نجيب غلاب -
الهجوم على غزة جزء من معركة كبرى تدور في المنطقة، إسرائيل ليست إلا أداتها البشعة والفلسطيني العادي هو الضحية، وإذا كانت هذه الحرب حاجة إسرائيلية فهي مطلب دولي وإقليمي وفلسطيني وكل طرف يوظف الحرب بما يخدم مصالحه على المدى البعيد.
كانت حماس تدرك أن سيطرتها على غزة سيمكنها من تحديد مصير التسوية السلمية بما في ذلك السورية الإسرائيلية، واتبعت حماس إستراتيجية وضعت الجميع في مأزق لا مخرج منه إلا بتغيير آليات السيطرة على الأرض، ومع فشل المصالحة الفلسطينية أصبحت الحرب حتمية لتغيير المعادلة التي فرضتها حماس.
ولم تكن الحرب هي الحل للأطراف الإقليمية والدولية فحسب بل أصبحت مطلبا لحماس حتى تتمكن من الخروج من مأزقها فقد بلغت شعبيتها أدنى مستوياتها في الداخل الفلسطيني كما أنها أصبحت شبه معزولة على المستوى الخارجي وتمكنت إسرائيل بتعاون أطراف دولية وإقليمية وفلسطينية من فرض حصار مميت على غزة، حماس لم تكن تخشى الحرب بل سياساتها كانت تشجع المخطط الإسرائيلي وهي تدرك أن الحرب لن تضعفها كما تتوهم إسرائيل.
من الواضح أن الحرب قد أعادت لها زخمها، كما أن حماس تعتقد أن نتائج الحرب لن تخرجها من المعادلة الفلسطينية بل سوف تتمكن من تحقيق أهدافها، والتنازلات التي ستقدمها في المرحلة القادمة للعملية السلمية سوف تعطيها بالقوة وهذا يسهل لها تبرير مواقفها القادمة ويمكنها من مراجعة ترسانتها الإيديولوجية الرافضة لعملية السلام، وهنا مكمن المكاسب السورية التي ستكون ربحت ورقة في مفاوضاتها القادمة مع إسرائيل التي تتحجج بوجود الفصائل الفلسطينية في دمشق.
تراهن حماس أولا على الضمير العالمي وأن الرأي العام العالمي سيتحرك لمواجهة آلة الدمار الإسرائيلي والتعامل مع القادة الإسرائيليين كمجرمي حرب وبالتالي ضرب إسرائيل في مقتل بإظهارها كدولة مجرمة لا أخلاق لها، فكلما زاد عدد الضحايا الأبرياء سوف تبدو غزة كمحرقة كبيرة يوقد نيرانها جيش إسرائيلي بوجه نازي، وتراهن ثانيا على انتفاضة الشارع العربي لتغيير المعادلة في الموقف الرسمي العربي لصالحها، وثالثا: على انتفاضة الضفة الغربية في مواجهة مواقف السلطة الفلسطينية وربما انقسام فتح وتكوين تيار متوافق كليا مع سياسات حماس.
حماس لا تهتم بالضحايا فهم سيذهبون إلى جنات الخلد، أما بنيتها التنظيمية فستظل متماسكة بل أنها تمكنت من بناء تعاطف إسلامي لصالحها والذي سيمدها بالمال الوفير لتتمكن لاحقا من إعادة بناء نفسها في الداخل الفلسطيني وتوسيع قاعدتها في الشتات الفلسطيني، أما ما تدمره الحرب فحماس على يقين تام أن ما يدمره العدو سيبنيه العرب والمساعدات الدولية. بالنسبة لحماس الحرب ستحقق لها مكاسب ولكنها ستعمل على تشويه صورة إسرائيل ووضع شرعيتها على المحك لدى الرأي العام العالمي، وأيضا توليد حالة من الغضب والكراهية لدى المسلمين في أنحاء المعمورة مما يجعل من مسألة قبول إسرائيل في أي عملية سلمية قادمة مسألة صعبة.
فيما يخص الدول العربية مجتمعة بما في ذلك سوريا فقد اتخذت قرارها الرسمي وجعلت من السلام خيار محسوم وإذا كانت الدول العربية تضغط على حماس لقبول اتفاقيات السلام فإن سوريا تدفع حماس للمقاومة لتقوية موقفها التفاوضي إلا أن سوريا لا يمكن أن تبني سلامها مع إسرائيل في ظل جمود المسار الفلسطيني وفي ظل إقامة الفصائل الفلسطينية الرافضة للعملية السلمية في دمشق وأغلب هذه الفصائل كحماس والجهاد تضع خيار المقاومة الدائمة خيار وحيد، لذا فإن سوريا تدعم المقاومة وتدفعها نحو التهور وتدرك أن الاندفاع المستميت باتجاه المقاومة سوف يضعف حماس وهذا ما تريده سوريا التي لديها قناعة أن الحرب الحالية ربما تقود حماس لتهدئة دائمة لكن سوريا تريد أن تتم الصفقة عبرها أو عبرها من خلال تركيا الوسيط بين إسرائيل وسوريا.
من ناحية أخرى سوريا تدرك أن إيران تقاوم قرارها السيادي الباحث عن السلام من خلال استغلال الذخيرة الإيديولوجية لحركات المقاومة الإسلامية ومن خلال توظيف فشل العملية السلمية الناتج عن إستراتيجية إسرائيل المدمرة لكل سلام في المنطقة، والقارئ لوضع المنطقة لابد أن يلاحظ أن إيران هي الدولة الوحيدة الرافضة للعملية السلمية، فصراعها مع الولايات المتحدة مازال مفتوحا ومصالحها الوطنية تقتضي استمرار الصراع في المنطقة دون أن تكون طرفا فيه وتوظيف الصراع لخدمة إستراتيجيتها ولديها آمال كبيرة بصفقة كبرى مع الولايات المتحدة على حساب الجميع.
ولابد من التذكير أن مصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة المدركة لمخاطر الصراع الفلسطيني ومخاطر الحرب الإسرائيلية على غزة ومخاطر التدخل الإيراني في القضية الفلسطينية، حاولت مصر منحازة لمصالح الفلسطينيين العليا ولأمنها القومي كبح سيطرة حماس على غزة من خلال مصالحة وطنية فلسطينية شاملة، ولكن البناء الإيديولوجي لحماس وعقائدها السياسية وإستراتيجيتها وتحالفاتها جعلتها تقاوم الأطروحات المصرية، وفي المقابل إيران تدرك بدورها أن أي تسوية بين الفلسطينيين يعني خسارة حماس لقوتها وقبولها بالعملية السلمية حتى لو تمكنت من التواجد بقوة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، الانقسام الفلسطيني بالنسبة لإيران واستغلال وضع حماس وسوريا هو المدخل لتفجير العملية السلمية والمنطقة.
وعلينا أن نكون واضحين بالقول أولا: بأن صناع القرار في سوريا ومصر وإيران وتركيا وإسرائيل، يتعاملوا مع الصراع بطريقة خادمة لمصالحهم الوطنية رغم تناقض الوسائل المتبعة وثانيا: أن القضية الفلسطينية ضحية التدخلات الخارجية أما الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ فهم ضحايا الصراعات العقائدية والسياسية لجميع الإطراف وليست إسرائيل إلا الأداة المتوحشة لتنفيذ المهمة.
وإذا كانت الأوضاع قبل الحرب قد أوصلت مصالح الجميع إلى خيار أن الحرب هي الحل الوحيد لحل التعقيدات الناتجة عن سيطرة حماس على غزة إلا أنه يمكن القول إن طبيعة الأزمة وتطوراتها سيجعل نتائج الحرب غير مضمونة للجميع، فالحرب الحالية إذا استمرت لن تقود إلى تغيير جذري في رؤى الإطراف المتنازعة إلا إذا تحرك الرأي العالمي بقوة وحسم وبآليات عنيفة أو توسعت الحرب وأصبحت الإطراف مجبرة على تبديل مواقفها، وهذا الأمر لا يمكن حدوثه كما ينطق واقع الحال لذا فإن حماس مطالبة بالتنازل عن ما تعتبره حق مطلق لصالح التهدئة، لأن الاستمرار في الحرب وتزايد عدد الضحايا وانتظار لحادث من خارج الحدود في الدول العربية ـ وهذا ما تتمناه إيران ـ لن يخدم حماس، بل ربما يكون الحادث القادم قاتلا لحماس فالخطر الأكبر أن تغطي إسرائيل جرائمها بعملية كبرى للقاعدة تهز الرأي العام العالمي وتمنح إسرائيل مبررات القتل الجماعي وتحقيق أهدافها.
إيران هي الدولة الوحيدة التي تقتضي مصالحها الدفع بالأزمة باتجاهات الفوضى وعرقلة كل المبادرات، فكلما غرقت إسرائيل بوحل غزة كلما زاد الغضب العربي والإسلامي، ولتحقيق مصالحها فإنها تدفع حماس للمواجهة ثم تستغل الصورة التي ترسمها الفضائيات للضحايا لتعبئة الشارع العربي ضد أنظمته وتشجيع الحركات الدينية على الانتفاضة الداخلية، ومصر هي المقدمة الأولى لأوهام إيران.
والقارئ للإستراتيجية الإيرانية سيجد أن إيران لا تريد إضعاف مصر بل أحلامها التي ظهرت من خلال خطابات نصر الله تريد إنهاكها من الداخل أما من خلال استدراجها إلى اتخاذ قرارات مهددة لأمن المنطقة تحت ضغط الشارع المتعاطف مع الضحايا، أو دفع الشارع إلى مواجهة النظام السياسي وإدخال مصر في فوضى عارمة لصالح الحركة الأخوانية.
والمتابع سيلاحظ أن الخطاب التحريضي الإيراني على مصر لم يباركه سواء الإخوان المسلمين في العالم العربي، فسقوط مصر في براثن الحركة يعني انتصارها في كل الدول التي لها تواجد فاعل فيها بما في ذلك سوريا، وقد بارك عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين كل الحملات الدعاية ضد بلده والتي تهدف إلى تشويه مصر وإضعافها وتحميلها نتائج الفعل الإجرامي لإسرائيل ونتائج أخطاء الفلسطينيين أنفسهم وتحميلها نتائج الهزائم العربية.