فائز سالم بن عمرو -
تسربت النظرة الليبرالية المتعالية الى الخطاب النسوي الذي يجتر النظريات الغربية كاملة ويسقطها على واقعه دون تمييز ومراعاة للواقع الثقافي والفكري والاجتماعي والديني للبيئة المحلية، فقد وجدت الباحثة د. نهى القاطرجي ان الخطاب الغربي الليبرالي تسرب الى البرامج النسائية الجادة فضلاً عن البرامج النسائية التجارية، فقد أحصت القضايا المعالجة في أشهر البرامج النسائية الجادة وهي:
برنامج “للنساء فقط” على شاشة الجزيرة، وبرنامج “نساء بين النجوم” على شاشة السعودية، وبرنامج “حواء في مهمة صعبة” على القناة المصرية الفضائية الاولى، وبرنامج “نون النسوة” على قناة إي آر تي ، وبرنامج “كلام نواعم” على قناة “mbc” ، فتوصلت الى النتائج الآتية:
- أكثر موضوعات البرامج مستقاة من أجندة الأمم المتحدة مثل التركيز على موضوع “العنف ضد المرأة” ونحوها.
- تهتم بالمرأة في فترة الشباب والنضج بين سن 16-40 عاماً تقريباً، وإهمال قضايا ومشكلات المرأة في سن الكهولة والشيخوخة.
- التركيز على المرأة في المدن وإهمال المرأة الريفية والاهتمام ببعض النساء دون غيرهن كالطبيبة او حتى البائعة في المحال التجارية، وذلك دون التطرق لبعض الشرائح النسائية الاخرى، وخاصة المرأة ربة البيت على اعتبار أنها امرأة غير منتجة لأنها لا تؤدي أية وظيفة اجتماعية.
- لغة الخطاب في هذه البرامج تسوده الندية والصراع بدلاً من الحوار والإقناع.
2- الاتفاقيات والمواثيق الدولية:
تستعمل النساء والمنظمات الحقوقية سلاحاً ذا حدين في المطالبة بحقوقها المجتمعية والسياسية وهو سلاح الاتفاقيات الدولية التي تلزم وتضغط الدول الموقعة عليها لتنفيذها.. من أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المنعقدة عام 1979م المعروفة بـ”السيداو” التي تدعو جميع الدول الاطراف في الاتفاقية والمصادقة عليها بإيصال المرأة الى مواقع القرار بنسبة لا تقل عن 30٪، ومؤتمر بكين الذي عقد في عام 1995م، ولا يستطيع عاقل أن يقف ضد أي منهج أو طريقة لاستعادة المرأة لحقوقها المشروعة، ولكن العقدة في هذه المؤتمرات الدولية أن لها وجهين، وجهاً جميلاً ومشروعاً يعطي المرأة حقوقها ويناضل لتحسين صورتها في مجتمعها، ووجهاً سيئاً قبيحاً تفوح منه العنصرية وإلغاء الحضارات والثقافات ويروج للمفاهيم الحيوانية المنحطة التي تنقض المجتمعات وتقوض الاسرة والحياة الانسانية، فمن القضايا السلبية التي طالبت بها هذه الاتفاقيات الآتي:
- نادت اتفاقية التمييز ضد المرأة على أن الدين شكل من أشكال التمييز ضد المرأة، بل إنها نصت على اتخاذ كافة التدابير التشريعية والقانونية لإزالة هذا التمييز كما في الفقرة “و” من المادة الثانية - الدعوة الى حرية العلاقات الجنسية المحرمة لأنها من حقوق المرأة الأساسية - نشر مفهوم الجندر “النوع الاجتماعي” كبديل عن مصطلح الجنس وإبطال مفهوم الذكر والأنثى والمفهوم التقليدي للأسرة - الاعتراف بالشذوذ الجنسي - الدعوة الى التثقيف الجنسي في المدارس - الاعتراف بالإجهاض وسَنّ القوانين لحماية هذه الممارسة - مساواة الرجل والمرأة في حق الميراث.
تُسمع كثير من الصرخات من المنظمات النسائية والمطالبة بحقوق النساء بالاحتجاج في وجه الحكومات والأحزاب والمجتمعات للإذعان لتطبيق هذه الحقوق لأن أغلبية الدول موقعة على هذه الاتفاقيات كما هي في المادة “6” في الدستور اليمني التي تعترف بالاتفاقيات الدولية وضرورة تطبيقها، مع ان اليمن قد تحفظت على مواد كثيرة في هذه الاتفاقيات، وخطورة هذا الخطاب أنه ينفر أكثر المتعاطفين مع المرأة ونيل حقوقها ويجعل المجتمع يدير ظهره لهذه المطالب ويرفضها، فعلى المطالبين بحقوق النساء الاقتصاد في هذا الخطاب وعدم الاعتماد الكبير والقوي على الاتفاقيات الدولية لتكون مصدر ضغط وابتزاز للدول والاحزاب والمجتمعات لتطبيقها او على الاقل أن نبين للمجتمع أننا نرفض كثيراً من مواد وتشريعات هذه الاتفاقية، ونطالب الالتزام بتطبيق ما يتوافق مع ثقافتنا وفكرنا وديننا، ولا نوجه خطاباً عاماً فضفاضاً ومتعصباً يتكئ على الاتفاقيات الدولية ويستقوي بها لأن ضرر هذا الخطاب أكثر من منافعه.
3- الأحزاب السياسية:
تبيّن الدراسات أن المدخل الصحيح والسليم والأكثر فعالية لإشراك المرأة في الحياة السياسية وتهيئة جوٍّ من القبول والتفهم لإشراك النساء ودمجهن في صنع القرار يكون عن طريق الاحزاب لأنها الطريق الشرعي للوصول الى المجالس التشريعية والمحلية وهي صاحبة القدرة على قبول المجتمع وتفهمه للنساء من خلال ما ترفعه من خطاب سياسي وما يضمنه برنامجه الحزبي والانتخابي، والمحك الأساس هو قوائم المرشحين التي يشارك بها وما هي نسبة النساء فيها وهل يرفع شعارات المطالبة بحقوق النساء وإنصافهن للصعود بأصواتهن أم أنه يوافق الشعارات أفعال موازية وواقعية.. وإذا عدتَ الى واقع المرأة وموقعها في الأحزاب اليمنية ومكانتها في برامجها الانتخابية لوجدتَ حضوراً ضعيفاً ملتبساً او هامشياً، فالأحزاب ترفع خطابات وتتبنى شعارات إدماج النساء وإشراكهن في شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مناقض ومنافٍ لأوضاع النساء في واقع هذه الاحزاب، فبعضها يراها مجرد صوت انتخابي لا ترقى الى أن تكون مرشحة او ممثلة لحزبه، والبعض الآخر يرفع خطاباً تاريخياً محنطاً قاصراً حقوقها على الأمومة وإنجاب الاطفال، وآخر يقدم خطوة للمرأة وينتزع منها عشراً في مراحل أخرى، فعلى الرغم من بلوغ عدد النساء في خمسة من الأحزاب الكبرى والجماهيرية 12.975 امرأة الا أن 259 امرأة وصلت الى مركز القرار بنسبة 2٪، فما لم يصل عدد النساء في الاحزاب لعدد موازٍ او مقارب لأعدادها في المجتمع او على الاقل مشابه لأعدادهن في جداول الناخبين ، وأن يكون هذا الوجود في كل المستويات الرأسية والأفقية، أي في القاعدة والقيادة، سيظل وجودهن صورياً وليس له تأثير في سياسة الحزب او في الملعب الانتخابي، وقد أرجعت النساء اسباب تدني مشاركة النساء في العمل الحزبي في استطلاع لآرائهن بنظرة المجتمع التقليدية والثقافة المجتمعية الاسرية إضافة الى عدم وجود رغبة واقتناع لدى الاحزاب لمشاركة النساء وتقبلهن، 31٪ من النساء امتنعت من المشاركة السياسية خوفاً من مخاطر العمل السياسي وصراعاته، و 26٪ لعدم الإحساس بجدية الاحزاب في مشاركة المرأة، و15٪ لطريقة إدارة العمل الحزبي الذكورية، و 8٪ لأن الاحزاب لم تقدم شيئاً يدفع للاقتناع بالمشاركة، كما أن أغلب نشاطات النساء في الاحزاب تقتصر على النشاط الاجتماعي والخيري بنسبة 62٪، بينما احتل النشاط السياسي والتنظيمي نسبة 35٪، كما تعتقد نسبة 22٪ من النساء ان الحزب لا يدفع بالنساء للترشيح للانتخابات ، ونسبة 29٪ ترى أن قيادة الاحزاب ترفض ترشح النساء بحجة عدم تقبلها من المجتمع.
أما عن موقع النساء في برامج هذه الاحزاب وهل عكست هذه البرامج والاطروحات طموحات النساء وعالجت حقوقها ومطالبها بشكل شمولي وواقعي قابل للتطبيق والممارسة أم اتخذت المرأة رهينة ومادة إعلانية انتخابية لتغريها وتنتزع أصواتها ثم تدير لها ظهورها وتقفل دونها أبواب أحزابها.. فسلكت الاحزاب في برامجها تصرفاً متناقضاً، فالأحزاب والتنظيمات السياسية الليبرالية والقومية واليسارية تقبل بمشاركة المرأة في المجال العام سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أي تقبل بها نظرياً وترفضها انتخابياً لأن الواقع الانتخابي لا يعترف إلا بمبدأ الربح والخسارة، وكان الغرض هو الفوز بالمقعد الانتخابي فقط دون ان يكون الغرض المنافسة وتهيئة الجو لترشح النساء واكتساب الخبرات والإعداد والتدريب للانتخابات او يكون الغرض المبادرة تسجيل موقف قوي ومقنع بإشراك المرأة دون نظر الى النتائج، وهذا السلوك المزدوج ساد أيضاً عند الاحزاب الجماهيرية التي حصلت على اكبر حصة في البرلمان والانتخابات، فعلى الرغم من أن هذه الاحزاب تملك تأثيراً شعبياً قوياً ونافست على أغلب المقاعد وهي تملك فرصة كبيرة بترشيح النساء دون ان تتأثر بالخسارة كالاحزاب الصغرى، فهي لم ترشح في الانتخابات النيابية سوى خمس نساء فقط فازت منهن واحدة.