د. طارق أحمد المنصوب -
تنعقد غداً القمة العربية في دولة الكويت الشقيقة، وهي القمة التي طال انتظار العرب لها لمعرفة ما ستقرره بخصوص القضايا العربية الطارئة في شتى الميادين والمجالات، على الرغم من أن منظميها أرادوا لها أن تناقش جدول أعمال خاص بالقضايا ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي للدول العربية، دون سواها، ومنها مناقشة الآثار السلبية التي خلفتها الأزمة المالية والاقتصادية الدولية على الدول والأقطار العربية. التي بلغت بحسب بعض التقديرات العربية الأولية أكثر من 2.5 تريليون دولار، وهو مبلغ كفيل - لو أحسن استثماره بتحقيق التنمية في كافة الأقطار العربية والإسلامية والقضاء على جميع مظاهر الفقر والبطالة. وأبت الظروف التي تعيشها المنطقة إلا أن تقحم على جدول الأعمال قضايا سياسية، يتعلق الأمر بقضية العدوان الصهيو - أميركي المتواصل على إخواننا من الفلسطينيين في مدينة غزة الصمود والتحدي، لتؤكد أن السياسة والاقتصاد صنوان لا يفترقان.
ومن كان يعتقد أن السياسة لن تلقي بظلالها على القمة العربية التي خصصت لمناقشة الواقع الاقتصادي العربي واهم كبير؛ فالقضية بالأصل هي نتاج سياسات اقتصادية خاطئة ومدمرة قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش)، كما أن الأمر لا يحتاج إلى خبير في شئون الاقتصاد وتدبير الموارد المالية حتى يصل الفرد منا إلى نتيجة طبيعية ومنطقية تتمثل في أن لذلك علاقة بسوء تدبير مماثل من كثير من أنظمتنا السياسية العربية لمواردها المالية، وهي التي دأبت على الاستثمار في الأسواق المالية والبورصات والشركات التجارية والعقارات في الدول الغربية، متذرعة بحجة دائمة أن المجتمعات الغربية توفر ظروفاً حمائية أفضل للاستثمارات الأجنبية، وأن ظروف الاستقرار السياسي التي تتمتع بها المجتمعات الغربية تعد بيئة جاذبة لهذه الاستثمارات، إضافة إلى وجود كوادر بشرية مدربة وكفوءة، وتسهيلات مادية وعقارية .. إلخ، مما لا يتوافر في كثير من الدول والمجتمعات العربية، وهي حقيقة لا نستطيع أن نقول بخلافها في الوقت الراهن على الأقل. لتفاجأ في كل مرة بكارثة أو أزمة اقتصادية ومالية جديدة تذهب بكل ما جمعته في سنوات وعقود طويلة من الاستثمار في تلك الدول، بأسباب وذرائع شتى غير مقبولة، بعضها طبيعي في ظل قانون ومخاطر الاستثمار، وبعضها الآخر مما لا علاقة له بتلك الظروف الاقتصادية وتزايد مخاطر وأزمات الاستثمار، وبعضها مما لا يدخل في باب الكياسة الدبلوماسية وحسن التصرف والاعتراف بفضل تلك الاستثمارات في خلق فرص عمل ووظائف جديدة في تلك البلدان.
ويبدو أن الأرباح التي حققتها الدول النفطية خلال فترات ارتفاع أسعار برميل النفط إلى مستويات قياسية لم تبلغها من قبل، قد خلقت في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية هوساً كبيراً وخوفاً من أن تبتلع تلك الأموال كل الشركات والمؤسسات المالية، كما فعلت بعض الشركات الاستثمارية الكويتية والإماراتية في لندن وأمريكا، وجعلت البعض يفكر في طريقة للحد من تلك الأخطار القادمة قبل أن تبتلع الاقتصاد الأمريكي والأوروبي في ظل سياسات الانفتاح وتشجيع الاستثمار التي انتهجتها تلك الدول. ولن نستغرب إذا توصل أحد الخبراء في شئون الأسواق المالية والاستثمار إلى نتائج تؤكد أن ما حصل خلال الأشهر القليلة الماضية - مع كل ما قيل من تفسيرات وتحليلات - لم يكن سوى حيلة أمريكية وغربية جديدة ورخيصة للاستيلاء على الأموال والموارد النفطية العربية، وإعادة التنمية الاقتصادية العربية إلى المربع الأول الذي بدأت منه، أي مربع البحث عن مراكمة الموارد المالية، ونهج سياسات التقشف وتخفيض الموازنات، وشد الحزام. فهل تقف قمة الكويت أمام هذه القضية، وتحدد الأسباب الحقيقية لحدوث الأزمة المالية الدولية، وتداعياتها على الاقتصاد العربي، والبحث عن المعالجات والحلول للحد من نزيف الثروات القومية العربية في معالجة الأزمات الاقتصادية الرأسمالية الدورية، وتكفل للمواطن العربي في بلده الرفاهية وتوفير الوظائف وفرص العمل والمسكن، وغيرها من الأمور التي تمتع بها المواطنون الأمريكيون على حساب الثروات والأموال العربية المستثمرة في دول الغرب؟
من ناحية أخرى، يأتي انعقاد قمة الكويت في ظل بعض المتغيرات الخطيرة التي شهدتها منطقتنا العربية خلال الأيام القليلة الماضية، ومن أهمها توقيع الاتفاق الأمني (أو مذكرة التفاهم) بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وكأن وزيرة الخارجية الأمريكية سيئة الذكر (كوندوليزا رايس) أرادت أن تختم مسيرتها الطويلة من الكراهية لكل ما هو عربي وإسلامي بتوقيع اتفاق شراكة يعطي كثير من الضمانات التي تحقق للكيان الصهيوني ما عجز عن تحقيقه على أرض المعركة في غزة الصمود ضد قوات المقاومة الباسلة بعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع. وهذه المرة بأيدي أمريكية وأوروبية (حلف الأطلسي) وربما عربية عبر مراقبة ومنع تزويد قوات المقاومة الفلسطينية بالسلاح لصد العدوان ودحر الاحتلال، أو ما يريدون لنا أن نعتقد أنه جريمة يعاقب عليها القانون الدولي (أي تهريب الأسلحة) إلى حركة حماس، وفرض طوقٍ أمني وحصار عسكري يمتد ليشمل كامل المنطقة العربية من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط. في الوقت الذي لا تخجل فيه وهي تعلن عن مد الكيان الصهيوني بأحدث ما أنتجته مصانع الأسلحة من أدوات حربية، بعضها يجرب في المعارك لأول مرة، إلى جانب العتاد المحرم دولياً الذي تمتلكه وتستخدمه في ممارسة جرائمها ضد الأطفال والنساء ومقار الأمم المتحدة والصحافة والمستشفيات والمساجد والمدارس، وغيرها. ويبدو أن الطرفين الصهيو - أميركي يملكان فهماً خاصاً لما يبيحه أو يحظره القانون الدولي، لا يشاطرهما فيه أحد من العالمين.
فهل ستقف قمة الكويت أمام مسئولياتها التاريخية والقومية، وتطالب المجتمع الدولي بوقف المجازر والعدوان، وفك أسر إخواننا من أبناء قطاع غزة، ومحاكمة مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني؟ وهل ستعلن الدول العربية الباقية قطع كافة العلاقات مع الكيان الصهيوني، أو تجميدها كما فعلت قطر وموريتانيا أم أنها ستكرس واقع الانقسام الذي بدا واضحاً في قمة الدوحة الطارئة؟ وهل ستعمل على فرض الحصار على الدولة المعتدية، وإجبارها مع شريكها الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية على تحمل الكلفة المرتفع لإعادة إعمار ما دمرته آلتها الحربية، أم أن المال العربي والاقتصاد العربي المثقل بأعبائه وأزماته سينوب عنها - كالعادة - في تحمل كلفة إعادة إعمار قطاع غزة وتعويض المتضررين من هذا العدوان؟ دعونا ننتظر قرارات هذه القمة على أمل ربما يتحقق، وربما يبقى مجرد أمل يتجدد عند كل قمة عربية جديدة ليس إلا.