيوب أهله الذكور والإناث لاستئجار واسطة قوية تتوسط له حتى يلتحق بالوظيفة، وبعضهم يجري عملية استطلاع عن الموظفين السابقين في المؤسسة المقصودة بالوظيفة حتى يجد منفذا لاختراقهم فيدفع مبلغا قد يكون أكبر من ديته لشراء الوظيفة ، وما على القابضين إلا تجهيز الأوراق والمحاضر والمبررات القانونية لقبول الزبون في الوظيفة المحددة ، والتي لا يستطيع اختراقها أي قانوني من أنصار محاربي الفساد…
لو علم أرباب العمل كم يسهمون في تحطيم الشباب حينما يضعون شروطا غير واقعية للوظائف الشاغرة!! لو أنهم يدركون أنهم حينما يرغمون الشباب على إحضار شهادات خبرة سابقة يدفعونهم إلى الانحراف من أول خطوة في الحياة العملية، ويتيحون للمفسدين أن يتاجروا بمستقبل الشباب ومستقبل الإنتاج والتنمية المجتمعية برمتها…
شيء غريب وغير واقعي نجده في إعلانات الوظائف على وسائل الإعلام ؟ ومن أغرب ما قرأت من هذه الإعلانات أن صاحب ورشة سيارات في اليمن طلب شابا للعمل (سمكريا) وكان من أهم الشروط إضافة للخبرة السابقة أن يجيد اللغة الإنجليزية كتابة ونطقا…هل سيعمل في واشنطن أم في صنعاء؟ لا أدري .. أصبحت أشك أن تلك الإعلانات تم وضعها فقط لإسقاط مسئولية تكافؤ الفرص أمام الدولة، لأننا حينما نتتبع شاغلي الوظائف المعلن عنها فيما بعد نجد أنه لا يتوفر فيهم أي شرط من الشروط المطلوبة سوى الوساطة القوية، أو امتلاك المال-والمال في بلادنا (يأتي بالجن مربطين )كما يقول المثل الشعبي- لماذا لا يفكر أرباب العمل في آليات عملية لتجريب قدرات الشباب في الإنتاج؟!! ألا يكفي أن يحدد رب العمل مهام الوظيفة للمتقدم ويحاسبه في ضوء تنفيذ هذه المهام؟ ويمكن أن يضع شروطا لجودة الأداء بحيث يقدر أجر المتقدم في ضوء جودة أدائه؟ أليس مثل هذا الإجراء يعد دافعا قويا لإبداع الشباب؟!!
ويمكن الاستعاضة عن شرط الخبرة السابقة باختبار القدرات في الوظيفة المحددة ، لو أن المؤسسات والشركات شكلت لجنة لاختبار المتقدمين للوظائف وأجرت المفاضلة على أساس القدرات لأسهمت كثيرا في تنمية مواردها، وأيضا في القضاء على بطالة الشباب ، ولضمنت لمؤسساتها كوادر بشرية قادرة على التميز في الإنتاج، واختبار القدرات هو نظام أساسي في كل البلدان المتقدمة حتى عند التقدم للجامعات لا يكتفون بالشهادة الثانوية بل يضعون للطلبة اختبارات قبول تكشف قدرات المتقدمين لكل تخصص دراسي، أتمنى أن نمارس هذا النظام في مؤسسات الإنتاج وفي تعليمنا الجامعي في كل الكليات ، وبخاصة ونحن أحوج ما نكون إليه في هذا العصر لما يحدث من غش وتدليس في التعليم الثانوي، فقد يحصل الطالب على 90% في الثانوية وهو لا يجيد حتى كتابة جملة عربية بالصورة الصحيحة ، وهو في بلد مازالت اللغة العربية هي لغته الرسمية ولغة الدراسة في كل المراحل ، ،وكم من الشباب يملكون قدرات حقيقية ولكنهم يفتقدون الأوراق التي تشهد بهذه القدرات، وكم من الشباب الذين تكتض ملفاتهم بالشهادات الملونة، والتوصيات ثقيلة الوزن، وحينما يمارسون العمل لا يفقهون شيئا فيه، فيكبدون المؤسسة خسائر مادية ومعنوية تمتد لسنوات … فهل يسهم أرباب العمل في إخراج الشباب من ورطة الخبرة السابقة؟!!
[email protected]
كلية التربية –جامعة صنعاء