|
|
نجيــــب غــــــلاب - مثّل بناء الحرية في فكر المؤتمر الشعبي العام مقدمة أولية للوحدة ولبناء المؤسسات الديمقراطية ولتحقيق نهوض تنموي، فالحرية هي أصل ولا يمكن للحرية أن تتأسس إلا بامتلاك المجتمع حق تحديد خياراته بنفسه دون إكراه وأية محاولات لتحديد احتياجاته ومطالبه من قبل النخبة مهما بلغت مثالية الرؤى المطروحة فان ذلك يمثل أجهاضاً للحرية.
وتمثل الايديولوجيا قوة قسرية تهدم حقيقة الحرية لدى المجتمع حتى في الحالات التي تحاول فيها الايديولوجيا التأسيس للحرية نفسها فالطرح الايديولوجي يبالغ في مثاليته ويعزل نفسه عن الواقع لصالح الفكرة ويتم تحويل المجتمع إلى أداة لخدمتها، وفي هذه الحالة يفقد الناس حريتهم في الاختيار ويصبح المجتمع مكبلاً بالمقولات الفكرية ويسير وفقها بالقوة الإجبارية مما يجعله غير قادر على التفاعل الإيجابي مع التغيير المفروض الذي يحاول تجاوز الواقع دون مشاركة المجتمع صاحب المصلحة الحقيقة في التغيير لصالح المقولات الايديولوجية المتناقضة مع البئية التي تعمل فيها.
وعلى الرغم من المقاومة التي يبديها الناس لتحرير أنفسهم من قيود القهر التي يتم إجبارهم على التعامل معها وفهم وممارسة حياتهم وفقها، إلا أن النظرة المتعالية من قبل النخبة وإحساسهم بالتميز وقناعتهم بالقيم والمفاهيم التي يحاولون فهم الواقع من خلالها وتغيير الواقع من خلالها تجعلهم يحكمون على المجتمع بالعجز والفشل لأنه جاهل أو متخلف تهيمن عليه العاطفة ومستواه العقلي متدن وتحكمه عادات وتقاليد بالية، وهذا الفهم يدفع بالنخبة لتعلن وصايتها على المجتمع من خلال تحديد حاجاته ورغباته، وهنا يفقد المجتمع حريته بشكل نهائي.
حقيقة الحرية
في تصوري أن المؤتمر كان التيار السياسي الوحيد الذي منح الناس حريتهم وجعلهم قادرين على امتلاك إرادتهم في تحديد الخيارات الفعلية المعبرة عن حاجاتهم وطموحاتهم فأعاد للثورة اليمنية رونقها وحيويتها وأعاد الاعتبار لجوهرها فالثورة أصلا قامت من أجل الحرية كمطلب أولي وجوهري يمنح المجتمع القدرة على تحديد قيمه ومفاهيمه وأسلوبه في الحياة ورسم معالم مستقبله.
عبرت النخب المؤسسة للثورة عن المجتمع ولعبت في المراحل الأولى للثورة دور المحرك الفعلي لصناعة طموحات الناس من خلال فهم الواقع اليمني كما هو وعرفت مطالب الناس وحاجتهم ووضعت الخطوط العريضة لأهداف وغايات المجتمع، وبهذه الطريقة جعلت من الحرية حقيقة فاعلة لا وهماً وشعارات مرفوعة يتم من خلالها محاصرة المجتمع وخنقه من خلال إجباره على اتباع رؤى فكرية لا تعبر عن حاجاته ومطالبه.
إن الذي أعاق المجتمع من أنجاز أهدافه بعد الثورة هيمنة الأيديولوجيا على عقلية النخب السياسية التي قامت بترويج افكار متعالية لا علاقة لها بطبيعة المجتمع وحاجاته وأدارت صراعاتها من خلال تلك الافكار، وتعددت الأيديولوجيات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وكل طرف يخون أو يكفر الطرف الأخر وهي نتيجة منطقية لأن الايديولوجية ترى في الآخر المخالف لها عدواً ومعيقاً لطموحاتها لذا تسعى نحو إلغائه وأن لم تستطع تدمره من خلال ممارسة دعاية سوداء تسلبه كل إيجابية وتلحق به كل عيب وتتهمه بكل التهم تبدأ بالتخوين وتنتهي بالانتهازية أو بالزندقة والكفر حسب المصطلحات الحاكمة للبناء الايديولوجي.
وقد بدأ ضرب الحرية التي قامت من أجلها الثورة اليمنية على يد هولاء الوطنيين الذين حملوا أفكاراً إيديولوجية من خلال الإدعاء أنهم ممثلو الشعب والأجدر على اختيار القيم والمفاهيم التي من خلالها يتم تغيير المجتمع بصرف النظر عن توافقها وملاءمتها لطبيعة المجتمع وحاجاته وقامت كل نخبه بتفسير أهداف الثورة وفق القيم المؤسسة لإيديولوجيتهم وهذه الطريقة أدت إلى تعدد التفسيرات وتناقضها في الوقت نفسه ولا مشكلة في التعددية إن كانت معبرة عن واقع المجتمع وقواه الحقيقية ولكنها تعددية لا علاقة له بالواقع مطلقا.
كل ذلك أدى إلى تشويه القيم المؤسسه للمشروع الوطني الذي عبرت عنه الثورة، ودخلت النخب بصراعات عنيفة، للسيطرة على السلطة باعتبارها الإداة الاساسية القادرة على منح النخب أدوات العنف والقسر لإجبار المجتمع على تغيير نفسه وفق المعالم التي حددتها الأيديولوجيا، وتم توظيف الأفكار والمجتمع في الصراع وكان الخاسر الوحيد المجتمع بضياع أهدافه وفقدانه حريته.
لعبت بعض الشخصيات الوطنية كالقاضي عبد الرحمن الإرياني ادواراً قوية وفاعلة في التأسيس للحرية ولكن القوى الحزبية التي هيمنت عليها العقائد السياسية وتوظيف تلك العقائد في تزييف وعي المجتمع وتحويله إلى أداة في الصراع من أجل مصالح النخب المتصارعة أعاق جهود قوى الخير والمجتمع من احداث التحولات الخادمة للدولة والمجتمع.
التجارب السياسية المتلاحقة في شمال الوطن وجنوبه كونت قوى وطنية أضنتها الصراعات والتعامل بتعالي مع المجتمع وبدأت تؤسس للحرية من جديد كمطلب أولي يعطي المجتمع الحق في تحديد مطالبه، وظهرت تلك القوى بشكل واضح وقوي في شمال الوطن مع وصول الرئيس صالح إلى السلطة وقد حاولت القوى الإيديولوجية في الشمال والجنوب إجهاض التجربة السياسية الجديدة إلا أن قوة الخير انتصرت هذه المرة وعادت الثورة اليمنية إلى سيرتها الأولى وبتأسيس المؤتمر الشعبي العام امتلك الشعب حريته من جديد وتحرر من أسر القوى الوطنية التي سيطرت عليها العقلية الأيديولوجية فجعلت من المقولات الفكرية أصلاً والمجتمع خادماً لها والنخبة هي صاحبة السيادة لأنها أكثر وعياً وفهماً في تغيير المجتمع ونقله إلى أطوار جديدة من التطور والتقدم والنتيجة أن المجتمع فقد حريته الشرط الاساسي لتطوره وتقدمه بشكل صحيح ومتوافق مع حاجاته ورغباته.
وبالميثاق الوطني صاغ الناس أطاراً فكرياً منفتحاً نابعاً من المجتمع ومعبراً عن طبيعته كما هو وحدد الطموحات والغايات من واقع المجتمع اليمني وحاجاته، ومع الميثاق تم إعادة بناء المشروع الوطني الذي بدأ تأسيسه مع الثورة اليمنية.
الانتقال من دوائر »النخب«
وبمشاركة المجتمع في تحديد حاجاته وطموحاته انتقل المشروع الوطني بقيمه التي حددتها أهداف الثورة من دوائر النخب وتفسيراتها المتناقضة إلى المجتمع بتكويناته المختلفة فأسهمت بإعادة بنائه وصياغته برؤية جديدة متوائمة مع الواقع وحاجاته وهذا ما جعل من الميثاق الوطني محل إجماع شعبي وبتشكيل أداته التنظيمة تم خلق توازن وتوافق بين القوى السياسية حصل النظام السياسي على شرعية قوية منحته القوة الكافية والقدرة على رسم السياسات المختلفة لتحقيق المشروع الوطني والتي شكلت الوحدة فيه الجوهر الاساسي فبها يكتمل المشروع وتصبح الدولة اليمنية الموحدة قادرة على تفعيله بابعاده المختلفة ومنحه آفاقاً جديدة من التطور والتقدم.
بتأسيس المؤتمر للحرية نقل الوحدة من دائرة النخب وتوظيفها كأداة في الصراع السياسي لتصبح جزءاً من وعي أبناء اليمن كقيمة وهدف جوهري من أهدافهم فتحرك المجتمع في اتجاه تحقيقها وهذا يفسر التأييد المنقطع النظير لها عند الإعلان.
فلولا الحرية ما كانت الوحدة وهذا ما جعل منها اختياراً حراً من قبل الناس لأنها تعبير عن مكون راسخ في الوعي واللاوعي المجتمعي وتحقيقها كان بحاجة إلى تحرير المجتمع من قوة القهر والكبت وكان حصوله على حريته هو المقدمة الفعلية للوحدة.
ويمكن تفسير ذلك من خلال قراءة صحيحة وواقعية للتاريخ بعيدا عن العاطفة أو توجيه أي أتهام لأحد بالخيانة أو العمالة فالقوى السياسية في أغلبها كانت وطنية وصادقة ولكن الذي أعماها وحجب عنها فهم مصالح أهل اليمن هي طريقة التفكير وتبني أفكاراً أعاقت النخب عن فهم الواقع كما هو وفسرته بمقولات ومفاهيم لا علاقة لها بالواقع فكانت الممارسات والحلول خاطئة وإن لم تكن خاطئة فأنها تعبر عن واقع غير الواقع اليمني وتحولت الأيديولوجيا إلى إداة قهرية أفقدت المجتمع حريته.
فالثورة اليمنية في نهاية التحليل عبرت عن حاجة المجتمع اليمني للتحرر من القوى الحاجبة لطبيعته ومنحه حريته في التعبير عن حاجاته ومطالبه وقد مثلت الوحدة هدفاً جوهرياً إذ بدونها تصبح الثورة ناقصة فالدولة اليمنية الواحدة تمثل غاية جوهرية للثورة اليمنية وبدونها تصبح كل المعاني مشوهة.
قراءة متعالية
الذي أعاق الوحدة من التحقق حالة القهر الجديدة التي فرضتها النخب الوطنية الحديثة ذات النزوع الأيديولوجي ومحاولة قسر المجتمع برؤيتها المتعالية وقراءتها للواقع وفق آلية عقلية مستندة على مفاهيم وقيم أيديولوجية متناقضة كلياً مع المجتمع وطبيعته كما هو في الواقع وبالتالي كانت تفسيراتها خاطئة وحلولها لا تناسب طبيعة الهدف نفسه فالوحدة لا يمكنها أن تتم بالعنف والقسر وإنما بالاختيار الحر ودفع المجتمع لتحقيق أهدافة وفق رؤيه لم يؤسس لها ومتناقضة مع طبيعته يدخل المجتمع في حالة حرب مع نفسه وهذا يعيق الهدف ويؤجل تحقيقه لصالح القيم الايديولوجية المتعالية عن الواقع ولصالح النخبة السياسية المهيمنة على المجال العام.
حاولت القوى اليسارية في شمال الوطن وجنوبه ربط الوحدة بالقيم الفكرية الحاكمة لعقولهم وتم وضع الاشتراكية شرطاً اولياً واصبح الهدف الجوهري اداة لخدمة فكرة متعالية لا علاقه لها بالواقع فضاعت دولة الوحدة في متاهات التنظيرات الايديولوجية واصبح الصراع من اجل الوحدة حرباً على الامبريالية والقوى التقليدية المعيقة للتقدم فتحولت الوحدة الى شعار للحرب من اجل صراع عالمي وتحول المجتمع نفسه الى وقود لمعركة تخدم مصالح الغير.
ظهرت في جنوب الوطن قيادة متحررة نوعا ما من الايديولوجية الشيوعية بزعامة علي ناصر وأصبحت قريبة من حاجات الواقع ولكنها لم تستطع أن تحدث نقلة نوعية لصالح المجتمع وحاصرتها القوى المضادة المشبعة بالايديولوجيا وكان نتيجة الصراع تفجر الايديولوجيا بطريقة عجيبة أصبحت الولاءات الدنيا هي المحدد الفعلي في الصراع ورغم خروج القيادات المتحررة من المقولات الايديولوجية منهزمة إلا أن الصراع بتلك الطريقة أضعف المنتصر وتحولت المقولات الايديولوجية بشكل فاضح وليس خفياً كما هي عادة الايديولوجيا إلى أداة للحفاظ على مصالح النخبة ليس إلا، كما أن الصراع أسهم افي إعادة التفكير وتم نقد التجربة وهذا مثّل البداية الأولى لعودة الحرية من جديد.
وقعت النخبة الوطنية في الجنوب بأتباعها أيديولوجية مستوردة في أخطاء متراكمة أقلها قسر المجتمع واجباره بقوة السلطة والحزب والسياسات القهرية على الرضوخ لتلك الإيديولوجيا باعتبارها الحق المطلق والقادرة على أخراج الناس من تخلفهم وجهلهم وفسادهم، ولكن هكذا تعامل أعاق المجتمع من تطوره وعمّق تخلفه واستطاعات الولاءات الدنيا أن تخترق النخبة وتفجر صراعاً باسم القيم الحديثة وهي في حقيقتها صراعات متخلفة تحكمها ولاءات المجتمع المكبوتة.
وباختفاء الحرية فان الدولة تضعف لصالح النظام التسلطي ففي الشطر الجنوبي لم تكن الدولة موجودة بالشكل الذي يتصوره البعض وإنما كان هناك نظام قوي قادر على فرض النظام والقانون بالقوة والاكراه ومجتمع مسلوب الإرادة محصور داخل ذاته مغلوب على أمره.
إلا أن المجتمع مع الوقت يتطور باتجاه حصوله على حريته بشكل بطيئ وتطوره اشبه بمقاومة غير مرئية لسياسات النخبة القهرية، وهذا يفسر الخوف الذي أحست به النخبة الحاكمة في الشطر الجنوبي من التغيرات العالمية في المنظومة الشيوعية، ومثلت الوحدة انقاذا لها ولكن المهم في الأمر أنها أخرجت المجتمع من صراع فرضته نخبة عليه بإصرارها على تغيير الواقع بفكر متعال ومتناقض مع حاجات المجتمع ورغباته فكانت الوحدة أشبه بحركة تحرير بالنسبة للمجتمع من قسر وقهر النظام.
تفسيرات خاطئة
ويمكن القول إن الوحدة كانت هدفاً جوهرياً في فلسفة النخبة الحاكمة في الجنوب ولكن ايديولوجيتها المتعالية شكلت عائقاً كبيراً امام انجازها واعتقدت بفعل آليات عملها وتفسيراتها الخاطئة أن قوى المجتمع التقليدي شمالا وجنوبا هي العائق وهذا يفسر لجوءها للعنف واستراتيجيتها في تصفية القوى التقليدية كمقدمة لتحقيق الوحدة ولو استمرت سياسة العنف ما تحققت الوحدة.. وعلى النقيض من ذلك تبنى المؤتمر وقيادته السياسية استراتيجية سلمية وتدرجية من خلال الحوار والنقاش ولا يمكن تحقيق الوحدة إلا برضى الاطراف كلها بمعنى آخر أن المؤتمر جعل من الحرية شرطاً أساسياً للوحدة وهذه السياسة هدأت من الصراع بين الاشقاء وكانت مدعومة من أطراف نخبوية في الجنوب غلبت العقل على الايديولوجيا.
ولان الوحدة كانت تعبيراً حقيقياً عن إرادة الناس ونتاج الحرية فقد اقترنت بالديمقراطية ومثل المؤتمر القوة الرئيسية الدافعة لتحقيق الديمقراطية ودافع عنها بكل قوة عن قناعة تامة.
تعاملت الأحزاب الأيديولوجية مع الديمقراطية كأداة لتحقيق هيمنتها ليس إلا والدليل على ذلك أن الحزب الاشتراكي رفض نتائج الديمقراطية ولم أجد لها تفسيراً إلا أنها كانت معاكسة لمصالح نخبته وأيضا هيمنة الفكر الشمولي على عقلية الحزب الاشتراكي وسلوكه بسبب أن الحزب انتقل إلى الليبرالية بسرعة ومارس فكراً مناقضاً لما ظل يحاربه طوال تاريخه، فتعامل مع الديمقراطية بانتهازية ولكن الفكر السابق ظل في بنية الحزب وتكويناته المختلفة فالعقلية الثورية المحكومة بالصراع وقيم ومفاهيم اليسار جعلتهم يتعاملون مع الحرية والوحدة والديمقراطية والتنمية وفق الاطار المفاهيمي السابق، أما اليبرالية فظلت شعاراً مرفوعاً ولكن بصورة مثالية ومتعالية عن الواقع.
وهذه النقلات الفجائية من الماركسية إلى نقيضها أدخلت الحزب في دوامة من الصراع مع نفسه والمجتمع من حوله واتجه نحو ممارسة السياسة بطريقة غريبة يطرح حلولاً طوبائية ويتحدث عن الافكار الليبرالية بصورتها المثالية ويطالب الآخرين بها بصرف النظر عن الواقع المحيط وظروف المجتمع والدولة ولكنه في ممارساته وتحركاته وتحالفاته متناقضه مع أطروحاته.
كان الأجدر بالحزب أن يمارس النقد لتجربتها السابقة ومحاولت فهم الواقع الجديد وتحولاته المختلفة وقراءة الليبرالية قراءة متجاوزة للفكر السابق الذي كان يرى منها بنية فوقية تستخدمها النخبة الحاكمة لتزييف وعي الجماهير، لأسهم في ترسيخ الحرية والديمقراطية.
وبدلا من ذلك مارس نقد على دولة الوحدة وشكك بها وعلى المجتمع والنخبة المشاركة له في الحكم ودخل في صراع مع شركائه وقام بتفسر الواقع بطريقة معكوسة متأثرة بعقائده السياسية السابقة فأصبحت الدولة وادواتها المختلفة بما في ذلك الديمقراطية ومؤسساتها ادوات للعسكر والقبيلة والقوى التقليدية للهيمنة على الثروة والسلطة، وكانت أهداف الحزب هذه المرة واضحة ولم تعد ملتبسة ومتسترة بالايديولوجيا فالحفاظ على مصالح النخبة الحزبية هي الأصل والفصل، وعندما وجدوا أن الديمقراطية ربما تصل بهم إلى المعارضة وكان من الصعوبة مقاومتها فاتجهت القيادة نحو الانفصال وفرضه بالقوة كطريقة لحماية مصالحهم وتخلصاً من تبعات الديمقراطية.
تعامل انتهازي
ويمكننا تفسير تصرفات الاحزاب الايديولوجية الحداثية أو الدينية في تأكيدها على الديمقراطية بشكل دائم وبصورتها المثالية ثم رفضها لنتائجها لأنها تتعامل بانتهازية مع الديمقراطية وتمارسها لا عن قناعة تامة بل كأداة تمكنها من السلطة حتى تتحكم بها وتحولها إلى أداة لقهر المجتمع وإجباره على اتباعها بمعنى آخر لا يمكن للأيديولوجيا أن تقبل بالديمقراطية وهي في الاصل لا تؤسس للحرية في بنيتها الفكرية وسلوكها.
ويمكننا القول إن أصحاب الفكر المؤدلج يحملون كراهية عميقة لمفهوم الحرية والآليات الديمقراطية في اللاوعي خصوصا في الحالات التي تعيقهم من تحقيق هدفهم في الاستيلاء على السلطة.
فمثلا عندما يحصل الحاكم على الغالبية المريحة في الانتخابات تبدأ أحزاب المعارضة بقراءة النتائج بصورة خاطئة ويتم وضع تبريرات كلها تصب في خانة اتهام الحاكم بالتزوير وباستخدام وسائل غير مشروعة للفوز وكل قول ممكن إلا ان يتم نقد الذات وفي الحالات التي يكون المؤدلج على قناعة تامة بصحة النتائج وان التجاوزات ليست كبيرة يلقي باتهاماته على الشعب ويتم استخدام الفاظ تلغي حرية الشعب ويصبح الجهل والفقر والتخلف هي الصفات التي تلقى على الناس وهنا مكمن الحطورة لان النخبة تتولد لديها قناعات ان الشعب عاجز ولا يعرف مصالحة وتبدأ النخبة بمصادرة ارادة الشعب من خلال الادعاء بانها هي الممثل الفعلي للشعب وافكارها هي العلاج الناجع لكل مشاكل المجتمع واخراجه من كل ازماته ويصبح خطابها اكثر تطرفا ويطالب بالتغيير الجذري والشامل ويتم بناء رؤية تغييرية مثالية قائمة على مقولات اشبه بافتراضات غير محققة ولكنها تتحول إلى حقيقة مطلقة.
والتغيير الشامل يحتاج الى تعبئة الانصار والناس من خلال نقد الواقع بهدف تدميره لانه شر محض وخلق واقع مختلف متخيل في بنية الايديولوجيا والمشاريع المعبرة عنها والتعبئة ضرورية لتزييف الوعي وتحريك العاطفة وبالتالي يتم بعث اللاعقلانية في فهم الواقع والاحداث ويصبح التحريض وممارسة العنف بصورته الفكرية والمادية وسيلة ضرورية لاحداث التغيير بما يعني أن العنف كامن في بنية الايديولوجية المطالبة بالتغيير الشامل.
والمتابع يجد أن أحزاب المشترك كلها أحزاباً ذات نزوع أيديولوجي وتتعامل مع الواقع والحرية والديمقراطية بالطريقة الآنفة الذكر مما يجعلنا نؤكد أن المشترك ربما يقود البلاد نحو العنف.
والمشكلة الأكبر أنه يتعامل مع مسألة التغيير أيضا بعقلية تحكمها فكرة النضال أو الجهاد بصورته التي ترى في الآخر (الحاكم) العائق الوحيد أمام التغيير ويتم سحب التجربة التي مر بها العرب في فترة التحرر الوطني على الواقع الراهن ويصبح الحاكم هو الاجنبي ويصل الامر بالمعارضة إلى توصيف الواقع بنفس الطريقة التي استخدمتها حركات التحرر الوطني ووصف الحاكم بطريقة وصف الاجنبي المستغل والظالم والمتناقض مع إرادة الشعوب ويصبح النظام السياسي هو سبب الهزائم العربية وعجز المشاريع العظيمة في الداخل والخارج ويصبح الحل الرحيل وهنا تضيع الحرية في متاهات التفسيرات الخاطئة وتتحول التعبئة إلى أداة لتزييف وعي الناس.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|