صالح حسين الفردي -
لم تزل غزّة لحظة مفارقة في تاريخ العرب المعاصر، فقد حاولت الآلة العسكرية الصهيونية بكل طاقتها التدميرية التي مكنتها الولايات المتحدة الأمريكية منها وفق سياسة الهيمنة على المنطقة العربية واستنزاف ثرواتها النفطية، إذ ضمنت القوة العظمى تفوّق الكيان الصهيوني عسكرياً على الجيوش العربية بمجموعها، لضمان أمنها وتوسعها على حساب الأرض العربية، هذه الحرب التي عملت على استغلال عامل الوقت في أجندة السياسة الأمريكية العالمية بعد عودة الرئيس بوش مكللاً بحذاء منتظر العراقي، كان لابد من كارثة كونية تمحو معالم هذا الخزي الذي عاد به الرئيس الجمهوري للدولة الأولى في العالم، وكان لابد للاحتلال الصهيوني أن يستغل انكسار الرجل (الكسير) في ما تبقّى له من أيام قبل تقلّد حاكم البيت الأبيض الأسمر الجديد.
فسحة من الزمن ظن العدو الصهيوني أنها كافية للإجهاز على روح المقاومة وفلسفة الصمود والتصدي والتشبث بالحياة والكرامة والعزة والكبرياء، وقد خابت حسابات العدو ومَنْ صمت وهادن وتآمر من بني جلدتنا، فاتسعت سماء غزّة لتحوي فضاء الكون، وامتدت أرضها لتغدو كل الدنيا وتنفتح بحارها لتصبح محيطات العالم وأنهره، هذه اللحظة التي كانت عنوان مجد جديد لتاريخ تليد من المقاومة والنضال العربي ضد الاحتلال والاستعمار - قديمه وجديده - هي التي دفعت شعوب العالم قاطبة لأن تخرج مؤازرة لحق الشعب العربي الفلسطيني في الحياة والنضال ومقاومة الغاصب والمغتصب لأرضه.
لقد سالت الدماء أنهاراً وتناثرت الجثث أشلاءً ولم تخنع روح الإباء والشمم العربي لشعب قدّم ويقدّم وسيقدّم قوافل من الشهداء من الرجال والنساء والأطفال، ولن يخضع ولن ينكسر.
لقد عجزت القوة التدميرية الصهيونية عن بلوغ أهدافها ولم تجد بداً من التحايل للخروج من بركان الدم الهادر، فذهبت إلى حليفتها الاستراتيجية تبحث عن غطاء سياسي يخرجها من مأزقها، فكان اتفاق (رايس - ليفني) الذي بفضله حصل العدو الصهيوني على تعهد من سيدة العالم بمكافحة تهريب السلاح إلى غزّة، وتبعتها بعض الدول الأوروبية في تبني هذا التعهد، ولن نقف كثيراً عند القمم العربية التي تناثرت كالفطريات بعد أن دنت اسرائيل أو كادت من هزيمة أخرى تضاف إلى هزيمتها في الجنوب اللبناني في تموز من العام 2006م وتبعاتها التي هزّت الكيان الصهيوني ومجتمعه، ومازالت تلك التداعيات تفعل فعلها في الجسد الصهيوني وترعبه.. من هنا كانت الحكومة الاسرائيلية المنهارة تبحث عن خيط دخان تمرر من خلاله ديمقراطيتها على جثث ضحايا عزّة، ولكن الوقت مبكر، وتداعيات الأسابيع الثلاثة لآلة الحرب الصهيونية قادمة لا محالة، ليس في اسرائيل فحسب ولكن في المحيط الإقليمي والدولي
عن: "الجمهورية"