طه العامري -
منذ بزغت فجر التحولات وفخامة الأخ علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية -حفظه الله- يشدد على الديمقراطية وأهمية التمسك بخيارها وتكريس قيمها كثقافة اجتماعية وسلوكية وقناعة وطنية رافضاً فكرة التراجع عنها أو الانتقاص من قيمها، ولم يصدر عن فخامته ما يوحي بإمكانية التراجع عن الخيار الديمقراطي أو الانتقاص منه أو من أي من القيم المرادفة له، وحين راح البعض يطرح أفكاراً تنتقص من خيار الديمقراطية كان فخامته يقول جازماً إن معالجة أزمات الديمقراطية هي بمزيد من الديمقراطية ولأنه حريص على المسار الديمقراطي وقيمه وثقافته، استطاع فخامته أن يجنبنا والوطن أصعب المنعطفات والتصدي لأخطر الأزمات وليس هناك أكثر من (الحروب الارتدادية) التي شنت ضد الوطن والمسار والتحولات والمسيرة والقيادة، ومع كل هذا لم يمس الخيار الديمقراطي بل عزز بمزيد من الديمقراطية وبمزيد من الاستحقاقات الديمقراطية وكذا المزيد من الحريات السياسية والإعلامية فتكاثرت المنابر الإعلامية ووسائلها وأدواتها، كما برزت الكثير من المخرجات الديمقراطية والسلوكيات التي راحت تصنف نفسها بالديمقراطية رغم أنها غير ذلك ومع هذا ظل الخيار الديمقراطي هو الثابت الوطني الاستراتيجي الدائم والمتطور والمتجدد والذي لا يمكن أن يكون عرضة للمساومة والانتقاص والتقليل أو التهميش، كما لا يمكن للخيار الديمقراطي أن يكون وسيلة للمناورة والتقليل والتهميش أو أن يصبح سيفاً مسلطاً على السكينة الاجتماعية والوحدة الوطنية وعلى التحولات والمنجزات التي توصل إليها شعبنا والذي يرى في الخيار الديمقراطي ثابتاً وطنياً راسخاً ودائماً ورديفاً أساسياً لكل التحولات الحضارية التي يعيشها شعبنا الأرض والإنسان.
وحين يتحدث فخامة الأخ الرئيس عن الديمقراطية أو يتناول المسميات الحزبية بقدر من النقد الموضوعي على خلفية مواقفها وسلوكها وطريقة تعاطيها مع الاستحقاقات الديمقراطية، فإن فخامته حين يضطر لتناول هذه المسميات فإنه يعي ما يطرح ويدرك رد فعلها والطريقة التي قد تلجأ إليها هذه المسميات في سياق رد فعلها على طروحات فخامة الرئىس، لذلك يتعاطى فخامته مع الخروقات الديمقراطية التي تمارس من قبل البعض ولدوافع غير ديمقراطية بل في الغالب تمارس هذه الفعاليات في مواقفها وخطابها وسلوكها ما يناقض ويناهض الديمقراطية وقيمها ونواميسها المنظمة لكل ما يتصل بهذا الخيار الذي لم يأخذ به شعبنا ولا قيادتنا لكي يكون وسيلة للهدم بل هو قاعدة أساسية راسخة نشيد عليها مجدنا الحضاري الوطني وجدارنا التنموي الذي هو غايتنا من كل هذا الحراك الحضاري الذي يحاول بعضنا دفعه إلى دروب وعرة ومسارات متعرجة تبعدنا عن المراسي الآمنة والأهداف المرجوة التي نحاول الوصول إليها عبر الديمقراطية بعد أن قررنا الاحتكام للديمقراطية وأدواتها كوسيلة حضارية تخرجنا من شرنقة العبث السياسي وظواهره المدمرة لكل الروابط الوطنية والاجتماعية..
بيد أن الحديث عن المقاطعة والتصدي والتشكيك بكل التوجهات الديمقراطية الوطنية، وهو الحديث الذي يكاد يكون هو الطاغي على المسرح السياسي الوطني والذي لا يمكن أن يكون غير حق ديمقراطي لكل من يرغب أن يقاطع الاستحقاقات الانتخابية القادمة وهذا ما أكده فخامة الأخ الرئىس في حواره مع القناة الفضائية المصرية يوم أمس الأول ولكن من يقرر المقاطعة هو الخاسر هذا في المجتمعات الديمقراطية الواعية والمستوعبة لقيم وقوانين وشروط الحياة الديمقراطية، لكن في مجتمعنا قطعاً سيكون الطرف المقاطع هو الخاسر ولكن بالمقابل سوف تطال هذه الخسارة الجميع لأن تبعات النزق الذي يقوم به البعض ويمارسه تنعكس على الجميع لأن من سوف يلجأ للمقاطعة لن يكون حضارياً في مقاطعته ولكنه سيمارس ذات السلوك المعتاد عليه في الشكوى والبكاء والتهويل وتضخيم الظواهر والتشكيك حتى بجدلية الليل والنهار في المسار الوطني وهذا يجعلنا والوطن في دائرة الخسارة ونظل ندفع ثمن نزق هؤلاء إن شاركوا وإن قاطعوا على خلفية فهم هؤلاء للديمقراطية وهو فهم قاصر لا يرتقي لمستوى الخطاب الواعي والإدراك بقيم الديمقراطية وقوانينها وشروط ممارستها..
فواقعنا ومسارنا الديمقراطي يمتازان بظواهر استثنائية مركبة وفي حال معارضتنا فإن إقدامها على المقاطعة هو فعل ديمقراطي ناضج ولكن لدى من يوظف خيار المقاطعة بدافع من رد فعل موضوعي يتصل بتعزيز هذا الخيار ونواميسه وعلى قاعدة الوعي بشروطه والإلمام بقوانينه، وليس بدافع الرغبة في المساومة والاستقواء ولي الأذرع والبحث عن مكاسب يدرك هؤلاء أن من الصعوبة بمكان التوصل إليها عبر الوسائل الديمقراطية ومن خلال المشاركة الفعلية في الاستحقاقات الديمقراطية، خاصة والفعاليات المعنية هي من عودتنا على مثل هذه السلوكيات والمواقف وهي من اعتادت الذهاب بعيداً عن الإجماع الوطني وعن رغبات الشعب كما اعتادت السير بالديمقراطية في طريق غير الطريق الديمقراطي وهذا يجعلنا نجزم أن من سيقرر اليوم المقاطعة ويبتعد عن المسرح الديمقراطي هو من سيأتي غداً ليمن ويزن ويشكو ويحرض ويتهم الآخر بالسيطرة على المشهد وامتلاكه.. فإذا ما قلت أين كنت أنت سيكون الجواب بكل بساطة أن الحاكم لا يريد أحد..؟ وأن النظام مهيمن والسلطة مصادرة والوطن والشعب..؟ فالشعب يتحول بخطاب هؤلاء إن قاطعوا مجرد (قطيع لا يفقه) ومن ثم سنجد أنفسنا أمام مرحلة مساومة بحثاً عن تقاسم وشراكة مع أن الشراكة قائمة من خلال الحراك الديمقراطي والمشاركة الديمقراطية هي الشراكة وهي المعبرة عن الهوية والانتماء ومن خلال العملية الديمقراطية متاح لكل مسمى سياسي وطني أن يضع نفسه حيث يثق الناس به، لكن كل هذه المفاهيم لا يستحضرها دعاة المقاطعة الذين يعلنون اليوم المقاطعة وغداً سوف تبدأ رحلة النواح والتباكي والشكوى من التهميش والإقصاء، ومن ثم علينا خوض مرحلة جدلية كل ما يهمنا فيها هو إرضاء هؤلاء المقاطعين وكأننا في (دار حضانة) ونتعامل مع أطفال غير مدركين لكل ما يدور حولهم..؟؟
أقول هذا لأن الذين سبق لهم وقاطعوا في الماضي القريب عادوا لاحقاً ليجعلوا من تلك المقاطعة ذنباً يعاقبوننا عليه وكأننا نحن من أمرهم بالمقاطعة وليس هم من اتخذ ذلك القرار ثم عادوا يبحثون عن الشراكة والتقاسم والحصص، أي أن أصحاب خيار المقاطعة وإن كان لقرارهم ما يبرره إلا أنهم يعودون لاحقاً ويسعون للحصول على مميزات ومكاسب لم يكونوا ليتحصلوا عليها لو شاركوا في العملية الديمقراطية وفي الغالب يضطر الوطن بكل مكوناته للتفاهم مع هؤلاء على خلفية صخبهم ورغبة في إرضائهم حتى لا يصبحوا أبواق كيد وصناع أزمات تربك الوطن والمسار فيضطر من هم في الحكم إلى حوار هؤلاء تحت ضغط أساليبهم الكيدية ونزقهم المدمر لكل شيء جميل.. فهل يعيد هؤلاء النظر بمواقفهم قبل فوات الأوان ويكفينا والوطن ما قد لحقنا من سياستهم..؟ هذا ما نأمل ونتمنى.
الثورة