نجلاء ناجي البعداني -
من المفارقات العجيبة في عالمنا العربي الكبير أن 47% هي نسبة العرب الذين يؤمنون بمشاركة المرأة في الحياة السياسية .. بحسب برنامج (القوة العاشرة) التي تذيعه قناة (mbc) الفضائية .. هذه النسبة المرتفعة المؤيدة للمرأة تقابلها 26 % لازالوا على موقفهم الرافض لمشاركة المرأة ومع ذلك يبقى حظ المرأة في الواقع العملي لا يتناسب أبداً مع النسبة الكبيرة التي تؤيد مشاركتها وتدعم حضورها وتبقى الغلبة لنسبة الرافضين لها مهما قلوا .. وربما يرجع السبب في هذه المقارنة العجيبة أن المؤيدين للمرأة والداعمين لها إنما يدعمونها ويؤيدونها بقلوبهم فقط بينما سيوفهم أقصد مواقفهم ضد المرأة وتعاملهم مغاير تماماً لما في قلوبهم وإلا لما كان وضع المرأة في العالم العربي بهذا الشكل من التهميش السياسي .
ولنا في واقعنا اليمني المعاش خير دليل .. فهاهي الأحزاب السياسية تنادي بدعم المرأة ومساندتها والوقوف إلى جانبها لتحقيق مطالبها ونيل حقوقها السياسية والاجتماعية وتعزيز مشاركتها في مجمل مناحي الحياة.. جميع الأحزاب السياسية تؤمن بأهمية مشاركة المرأة وضرورة انخراطها في الحياة السياسية لما تشكله من حضور قوي في العملية الانتخابية مما يجعل الجميع يتغنى بها ويخطب ودها، باعتبارها قوة ناخبة يصعب الاستغناء عنها أو تجاهلها، ولكن كل هذه الأمور تصبح لا مكان لها في الواقع حين يتعلق الأمر باعطاء المرأة حقوقها وتوسيع مشاركتها وتحويلها من ناخبة فقط إلى مرشحة وناخبة معاً تسقط كل المقومات التي توجب مشاركة المرأة كمرشحة ولا يبقى من ذلك إلا أن المرأة لا يجب أن تنازع الرجال وتتقدم عليهم .. ومن العار أن يقف الرجال في طابور طويل أمام صندوق الاقتراع لاختيار امرأة كما تفعل هي تأتي لتقف في طابور طويل لاختيار الرجل الذي لا يؤمن بها ولا يريد لها أن تكون أكثر من صوت في صندوق الاقتراع .. ومما يزيد الأمر تعقيداً بالنسبة للمرأة اليمنية أن الأحزاب السياسية حولت الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية من رؤية لحل كثير من المشكلات إلى مشكلة في حد ذاتها وعقبة يصعب تجاوزها، فلم تعد أحزاب اللقاء المشترك مثلاً تهتم بالعملية الديمقراطية وبممارستها كنهج وخيار لابديل عنه وتحرص على استمرارها ونجاحها باعتبارها تجربة وليدة وبحاجة إلى مزيد من الوقت لتنضج بالشكل المطلوب، وأن الاستمرار في ممارستها وإن وجدت أخطاء والعمل على رفع مستوى الوعي والمشاركة هو الطريق الأمثل والوسيلة الأضمن لتصحيح مسارها وإصلاح أخطائها وتجاوز عثراتها وإن المشاركة في الانتخابات وزيادة وعي الناخب بأهمية المشاركة وحرية الاختيار وتوسيع مشاركة المرأة ودعمها كمرشحة من حقها القانوني والدستوري أن تكون كذلك، وليس هنالك أي ضرر يلحق الرجل من هذه المشاركة .. هو أفضل ألف مرة من دعوات المقاطعة وتحريض المواطنين للانقلاب على هذا النهج الديمقراطي الذي لازال في طور الحبو لقصر عمره اذا ما قيس بتجارب الآخرين التي نطالب أن نكون مثلهم بين ليلة وضحاها .. نعم لم تعد تلك الأحزاب تهتم بتعزيز الديمقراطية وغرسها في ينفوس المواطنين قدر اهتمامها بتوسيع هوة الخلاف بينها وبين المؤتمر الشعبي العام وخلق مزيد من المشاحنات والخلافات والمماحكات السياسية التي لا تخدم المصلحة الوطنية ولا المصالح الحزبية أيضاً .. ومن يظن أن مقاطعة الانتخابات - وإن كانت حقاً ديمقراطياً يجب احترامه - تصب في مصلحة أحزاب المقاطعة فهو واهم وقراءته للواقع من حوله قراءة خاطئة .. فمن يغيّب نفسه فهو الخسران الأكبر مهما قال إنه ربح وإن مقاطعته كانت في يصالحه .. أما بالنسبة لنا النساء فكل ما نأمله أن يكون لنا مكان يليق بنا ويشعرنا بأهميتنا في المجتمع .. ومن أجل ذلك يجب أن نقف مع أنفسنا ونقول: نعم لكل امرأة ترشح نفسها شاءت الأحزاب أم أبت .. إن لم نقف مع أنفسنا فلا نلوم الآخرين لأنهم لم يقفوا معنا.
عن "الجمهورية"