استطلاع: فيصل الحزمي - الدعوة أو ما يمكن أن نسميه هنا بالصيحة -التي تطالب بتحرير وتحريم العمل الحزبي على العلماء والخطباء الذين لهم انتماءات حزبية- لا يمكن لها ان تجد صدى دون أن يكون هناك التفاف مسئول وايجابي للمعنيين برسالة المسجد.
دعوة بل وصيحة طالب من خلالها عدد من العلماء -الذين تواصل »الميثاق« محاورتهم حول قضية تحييد المسجد عن النزاعات والتجاذبات السياسية والحزبية- جعلتهم يصرحون بوضوح بأهمية عقد مؤتمر وطني يضع الأسس والقواعد المنطقية لرسالة المسجد واصدار قانون يحرم الممارسة الحزبية في المساجد.
تطلعات كبيرة تحتمها معاناة المجتمع جراء التعصبات الحزبية في المساجد وجراء افرازاتها الخطيرة التي هددت ثقافة الوسطية والاعتدال وتحاول جر الجميع الى أتون التعصب.. »الميثاق« تعرض لأبرز هذه المطالب التي عبر عنها علماء أجلاء في اطار الاستطلاع التالي:
< بداية الحلقة »الثالثة« من الاستطلاع التالي كانت مع الشيخ أبوبكر المشهور والذي قال: يجب اعادة النظر في مخرجات المسجد نفسه من حيث وظيفته ومن حيث تدريب الإمام والخطيب وإعطاء المسجد موقعه السديد في معرفة خطورة التعصب بعمومه سواءً أكان تعصباً مذهبياً أو طائفياً أو حزبياً، كون التعصب بكل أشكاله وانواعه علة من العلل التي تصيب الأمم بل وتصيب المسلمين بالخصوص إذا أدخلوا هذه العلة على أي معنى من المعاني الى موقع العبادة والطاعة واجتماع الكلمة وللحفاظ على قدسية رسالة المسجد فإن المسألة بحاجة الى دورات تدريبية مكثفة للخطباء وأئمة المساجد والدعاة والمعلمين والمدرسين الذين يؤدون دور تحفيظ القرآن لتعريفهم على وظيفة المسجد في كافة مراحل التحولات والتغيرات، وأن دور المسجد هو التوازن مع الجميع وليس لمجرد المجاملة ولكن لإيجاد الفكرة الحاملة لمنهج الوسطية والاعتدال في الطرح والمعالجة وبناء الشعوب وربط الانسان بالله تعالى وبالدين وبالمجتمع وبالتنمية وبكل ما يتعلق بشأن بناء الانسان في الحياة بعيداً عن التعصب الذاتي والديني والطائفي والعرقي والقبلي والسياسي.
قدسية المساجد
واضاف: هذه التعصبات التي دخلت على الأمة المحمدية وعلى الاسلام بعمومه كفكرة غازية أو ما نسميها بجزء من الثقافة الغازية التي غزاها الطبع العربي والطبع المحلي نتيجة لعدم التوجيه الكامل في معرفة رسالة المسجد ووضعها في القدسية ليس من باب الاحترام الديني فحسب ولكن من باب التعامل الصحيح من خلال مبادئ الاسلام في معرفة وظيفة المسجد لإصلاح المجتمع المتنافر والآراء المختلفة.
وقال: واعتقد أن بالإمكان أن نحافظ على قدسية المساجد من الانتهاكات والتعصبات بعمومها من خلال رفع مستوى الأئمة والخطباء والمتكلمين والقائمين على وظائفها اضافة الى توظيف الدورات والندوات التي نأمل أن يكون هناك من يتبناها ويحتضنها من خلال علماء ودعاة ومحاضرين، وأن تدخل فكرة المعرفة العلمية الشرعية الوسطية في الاعتدال والتوسط الشرعي الى داخل المعاهد العلمية الشرعية التي تخرج الخطباء وأئمة المساجد مثل معهد القضاء، بل حتى تدخل الى المناهج التعليمية والى المدارس والجامعات ومناهج الدورات التدريبية.
رؤية سلبية
وعلَّق مشهور على الدعوة التي أطلقها عدد من أصحاب الفضيلة العلماء ومطالبتهم بتحريم العمل الحزبي على الخطباء بقوله إن هذه الفكرة التي وضعها العلماء انما جاءت بعد معاناة شاهدوا فيها ان المسجد انعكس دوره من جمع الكلمة والبناء ودور المشاركة في تنمية الانسان قبل تنمية الأرض والموارد الى مساجد أعطت وللأسف رؤية سلبية في علاقة الانسان بالانسان وعلاقة المسلم بالمسلم وعلاقة المجتمع بالدين وعلاقة الدين بالمجتمع.. فكانت لهم هذه الصيحة وهذه الدعوة التي أطلقوها لأجل تحريم العمل الحزبي على أولئك العلماء والخطباء الذين لهم انتماءات وفكرات تكتل.. وأنا لا أقول تحريم العمل الحزبي بل تحرير العمل الحزبي منهم.. وعندما يرتقي صاحب هذا العمل الحزبي الى الوعي ومعرفة أن الفكرة الحزبية هي مجرد وسيلة وعملية ذات اعتبار مرحلي وان للمسجد اعتباراً دائماً ومستمراً مرتبطاً بالله وبرسوله وبالدين والأمة، وأن موقعه في المسجد غاية، وعندما يرتقي الى هذا المستوى فإنه لا إشكال في القضية الحزبية.
داعياً الى تعميم القانون الذي حظر الحزبية على الجندي والسياسي والقاضي لحساسية مواقعهم العملية ليطال الخطيب والداعية وإمام المسجد كون المساجد اعظم حساسية ولا يليق أن تكون مصدر صراع ونزاع.
لا يهمهم وحدة الصف
من جانبه أوضح الشيخ عبدالحميد الطيب مدير التوجيه والارشاد بمحافظة تعز أن الاسلام يطلق كلمة المسجد على مكان العبادة لله عز وجل، قال تعالى: »وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً« والمسجد ساحة للتربية ومدرسة للتعليم والتوجيه وعيادة لتطهير القلوب وتقييم السلوك وترويض النفس على فضائل الاعمال.. والحفاظ على قدسية المسجد ورسالته يتمثل بالكلمة الواعية.
مشيراً الى أن الخطيب يتحمل المسئولية أمام الله وأمام الناس ودوره أن يبني قلوب الأجيال على تقوى من الله ورضوانه وعلى هدي رسول الله »صلى الله عليه وسلم« الذي علمنا ما علمه الله.. إنه علمنا الحق والخير والفضيلة قال تعالى: »وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل اليهم«، فكان »صلى الله عليه وسلم« معلماً ومربياً في قوله وفعله وسلوكه، وهكذا ينبغي أن يكون الخطيب فلا يطرق باب المسائل الخلافية ولا الايحاءات الحزبية التي تمزق جسد الأمة.
وأضاف: فمهام خطيب المسجد أن يبين للناس قول الله وسنة رسوله »صلى الله عليه وسلم«، ولكن من المؤسف أن بعض الخطباء لا يهمه وحدة الصف وجمع الكلمة وإنما يهمه حزبه فيعتلي المنبر وكأنه نذير سوء لا يعجبه الوضع ولا المجتمع كما أن بعضهم يبدع ويكفر ويفسق.
منوهاً الى أن مثل هؤلاء الخطباء يضرون ولا ينفعون ولا يستطيعون تشخيص الداء، واذا وصفوا دواءً فإنه قد يكون أسوأ من الداء..وأنا مع الدعوة الى حظر الحزبية على الخطباء والدعاة.. مشيداً بدور وزارة الأوقاف ممثلة بالقاضي العلامة حمود الهتار الذي له وجهة نظر في تقييم الخطباء بما يضمن الحفاظ على قدسية المسجد ورسالته.
دور الخطيب
د.عبدالعزيز عبدالمجيد أستاذ تفسير القرآن وعلومه بالمعهد العالي للتوجيه والارشاد بمحافظة عدن، قال: للمسجد قدسيته من خلال الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم نحو المسجد، لأنها بيوت الله، وعلى القائمين بهذا الأمر نشر الوسطية والاعتدال والدعوة بالتي هي أحسن كما أمر الله عز وجل نبيه »صلى الله عليه وسلم« بقوله: »ادعُ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة«، كما يجب على إمام المسجد والخطيب التفاعل مع مشكلات المجتمع، يناقش ويحلل ويشارك الناس أفراحهم وأحزانهم دون أن يخوض في فكر معين وباتجاه معين يؤدي الى فرقة المسلمين ويشيع الخلاف بينهم ويترتب على ذلك الصراعات والاختلافات والانقسامات التي نهى عنها الاسلام لقوله تعالى: »واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا«.
منوهاً الى أن للخطيب دوراً مهماً في التفاف الناس حول المنهج الصحيح للاسلام، ومعرفة ما يهدف اليه من خلال الرسالة المعهودة اليه.. ودور وزارة الاوقاف أمر ملحوظ فهي تجتمع بهم وتوجههم نحو هذا العمل.. كما أن هناك ملحقاً دينياً في صحيفة »الثورة« يصدر يوم الجمعة يعالج هذه القضايا.. داعياً كافة الخطباء والدعاة الى الابتعاد عن الحزبية لأن دورهم يتطلب ذلك وليس بحاجة الى قرار.
مهمة عظيمة
ونوه الشيخ أسامة احمد علي مدير أوقاف سيئون الى ما تحظى به المساجد من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين وهي بيوت الله في الارض وأحب الأماكن اليه تعالى كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: »أحب البلاد إلى الله المساجد وأبغض البلاد إلى الله أسواقها« رواه مسلم.
لذلك أول ما حرص عليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى المدينة هو بناء المسجد، فهو مكان لأداء الصلوات وتهذيب النفوس وهو دار للقضاء والإفتاء والدعوات والارشاد تحت مظلة الدولة وحاكمها.
مشيراً الى أن الحفاظ على قدسية المسجد ورسالته مهمة عظيمة وضرورة مهمة تتمثل في عدم إلقاء الخطب والمحاضرات التي تثير الفتن بين المسلمين من حيث التعصب الطائفي او المذهبي.
وأضاف: يجب أن تجنب المساجد من الدعوات الرخيصة التي تهدف الى جهة أو تيار.. ولن يتحقق هذا إلا بتضافر جهود الجميع سواءً أكانت من قِبل الدولة ممثلة بوزارة الاوقاف والارشاد او العلماء والناصحين.
وأنا مع الدعوات التي اطلقها اصحاب الفضيلة العلماء وأساند كل رأي يدعو الى حظر الحزبية على الخطباء والدعاة لكي تكون بيوت الله منابر تدعو لمنهج الله ورسوله، وكذا العلماء لابد أن يبتعدوا عن الحزبية وأن يكونوا للأمة جمعاء.
رسالة تحزُّب
ويرى الشيخ ابوبكر بن أحمد الهدار -مدير عام الأربطة الاسلامية- ان رسالة المسجد هي رسالة المحبة والسلام الجامعة لشتات الناس، وعلى الخطيب والداعية الابتعاد عن الحزبية الضيقة لأن منهجه الذي يدعو اليه ويتبناه يجب أن يخدم الأمة جمعاء بغض النظر عن مسمياتهم وانتماءاتهم.
مشيراً الى ان الدعوة التي أطلقها اصحاب الفضيلة العلماء ومطالبتهم بتحريم العمل الحزبي على الخطباء وأئمة المساجد والدعاة جاءت بعد أن رأوا وشاهدوا بأم أعينهم الكثير من السلبيات لدى بعض الخطباء والدعاة وتعصباتهم الحزبية في منابر بيوت الله حتى شوهوا رسالة المسجد وحولوها من رسالة العدل والوسطية التي تجمع ولا تفرق الى رسالة الجماعة والفئة والمذهب التي تفرق الاخوة والأمة الواحدة، وجعلوا منها رسالة تحزب وجماعات.. فأجمعوا على أن الأفضل والأنفع لمعالجة مشاكل الأمة يكمن في تحييد المساجد والنأي بها وبخطبائها عن الحزبية.. منوهاً الى أن دعوة العلماء تعكس خطر تسييس المساجد لمآرب ضيقة ومصالح دنيوية.
ودعا أئمة وخطباء المساجد والدعاة الى الترفع والتعالي عن هذا الأمر الضيق وأن ينفتحوا ولا ينغلقوا على أنفسهم وأن يكونوا لكل الناس ولمختلف الشرائح والجماعات وأن يجلسوا مع كل الفئات ويخاطبوا كل التيارات.
|