|
|
الميثاق نت - الباب الثاني
الإنسان والوطن
أ- الولاء الوطني:
الولاء الوطني مبدأ شريف، لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية، أياً كان شكلها أو نوعها.
ففي ظل الولاء الوطني، يتمكن الشعب من التفاعل والتلاحم الطبيعيين، انطلاقاً من تمسكه بأهداف الثورة اليمنية، ومن شعوره بالانتماء إلى وحدة اجتماعية متماسكة، متميزة بالعقيدة الإسلامية، تتحقق فيها الممارسات الديمقراطية البناءة، والحياة الحرة الكريمة.
والولاء الوطني بمفهومه هذا ولاء لله، وعلى ذلك كان حب الوطن من الإيمان، الدفاع عن الوطن دفاع عن العقيدة، والتخلي عن الوطن هو تخل عن العقيدة.
" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
(الممتحنة)
وهكذا فالولاء الوطني ليس شعاراً غامضاً مهزوزاً في ضمير الإنسان، ولكنه عقيدة تتجسد سلوكاً والتزاماً بأهم معايير الولاء الوطني التي تتلخص في الأتي:
المعيار الأول:
ويتمثل في الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله، باعتبار ذلك قمة المصلحة العليا للوطن، وعقيدته، وأي تبعية خارجية مادية أو فكرية أو التزام تنظيمي، يعتبر خيانة إضراراً بمصلحة الوطن العليا، وإخلالاً بالولاء الوطني.
وهذا بالطبع لا يعني الانغلاق المتنافي مع الانفتاح العلمي، والاستفادة من كل نافع ومفيد من تجارب الآخرين، وأفكار وحضارة العصر، بما لا يخل ولا يتناقض مع عقيدتنا الإسلامية، والولاء الوطني ممارسة وعملاً، يحتم على الدولة والشعب والاعتماد على النفس، وأن يكون الحكم ديمقراطياً، نابعاً من عقيدة الشعب المعبرة عن إرادته، ومحض اختياره، لتسود الثقة بين الحاكم والمحكوم فلا تسلط فرد، ولا ديكتاتورية حزب، ولا سطو طائفة، وبغير ذلك تصبح علاقة الدولة بالشعب، وعلاقة الشعب بالدولة غير ثابتة، وغير وثيقة مما يؤدي إلى إثارة تعصبات وولاءات ضيقة، تمزق الوحدة الوطنية وتخالف جوهر العقيدة، ومن هذا المنطلق فإن الحكم الديمقراطي الشوروي شرط أساسي لصدق الإيمان بالولاء الوطني، وبدون الممارسة الديمقراطية على النحو الذي يحدده الدستور، فإن الولاء الوطني قد يصبح مجرد شعار يتخذ ستاراً للمساس بوحدة الشعب وبسيادته الوطنية واستقلاله.
المعيار الثاني:
ويتمثل في التمسك بأهداف الثورة اليمنية، وتجسيدها فكراً، وسلوكاً، في المحافظة على النظام الجمهوري، وإرساء قواعده، وأسسه الديمقراطية، والالتزام بها قولاً وعملاً، والوفاء لشهداء الوطن الأبرار، الذين ضحوا بحياتهم عبر مراحل النضال الوطني، والذين فجروا الثورة، وحموها بأرواحهم ودمائهم حتى انتصرت إرادة الشعب اليمني المتجسدة في النظام الجمهوري الديمقراطي.
المعيار الثالث:
ويتمثل في الحفاظ على الوحدة الوطنية، والابتعاد عن التعصب الطائفي، أو السلالي، أو القبلي أو الحزبي.. وغيرها من التعصبات التي تمزق الوحدة الوطنية وتضر بمصلحة المواطن والوطن.
(ليس منا من دعا إلى عصبية)
- حديث شريف-
وحين ينطلق الجميع من هذا المفهوم السليم للولاء الوطني، فإن الممارسات الخاطئة ستزول، وستختفي السلبيات على مستوى القاعدة والقمة في ظل الثقة والتلاحم بين الدولة، ومؤسساتها الدستورية والشعب، في الوقت الذي تعجز فيه كل المحاولات الخارجية عن جر الحاكم، أو جر المواطن إلى أي شكل من أشكال التبعية، كما تعجز كل النزعات الشريرة عن إثارة الولاءات والتعصبات الضيقة التي تضر بمصالح الوطن والمواطن، ففي المناخ الديمقراطي تموت هذه الولاءات والتعصبات الضيقة وتبقى الوحدة الوطنية قوة للشعب والدولة، لحماية البلاد وسيادتها واستقلالها.
ب- الوحدة الوطنية والوحدة العربية:
(1): الوحدة الوطنية:
إن الوحدة الوطنية هي القوة التي نواجه بها كل المخاطر التي تهدد كياننا واستقرارنا وسيادتنا الوطنية:
وبلادنا اليوم تمر بمرحلة هامة، الأمر الذي يقتضي ضرورة توحيد الجبهة الداخلية في موقف وطني موحد، يقوم على أسس محددة المعالم في جميع مجالات الحياة سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً وثقافياً، تختفي معها التناقضات وتغيب الصراعات ليطغى على الموقف هدف واحد، هو توفير الضمانات الضرورية لحماية كيان اليمن، أرضاً وشعباً، من أي خطر خارجي أو داخلي يهدده وهذا يتطلب التجرد الكامل، على مستوى الشعب والسلطة –من كل الطموحات الذاتية المنحرفة التي تهدف إلى سلب السلطة، أو تهدف إلى الاستئثار بها، ومن كل رواسب الانتماءات الضيقة، والقضاء على مظاهر التفرقة والعصبيات، وعلى كل الارتباطات التي يترتب عليها الولاءات التي لا تخدم اليمن، بل تفرق أبناء الشعب، وتمزق صفوفهم.
إن الاتفاق على القضايا الأساسية، هو الوسيلة الوحيدة للتغلب على كل الظروف التي تؤدي إلى تباين المفاهيم، واختلاف التصور وتعدد المواقف مما يؤدي إلى تناقض أساليب التحرك لمواجهة الأخطار التي تهدد الجميع.
وقد اشتمل هذا الميثاق الوطني على المبادئ والقضايا الأساسية، التي تهم الجميع، بهدف الوصول إلى تلاحم جميع الفئات والعناصر الوطنية، شعباً وحكماً، وفي موقف واحد يتحرك في ظل الاستقرار والأمن – باتجاه تأكيد وترسيخ قواعد الحكم الجمهوري، على أسس ديمقراطية حقيقية، وتجسيد أهداف الثورة فكراً وسلوكاً، ودفع عجلة التنمية من أجل ازدهار وتقدم اليمن.
إن ذلك التلاحم يوجب انطلاق الجميع من موقف واحد في اتجاه واحد، في إطار المصلحة العليا، ومعالجة أي خلافات أو تناقضات بالطرق السلمية والديمقراطية، ونبذ كل وسائل الإرهاب والعنف من أية جهة كانت، لتبقى الوحدة الوطنية متماسكة.
إن الوصول إلى هذه الغاية، يوفر الظروف الموضوعية لترسيخ وحدة الوطن والحفاظ عليها في ظل نظامنا الجمهوري الديمقراطي الإسلامي الذي يكفل المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، وإتاحة الفرص أمام الجميع، ويضمن جميع الحريات للشعب، ويصون سيادة الوطن واستقلاله، ويحفظ لليمن قوته وفعاليته ومكانته.
إن وحدة الوطن هي قدر شعبنا وضرورة حتمية لتكامل نموه وتطوره، وضمانة لقدرته على حماية كيانه وقدرته على أداء دور فعال وإيجابي على المستوى القومي والدولي.
وفي سبيل تجاوز كل التناقضات، فإن العمل بالأسس الدستورية والالتزام بأساليب الحوار الواعي، وتوفير المناخ الديمقراطي الحر النزيه، الذي يمكن الشعب من اختيار حكامه بملء إرادته الحرة، بعيداً عن أساليب القهر والإرهاب أو الغش أو التزوير، هو السبيل الوحيد لترسيخ الوحدة الوطنية بمضمونها الديمقراطي المعبر عن إرادة الشعب مستجيبين لإرادة الجماهير اليمنية صاحبة المصلحة الأساسية في الوحدة، مجنبين تبعيتها لأي جهة خارجية أياً كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
(2): الوحدة العربية:
إن التأكيد على وحدة بلادنا ليست دعوة إقليمية منغلقة، ولكنها تمثل الخطوة الأولى، التي كان لا بد منها كمقدمة نتمكن بها من الإسهام في تحقيق قيام الوحدة بين أقاليم الوطن العربي، وسيظل هدف ترسيخ وحدة بلادنا مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالعمل الوحدوي المشترك لكل أمتنا العربي، ضمن وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية شاملة بمحتواها الديمقراطي المعبر عن الإرادة الحرة للأمة العربية جمعاء.
إن إيماننا بالوحدة العربية يتأكد في تفاعلنا مع كل قضايا أمتنا العربية العادلة والمشروعة.. وأن نكون سنداً قوياً ودعماً حقيقياً لها ولا سيما قضية فلسطين التي تعتبر في مقدمة القضايا المصيرية، وفي بذل الجهود لإيجاد صيغة مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي يشكل المدخل السليم إلى الوحدة السياسية الكاملة، وبما أن العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية يجب أن يكتسب بعده العربي، فإن تحقيق الوحدة العربية الشاملة يجب أن يكتسب بعده ومضمونه الإسلامي، قال تعالى:
" إن هذه أمتكم أمة واحة وأنا ربكم فاعبدون "
( الأنبياء)
(ج): الحرية والديمقراطية:
1- الحرية:
الحرية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأي اعتداء عليها أو احتكار لها، لا يعتبر مجرد اعتداء على حق من حقوق الإنسان والمجتمع فحسب، بل إنه تحد لإرادة الله، وقد عبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الحقيقة بقوله لوالي مصر عمر بن العاص:
( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ).
وقد قاوم الإنسان، والمجتمعات البشرية منذ أقدم العصور حتى اليوم – كل العوامل والأساليب والأنظمة التي شكلت أو تشكل عدواناً على الحرية، وجاءت الأديان السماوية لتضمن الحرية السياسية والاجتماعية للفرد والمجتمع.
وجاءت الثورة اليمنية، وكان هدفها الأول هو تخليص الإنسان من الظلم والقهر والاستبداد وإقامة نظام جمهوري إسلامي عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، لتمكين الفرد والمجتمع من ممارسة الحريات، ممارسة حقيقية، خاصة والحكم الإسلامي أسبق من أي نظام آخر وأكثر حرصاً على كفالة الحقوق والحريات الشخصية والعامة، فهو لم يكتف بتقرير الحقوق والحريات وإلزام الدولة بتحقيقها وحمايتها، ولم يكتف بأن تضمن الدولة للمواطنين التمتع بهذه الحقوق والحريات، بل كان أكثر تطوراً وفاعلية، حيث جعل التمتع بها واجباً على المواطنين، يأثمون إذا تركوه.
وإذا كانت الحرية الشخصية -أو حرية الذات- محددة بأوامر الله ونواهيه، وفي نطاق " قدرة الإنسان على إتيان عمل لا يضر بالآخرين ".. فإن مضمون ذلك، أن تكون الحرية للمواطنين جميعاً، لا تفرقة بينهم ولا تمييز، وإذا جاز تنظيم الحرية الفردية، فإنما يكون ذلك بهدف حماية الإنسان – عند ممارسته حريته- من أن يضر نفسه أو يضر بحرية غيره، فليس الغرض من تحديد وتنظيم الحرية إلا الإبقاء عليها، وصيانتها من العبث والفوضى والانحراف.
إن الحرية مبدأ أساسي أكده الإسلام، وهي ضرورة من ضرورات الحياة في جميع المجتمعات البشرية، تنظمها الشرائع والدساتير والقوانين، وتكفلها المؤسسات الدستورية في الدولة، وتحميها وتحترمها هيئات ومؤسسات المجتمع المدني في جميع المجالات، إذ بالحرية يصبح كل فرد من أفراد المجتمع طاقة قادرة على العطاء والإبداع والإسهام في تطور الحياة.
ومن تلك المنطلقات أنه لا بد أن يملك الإنسان كفرد وكمجتمع، الحقوق الكاملة، التي تمكنه من ممارسة جميع الحريات الشخصية والعامة وأهمها.
• حق التعبير عن الرأي والفكر وبكل وسائل التعبير، وتمتع المواطنين بكافة الحقوق السياسية والمدنية.
• حق وحرية المشاركة لجميع أفراد الشعب في النشاط العام، وضمان حرية التنقل، وحرية اختيار العمل، وضمان حرية المواطن في بيته ووطنه، فلا يعتدي عليه بظلم أو قتل أو سلب، ولا يجوز اقتحام بيته ولا الدخول إليه إلا بإذنه، ولا يجوز إخضاعه للرقابة والتفتيش، أو مؤاخذته بالتهمة أو بالظن، وتجب حمايته من القبض التعسفي، ومنع تعدد الجهات التي تتولى القبض والحبس، وجعل ذلك مربوطاً بالقضاء، وفي هذه الحالة يجب إشعاره بالتهمة أو التهم الموجهة إليه وإعطاؤه فرصة حق الدفاع عن نفسه، ويحرم تحريماً قاطعاً إخفاء مكانه عن أهله وذويه، كما يحرم تحريماً قاطعاً استخدام أية وسيلة من وسائل التعذيب النفسي والجسدي ضد أي مواطن مهما كانت الأسباب.
" يا أيها الذي آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "
(الحجرات)
" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن، إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم "
(الحجرات)
( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم)
(من خطبة الرسول في حجة الوداع)
• ضمان كل حقوق المواطنة لكل مواطن، فلا يحرم منها أو من جزء منها، وضمان تمتع كل مواطن بحقوق الجنسية، فلا تسقط عنه، ولا يطرد من الوطن، أو يمنع من العودة إليه.
2- الديمقراطية:
إن الديمقراطية المتكاملة –فكراً وسلوكاً هي الضمانة الأساسية لحماية الحريات.. ولقيام علاقات سوية متطورة بين مؤسسات الحكم، وبين الشعب والدولة، وبين الفئات الشعبية نفسها، وبين المواطن والوطن.
وإذا كنا اليوم نخوض تجربتنا الديمقراطية، فحري بنا أن نسجل خطوطها العريضة، وضوابطها المحددة في ميثاق يضرب بجذوره في أعماق تاريخنا الديمقراطي، ويصل الحاضر بالماضي وتتحدد به معالم المستقبل.
إن الديمقراطية تعني أن الدولة بمختلف سلطاتها حق الشعب، ومن ثم فالشعب مصدر السلطة جميعاً.
هذا التعريف للديمقراطية يعبر عن القاعدة الإسلامية في الحكم التي تقوم على الشورى، وحق الناس في اختيار حكامهم.
" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون "
(الشورى)
وهكذا فإن الديمقراطية التي نؤمن بها ديمقراطية إسلامية تعلوا على مفهومي الفوضوية والديكتاتورية بجميع أشكالها، ديمقراطية تتحقق بها كرامة الفرد، وعزة الجماعة، فغاية الفرد إنما هي غاية الجماعة، إطارهما الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة.
وعلى هذا الأساس فإن الديمقراطية الحقة التي يجب أن تحكم سلوكنا وممارستنا في جميع مجالات الحياة، لا بد أن تقوم على الأسس الآتية:
• أن تكفل جميع الحقوق والحريات في إطار ذلك الالتزام فممارستها بعيداً عن الالتزام يسوق إلى الفوضى.. كما أن تحريم ممارسة تلك الحقوق والحريات يسوق إلى الطغيان، وكل منها يتنافى مع المبادئ الإسلامية والوطنية.
• أن يملك الشعب كل القدرة على اختيار من يمثلونه في مختلف المؤسسات الدستورية، وكل القدرة على استمرار مراقبتهم ومنعهم من الانحراف، حتى لا تكون وظائف المجتمع متوقفة على إرادة حاكم، وحتى لا يستأثر بها أحد، دون أحد ولا طائفة دون طائفة، ولا فئة دون فئة بل تتوزع بين أفراد الشعب جميعاً كل فيما يستطيع، وبكل ما يستطيع، فكل مواطن في الشعب لا بد أن يعطي حرية تامة – في حدود الشريعة والقانون – ليختار ما يشاء، ويستعمل قدراته لإتقان ما تميل إليه نفسه، جنباً إلى جنب مع حقه في المجتمع سواء كان ذكراً أم أنثى، فالمواطنون سواسية في حق التصويت وإبداء الرأي، وفي كل الحقوق والواجبات.
وعلى هذا الأساس فإن حق المشاركة في النشاط العام، وحق التمتع بكافة الحقوق السياسية والمدنية، وحق الترشيح والانتخاب، حقوق يجب أن تكون مكفولة لكل مواطن.
وعليه أيضاً، فإن حرية المعارضة يجب أن تكون مكفولة للأفراد والجماعات على حد سواء، يمارسونها بالأساليب الديمقراطية، جاعلين المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار آخر.. لكي لا تصل ممارسة ذلك الحق إلى حد الإضرار بمفهوم الالتزام الذي يتحدد بمبدأ الطاعة لله، كما جاء في الأثر:
(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
(أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)
(أبو بكر الصديق)
والديمقراطية تتنافى مع تركيز السلطة في يد فرد واحد أو في يد مجموعة من الأفراد، بل يجب أن تقوم على المؤسسات الدستورية المتمثلة في السلطة التشريعية للدولة وهي مجلس النواب الممثل للشعب، ويمارس أعماله على الوجه المبين في الدستور وفي السلطة التنفيذية التي تتمثل في رئيس الجمهورية، ومجلس الوزارء، ويمارس كل منهما سلطته التنفيذية نيابة عن الشعب ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور وفي السلطة القضائية المستقلة التي لا تخضع لسلطة إلا لسلطان الشرع والقانون.
ومن هنا فإننا عندما نتحدث عن الدولة، أو عن الحكم فإننا نقصد مجموعة المؤسسات الدستورية، ولا نقصد بها فرداً أو أفراداً يحكمون، فحكم الفرد أو الأفراد الذي لا توجد فيه مؤسسات دستورية لا يسمى دولة إلا على سبيل المجاز.
إن الديمقراطية التي يجب أن ننتهجها، والتي تقوم على المؤسسات الدستورية، تتسع لأصول الحكم بكل ما فيها من شمول، فهي لا تخرج بها من دائرة التسلط الفردي أو الجماعي فحسب، ولكنها تخرج بها من الصبغة المحلية إلى الصبغة الإنسانية، فالرسول عليه الصلاة والسلام بشير ونذير، والأمر بينه وبين أمته قائم على الشورى ومكارم الأخلاق.
والحاكم يتولى الحكم عن المحكومين، والشعب هو المرجع في كل سلطان، ليس لأحد حق العسف والطغيان، ولا لأحد حق الفتنة والعصيان، أي ليس لأحد حق الحكم، أو حق المعارضة خارج الضوابط والقواعد والأصول الديمقراطية المحددة في الدستور ولهم في نطاقها حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل فيما يعلم وحسبما يستطيع.
( الدين النصيحة) -حديث شريف-
ولا سيادة لنسب، ولا لمال، ولا لفرد، ولا لطائف أو شلة من الناس، ولكن المواطنين جميعاً بنية واحدة تستمد حياتها من كل عضو، وتمد كل عضو بحياته، ويقوم بنيانها في ظل دولة المؤسسات الدستورية، على التعاون والتكافل والمحبة والإخاء.
وعلى هذا الأساس فإن نظامنا الجمهوري نظام ديمقراطي شوروي نيابي يقوم على العددية الحزبية وتداول السلطة سلمياً، ويتجسد في دولة المؤسسات الدستورية، ويقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، مع توضيح وبيان اختصاصات كل سلطة، وأوجه التعاون والتنسيق في العلاقات بين السلطات الدستورية.
وحرصاً على سلامة الممارسة للتعددية الحزبية ونزاهتها من جهة وصوناً للوظيفة العامة والمال العام من جهة أخرى، فإنه لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين.
وبما أن الشعب هو مصدر السلطات، فإنه الذي ينتخب رئيس الجمهورية في انتخابات تنافسية، بناءً على تزكية مجلس النواب طبقاً للدستور، كما أن مجلس النواب يستفتي في القضايا المصيرية والهامة التي يقرر رئيس الجمهورية إجراء استفتاء عام بشأنها، كما أن الشعب هو الذي ينتخب ممثله في مجلس النواب الذي يتولى إقرار القوانين والسياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة والحساب الختامي، وهو الذي يمنح الثقة للحكومة، أو يحجبها عنها أو يسحبها منها وله الحق في محاسبتها كمجموعة أو محاسبة أي وزير مشترك فيها ضمن ممارسته لمهام الرقابة على الهيئة التنفيذية.
وبما إن مجلس النواب ينوب عن الشعب، فإن ممارسته الديمقراطية لحقوقه، ومباشرته لمسؤولياته، لا تنصرف لحق في ذات أعضائه، ولا لحق يحصره العضو لمصلحة دائرته الانتخابية، ولكنها النيابة عن الشعب كله، فاستعمالها هو حق اصلي له، فهم المسؤولون عن تأدية الواجب، ويقع عليهم إثم التقصير، وإذا كان مجلس النواب يمثل سلطة التشريع والرقابة، وكان مجلس الوزراء هو الحكومة، وهو الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة التي تتولى تنفيذ السياسة العامة للدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاعية، واقتراح مشاريع القوانين وإقتراح تعديل القوانين النافذة، ويتبعها جميع الإدارات والأجهزة والمؤسسات التنفيذية التابعة للدولة بدون استثناء، فإن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون في نفس الوقت مسئولية جماعية عن أعمال الحكومة أمام رئيس الجمهورية ومجلس النواب، وإذا كانت مؤسسات القضاء والقضاة يمثلون السلطة القضائية، ويتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم بدون استثناء فإن رئاسة الدولة هي رمز سيادة الوطن واستقلاله، ورمز وحدة الدولة ومركزيتها، ورمز الوحدة الوطنية حيث يتولى رئيس الجمهورية العمل على تجسيد إدارة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية والالتزام بالتداول السلمي للسلطة والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية وتلك المرتبطة بالسياسة الخارجية للدولة ويمارس صلاحيته على الوجه المبين في الدستور، وأمام هذه المسؤوليات الوطنية الهامة والجسيمة، فإن رئاسة الدولة بما ترمز إليه –من معان عظيمة- يجب أن ترتفع فوق الخلافات التي قد تحدث بين سلطات الدولة، أو داخل أجهزة الحكومة، أو بين الحكومة وبين فئات شعبية أو أحزاب أو منظمات، أو بين الفئات الشعبية أو الأحزاب والتنظيمات السياسية نفسها، لتساعد على حصر وحل كل الخلافات داخل الإطار الديمقراطي.
كما إن على رئاسة الدولة أن ترتفع فوق الطموحات الذاتية، التي قد تدفعها إلى انتهاج أساليب غير دستورية، بهدف التدخل أو السيطرة على شؤون الحكم.
إن صلة رئاسة الدولة بالحكومة صلة المشاركة الكاملة في وضع السياسة العامة للدولة، ووضع الخطوط العريضة لبرامج التنمية، وفي مناقشة القضايا التي تهم البلاد، وفي دعوة الحكومة للاجتماع برئاسة رئيس الدولة لمناقشة أي رأي أو قضية يرى ضرورة مناقشتها.
كما أن صلتها بالسلطة التشريعية – مجلس النواب- صلة تتمثل في واجب دعوة الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوماً على الأقل ودعوة مجلس النواب إلى عقد أول اجتماع له خلال أسبوعين على الأكثر من إعلان نتائج الإنتخابات وفي إصدار القوانين بعد إقرارها من مجلس النواب، وطلب إعادة النظر في أي منها والتصديق على المعاهدات والاتفاقيات التي يقرها المجلس، كما تتمثل هذه الصلة في حق رئيس الجمهورية، دعوة مجلس النواب لدورات انعقاد غير عادي لمناقشة ما يرى ضرورة عرضه على المجلس من قضايا هامة.
هذه الصلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، يجب أن تستهدف مساعدة السلطتين على تحمل المسؤوليات وأدائها بشكل أفضل، وترسيخ قواعد السلوك الديمقراطي لتصبح حياة معاشه، وهي صلة يجب أن تكون ملتزمة بالدستور نصاً وروحاً.
ورئاسة الدولة –بما ترمز إليه من معاني عظيمة- هي عامل التوازن والاستقرار والانسجام في نطاق السلطات الدستورية وهذه مهمة من أعظم مسؤولياتها طبقاً لقواعد الدستور، تؤدي اعظم عمل يخدم المصلحة العليا للوطن، وهو حماية الدستور وترسيخ قواعد الديمقراطية.
وبما أن رئاسة الدولة تسهم وتشارك في وضع السياسة العامة للدول، ووضع برامج التنمية، وفي مناقشة القضايا والقوانين التي تهم البلاد، دون التدخل في اختصاصات السلطات الدستورية، ودون التدخل في الشؤون التنفيذية، فإنها ليست مسؤولة أمام مجلس النواب، إلا في حالة اتهامها بخرق الدستور، أو بالخيانة العظمى فتحاسب طبقاً للدستور، حيث لا مسؤولية بلا سلطة، ولا سلطة بلا مسؤولية، وذلك هو مفهومنا للديمقراطية السياسية.
وفي مجال ممارستنا للديمقراطية الاقتصادية، فينبغي أن تقوم على أساس عدم الاستغلال، وتحريم المغالاة والاحتكار، واحترام العمل، واحترام الملكية الخاصة، فلا يجوز أخذها أو مصادرتها إلا لمصلحة عامة، وبتعويض عادل، وعلى تساوي الناس في عدل القانون، فلا تكون الفوارق بينهم سبباً في استغلال الأقوياء علم الضعفاء، أو في اغتصاب المالكين حق المحرومين، محكومة بأخلاق إسلامية تحرم الربا، والاستغلال، والاحتكار، والغش وكل كسب حرام، لا سيادة فيها لطبقة دون طبقة ولا استئثار بالسلطة لأحد دون أحد.
ولكي نتمكن من الممارسة العملية للديمقراطية بهذا الشموخ والشمول، فلا بد أن تكون أسسها الدستورية واضحة المعالم، مفصلة بكل دقة وتحديد في الدستور، بحيث تتحدد المسؤوليات والاختصاصات، ويزال أي تداخل أو تضارب أو ازدواجية، لأن وجود ذلك يؤدي إلى الضياع والانفلات، والتهرب من تحمل المسؤولية مما يضر بمصلحة الوطن والمواطن.
كما يجب أن تبين الشروط الواجب توافرها فيمن يختار لرئاسة الدولة، ومدة الرئاسة، أو يختار ممثلاً للشعب في مجلس النواب، أو يختار رئيساً لمجلس الوزراء، أو زيراً في المجلس، وإلى جانب الشروط الخاصة بكل مؤسسة دستورية، فإن الشروط المشتركة التي يجب أن تتوافر في جميع موظفي الدولة والمؤسسات التابعة لها هي:
الاستقامة، والأمانة، والورع، والسمعة الحسنة، والقدرة الذاتية على أداء الواجب.
كما يجب أن يبين المقياس الديمقراطي في مجال اتخاذ القرارات على مختلف المستويات والمؤسسات، وهو أن ما تختاره الأكثرية يصبح قرار الجميع الملزم، ويجب على كل فرد الالتزام به، وإن اختلف مع رأيه.. (فيد الله مع الجماعة) ما لم يتناقض ذلك مع المبادئ الأساسية للدستور المنبثق من الشريعة الإسلامية.
وتوفيراً للضمانات التي تحمي الحريات والحقوق، وتحمي ديمقراطية الحكم من أي عدوان أو تحايل يستهدف القضاء عليها، أو الانحراف بها عن مسارها الصحيح، أو إفسادها بأي شكل من الأشكال، يجب ضمان استقلال السلطة القضائية مالياً وإدارياً وقضائياً، وتحريم أي تدخل في أعمال القضاة من خارج السلطة القضائية، وعدم خضوعهم إلا لسلطان الشريعة والقانون النابع منها، لذلك يجب أن يكون رؤساء وأعضاء المؤسسات القضائية من داخل السلطة القضائية نفسها ضماناً لاستقلال القضاء، ويتولى المجلس الأعلى للقضاء دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء تمهيداً لإدراجها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة.
وبما أن مبدأ سيادة القانون مبدأ مقدس، فيجب النص على أن عزل ومحاسبة القضاة وتطهير سلطة القضاء من أي عنصر لا تؤهله كفاءته أو لا تؤهله نزاهته البقاء داخل السلطة القضائية، يجب أن يتم بواسطة السلطة القضائية، يجب أن يتم بواسطة السلطة القضائية نفسها، ولا يجوز أن يأتي من خارجها، فلا حرية بلا ديمقراطية، ولا ديمقراطية بلاد حماية، لوا حماية بدون تطبيق سيادة القانون.
ولكي يرتفع القضاة، والمؤسسات القضائية إلى هذا المستوى الرفيع يجب العمل على اختيار القضاة ممن تتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة والإيمان الصادق، ولا ينتمون لأي حزب أو تنظيم سياسي.
كما يجب تقوية وتطوير أجهزة القضاء، وتحديث وتبسيط وسائل التقاضي، بما يشمل حماية القضاة أنفسهم، ويضمن تنفيذ أحكام القضاء عن طريق الأجهزة القضائية، تمكيناً لها من مواجهة التطورات الجديدة، عن طريق استكمال التشريعات القضائية، والدفع بالمتخصصين في مجال الشريعة والقانون للالتحاق بالعدل والنيابة العامة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|