أ.د/ عبدالصمد عبدالملك هزاع - للتعليم أهمية بالغة في حياة المجتمعات، ويحظى باهتمام متزايد من الدول باعتباره المنظومة التي تغذي المجتمع بكل احتياجاته من الكوادر البشرية، ومن أهم السبل لإحداث التطور الحضاري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ويحظى قطاع التعليم في اليمن بأهمية استثنائية، ويتصدر قائمة الانفاق الحكومي، وتأتي هذه العناية والاهتمام في سياق الرعاية التي يوليها فخامة الأخ علي عبدالله صالح لبناء الإنسان اليمني، وليحتل التعليم حيزاً مهماً في سلم أولويات التنمية البشرية، من خلال دعم جهود الحكومة في اتجاه توسيع قاعدته، وتطويره، وتوجيه مزيد من الدعم للنهوض به، وزيادة الاستثمار فيه، وتفعيل دوره في التنمية.
والجمهورية اليمنية، وهي تمر بمرحلة حاسمة من مراحل النمو الاقتصادي، بحاجة إلى التركيز على التعليم، لتحقيق حد أعلى من النجاحات، في المجالات التنموية المختلفة، من خلال تأهيل كادر بشري قادر على التعامل مع التقنيات الحديثة وتوظيفها لصالح التنمية، ولتنفيذ توجيهات القيادة السياسية في هذا المجال ولتحقيق التنمية الشاملة بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، عكفت الحكومة على وضع الخطط لتحقيق هذا الهدف، لإدراكها ان التنمية الشاملة بحاجة إلى أعداد كبيرة من الكفاءات العلمية المدربة من المستويات والمهارات المختلفة والتي تلبي احتياجات مؤسسات العمل المنتجة، وتضيف جديداً إلى الناتج القومي.
وإذا كانت دواعي التنمية الشاملة، الاجتماعية والاقتصادية، تتطلب بصفة عامة الاهتمام بالتنمية البشرية، والنهوض بها، في عملية مستمرة لاتتوقف، فإن من أولويات هذا الاهتمام رفع كفاءة مؤسسات التعليم الحالية، والرقي بمستوى مخرجاتها، وتطويرها على النحو الذي يلبي متطلبات التنمية، واحيتاجات سوق العمل في المستقبل القريب والبعيد، بالإضافة إلى التوسع في إنشاء مؤسسات تعليمية جديدة، والتي ستشكل إضافة نوعية للمؤسسات التعليمية الحالية، وتنسجم وتتكامل في وجودها وعطائها مع متطلبات المرحلة، على أن يكون هذا التوسع في الاتجاه الصحيح، وفي التخصصات المطلوبة التي تساهم في الدفع بعجلة التنمية وتحافظ على ديمومتها.
تنمية شاملة
وقد ساهم التعليم طيلة السنوات الماضية في التنمية الشاملة للمجتمع اليمني، وذلك بإعداد جملة من القيادات التي تتمتع بكفاءة علمية وتقنية في العديد من المجالات، غير ان التعليم أصبح خلال العقدين الماضيين عرضة للانتقادات نتيجة اعتماد طرق التلقين والحفظ التي تفقد الأجيال عادة التفكير الإبداعي والقدرة على التحليل وتفسير المتغيرات، وما ينتج عن ذلك من عدم استخدام للتفكير العلمي البناء، فيعاني نتيجة لذلك المجتمع من قلة في الأفراد القادرين على تقديم مايعمق الفكر، وتندر الابتكارات والتجديد، ويظل المجتمع معتمداً على ما تقدمه له المجتمعات الأكثر تقدماً، فيعاني من ضعف القدرة على استخدام ما ينتجه الآخرون من تقنيات، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة استخدامه لتلك التقنيات كما تنحسر قدرة هذا المجتمع على مواكبة التطورات المتلاحقة وبوتيرة متسارعة.. ولهذا برزت هناك ضرورة للمراجعة الشاملة للخطط والبرامج التعليمية في الفترة المنصرمة، وتالياً تعزز التركيز على ذلك في البرنامج الانتخابي لمرشح المؤتمر الشعبي العام.
ولعل من أهم التحديات التي تواجه التعليم هي متطلبات الجودة والنوعية، وتعزيز الكفاءة المؤسسية، وتخفيف العبء على موازنة الدولة بتنويع مصادر التمويل.
إن تحقيق استجابة جادة لهذه التحديات تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، لتأمين مطالب التميز والإبداع في التعليم، وهو المطلب الأكثر إلحاحاً، والذي لن يتحقق إلاّ من خلال مؤسسات تعليمية فاعلة، تعمل على تنويع الفرص التعليمية والإعداد والتأهيل للكوادر في كافة التخصصات التي يحتاجها المجتمع للنهوض والرقي وهذا ما تم التطرق إليه في البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس.
وإن المتتبع لمؤشرات التعليم في اليمن يلاحظ التوجه الجاد للدولة في تأسيس تعليم متطور، استجابة لتوجيهات فخامة الرئيس ولإصراره المستمر على ضرورة التغيير بانتهاج أسلوب التخطيط الاستراتيجي، والاستعداد لمواجهة المستقبل والتغلب على التحديات.
وتُرجمت تلك الاستجابة من خلال رؤية مستقبلية لاستراتيجيات تطوير التعليم، تبنتها الوزارات المعنية الثلاث (وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم الفني والمهني ووزارة التعليم العالي)، والتي لم تركز فقط على حل المشاكل الآنية التي تواجه التعليم، بل تتعداها إلى تطوير وتعزيز القدرة المؤسسية وتنويع هياكل وبرامج ومؤسساته، وتنويع مصادر تمويله، وتشكيل نظام جديد للتعليم يتسم بالجودة والمشاركة الواسعة وتعدد المسارات، وتجويد المخرجات، ويساهم بفاعلية في تحسين نوعية الحياة وخدمة المجتمع.
كل ذلك يأتي في إطار الاهتمام المنقطع النظير لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح بالعنصر البشري، وتكريس الجهود لبناء الإنسان وإعداده، وتأهيله ليكن قادراً على التعايش مع عصره، والتفاعل الخلاق مع التطورات الحضارية والتكنولوجية لقد توالت توجيهات فخامته خلال السنوات الماضية للحكومة بإعطاء أهمية كبرى للتنمية البشرية، ولذلك وجه ببذل المزيد من الجهود لتطوير ونشر الجامعات ومراكز البحث العلمي.
توجه جاد
إن التوجه الجاد الذي يوليه فخامته لتطوير الإنسان اليمني خلال مسيرته التنموية نابع من ثقته الأكيدة بأن الإنسان عنصراً أساسياً في التنمية المستديمة فهو أداتها وهدفها في نفس الوقت، وتنميته ليست مجرد تنمية علمية تكنولوجية، بل أيضاً تنمية المجالات الاجتماعية والثقافية والنفسية والأخلاقية، وغيرها من المجالات، ولإيمان فخامته بأن الاستثمار في العنصر البشري هو أفضل أنواع الاستثمار، وتتويجاً لتلك الجهود الحافلة بالعطاء يأتي برنامجه الانتخابي ليرسم مؤشرات لتوجهات المرحلة المقبلة، ليعطي أولوية قصوى في البرنامج لتطوير الإنسان، لإيمانه العميق بهذا المعين الذي لاينضب، مفرداً فخامته حيزاً واسعاً واهتماماً كبيراً للتعليم، من منطلق ان تقُدم المجتمعات ورقيها يرتبط بشكل أساسي بنوعية إعداد وتأهيل الكادر البشري الواعي والمثقف، والمتسلح بالمعارف والمهارات، التي تجعله قادراً على مواكبة التطورات المتلاحقة في شتى المجالات لاسيما في بناء اقتصاد المعرفة الذي يلعب فيه التعليم والبحث والتجديد الأدوار الأولى، والذي يشكل فيه الذكاء الإنساني والإبداع الجماعي العامل الأكبر، ويتميز في الاستثمار في المعرفة والتعلم مدى الحياة، والبحث والتطوير، واستخدام التقنيات الحديثة، وشبكات الاتصالات لتهيئة أرضية ملائمة وبنية تحتية تخدم التجديد والإبداع.. وبالتالي برز في البرنامج الانتخابي الاهتمام بالبحث وإنشاء المراكز الخاصة بالبحث والتطوير، لرفع مردودية القطاعات الاقتصادية، وزيادة الإنتاجية، وسيتقدم ذلك ويواكبه إعداد للباحثين واستقطاب لأحسن الكوادر، لتشكل طليعة من الباحثين في الحقول العلمية والتقنية والواعدة، لتحقيق نوعية راقية للبحوث النظرية والتطبيقية والتكنولوجية كل ذلك سيتحقق من خلال مخرجات منظومة التعليم وعلى وجه الخصوص مؤسسات التعليم العالي والتقني والفني، والتي يوليها البرنامج الانتخابي عناية واهتماماً خاصاً من خلال التركيز على عوامل التميز المتعددة والمتكاملة.. كما أولى فخامته للبحث العلمي المزيد من الرعاية والدعم، باعتباره مفتاح النمو وميدان التحدي الرئيسي، كما اعتبره فخامته.
فالاستثمار في الموارد المعرفية لايكن كافياً ما لم تسنده منظومة بحثية وتطويرية راقية والربط بين قطاعات الإنتاج بمختلف أشكالها، والإنتاج الفكري، مع عدم إغفال للبنية التحتية عالية الجودة، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسخيرها لخدمة عملية التنمية المستديمة الاقتصادية والاجتماعية وبناء مجتمع يتجه نحو اقتصاد عالمي مبني على المعرفة.وباعتبار قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المحرك الرئيسي للاقتصاديات الوطنية والإقليمية والعالمية، ويساهم في دعم الاستراتيجيات الرامية إلى التحول إلى الاقتصاد المعرفي، ومن هذا المنطلق تطرق إليه البرنامج وسلط الضوء على هذا الجانب الحيوي المهم، والذي لايمكن الاستفادة منه دون وجود إمكانات وقدرات مادية وبشرية لأن قوة الاقتصاد الوطني والتقدم والازدهار يعتمد على الموارد البشرية المؤهلة، والقدرات الإبداعية لدى أفراد المجتمع، التي تُشكل العنصر الرئيسي في استيعاب واستغلال التكنولوجيا الحديثة لمعالجة المعلومات وتطبيق المعرفة لتحقيق التنمية المنشودة.
توجهات مواكبة للتقدم التكنولوجي
من هنا كانت التوجهات لتطوير التعليم لمواكبة التقدم التكنولوجي وإعداد المهارات والقدرات المعرفية، ورفع مستوى الأداء، والتركيز على النوعية كما سبقت الإشارة، وكما تطرق إليها البرنامج الانتخابي، في تسلسل متناغم ومنطقي ومترابط مع بقية عناصر التنمية والتطور في مختلف مناحي الحياة، وخاصة مايتعلق بالشفافية والديمقراطية والنمو الاقتصادي التي تساعد على تهيئة البيئة المناسبة لتنمية القدرات الإبداعية في المجتمعات والتي باستغلالها بطرق مثلى تساهم في توفير حياة أفضل للمواطنين. كما ركز البرنامج على إعطاء عناية خاصة للأطفال في التعامل مع التقدم التكنولوجي لاسيما مايتعلق بالتعليم والتعلم، وتنمية القدرات الإبداعية والتفكير الخلاق لديهم، لأن الأطفال هم أهم موارد التنمية، والتقدم والازدهار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وعليهم يعتمد عالم الغد.
وأولى البرنامج اهتماماً خاصاً بالمتفوقين، ورعاية المبدعين والموهوبين، بالإضافة إلى المعلمين والتربويين، وضرورة تحقيق استقرار معيشي ووظيفي لهم.. كما شدد على أهمية بناء القدرات لاساتذة الجامعات والكليات، ورفع مستوى معيشتهم، وتحديث أساليب وطرق التعليم وتقنياته.كما لم يغفل البرنامج التطرق إلى الاهتمام بتعليم الكبار ومحو الأمية، وتقليص نسبها وخفض معدلاتها ويأتي التركيز في البرنامج الانتخابي على معالجة هذه الآفة، ووضع خطط طموحة للتخلص منها وتقديم الحوافز المناسبة لتشجيع الأميين على التعليم، وتبصيرهم بأهمية التخلص من النقص الذي يعانون منه، وللوصول بالمجتمع إلى اللاأمية..كما أن هناك ضرورة في نفس الوقت لمعالجة مشكلة التسرب في التعليم الإلزامي التي تساهم في تزايد أعداد الأميين، ما يطيل الفترة التي يمكن خلالها معالجة الأمية، وهذا ماركز عليه البرنامج الانتخابي من خلال التأكيد على مجانية التعليم وتخفيض الرسوم الدراسية لإتاحة الفرصة للجميع..وبهذا نلاحظ التميز العميق في البرنامج الانتخابي لمرشح المؤتمر الشعبي العام، وربط محاوره المختلف بعضها ببعض.
|