موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الزراعة تكشف حقيقة وجود دودة في المانجو - الوهباني يعزي بوفاة الشيخ عبدالرقيب المنيفي - الرهوي يدشن امتحانات الثانوية العامة - 5 شهيدات في غارة لطيران المرتزقة المسير في تعز - صدور كتاب اكثر من (100) شخصية كتبوا عن الاعمال الكاملة للبروفيسور بن حبتور - الأمين العام يعزي الشيخ مبخوت البعيثي بوفاة شقيقه - منظمة دولية: لا مكان آمن في قطاع غزة - حماس ترد على بيان الدول الـ18 - صنعاء.. استمرار الحشود المليونية الداعمة لغزة - 34356 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة -
منوعات
الأربعاء, 18-مارس-2009
الميثاق نت -   الميثاق نت -
تحتفل الجمهورية التونسية الشقيقة يوم 20 مارس الجاري بمرور ثلاثة وخمسين سنة على استقلالها، وهي ذكرى خالدة، ومناسبة وطنية مجيدة، تحييها بكامل النخوة والاعتزاز، ذكرى يوم تاريخي عظيم تخلصت فيه تونس من الاستعمار، واستعادت سيادتها، فكان ذلك اليوم تتويجا رائعا لكفاح شعبها الأبي من أجل الحرية والعزة والكرامة.
إن احتفالات الشعب التونسي بهذه الذكرى المجيدة، تأكيد متجدد لوفاء الأجيال المتلاحقة الدائم لدماء الشهداء وتضحيات المقاومين والمناضلين، وهو احتفال يستحضر فيه التونسيون مآثر الشعب وأمجاده الناصعة، معتزين بتاريخه النضالي وبذاكرته المجيدة، التي تنهل منها الأجيال الحاضرة معاني التعلق بتونس والولاء لها دون سواها.
ولقد كان الاستقلال ثمرة كفاح شعبي طويل، انطلقت شرارته الأولى منذ أن وطأت أقدام الاستعمار أرض تونس في جبال خمير، فتصدى لجيوشه منذ اللحظة الأولى وطنيون أحرار في جبل ماكنة، بكل ما لديهم من سلاح وشجاعة. وكان صمودهم ملحمة متواصلة عبر سائر الجهات، لم تتوقف على امتداد خمس وسبعين سنة، قدم فيها الشعب التونسي أغلى التضحيات وأروع البطولات.
وإنها لملحمة غذاها وعي وطني جذوره نابعة من حركة الإصلاح التونسية، شاركت فيها مختلف فئات الشعب وكل القوى الوطنية، وتمازجت فيها النخب بالجماهير، واضطلع فيها الحزب الحر الدستوري التونسي بدور قيادي رائد في جميع المراحل، إلى جانب المنظمات الوطنية العتيدة والوطنيون الأبرار من كل المشارب.
وإذ يستحضر الشعب التونسي اليوم بعميق الإجلال تضحيات الأجيال المتلاحقة من الشهداء الأبرار والمقاومين والمناضلين، مترحمين على أرواحهم الزكية، فإنه يعبر عن عظيم تقديره لزعماء الكفاح وقادته، وإكباره لما تحلّوا به من وطنية صادقة وإقدام على البذل والتضحية وتحمل الاضطهاد وعذاب المنافي والسجون، فكانوا خير تعبير عن ضمير الشعب والوطن، وفي مقدمة الجميع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، رائد الحركة الوطنية وأول رئيس للجمهورية التونسية.
وقد أكد الشعب التونسي أن الوفاء لإنجازات السابقين، إنما يكون بإثرائها وتعزيزها بما أن الاستقلال أمانة تتوارثها الأجيال المتعاقبة. ومن هذا المنظور أقدم الرئيس زين العابدين بن علي على إنجاز تحول السابع من نوفمبر 1987، وفاء لدماء الشهداء، وصونا لحرمة الوطن وأمجاده، وإنقاذا للبلاد مما بلغته من ضعف ووهن، وما بات يتهددها من مخاطر كادت تعصف بكيانها وتذهب بمكاسبها، وتجعلها من جديد عرضة للطامعين.
- التحول الديمقراطي في تونس:
بتوليه الحكم في 7 نوفمبر 1987 وضع الرئيس زين العابدين بن علي حدا لما كان يتهدد الدولة والمجتمع من أخطار وفي مقدمتها ترهل المؤسسات وتدهور الاقتصاد. ونجح في كسب رهان التحول الديمقراطي في إطار دولة المؤسسات و مجتمع الوفاق الوطني.
وقد استلهم المشروع الحضاري لتحول السابع من نوفمبر من الحركة الإصلاحية التحديثية التي أسهم في تشكيل أدبياتها وإثراء مضامينها عدد هام من رموز النهضة الحديثة في تونس من أمثال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين باشا والبشير صفر وسالم بوحاجب وغيرهم، ليتواصل السند في الإصلاح من خير الدين إلى زين العابدين بن علي مرورا بالطاهر الحداد و عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة...، ومن دستور سنة 1861 إلى بيان 7 نوفمبر 1987.
وتم وضع الأسس الكفيلة بإرساء ديمقراطية حقيقية تدريجيا وبثبات وانسجام، بعيدا عن الهزات. كما تم احترام المواعيد الانتخابية. وبفضل التحول الديمقراطي دخلت أحزاب المعارضة لأول مرة مجلس النواب التونسي سنة 1989. كما جرت لأول مرة انتخابات رئاسية تعددية في أكتوبر 1999.
وفي 26 ماي 2002، تم ولأول مرة تنظيم استفتاء في تونس مكّن الشعب من التعبير عن إرادته في كنف الحرية والسيادة حول الإصلاح الجوهري للدستور.
وأعيد انتخاب الرئيس زين العابدين بن علي رئيسا للجمهورية في الانتخابات الرئاسية التعددية الثانية التي جرت في 24 أكتوبر 2004.
وقد اعتمدت تونس مقاربة نموذجية بهدف تكريس الخيار الديمقراطي حيث تؤمن أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية دون تنمية، ولا تنمية دون ديمقراطية.
وتستعد تونس خلال السنة الجارية لاستحقاقات انتخابية هامة، وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية.




السياسة الداخلية
تجسمت تطلعات الدولة التونسية المستقلة الفتية في قرارات تمثلت في توحيد القضاء على أساس القانون الوضعي وفي إعلان الحريات الفردية وإصدار "مجلة الأحوال الشخصية" التي تعد ثورية في العالم العربي الإسلامي لما تضمنته من مبادئ تكرس حقوق المرأة وتلغي تعدد الزوجات والطلاق التعسفي. وتم في عام 1957 انتخاب مجلس قومي تأسيسي ألغى النظام الملكي وأعلن قيام الجمهورية. كما تم وضع دستور للبلاد التونسية في 1 جوان 1959 يضمن الحريات الأساسية وينظم الحياة العامة على أساس الفصل بين السلطات وينطلق من مبدأ السيادة للشعب يمارسها عن طريق مؤسساته المنتخبة.
إلا أن الأوضاع في البلاد قد شهدت بعد فشل تجربة التعاضد وتأرجح صحة الرئيس الحبيب بورقيبة ابتداء من أواخر سنة 1970 ، أزمات مختلفة ووهن تم استغلاله من طرف تيارات متطرفة سنة 1986 هددت السلم الاجتماعية والحياة الآمنة في البلاد وكادت تعصف بالمكاسب الوطنية لولا إنقاذ البلاد بقيادة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي حقق التحول المبارك و تولى مقاليد الحكم يوم 7 نوفمبر 1987 وفق أحكام الدستور التونسي، وفتح عهد جديد في تاريخ تونس المعاصر.
ومنذ بيان السابع من نوفمبر 1987، تم تأسيس ديمقراطية حقيقية كفيلة بضمان الحريات وحقوق الإنسان.
وأقام نظام العهد الجديد علاقات وطيدة مع كل مكونات المجتمع التونسي وانخرط في إطار مسار وفاقي ضمن إصلاحات عميقة للحياة السياسية وللمؤسسات، وهو ما أدى خاصة إلى إصدار قانون للأحزاب السياسية الذي نظم إجراءات تكوين الأحزاب وأرسى المعالم الأولى لحياة تعددية متطورة. وقد دخلت المعارضة ولأول مرة في تاريخ تونس منذ الاستقلال إلى البرلمان اثر انتخابات مارس 1994. ومنذ الانتخابات التشريعية لسنة 2004، يضم مجلس النواب 37 نائبا يمثلون 5 أحزاب معارضة.
وقد أعلن الرئيس بن علي منذ الأيام الأولى للتغيير إلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية. كما ألغى محكمة أمن الدولة وخطة الوكيل العام للجمهورية، وخفض مدة الإيقاف التحفظي بما يتماشى والمعايير الدولية، وأجرى تعديلات على قانون الصحافة باتجاه دعم حرية الرأي والتعبير، وأصدر العفو على مساجين الرأي.
وبتاريخ 7 نوفمبر 1988، دخلت تونس في مرحلة جديدة بإمضاء «الميثاق الوطني»، القاسم المشترك الذي ينظم العلاقات السياسية بين كل الفاعلين في المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية ومهنية. ويحدد الميثاق الوطني قواعد الديمقراطية ويجمع التونسيين حول التمسك الجماعي بالقيم الأساسية للمجتمع والمصلحة العليا للبلاد.
وقد مكن الاستفتاء الشعبي، الذي نُظم، لأول مرّة في تاريخ تونس، يوم 26 ماي 2002 حول الإصلاح الجوهري للدستور الذي وقعت المصادقة عليه في غرة جوان 2002، من قطع أشواط جديدة على درب الديمقراطية والحريات.
رعاية رئاسية بالطفولة
ولكي تعود الثقة إلى النفوس وتسترجع البلاد حيويتها، تولّى الرئيس زين العابدين بن علي تنقية المناخ الاجتماعي بإعادة الاعتبار إلى الاتحاد العام التونسي للشغل وإقامة الحوار بين الأطراف الاجتماعيين واعتبار العمل قيمة جوهرية إيمانا بأنه بدون خلق للثروات وبدون مجهود للإنتاج والإبداع لا يمكن أن تكون هناك لا عدالة اجتماعية ولا تقدّم.
ومكّنت الإصلاحات الاقتصادية التي وضعت حيز التنفيذ من تحقيق نسق نمو بمعدل سنوي ب 5 بالمائة على مدى العقدين الماضيين.
وتم بفضل إنجاز بنية تحتية عصرية وإرساء إطار تشريعي ملائم استقطاب المستثمرين. وكان للنجاح الاقتصادي الذي حققه الأنموذج التونسي صداه عبر العالم، ووصفه بعض الملاحظين بـ «المعجزة التونسية».
وإيمانا بأهمية ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وضع الرئيس زين العابدين بن علي حيز التنفيذ تصورا شاملا لحقوق الإنسان موليا الاهتمام نفسه إلى كافة الحقوق السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.
وقد جاء الإصلاح الدستوري الجوهري لربيع 2002 لمزيد دعم هذه الحقوق من خلال تحجير أي شكل من أشكال النيل من ممارسة كل فرد للحقوق الأساسية التي يضمنها القانون وسهر الدولة على النهوض بالإنسان والحفاظ على كرامته.
ومن بين تلك الحقوق حقوق الجيل الثاني والثالث والرابع المتمثلة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية والحقوق المتصلة بالتكنولوجيات الجديدة للاتصال، وهي الحق في التربية (التعليم مجاني وإجباري لجميع الأطفال من 6 إلى 16 عاما)، الحق في الصحة (معدل مؤمل الحياة 74.2 سنة)، الحق في الشغل (إحداث الصندوق الوطني للتشغيل (، الحق في السكن (80 بالمائة من الأسر تملك مسكنها حسب التعداد العام للسكان والسكن)، الحق في الخدمات الاجتماعية (نسبة التغطية الاجتماعية بـ 90.4 بالمائة) ، الحق في الثقافة والحق في مستوى عيش لائق (دخل سنوي للفرد يبلغ 4.900 دينارا سنة 2008).

وتم بفضل إصلاح التعليم بلوغ نسبة تمدرس تفوق 99 بالمائة وإشاعة قيم التفتح والتسامح وترسيخ عقلية المساواة بين الرجل والمرأة، هذه المساواة التي دعّمها الرئيس زين العابدين بن علي من خلال عديد الإجراءات الرائدة التي جاءت لتثري مضمون مجلة الأحوال الشخصية وترتقي بتلك المساواة إلى شراكة ناجحة بين الرجل والمرأة.

ومن أبرز سمات شخصية الرئيس زين العابدين بن علي، مقاربته الإنسانية للواقع الاجتماعي وهو دائم الإصغاء إلى مشاغل الشعب. وقد كان الشعور المرهف بالتضامن مع المحتاجين والحرص على نبذ الإقصاء وفك العزلة عن مناطق الظل وتكافؤ الفرص، منطلقا للعمل الجبار الذي أنجزه في هذا المجال. وقد قرر الرئيس زين العابدين بن علي في ديسمبر 1992 إحداث صندوق التضامن الوطني.
وأفضت الجهود المبذولة من أجل الرقي الاجتماعي إلى التقليص من نسبة الفقر إلى حدود 3.8 بالمائة والتوسيع في الطبقة الوسطى للمجتمع التونسي لتمثل قرابة 80 بالمائة من مجموع السكان.
إستقبال شعبي للرئيس زين العابدين بن علي
ويتابع التونسيون باهتمام الزيارات الفجئية التي يقوم بها رئيسهم إلى المناطق النائية أو إلى الأحياء غير المحظوظة أو إلى المؤسسات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية. وغالبا ما تتبع هذه الزيارات نتائج ملموسة إثر عقد اجتماعات وزارية يشرف عليها رئيس الدولة شخصيا ويتخذ خلالها القرارات الملائمة.
ويعمل الرئيس زين العابدين بن علي من خلال تفاعله مع الشعب على تجسيم مفهوم التضامن الوطني الذي يمثل ركيزة سياسته الاجتماعية. وقد قـرر الرئيس زين العابدين بن علي إحـداث صنـدوق التضـامن الوطني (26-26) بمناسبة إحدى هذه الزيارات إلى أعماق تونس في ديسمبر 1992.
ونظرا لنجاح هذه التجربة، توجهت تونس سنة 1999 بنداء إلى المجموعة الدولية قصد إحداث صندوق عالمي للتضامن لمقاومة الفقر ، صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في 20 ديسمبر 2002 ،ونص قرار إنشائه على وضع الآليات الكفيلة بإدخاله طور العمل.
وعلى صعيد آخر مكّن إحداث البنك التونسي للتضامن سنة 1997 من تمويل آلاف المشاريع الصغيرة كل سنة وإحداث مواطن الشغل لحاملي الشهادات من الشباب وتنمية روح المبادرة. كما تم إحداث الصندوق الوطني للتشغيل (21-21) لتمكين الشباب من بعث المشاريع.
- الإصلاح السياسي في تونس: التحديات والرهانات
تعيش تونس على وقع حراك سياسي كان من بين أوجهه الحركية الكبيرة التي تشهدها مختلف مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، فضلا عن القرارات والإجراءات الصادرة من أعلى هرم السلطة والتي رافقت هذا الحراك وعززته.
وعندما يؤكد الرئيس بن علي أن "بناء المجتمع الديمقراطي التعددي قوامه حرية الرأي واحترام حق الاختلاف والتعبير وثقافة سياسية راقية تحترم علوية القانون ومبادئ الجمهورية. وهو مشروعنا الذي دأبنا على التقدم به خطوة بعد أخرى منذ فجر التغيير"، فان ذلك يعد التزاما بمواصلة المسيرة الإصلاحية والتحديثية لرواد الإصلاح ومن أبرزهم خير الدين باشا والطاهر الحداد والزعيم الحبيب بورقيبة، وهو ما يؤكد أن حركة الإصلاح السياسي في تونس هي عملية متجذرة منذ القرن التاسع عشر، جاء تغيير السابع من نوفمبر 1987 ليضيف إليها ويثريها تدعيما لقيم الجمهورية ولسيادة الشعب.
وبالفعل فإنه إذا كانت الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان وبناء حياة سياسية حديثة ومتطورة هي الأهداف الأساسية في المشروع الحضاري الجديد، فقد صاغ "التحول" في تونس هذه القيم والأهداف وكرّسها من منطلق وطني، من موقع القناعة بأن هذه القيم والمفاهيم ليست غريبة عن تراث الشعب التونسي وعن رصيده التاريخي ولا عن أفكار مصلحيه وتطلعات نخبه ومطالب مناضليه، بل هي حية و متجذرة في الضمير الجماعي للشعب بالرغم من أن ظروفا عطلت بلورتها وتجسيمها كاملة في السابق.
ويطمح التونسيون اليوم في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى الغاية ذاتها وهم يتوقون إلى "جمهورية الغد" التي يؤمنون بأنها ستكون فرصة متجددة لاختبار قدرة الشعب على المشاركة الفاعلة في تجسيم قيمها وترسيخ مقوماتها بالمزيد من الجد والابتكار. ويتوقون كذلك إلى أن تكون الممارسة المدنية في أشمل معانيها منسجمة مع المتغيرات العالمية التي تحف بمسائل حوار الحضارات والتفاعل بين الثقافات ليزداد انغراس جمهورية الغد في تربتها المستقبلية، ويتدعّم إسهامها في هذا الجدل الكوني في انسجام مع مقتضيات التآلف والترافد ونبذ البغضاء والتنافر.
فالإصلاحات الاقتصادية مهما بلغت والتعديلات الهيكلية مهما استوفت من مقومات فعالة تلبث قاصرة عن تحقيق النماء المستدام وتوفير الأمن والاستقرار وضمان التوازن الاجتماعي ونشر العدالة بين الناس إذا لم تشفعها فلسفة رشيدة في الحكم، تراعي الشمول في معالجة الظواهر بما ينسجم مع الحاجات الإنسانية الأصيلة.
لذلك كانت الأفكار والمشاريع غير مقتصرة على جانب وحيد أو جوانب محدودة من الإنسان والحياة بل امتازت بالشمول والإحاطة وسعت إلى مراعاة التوازن والتكامل بين كل الأبعاد الروحية والمادية والأخلاقية والفكرية المتجسّمة في الممارسة السياسية والتنمية الاقتصادية والمشروع الثقافي والتحول الاجتماعي الرصين.
- نحو مزيد من المشاركة والتعددية
إن من بين مظاهر نجاح التجربة التونسية هو تطوير النظام السياسي والخروج به بكل حكمة وثبات مما تردى فيه قبل تحول السابع من نوفمبر 1987 من خلل. وقد جاء هذا التطوير متناسقا ومتناغما لا وجود فيه لأي قطيعة مع الشرعية الدستورية القائمة كما حصل في أكثر الدول النامية وفي غيرها من الدول، وجاء محققا لطموحات شعب بأكمله بل أكثر من ذلك مطورا لهذه الطموحات.
وقد مثّل إرساء الديمقراطية ودعم الحريات وصيانة حقوق الإنسان والسعي إلى توسيع رقعتها ومجالاتها في تونس، سعيا متواصلا منذ زهاء عقدين إيمانا بأن كسب رهان الديمقراطية والحريات لا يقل أهمية عن كسب معركة التحرير والسيادة الوطنية بل هو العنصر الطبيعي والمكمل. وفي هذا الخصوص، لا يمكن تصور أدنى حظوظ النجاح للتنمية ما لم يشعر المواطن بأنه معني بها مباشرة بحكم إسهامه من خلال المؤسسات في صنع القرار وتحديد الاختيارات وبأنه مسؤول عن مردودها.
وشهدت الفترة القليلة الماضية إجراءات وتدابير تهدف إلى مزيد تطوير الحياة السياسية وإثراء المشهد السياسي التعددي. وفي هذا السياق، ولما كانت الأحزاب السياسية في الحكم وفي المعارضة تعتبر أطراف المعادلة الديمقراطية والتنافس النزيه، فقد جاءت دعوة الرئيس بن علي سنة 2006 الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والحساسيات الفكرية إلى تعميق التأمل في حاضر البلاد ومستقبلها وتقديم آرائها ومقترحاتها للاستئناس بها بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للتحوّل.
وتوجه الرئيس التونسي في هذه الذكرى (7 نوفمبر 2007) التي جاءت حافلة بالقرارات والتدابير إلى الأحزاب السياسية بالقول "إذ نشكر لهم مساهماتهم ونقدر ما تقدموا به من آراء ومقترحات لقيت لدينا كل الاهتمام، فإننا نؤكد للجميع عزمنا الراسخ على مواصلة الارتقاء بمنظومة الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية ومزيد تطوير آلياتها وممارستها إيمانا منا بأن تونس للجميع يملي علينا حبها واجب الولاء لها والتضحية من أجلها ويعطي كل تونسي وتونسية حق المشاركة في بناء مصيرها".
وفي ذات الاتجاه، تم في مفتتح هذا العام مضاعفة المنحة القارة المخصصة لتمويل الأحزاب الممثلة بمجلس النواب بما سيساعدها على تعزيز دورها وتكثيف نشاطها فضلا عن الترفيع في المنحة المخصصة لصحفها دعما لقدراتها على إبلاغ صوتها والتعريف ببرامجها وآرائها.
كما دعا الرئيس التونسي في نوفمبر الماضي إلى تكثيف فضاءات الحوار في القنوات التلفزية ودعم حضور المعارضة في الملفات حول القضايا الوطنية والمستجدات العالمية وذلك حرصا على إثراء تعددية المشهد الإعلامي الوطني ومزيد تكريس تنوع الآراء والمواقف.
وفي إطار العمل على توسيع مجال المشاركة في الشأن العام بمختلف الوسائل المتاحة ولاسيما بواسطة الانتخاب الذي يعد من أهم مظاهر النضج السياسي في الأنظمة الديمقراطية تم تخفيض السن الدنيا للانتخاب من عشرين سنة إلى ثماني عشرة سنة لتمكين شباب تونس من المشاركة على أوسع نطاق في الانتخابات العامة.
كما أقر الرئيس التونسي ضرورة دعم تركيبة المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات بحضور مختصين في القانون وشخصيات وطنية مشهود لها بالاستقلالية والكفاءة وذلك تعزيزا لمقومات الشفافية والسلامة في العمليات الانتخابية.
وتظل الإرادة السياسية راسخة كذلك في توسيع حضور التعددية بالمؤسسات الدستورية إذ تم إقرار مراجعة المجلة الانتخابية بما يكفل الترفيع في عدد المقاعد المخصصة للمستوى الوطني في انتخابات أعضاء مجلس النواب إلى مستوى 25 بالمائة فضلا عن مراجعة النصوص المنظمة للمجالس العليا الاستشارية لتمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من عضوية كافة هذه المجالس بما يعزز تقاليد التشاور وتبادل الآراء والأفكار بخصوص سير مختلف القطاعات وإثرائها.
كما أقر تنقيح المجلة الانتخابية في اتجاه النزول بالسقف المحدد لعدد المقاعد بالنسبة إلى القائمة الواحدة بكيفية لا تسمح لأي قائمة بأن تتحصل على أكثر من 75% من المقاعد بالمجالس البلدية مهما كان عدد الأصوات التي تحصلت عليها.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الرئيس بن علي قد حرص في التشريع وفي الممارسة على صون حرية الرأي والتعبير وحماية الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين فكان أن أقر في هذا الصدد إلغاء الرقابة الإدارية على الكتب والمنشورات والأعمال الفنية عند الإيداع القانوني وجعل الرقابة وإصدار قرارات المنع من النشر من أنظار القضاء وحده مع الحفاظ على الإيداع من أجل صيانة الذاكرة الوطنية.
- من مظاهر الإصلاح السياسي
لقد ارتكز الإصلاح السياسي منذ تحول 7 نوفمبر 1987 على إعادة السيادة للشعب ورد الاعتبار للنظام الجمهوري. وتم في هذا الإطار إلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية وصولا إلى التعديل الجوهري الأخير للدستور إضافة إلى الإصلاحات التي شملت بالخصوص المجلة الانتخابية وآخرها تعديل 4 أوت 2004 وتوسيع مجال الاستفتاء الذي يتيح لرئيس الجمهورية دعوة الشعب للتعبير عن إرادته في المسائل التي تهم المصلحة العليا للوطن. وقد بادر الرئيس بن علي ولأول مرة في تاريخ تونس بعرض الإصلاح الجوهري للدستور سنة 2002 على الاستفتاء. كما تعززت قيم الجمهورية بترسيخ مبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وقيم التضامن والتسامح والاعتدال والوسطية ونبذ كل أشكال العنف والتطرف. وتدعمت هذه القيم بإضفاء الصبغة الدستورية على المبادئ المتعلقة بالأحوال الشخصية بما جعل حقوق المرأة جزء أساسيا من حقوق الإنسان.
ومثل ترسيخ دولة القانون أبرز خيارات "العهد الجديد" في تونس والمرتبطة أساسا بتكريس حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية وتجسيم الحكم الرشيد والتأكيد على أن جمهورية الغد تقوم على مبادئ دولة القانون وجعل الدستور ينسجم مع منظومة الإصلاح في فكر الرئيس بن علي. ويعكس الدستور التونسي بعد تعديله في غرة جوان 2002 ، بوضوح المبادئ التي يقوم عليها المشروع المجتمعي للتغيير وهي مبادئ دولة القانون التي ارتبطت منظومتها الفكرية بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية. كما يستجيب الدستور للتطور الهام الذي شهدته المنظومة الفكرية الدولية في هذا المجال، فمبادئ دولة القانون والمؤسسات ترتبط اليوم بمفاهيم حقوق الإنسان والشفافية والحكم الرشيد والتي تدعو إليها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فضلا عن إرساء سلطة قضائية مستقلة.
لقد اقترن ترسيخ دولة القانون باستكمال مؤسسات النظام الجمهوري التي كان من أبرزها تدعيم استقلال السلطة القضائية الذي كان في طليعة الإصلاحات السياسية وتجسم خاصة في إلغاء محكمة أمن الدولة وخطة الوكيل العام للجمهورية وكذلك من خلال إحداث مؤسسات جديدة تدعم دولة القانون ومن أبرزها المجلس الدستوري ومجلس المستشارين وخطة الموفق الإداري والهيئة العليا لحقوق الإنسان.
وجاء إحداث المجلس الدستوري مكرسا لعلوية الدستور ومستجيبا لمتطلبات اكتمال الديمقراطية وسيادة الشعب. وكذلك الشأن بالنسبة لإحداث مجلس المستشارين الذي يهدف إلى ضمان تمثيل أوسع للجهات ولمختلف مكونات المجتمع ومن ضمنها الجالية التونسية المقيمة بالخارج وإلى إثراء الوظيفة التشريعية والحياة السياسية بصفة عامة.
وتجلى الإصلاح السياسي بالخصوص من خلال تكريس التعددية في الهيئات المنتخبة حيث تحتل المعارضة حاليا 34 مقعدا داخل البرلمان و243 مقعدا داخل المجالس البلدية. كما تم أيضا إدخال أحكام استثنائية على الفقرة الثالثة من الفصل 40 من الدستور بهدف تكريس تعددية الترشحات لرئاسة الجمهورية.
وفي هذا الاتجاه تم العمل على تأهيل العمل غير الحكومي وتغيير النظرة إليه باعتباره ليس منافسا للسلطة وإنما مساعدا لها انطلاقا من القناعة بان الديمقراطية تقتضي إطلاق المبادرة في الفضاءات المدنية حتى تنشأ الجمعيات والنوادي وتخلق حركية فكرية واجتماعية تشارك فيها شرائح عديدة من المجتمع وتمارس من خلالها حقها في البناء الوطني.
وبالفعل فقد تعددت الإجراءات المشجعة والداعمة التي تم إقرارها منذ التعديل الذي أدخل على قانون الجمعيات في 2 أوت 1992 حيث تم إلغاء شرط الحصول على التأشيرة القانونية لتكوين الجمعيات . وقد بلغ اليوم عدد الجمعيات 9000 جمعية، مقابل حوالي 2000 في سنة 1988. ويؤكد هذا النمو المتصاعد لعدد الجمعيات تنامي الوعي الفردي والجماعي بأهمية النسيج الجمعياتي في عملية التنمية الشاملة للبلاد.
وعلى صعيد آخر، تعددت الإصلاحات في مجال تعزيز حقوق الإنسان باعتبارها من أبرز مقومات المشروع المجتمعي في الفكري الإصلاحي للرئيس بن علي وشهدت دفعا جديدا في "جمهورية الغد" التي جاءت لتجعل هذه الحقوق ركيزة أساسية من ركائزها ولتختزل بعمق الفلسفة التي تقوم عليها هذه الحقوق في العهد الجديد بما جعل الدستور التونسي في طليعة الدساتير الضامنة لها. فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل الخامس من الدستور في تعديل غرة جوان 2002 على أنه : "تضمن الجمهورية التونسية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وتكاملها وترابطها".
وضمانا لهذه الحقوق فقد شملت الإصلاحات السياسية بالخصوص إحداث آليات جديدة تسهر على احترامها، من ذلك تعزيز صلاحيات السلطة القضائية في هذا المجال باعتبارها الضامنة لحقوق الأفراد وإحداث هيئة عليا لحقوق الإنسان بالإضافة إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان وتدريسها والتعريف بمبادئها.
حقوق الإنسان في تونس
نزّلت تونس، منذ تحوّل السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، حماية حقوق الإنسان والنهوض بها ضمن صدارة اهتماماتها. واتخذت، تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن علي، سلسلة من المبادرات الرامية إلى النهوض بحقوق الإنسان، السياسية منها والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. 1- حماية الحقوق المدنية : أولت تونس عناية خاصة لحماية حقوق الإنسان المدنية، حيث أقرت جملة من الإصلاحات من أجل توفير الإطار القانوني لصيانتها وحمايتها.
كما صادقت دون تحفّظ سنة 1988 على اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وتم في سنة 1995 تعديل المجلة الجنائية بإضافة أحكام تتصل بتعريف جريمة التعذيب.
وإضافة إلى ذلك، تمّ إلغاء الحكم بالأشغال الشاقة سنة 1989. وفي 1995، ألغيت الأحكام المتعلّقة بالتشغيل الإصلاحي والخدمة المدنية. وتمّ تعديل النظام القانوني للإيقاف التحفّظي والاحتفاظ عبر إصلاحات أدخلت على مجلّة الإجراءات الجزائية (1987 - 1993 - 1999 -2008)، إضافة إلى تعديلات أخرى أحيلت بمقتضاها اختصاصات وزير الداخلية في منح السراح الشرطي إلى وزير العدل (2001)، وكذلك إجراء يتعلق بزجر الاعتداءات على الأخلاق الحميدة (2004).

وتوفّرت إمكانية الاستعاضة عن الحكم بالسجن بالخدمة لفائدة المصلحة العامة، وذلك من خلال تنقيحات وتعديلات أدخلت على المجلّة الجنائية سنة 1999 وإقرار عقوبة بديلة أخرى عن السجن تتمثل في التعويض الجزائي.
وجاء قانون 14 ماي (أيار) 2001 متضمنا أحكاما جديدة تضمن حقوق المساجين وتحدّد واجباتهم، وفق المقاييس الدولية المتعلقة بمعاملة الموقوفين، بما يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم ويؤهلهم للاندماج من جديد في المجتمع بعد قضاء العقوبة.
كما اتخّذت مبادرة أخرى هامة تتمثّل في نقل الإشراف وإدارة المؤسسات السجنية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل (جانفي ـ كانون الثاني ـ 2001) وإلحاق قطاع حقوق الإنسان بوزارة العدل (2002) وتعيين منسق عام لحقوق الإنسان بوزارة العدل (2004).
ولأوّل مرّة في تاريخ التشريع التونسي تضمّن قانون أكتوبر (تشرين الأول) 2002، المتعلق بالتعويض للمساجين والمحكوم عليهم الذين تثبت فيما بعد براءتهم، إمكانية مطالبة الدولة بدفع تعويضات لكلّ من يُحكم عليه بالسجن ثم تُبَرِّئُ المحكمة لاحقا ساحته. كما تمّ إرساء خطة قاضي تنفيذ العقوبات بموجب قانون 31 جويلية (تموز) 2000 ليتولى مراقبة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بالمؤسسات السجنية واقتراح تمتيع بعض المساجين بالسراح الشرطي.
2- الحرّية الدينيّة : لقد ضمن دستور 1959 حرّية المعتقد والعبادة. ونصّ قانون 3 ماي (أيار) 1988 المتعلّق بالمساجد على أنّ » التعبّد في المساجد حرّ للأفراد والجماعة» وأنّ » الدولة تتولّى ضمان حرمة المساجد واحترامها». وتحمي الدولة أماكن العبادة لجميع الديانات كما تضمن حقّ الأقليات الدينيّة في ممارسة طقوسها.
ويمنع القانون التونسي التحريض على الكراهية الدينية أو العنصرية. ويعمل النظام التربوي - حسب ما نصّ عليه قانون 23 جويلية (تموز) 2002 المتعلّق بالتربية والتعليم- على النهوض بقيم التسامح الديني والعرقي وبالمساواة بين الجنسين.
3- الحريّة النقابية : يتمتّع العمّال التونسيون بالحق في تكوين نقابات والانخراط في النشاط النقابي بما في ذلك حقّ التوقّف عن العمل وحق الإضراب. وحرصا من الرئيس زين العابدين بن علي على توفير الحماية لممثلي العمال في المؤسسات صادقت تونس في مارس (آذار) 2007 على اتفاقية العمل الدولية رقم 135 المتعلقة بممثلي العمال. كما تم تنقيح بعض أحكام مجلة الشغل لملاءمتها مع مقتضيات هذه الاتفاقية (مارس ـ آذار 2007). ويشارك الاتحاد العام التونسي للشغل في دورات المفاوضات الاجتماعية مع منظمة أرباب العمل والحكومة. وقد ساهمت الاتفاقيات المبرمة بشأن الأجور والمكافآت في تأمين مناخ يتّسم بالسّلم الاجتماعية في البلاد. ويصدر الاتحاد العام التونسي للشغل صحيفته الخاصّة به "الشعب"، كما يساهم ممثّلوه في المنابر الحوارية عبر الإذاعة والتلفزة حيث يعبّرون عن آرائهم. 4- الحق في الحرية والديمقراطية : إضافة إلى الإصلاحات المدعّمة لاستقلالية القضاء، مثل إلغاء محكمة أمن الدّولة وخطة الوكيل العام للجمهورية سنة 1987، تمّ إدخال إصلاحات دستورية وقانونية تهدف إلى النهوض بالحرّيات الأساسية.
ومن بين هذه الإصلاحات نذكر القانون الدستوري المؤرخ في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1997 الذي يحدّد دور الأحزاب السياسيّة في الحياة العامة ويوسّع مجال اللجوء إلى الاستفتاء في ما يتعلّق بالمسائل المصيريّة التي تهمّ مستقبل البلاد.
وقد كرّست التعديلات المدخلة على الفصل 40 من الدستور تعدّدية الترشحات لرئاسة الجمهورية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2004 شهدت تونس، انتخابات رئاسيّة تعدّدية تنافس فيها الرئيس المباشر مع ثلاثة مترشحين آخرين لمنصب الرئاسة. وفي إطار الحرص المتواصل للرئيس زين العابدين بن علي على دفع الحياة العامة ودعم إسهام الأحزاب السياسية في التقدم بالمسار الديمقراطي التعدّدي وافق مجلس النواب وبصفة استثنائية في أفريل (نيسان) 2008 على مشروع قانون يتعلق بتنقيح الفقرة الثالثة من الدستور لتمكين المسؤول الأول عن كل حزب من الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة (2009).
ووفّرت التنقيحات التي أُدْخلتْ في جويلية (تموز) 2003 على المجلّة الانتخابية مزيدا من الضمانات القانونية للناخبين، كما أرست نظام المراجعة الدائمة للقائمات الانتخابية وعزّزت شفافية العملية الانتخابية في كلّ مراحلها.
وتتجلّى التعدّدية الديمقراطية في وجود ستة أحزاب سياسيّة في مجلس النواب. كما تنشط في الجملة 9 أحزاب سياسيّة في البلاد، وهي تمارس حقوقها في تنظيم الأنشطة وعقد الاجتماعات والتعبير عن آرائها وإصدار صُحفها الخاصّة بها. ولهذه الأحزاب السياسيّة من يمثّلها بالمجالس المحلّية والجهويّة والوطنية. ولها كذلك الحقّ في الحصول على إعانات مالية من الدولة لتمويل أنشطتها وإصدار صحفها.
وينصّ القانون الدستوري الصادر في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1997 على أن تحترم الأحزاب السياسية»سيادة الشعب وقيم الجمهورية وحقوق الإنسان والمبادئ المتعلقة بالأحوال الشخصية»، ويكرّس القانون نفسُه»التزام الأحزاب السياسية بنبذ كل أشكال العنف والتطرّف والعنصرية وكل أوجه التمييز».
ولا يسمح الدستور التونسي باستغلال الدين أو العنصر لأغراض سياسيّة، وفعلا فقد نصّ الفصل الثامن منه على أنّه »لا يجوز لأي حزب أن يستند أساسا في مستوى مبادئه وأهدافه أو نشاطه أو برامجه على دين أو لغة أو عنصر أو جنس أو جهة».
وتنشط في تونس أكثر من 9000 جمعيّة تتمتع بحماية القانون المتعلق بالجمعيات الصّادر في أفريل (نيسان) 1992، الذي ينصّ على أنّه لا يمكن حلّ أي جمعية إلاّ بقرار من المحكمة. وتشكّل الجمعيات عمادا أساسيا من أعمدة المجتمع المدني. 5- حقوق الإنسان والإصلاح الجوهري للدستور : لقد رسّخ الإصلاح الدستوري لسنة 2002 المبادئ الأساسية التي قام عليها تغيير السابع من نوفمبر، ولا سيّما شمولية حقوق الإنسان وتكاملها، ومبادئ علويّة القانون والتعدديّة، وقيم التضامن والتسامح والحرية.
وعزّزت تعديلات دستورية جديدة حماية الحياة الخاصة للأشخاص، كما كرّست مبدأ عدم انتهاك سرّية الاتصالات وقدسيّة المعطيات الخاصة. ويؤكّد الفصل الخامس من الدستور على الأهمية التي توليها الجمهورية التونسية لحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها. كما ينزّل كرامة الإنسان منزلة رفيعة.
ويتماشى تكريس حرمة الاتصالات وحماية المعطيات الخاصة في نصّ الدستور مع الخطوات الكبيرة التي قطعتها تونس في مجال تأمين الارتباط بشبكة الإنترنت والاستفادة من خدمات التكنولوجيات الحديثة للمعلومات. ويوجد في تونس أكثر من 1.700.000 مستعمل للإنترنت وتمّ ربط المعاهد العليا والجامعات ومراكز البحث العلمي والمؤسسات الطبيّة والبنوك والشركات بشبكة الإنترنت.
وينضاف إلى تلك الإصلاحات الجوهرية إحداث المجلس الدستوري الذي كان أول مؤسسة يتمّ بعثها بعد التغيير تكريسا لدولة القانون وعلوية الدستور. ثمّ تمّ الارتقاء به على مراحل لإدراجه في الدستور وتعزيز صلاحياته وجعل آرائه ملزمة لجميع السلط العمومية. وقد جاء قانونه الأساسي ليؤكّد الدور الهام الموكول للمجلس في ضمان علوية الدستور واحترام أحكامه وترسيخ أركان دولة القانون والمؤسسات وتجسيم المبادئ والقيم التي تستند إليها جمهورية الغد. 6- الحقّ في التنمية : وفي الوقت الذي تعمل فيه تونس على النهوض بالحقوق السياسية والمدنية، تحاول أيضا تأمين حقوق مواطنيها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد ارتقى نصّ الدستور المنقح بواجب احترام قيم التضامن والتآزر إلى مستوى الالتزام الجماعي.
وبالإضافة إلى الأخذ بأيدي المحتاجين من المواطنين والعمل على النهوض ببعض المناطق من البلاد (التي اصطلح على تسميتها بمناطق الظلّ)، تسعى تونس إلى تأمين تمتّع كافة مواطنيها بحظوظ متساوية في الاستفادة من ثمار التقدّم والازدهار. وتمثّل الطبقة المتوسطة في المجتمع التونسي حوالي 80% ويقدّر معدّل مؤمل الحياة عند الولادة بـ 74,2 عاما (مقابل 67 عاما سنة 1987). وتتجاوز نسبة التمدرس 99% بين الأطفال البالغين ستّ سنوات. ومن ناحية أخرى، يقدّر الدّخل الفردي بـ 4.900 دينار. وتفيد نتائج التعداد العام للسكان لسنة 2004 أن نسبة الربط بشبكة توزيع الماء الصالح للشراب بلغت 94% وبشبكة الكهرباء 98.9 %.

7- حقوق المرأة جزء لا يتجزّأ من حقوق الإنسان : لقد تمكنّت المرأة التونسية، بفضل صدور مجلّة الأحوال الشخصيّة في 13 أوت (آب) 1956، من التمتّع بالمساواة في الحقوق مع الرجل بما في ذلك الحقّ في حريّة اختيار زوجها والحقّ في طلب الطلاق القانوني أمام محكمة عدليّة (مع إمكانية دفع تعويضات للطرف المتضرّر). وتكريسا للمساواة بين الجنسين خاصة بعد مصادقة تونس على اتفاقية حقوق الطفل، صدر في ماي (أيار) 2007 القانون المنقح لبعض أحكام مجلة الأحوال الشخصية المتعلق بتوحيد السنّ الدّنيا للزواج بين الفتيان والفتيات بثمانية عشر عاما لكلا الجنسين إلى جانب وضع مجلة لحقوق الطفل.
وأدخلت خلال سنة 1993 تنقيحات قانونية في اتجاه تعزيز المساواة وإرساء علاقات الشراكة بين الزوجين. وتمّ إنشاء صندوق خاصّ بهدف تأمين دفع جراية النفقة للمرأة المطلّقة وأولادها. وانطلاقا من القناعة بأهمية الدور الموكول إلى الأم الحاضنة ومراعاة لمصلحة المحضون الفضلى تمّ تنقيح بعض أحكام مجلة الأحوال الشخصية في اتجاه تثبيت حق الحاضنة في السكن وإحاطتها بجميع الضمانات القانونية في مرحلتي ما قبل الطلاق وبعده (4 مارس ـ آذار 2008). ويحجّر القانون كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة سواء في العمل أو داخل المجتمع بصفة عامّة. وقد وافقت تونس مؤخرا بمقتضى قانون على الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. وفي سنة 1998 تمّ إحداث نظام الملكيّة المشتركة بين الزوجين والتنصيص عليها ضمن عقد الزواج. ومكّن اعتماد مجلّة القانون الخاصّ من إرساء قواعد عصريّة لتسوية الخلافات العائلية ذات الطابع الدولي. كما وافقت على سحب البيان الأوّل الدولي والاحترازين الأوّل والثالث الملحقة بقانون 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1991 المتعلق بالمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
وتشارك المرأة في كافة مجالات الحياة، حيث تمثّل قرابة%25 من السكان النشطين و29% من القضاة و31% من المحامين. ويبلغ عدد المؤسسات التي تديرها نساء حوالي 18.000 مؤسسة. ويؤمّ المدارس الابتدائية 99% من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ستة أعوام، صبيانا وبناتا. ويمثّل العنصر النسائي 59.1% من مجمل طلاب الجامعات. وعلى صعيد الحياة العامة، تمثّل النساء نسبة 22.7% من أعضاء مجلس النواب و15.2% من أعضاء مجلس المستشارين و27.4% من أعضاء المجالس البلديّة. كما تضطلع عدة نساء بمسؤوليات عليا في الحكومة والسلك الدبلوماسي.
8- الحق في حريّة الرأي والتعبير : لقد تمّ تعزيز حرية الرأي والتعبير من خلال عدّة إجراءات وتدابير من بينها العديد من الإصلاحات التي أدخلت على مجلة الصحافة (سنوات 1988 - 1993 - 2001 - 2006) بهدف مزيد دعم الحريات العامة، وقد ألغت التنقيحات الأخيرة جريمة "ثلب النظام العام" وإجراء الإيداع القانوني.

ويتسم المشهد الإعلامي التونسي اليوم بالتفتّح والتعدّدية. وأصبح بإمكان كلّ مواطن تونسي في مختلف أنحاء البلاد الاستفادة بخدمات الإنترنت والقنوات التلفزية الفضائية والجرائد والمجلاّت الأجنبيّة.
ويمتلك الخواص جلّ الصحف والمجلاّت التي تصدر بالبلاد. وقد تعزّز مؤخّرا تفتّح المشهد الإعلامي وتنوّعه بفضل قرار الرئيس زين العابدين بن علي فتح الفضاء السمعي البصري أمام القطاع الخاصّ. وهكذا بدأت أول محطّة إذاعيّة خاصة إذاعة »موزاييك» في بثّ برامجها يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003 إلى جانب إحداث أوّل قناة تلفزية خاصة في تونس »قناة حنّبعل» (13 فيفري ـ شباط 2005 تاريخ انطلاق البث). وتعددت بعد ذلك الإجراءات والمبادرات لدعم المشهد الإعلامي وتطويره ببعث إذاعة خاصة بالوسط الشرقي إذاعة »جوهرة» (25 جويلية ـ تموز 2005) وانطلاق البث بالإذاعة الثقافية (29 ماي ـ أيار 2006). وتبث محطة إذاعية خاصة ثالثة هي »إذاعة الزيتونة» للقرآن الكريم منذ سبتمبر (أيلول) 2007. وانطلق يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 البث الفضائي للقناة التلفزية »تونس 21» وهي قناة موجهة للشباب.
وتتمتّع صحف أحزاب المعارضة من ناحيتها بمنحة سنويّة وكذلك بتخفيضات على تكلفة الورق وبإعفاءات من دفع المعاليم الجمركية على المعدّات المستوردة المستعملة في طباعة الجرائد. وقد توجّه الرئيس زين العابدين بن علي، يوم 3 ماي (أيار) 2001 إلى الصحافيين بكلمة حثّهم فيها على الكتابة في كل المواضيع مبيّنا أنه لا تُوجد مواضيع محرّمة باستثناء ما يمنعه القانون وأخلاقيات المهنة، وأنه من مسؤولية الإعلام العمل على تغيير العقليات بما في ذلك لدى بعض المسؤولين الذين عليهم أن »يتقبّلوا النقد». وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2004 تقدم الرئيس زين العابدين بن علي ببرنامج طموح لـ »تونس الغد» أكد في نقطته 21 تشجيع التعددية في المشهد الإعلامي بمزيد دعم صحافة الأحزاب وتوسيع الفضاءات الحوارية ودفع المبادرة الخاصة في هذا القطاع.
وأعلن الرئيس زين العابدين بن علي في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 عن قراره بتوسيع تركيبة المجلس الأعلى للاتصال ليضم إلى جانب الكفاءات المعروفة في هذا المجال شخصيات تعكس تنوع المجتمع المدني والأطراف السياسية. وترسيخا لمسار تطوير مؤسسات قطاع الإعلام، أعلن رئيس الدولة في الذكرى العشرين للتحوّل قراره بجعل المجلس الأعلى للاتصال مؤسسة لها ذاتيتها واستقلالها المالي وبدعم صلاحيات هذا المجلس ليتولى متابعة أداء المؤسسات الإعلامية وخصوصا منها المرئية والمسموعة واقتراح التصورات لتطويرها بما يستجيب للخيارات والتوجهات الوطنية ويتماشى مع أخلاقيات المهنة الصحافية والعمل الإعلامي.
9- آليات حماية حقوق الإنسان : لقد تمّ إنشاء العديد من الآليات الناجعة للنهوض بحقوق الإنسان، من بينها الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحرّيات الأساسية التي أحدثت سنة 1991. وهذه الهيئة تضمّ نخبة من الخبراء المختصّين في حقوق الإنسان في مختلف الميادين، وتعدّ تقريرا سنويّا يتمّ رفعه إلى رئيس الجمهورية. وأعلن الرئيس زين العابدين بن علي في 24 جانفي (كانون الثاني) 2008 عن الارتقاء بالأحكام المنظمة للهيئة إلى مرتبة قانون وتمكينها كمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان من الاستقلال الإداري والمالي ومراجعة تركيبتها. وقد صادق مجلسا النّواب والمستشارين على هذا الإصلاح قبل أن يتولّى رئيس الجمهورية يوم 16 جوان (حزيران) 2008 ختم القانون المتعلّق بالهيئة العليا لحقوق الإنسان والحرّيات الأساسية الذي يقرّ بالخصوص استقلالية الهيئة وتوسيع مهامها وتمكينها من التعهّد التلقائي بأيّ مسألة تتعلّق بدعم حقوق الإنسان والحرّيات الأساسية إلى جانب تطوير أساليب عملها. وهناك آليات أخرى تتمثّل خاصة في »وحدات حقوق الإنسان» بوزارات الشؤون الخارجية، والعدل وحقوق الإنسان، والداخلية والتنمية المحلّية. وقد أحدثت هذه الوحدات سنة 1992 كآليات إضافية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها.
وعلاوة على ذلك، قرّر الرئيس زين العابدين بن علي سنة 1993 إحداث جائزة رئاسية لحقوق الإنسان تسند إلى الشخصيات والمنظمات والمؤسسات والأشخاص الذين يتميّزون بمساهمتهم البارزة في النهوض بحقوق الإنسان ونشر ثقافتها على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
السياسة الخارجية
تمثل السياسة الخارجية لتونس امتدادا طبيعيا لسياستها الداخلية وانعكاسا لنجاحاتها ومكاسبها وتجاربها الرائدة في مختلف المجالات. وقد كانت دوما المبادرات والإسهامات التي تقدمت بها على الصعيد الخارجي محل تزكية وتقدير واهتمام إقليمي ودولي. وهو ما ساهم في تعزيز رصيد تونس الدولي وإشعاعها وتأكيد مصداقيتها وصواب خياراتها، كما دعم قدرتها على مواجهة مختلف التحديات وكسب الرهانات.
وقد كرّست تونس من خلال سياستها الداخلية واعتمادها برنامجا إصلاحيا مواكبا لمتطلبات العصر، مفاهيم الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية البشرية وتطوير دور المجتمع المدني، ولذلك كانت مستعدة لمختلف التحولات التي يشهدها العالم اليوم واستطاعت التكيّف تدريجيا وبمرونة مع استحقاقاتها ومواجهة التحديات المنجرّة عنها بكل ثقة واقتدار.
وتتسم سياسة تونس الخارجية بالاعتدال والانفتاح، مع التمسّك بالمبادئ الثابتة التي قامت عليها والمتمثلة أساسا في التعلق بالشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والاحترام المتبادل وحسن الجوار والعمل على فضّ النزاعات عن طريق الحوار والوسائل السلمية ورفض العنف وكل أشكال التطرّف ومناصرة قضايا الحق والعدل وتكريس علاقات التعاون والشراكة على أساس تكافؤ المصالح والعمل على ترسيخ التضامن بين الشعوب والدول وإضفاء بعد أكثر إنسانية على العلاقات الدولية والمساهمة الفاعلة في جهود خدمة السلم والأمن العالميين وتحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة لكل شعوب الأرض.
وانطلاقا من هذه المبادئ والتوجّهات، لعبت تونس دورا فعّالا في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ انطلاقتها الأولى في مؤتمر مدريد وعبر مختلف المراحل التي مرّت بها وصولا إلى الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية وما تبع ذلك من مبادرات ومؤتمرات بهدف التوصل إلى تسوية تنهي الصراع في المنطقة وتعيد إليها الأمن والسلم والاستقرار. كما شاركت تونس منذ ستينات القرن الماضي في عدة مهمات إنسانية وفي عمليات حفظ السلام في عديد بؤر التوتر في العالم، حيث أرسلت مئات الجنود إلى كمبوديا وناميبيا ورواندا وبورندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي إطار حرصها على ترسيخ انتمائها الحضاري في محيطها الإقليمي بمختلف أبعاده العربية والإسلامية والمغاربية والإفريقية والمتوسطية ووضع كل الطاقات والجهود في خدمة الاندماج المتوازن ضمن هذه الفضاءات، وضعت تونس بناء اتحاد المغرب العربي في أعلى سلّم اهتماماتها باعتباره خيارا استراتيجيا وضرورة حيوية لشعوب المنطقة لا سيّما في ظلّ تنامي دور التكتّلات الإقليمية في العلاقات الدولية، وعملت على دفع مسيرة بناء مؤسسات اتحاد المغرب العربي وتفعيل هياكله.
كما تحرص على التشاور والتنسيق السياسي وتوسيع وإثراء آليات التعاون الثنائي مع الدول المغاربية. وقد تولّى الرئيس زين العابدين بن علي رئاسة مجلس اتحاد المغرب العربي في 1990 و1993، كما احتضنت تونس القمة المغاربية السادسة في أفريل (نيسان) 1994 والتي توّجت بالتوقيع على عدّة اتفاقيات في شتّى مجالات التعاون.
ولمّا كانت إعادة الاعتبار إلى الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي وتأكيد البعد العربي لتونس ضمن أولويات سياسة العهد الجديد، تعمل تونس على تفعيل العمل العربي المشترك وتجسيم مشاريع الاندماج الاقتصادي العربي وتحرص على الإسراع باستكمال مقوّمات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإزالة العوائق التي تعترض إقامة السوق العربية المشتركة. وقد مثّلت تونس في كل المراحل والقضايا العربية صوت الاتزان والتعقّل والحوار والوفاق وأكّدت من خلال مواقفها ومبادراتها تمسّكها بانتمائها العربي وحرصها على توثيق عرى الأخوة والتعاون بين الدول العربية ونصرة القضايا العربية وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية. كما تواصل تونس تمتين علاقاتها الثنائية مع الدول العربية وتطوير التعاون والشراكة في مختلف المجالات.
أما على الصعيد الإسلامي الذي توليه تونس مكانة متميّزة في مشروعها الحضاري وسياستها الخارجية، فإنها تواصل العمل على نشر صورة الإسلام السمحة ودعم حوار الحضارات والأديان والتصدي لظاهرة الإرهاب ولمحاولات تشويه ديننا الحنيف، فضلا عن المساهمة في دفع علاقات التعاون بين الدول الإسلامية.
وعلى صعيد آخر، وانطلاقا من قناعتها بأهمية إرساء علاقات تعاون وشراكة متكافئة ومتضامنة بين ضفّتي المتوسط،، ما انفكّ الرئيس زين العابدين بن علي يدعو إلى جعل حوض المتوسّط فضاء سلم وتعاون بناء وتنمية مستديمة. كما كانت تونس دوما حاضرة وبشكل فاعل في مختلف المبادرات الرامية إلى إرساء شراكة متوازنة ومتكافئة ضمن الأطر الأورومتوسطية، ولا سيّما مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، حيث تعتبر الاندماج في الفضاء الأورومتوسطي خيارا استراتيجيا، على أن يتم هذا الاندماج بشكل مرحلي وعلى أساس احترام السيادة والخصوصيات الوطنية لكل بلد من بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط مع اعتماد مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهمية العمل على تقليص أسباب الفجوة بين بلدان الضفة الشمالية وبلدان الضفة الجنوبية في مختلف المجالات الاقتصادية ومضاعفة الجهود لتطوير الحوار الثقافي والحضاري.

وقد كانت تونس أول بلد من جنوب المتوسط يوقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في 17 جويلية (تموز) 1995 دخلت حيّز التنفيذ في غرة مارس (آذار) 1998. كما احتضنت مدينة طبرقة (الشمال الغربي لتونس) ندوة إقليمية تحضيرية استعدادا للندوة الأوروبية المتوسطية ببرشلونة (نوفمبر - تشرين الثاني 1995) واحتضنت مدينة قرطاج العريقة يومي 21 و22 أفريل (نيسان) 1995 ندوة دولية حول "بيداغوجيا التسامح في حوض البحر الأبيض المتوسط" ، توّجت بإصدار المشاركين وثيقة هامة أطلق عليها اسم "عهد قرطاج للتسامح في البحر المتوسط". كما يعدّ انعقاد أول قمة لحوار "5 زائد 5" بتونس يومي 5 و6 ديسمبر (كانون الأول) 2003 تأكيدا لسعي تونس الدؤوب من أجل التقريب بين ضفتي المتوسط وإرساء فضاء أوروبي - متوسطي متماسك وقادر على لعب دور فاعل في ترسيخ السلم والاستقرار في العالم.

وإيمانا منها بأهمية مختلف أبعاد انتمائها الإقليمي، تعمل تونس على تفعيل دور الاتحاد الإفريقي في النهوض بالقارة ومعالجة مختلف مشاكلها وتطوير علاقات التعاون الاقتصادي بين الدول الإفريقية واستغلال الموارد والإمكانيات المتاحة بما يكفل القضاء على بؤر التوتر والتفرغ للتنمية ورفع التحديات. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى عضوية تونس في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي ودعواتها المتكررة للمجموعة الإفريقية إلى التعويل على الذات وتعبئة كافة الطاقات وتكثيف التعاون الثنائي وإيجاد فرص لإرساء علاقات تعاون ثلاثي مثمر. كما دعت المجتمع الدولي إلى دعم المجهودات التنموية للقارة وإلى معالجة معضلة المديونية.
وتحرص كذلك تونس على تطوير علاقات التعاون مع بلدان القارة الأمريكية وتكثيف مستوى التشاور والحوار معها في جميع المجالات باعتبار أهمية هذا الفضاء سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وهي تعمل على تنمية المبادلات التجارية والاستثمار والسياحة مع هذه البلدان والاستفادة من الإمكانيات الهائلة المتاحة فيها.
كما تعمل تونس على تطوير البعد الآسيوي في سياستها الخارجية على أساس العلاقات التقليدية الممتازة التي تربطها بأهم بلدان المنطقة التي أصبحت تشكل قوة اقتصادية وتجارية وديمغرافية إستراتيجية في العالم تتجه أغلب التوقعات إلى اعتبارها المنطقة التي ستلعب دورا محوريا في مستقبل العلاقات الدولية.
وباعتبار أهمية البعد الاقتصادي في العلاقات الدولية، فإن تونس تعمل على تطوير أداء الدبلوماسية الاقتصادية خدمة لمخططاتها التنموية من خلال العمل على كسب مزيد من الأسواق الخارجية لمنتجاتها وجلب الاستثمار الخارجي ودعم الشراكات مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة، وتنويعها.
وفي إطار مواكبة الوضع الجديد والمتغيرات المتسارعة المسجلة على الساحة العالمية وما صاحبها من بروز وتبلور لمفاهيم وأبعاد جديدة في العلاقات الدولية، تعاملت تونس مع هذه المستجدات بكثير من المرونة، مع التمسك بمبادئ سياستها الخارجية وثوابتها وأهداف ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده. فقد عملت على ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانية في العالم وعلى القضاء على كل أشكال التطرف والإرهاب والتهميش وساهمت في جهود بناء علاقات تعاون وتضامن واحترام متبادل بين الشعوب والدول. وفي هذا السياق، ساهمت تونس في دعم المسار الإصلاحي لمنظمة الأمم المتحدة لإضفاء مزيد من النجاعة والفاعلية على عمل هذه المنظمة. وعملت على تعزيز حضورها في المنظمات الدولية والإقليمية.
وقد اتسمت مواقف تونس ومبادراتها وإسهاماتها على الصعيد الدولي دوما بالثبات والوضوح والحرص على خدمة الأهداف النبيلة لميثاق الأمم المتحدة وهو ما أكدته مختلف المبادرات والمقترحات التي تقدم بها الرئيس زين العابدين بن علي إلى المجموعة الدولية على امتداد العقدين الماضيين، والتي غطّت وبشكل استشرافي واستباقي جميع التحديات الكبرى الماثلة اليوم.
وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى مبادرة الرئيس بن علي سنة 1999 بتوجيه نداء إلى المجموعة الدولية دعا فيه إلى إنشاء صندوق عالمي للتضامن ومقاومة الفقر. وجدد هذه الدعوة في قمة الألفية سنة 2000. وقد حظيت هذه المبادرة بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع يوم 20 ديسمبر (كانون الأول) 2002. وفي أفريل (نيسان) 2008 دعا الرئيس زين العابدين بن علي البلدان المصدرة للنفط إلى المشاركة في مجهود التضامن العالمي من خلال اقتطاع دولار واحد عن كل برميل نفط تساهم به في تمويل الصندوق العالمي للتضامن. كما استجابت الأمم المتحدة سنة 2005 لمقترح تونس المتمثل في إقرار يوم 20 ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة يوما دوليا للتضامن الإنساني.
وأمام التطور الهائل لتكنولوجيات الاتصال والمعلوماتية وما تسبّب فيه من فجوة رقمية بين البلدان المصنعة والبلدان النامية، بادرت تونس منذ سنة 1998 بالدعوة إلى عقد قمة عالمية لمجتمع المعلومات، احتضنت جنيف مرحلتها الأولى سنة 2003 وتونس مرحلتها الثانية سنة 2005. وقد صدرت عن هذه القمة وثيقتان هما: "إعلان تونس" و"برنامج العمل من أجل مجتمع المعلومات".
العلاقات التونسية- اليمنية
* التاريخ:
يشهد التاريخ على عمق العلاقات بين تونس واليمن منذ القدم، إذ تشير بعض الدراسات إلى الأصول اليمنية لبعض قبائل البربر في بلدان المغرب العربي التي هاجرت قبل الفتوحات الإسلامية. كما يسجل التاريخ مشاركة أهل اليمن الهامة ضمن الجيوش الإسلامية التي فتحت إفريقية وهجرة قبائل بني هلال اليمنية إلى شمال إفريقيا وخاصة إلى تونس. ولم يستطع الزمن محو وطمس الهوية اليمنية للمهاجرين رغم اندماجهم مع الشعوب المحلية ومساهماتهم في البناء والتعمير في بلاد المغرب العربي وهو ما يؤكده تشابه العادات والتقاليد واللغة بين أهل تونس وأهل اليمن. وثبت أنه يستعمل، في وقتنا الحاضر، أكثر من مائتي مصطلح لغوي مشترك في تونس وفي اليمن. كما يشترك التونسيون واليمنيون في عدة مظاهر اجتماعية وخاصة الألقاب العائلية الحضرمية )حولي 45 عائلة ( ، وفي الأسلوب المعماري واللباس والأكل، وكذلك أسماء بعض المناطق من ذلك مدينة أريانة التونسية ومدينة سوسة التي كانت تسمى حضرموت.
و يذكر التاريخ الحديث رحلة الشيخ التونسي المناضل عبد العزيز الثعالبي ﴿1876-1944﴾ إلى اليمن سنة 1924 وسنة 1926، وهو من رواد التنوير في أوائل القرن العشرين وزعيم الحزب الحر الدستوري التونسي في عهد الإستعمار الفرنسي. وقد وصف اليمن بالأرض السعيدة وأهلها بالكرماء. كما قام بمساعي لدى المسؤولين اليمنيين والمدنيين، وفي مقدمتهم الإمام يحيى وسلطان لحج عبد الكريم بن فضل وعدد من شيوخ القبائل اليمنية، لإقناعهم بعقد مؤتمر قومي عام للنظر في سبل توحيد اليمن وتخليصه من الهيمنة الأجنبية.
* الحاضر:
تدعم وتعزز الحاضر من خلال التناصر والمساندة المتبادلة للشعبين الشقيقين، فالجمهورية التونسية من أوائل الدول التي اعترفت بقيام الجمهورية اليمنية. كما شهد أول سفير تونسي باليمن وجه الوحدة اليمنية على جبين الشعب اليمني الواحد سنة 1990.، وحضر كذلك رفع أول برميل نفط يمني.
وتعزز هذا التمشي في ظل القيادتين الرشيدتين لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه فخامة الرئيس علي عبد الله صالح اللذان يرتبطان بعلاقات وثيقة واحترام متبادل، وتحدوهما إرادة راسخة من أجل مزيد دفع علاقات الأخوة والتعاون وتطويرها بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين.
وتجسمت هذه الإرادة من خلال تكثيف التشاور والاتصالات والزيارات بين المسؤولين، حيث تطابقت وجهات نظر البلدين في العديد من القضايا ﺬات الاهتمام المشترك.
وتشهد العلاقات التونسية اليمنية خلال هذه الفترة نقلة نوعية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تواترت دورات اللجان المشتركة التي تؤطر التعاون بين تونس واليمن لتصل إلى عشر لجان تم التوقيع خلالها على أكثر من ثمانين اتفاقية تعاون. ويستعد البلدان لانعقاد الدورة الحادية عشر للجنة المشتركة التونسية اليمنية في صنعاء.
وبمناسبة انعقاد الدورة العاشرة للجنة المشتركة التونسية اليمنية بتونس خلال شهر أفريل 2008، حظي معالي الدكتور أبو بكر القربي بشرف مقابلة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، حيث سلم إلى سيادته رسالة خطية من أخيه فخامة الرئيس علي عبد الله صالح، تضمنت دعوة سيادته لزيارة بلده الثاني اليمن، ونقل إليه تحياته وخالص عبارات شكره وتقديره لما يبذله سيادة الرئيس زين العابدين بن علي من جهود حثيثة لتوطيد أواصر التعاون بين البلدين الشقيقين وتمنياته لسيادته بموفور الصحة والسعادة وللشعب التونسي الشقيق مزيدا من التقدم والرفاه.

وقد حمل سيادة الرئيس زين العابدين بن علي معالي الدكتور أبو بكر القربي أصدق مشاعر المودة والتقدير لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح وتمنياته الصادقة للشعب اليمني الشقيق باطراد التقدم والازدهار.
وبفضل الرعاية الشخصية التي يوليها قائدا البلدين الشقيقين للعلاقات الثنائية، تكثفت خلال الفترة الماضية اللقاءات والزيارات بين المسؤولين، بما يعكس بصفة ملموسة الرغبة المشتركة التي تحدو تونس و اليمن لتبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات. كما أن تونس المتمسكة بعروبتها وببعدها القومي، لم تتوان عن تقديم حصيلة تجاربها لخدمة العديد من القطاعات في الجمهورية اليمنية بما يدعم مسيرتها على درب النمو. فالتعاون التربوي والتكويني بين البلدين ينمو بشكل مطرد من خلال احتضان المعاهد والجامعات التونسية لعدد هام من الطلبة و المتدربين اليمنيين. كما توثق التعاون في مجال الإعلام والإدارة والشباب والرياضة والبيئة والنقل والشؤون الدينية والفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والكهرباء وتكنولوجيات الاتصال و المعلومات وصيانة الأرشيف والصحة الإنجابية وغير ﺬلك، حيث تقام سنويا عدة دورات تدريبية في تونس لوفود يمنية.
إلا أن حجم التبادل التجاري يبقى دون المنشود مقارنة بالإمكانيات والفرص المتاحة في كلا البلدين.
وبلغ حجم التبادل التجاري في موفى سنة 2008 قرابة ثلاثة مليون دولار في الاتجاهين، حيث تصدر تونس إلى اليمن مواد غذائية ( أجبان وبسكويت ومواد مخبزية ومعجون طماطم وتمور وزيت زيتون ...) ومواد إنشاء وتعمير وأدوية وزيوت وموّاد مكتبيّة وموّاد خزفية ومشتقات الفسفاط. وتستورد من اليمن الأسماك والمنتجات البحريّة ، فضلا عن المواد الدهنية والزيوت الطبيعيّة وقطع غيار السيارات.
وتسعى تونس إلى الرقي بالتبادل التجاري مع اليمن الشقيق من خلال تكثيف مشاركاتها في الفعاليات الاقتصادية اليمنية والزيارات المتواترة لوفود رجال الأعمال والمستثمرين التونسيين في مختلف القطاعات.
وفي هذا الإطار، ستشارك تونس للمرة الثالثة في معرض صنعاء الدولي خلال شهر جوان 2009، كما سيزور اليمن بالمناسبة وفد هام من رجال الأعمال التونسيين للالتقاء بنظرائهم اليمنيين بهدف النهوض بالتبادل التجاري وإحداث شراكات في العديد من القطاعات، وكذلك استكشاف فرص جديدة للتعاون في المجالات الاقتصادية.
التنمية الاجتماعية والاقتصادية
لقد رسمت تونس لنفسها هدفا في مجال التنمية يتمثّل في تحقيق نسبة رفيعة من النموّ الاقتصادي كفيلة بدعم وتيسير الرقي الاجتماعي. واعتبارا لقلّة الموارد الطبيعيّة، فقد راهنت البلاد على تمتين طاقاتها البشرية وعلى إنجاز عمل اجتماعي واسع المدى في اتجاه الفئات الهشّة من السكان لمكافحة التهميش والإقصاء.
وقد مكّن هذا التمشّي القائم على الحرص المستمرّ على إيجاد توازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي للتنمية في آن واحد، من تحقيق نجاحات اقتصادية ذات بال وتنمية اجتماعية معتبرة في المنطقة.
وقد أسهم التحرير التدريجي للاقتصاد وتنويعه بنسق متسارع وتفتحه على الخارج في الارتقاء بتونس إلى مصاف البلدان الصاعدة والتطلّع إلى اللحاق في مدى قريب بكوكبة البلدان المتطوّرة.
إن تونس تمتلك اليوم الوسائل الكفيلة ببلوغ آمالها وتحقيق تطلعاتها وذلك بفضل تحقيق نسبة نموّ اقتصادي إيجابية منتظمة على مرّ الأعوام تتجاوز النموّ الديمغرافي (بمعدّل %5أثناء العشرية المنقضية ونموّ ديمغرافي انحصر في,11 1% وبفضل قطاعها الصناعي النشيط المتجه بقسط عريض إلى التصدير (صادرات البلاد تمثّل %51من الناتج المحلّي الإجمالي) وبتوفير دخل يعادل 4.900 دينار تونسي للفرد وامتلاك بنى تحتية تقارب من حيث المستوى ما هو موجود في العديد من البلدان الأوروبية.
وقد جاءت هذه النتائج المتميّزة التي أمكن تحقيقها وسط محيط جهوي ودولي صعب مثلما أكّد ذلك تقرير حديث العهد أعدّه صندوق النقد الدولي "كثمار لسياسات اقتصادية واجتماعية شاملة محكمة التنسيق". واستثمرت تونس الفرص التي تتيحها العولمة لمزيد تطوير اقتصادها وإكسابه المزيد من القدرة التنافسيّة فأقدمت على انجاز برنامج تأهيل شامل لمنشآتها الاقتصادية التي ستواجه في أفق 2010 منافسة المؤسسات الأوروبية في إطار منطقة التبادل الحرّ بين الاتحاد الأوروبي والبلاد التونسية التي ينصّ عليها اتفاق الشراكة الموقع عليه عام 1995. ففي ذلك العام، ولأوّل مرّة في تاريخه، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاق شراكة مع بلد من جنوب المتوسط. وقد كان اقتصاد تونس المتين وما توفّر له من آفاق جيدة للنموّ، وكذلك القدرة التنافسية لصناعتها وما تتميّز به أساليب قيادتها السياسية والاجتماعية من جدية، من بين العوامل التي أدت بالاتحاد الأوروبي إلى الاقتناع بجدوى اتخاذ تونس شريكا متميّزا له في الضفة الجنوبية.
وقد بعثت بتونس أكثر من ألفي منشأة أوروبية وأمريكية وآسيوية، منها ما هو في نطاق شراكة مع التونسيين الذين أضحت كفاءاتهم مشهودا بها على الصعيد الدولي. وبالرغم من تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف أنحاء العالم، فإن تونس ما فتئت تستقطب حجما متناميا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة (2.132 مليون دينار عام 2007 مقابل 448 مليون عام 1999) وهو ما يقوم دليلا على جاذبية موقعها وعلى ثقة أوساط الأعمال من ثقة، تعززها التقييمات الإيجابية التي تسندها إليها مختلف مؤسسات التصنيف الدولية.
ومن مميزات التنمية الاقتصادية في تونس أن ثمارها طالت جميع الفئات والجهات وذلك نتيجة مقاربة الرئيس زين العابدين بن علي الذي يحرص على تلازم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتنمية وكذلك بفضل السياسة التي تنتهجها تونس في مجال التضامن الاجتماعي وأهمية التحويلات الاجتماعية التي تنجزها الدولة (حيث ان النفقات المتصلة بالجوانب الاجتماعية تمثّل أكثر من 50% من الميزانية العمومية). فقد توصّلت البلاد إلى الترفيع بصفة ملموسة في مستوى عيش السكان : فالطبقة الوسطى قد اتسعت وأصبحت تضمّ جلّ السكان (حوالي 80 (%ومعدّل مؤمل الحياة يتجاوز 74 عاما، وقرابة 80% من السكان يملكون مساكنهم، وكل الأطفال في سنّ السادسة يؤمّون المدارس (التعليم مجاني وإجباري). أما نسبة الفقر التي كانت تمثّل 12% من السكان في الثمانينات، فقد تقلّصت إلى 3.8% سنة 2007 بفضل جهود السلطات العمومية ومساهمة المواطنين الطوعية بكثافة في توفير الموارد لصندوق التضامن الوطني الذي أنشأه الرئيس زين العابدين بن علي في ديسمبر (كانون الأول) 1992 للمساعدة على تنمية المناطق النائية ومكافحة ظاهرتي التهميش والإقصاء.
وقد توّجت النجاحات التي أحرزتها هذه التجربة الرائدة في مجال التنمية المتضامنة بتقدير المجموعة الدولية من خلال مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2002 على مبادرة الرئيس زين العابدين بن علي، رئيس الجمهورية التونسية الدّاعية إلى إنشاء الصندوق العالمي للتضامن.
ومن وجهة نظر تونس، فإن عولمة الاقتصاد ينبغي أن ترافقها عولمة للتضامن، وأنه ينبغي إعادة توزيع ثمار النمو الاقتصادي لضمان ديمومة الهيكل الاجتماعي وتأمين التماسك المجتمعي الذي لا بدّ منه لإنجاز أي عمل يستهدف التقدّم والرقيّ. ولم يعد ينظر إلى العمل الاجتماعي باعتباره من باب التدابير المصاحبة للتخفيف من الانعكاسات السلبية للإصلاحات الهيكلية بل أضحى منصهرا كليا في الخطة التنموية للبلاد.
وقد كان من آثار هذه المقاربة المتميّزة إرساء اقتصاد متفتّح يتسم بالقدرة التنافسية وانتهاج سياسة اجتماعية رائدة بما يمكن تونس من التطلّع إلى المستقبل بمزيد من التفاؤل والأمل.
* مشاريع تونسية ضخمة في طور الإنجاز:
الإصلاح التربوي
يمثّل بناء مجتمع المعرفة إحدى أولويات الحكومة التونسية، انطلاقا من نظرتها إلى المستقبل القائمة على التفتّح، والتحكّم في التكنولوجيا، وحوار الحضارات.
لقد تمّ تعميم التعليم في تونس منذ الاستقلال، وهو مجّاني وإجباري، فتوفّرت للبلاد موارد بشريّة ذات مستوى جيّد، نجحت في تصوّر البرامج التنموية وتنفيذها.
وقد بادر الرئيس زين العابدين بن علي الذي جعل من التربية محور مشروعه المجتمعي، بجملة من الإصلاحات الهادفة إلى تحسين نتائج النظام التربوي ومردوديته. وفي هذا السياق، جاء الإصلاح الهام الذي أجري سنة 1991 ليرسم ملامح المدرسة التونسية، مدرسة تتيح التعليم مجانا للجميع، متّسمة بالتفتح على محيطها وباحترام الهوية التونسية. وبعد عشرة أعوام من التطبيق، جرى تقييم وطني لهذا الإصلاح أدّى إلى صدور قانون جديد حول التربية والتوجيه المدرسي، في جويلية (تموز) 2002.
وتعمل المدرسة التونسية على غرس روح الاعتدال وتشجيع التعدّدية الثقافية في المجتمع، لا سيّما عبر الدراسة المقارنة للحضارات الإنسانية والتعليم الإجباري للغة أجنبية على الأقل.
ويقضي التلميذ التونسي مراحل التعليم الثلاث (تعليم أساسي يدوم تسعة أعوام، يليه تعليم ثانوي طويل مدّته أربع سنوات يكلّل بنيل شهادة الباكالوريا، مفتاح الدخول إلى التعليم العالي)، "يتعلّم كيف يتعلّم، وكيف يعمل، وكيف يكون، وكيف يعيش مع الآخرين". ولا يتجاوز التلميذ التونسي الثامنة من عمره إلاّ وقد استوعب المبادئ الأساسية للتربية المدنية. كما تمّ بإذن من الرئيس زين العابدين بن علي تخصيص كرسي لحوار الحضارات والأديان بالجامعة التونسية.


ويخضع محتوى البرامج التعليمية إلى مراجعة منتظـمة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى مناهج التدريس، التي يتمّ تجديدها بما يجعلها أكثر استجابة لمقتضيات التفكير العلمي والتفتح على الخارج. فالمدرسة التونسية تعمل على إدماج الفرد في مجتمعه العربي الإسلامي، وتحرص في الآن نفسه على أن تفتح له آفاقا عريضة.
لقد أصبحت تونس، بفضل استثمارها الضخم في التربية، بلدا منتجا ومصدّرا للكفاءات. واليوم، يؤمّ المدرسة مواطن واحد من أربعة مواطنين، وتقارب نسبة تمدرس الفتيات والفتيان البالغين من العمر 6 سنوات 99% ؛ وتستقبل الجامعات التونسية الثلاث عشرة (بما فيها الجامعة الافتراضية) والتي تعد 190 مؤسسة تعليم عال إلى شهر أفريل (نيسان) 2008 موزّعة بين كافة جهات البلاد إلى جانب 17 مؤسسة جامعية خاصة 36.1 % من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاما. وتشهد الشعب العلمية والتكنولوجية إقبالا متزايدا، ويقترب معدّل الحاصلين على شهادات في هندسة الإعلامية من المعدّلات الأوروبية، أي 6 طلاّب لكل ألف ساكن. ويزاول أكثر من%10 من الطلبة دراساتهم في شعبة تكنولوجيات الاتصال، وهو قطاع يحظى بمساندة قوية من الحكومة، جعلته ينمو بمعدّل 21% سنوّيا.
لقد أخذت تونس تشقّ طريقها بعزيمة راسخة نحو مجتمع المعرفة، الذي يمثّل مرحلة متقدّمة من مجتمع المعلومات. وقامت البلاد باستثمارات ضخمة في مجال البنية الأساسية التقنية اللازمة لبروز التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال، وكذلك في مجال تكوين الكفاءات. ويعتبر القطب التكنولوجي "الغزالة" الموجود بمدينة أريانة، قرب العاصمة، وهو الأوّل من نوعه في الجمهورية التونسية، واحدا من أحسن خمسين قطبا تكنولوجيا في العالم.
ويأوي هذا القطب مدرستين عُلْيتين تكوّنان كلّ سنة 1.500 مهندس، إلى درجة الدكتوراه، وثلاثين مركزا للبحوث والتنمية تستخدم أحدث التكنولوجيات الأوروبية والأمريكية والآسيوية في مجال الإعلامية والأنترنت. وقد أصبحت هذه المؤسسات التونسية تصدّر أنواعا مختلفة من البرمجيّات إلى الأسواق الغربية والعربية والإفريقية.
مجتمع المعلومات
احتضنت تونس، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، المرحلة الثانية من القمة العالميّة الأولى حول مجتمع المعلومات التي انتظمت مرحلتها الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2003، بجنيف، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، ودارت أشغال هذه القمة في أجواء وفاقية جسدتها المصادقة على برنامج عمل تونس للحدّ من الفجوة الرقمية وتسخير الثورة المعلوماتية في خدمة التنمية البشرية وهو ما يعكس النجاح الباهر الذي حققته تونس.
ويكتسي هذا الحدث بالنسبة إلى تونس ومجموع الدول النامية، وكذلك بالنسبة إلى البلدان المصنّعة، أهميّة بالغة. فكل هذه البلدان تواجه، ولو بدرجات متفاوتة، تحدّيات الثورة الرقميّة مما جعلها تشعر جميعا بضرورة الإسراع بوضع تصوّر مشترك لمجتمع المعلومات في المستقبل.
فقد دخلت بلادنا بقدم راسخة، منذ النصف الثاني من عقد التسعينات، في مجتمع المعلومات بفضل الاختيارات التكنولوجيّة الصائبة التي رسمها الرئيس زين العابدين بن علي وأكدها في برنامجه الانتخابي "بن علي لتونس الغد"، وكذلك بفضل برامج العمل التي أعدتها الحكومة والتي شكّلت عوامل أساسيّة للنجاح.
ويقبل التونسيين اليوم، بأعداد متزايدة، على الارتباط بشبكة الإنترنت، حيث أن عدد البيوت المجهزة بالحواسيب في ارتفاع متزايد. وتتوق الحكومة التونسية إلى تحقيق نسبة حاسوب لكل عائلة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المؤسسات المرتبطة بشبكة الإنترنت.
وانطلاقا من إدراكها المبكّر لأهميّة التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصال باعتبارها عوامل أساسيّة لتحقيق تنمية عادلة وشاملة ومستدامة، وحرصا منها على الاستفادة إلى أقصى حدّ ممكن من هذه التكنولوجيات، فقد عملت تونس على تنفيذ سياسة فعالة، تهدف إلى تعزيز القدرات الوطنيّة في مجالات البنى التحتيّة والمؤسّسات والموارد البشريّة.
ولعل أهمّ شاهد على انعكاس هذا الخيار الاستراتيجي على تطوّر الواقع الرقمي في البلاد، تعميم استعمال الانترنت بهدف نشر التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصال بين شرائح المجتمع على أوسع نطاق ممكن، بفضل جملة من المبادرات الحافزة والمشاريع النموذجيّة منها :
- إقرار برنامج "الحاسوب العائلي"، الذي يرمي إلى توفير جهاز لكل عائلة وبسعر منخفض - ربط كل المكتبات والمؤسسات الجامعيّة ومراكز البحث والمعاهد الثانويّة والمدارس بشبكة الانترنت - تطوير مؤسسات وإدارات "بدون ورق" - توفير وسائل دفع مؤمنة بواسطة البطاقات الالكترونية "e-dinar" (الدينار الالكتروني) وبعث بوّابتين قطاعيتين لفائدة المتعاملين الاقتصاديين - إقرار المقاصة الالكترونيّة بين مختلف البنوك - اعتماد التعلم عن بعد والأقسام الافتراضيّة في نطاق برنامج واسع وطموح للإصلاح التربوي.


ولا شكّ أنّ هذه الخيارات الإستراتيجيّة وهذه المشاريع ما كانت لتتحقّق لولا توفّر بنية تحتيّة متينة ومتطوّرة في مجال الاتصالات، وتوخي سياسة ناجعة في مجال البحث من أجل التنمية، وبذل جهود مكثّفة لتنمية الموارد البشريّة وإيجاد إطار قانوني وترتيبي عصري ومتطوّر قادر على التأقلم مع التحوّلات السريعة التي تشهدها تكنولوجيات المعلومات والاتصال، في تونس وفي العالم.
ونتيجة لذلك أصبحت تتوفّر في تونس شبكة قارّة للاتّصالات، تمّت رقمنتها بشكل كلّي سنة 1999، مع تعزيز الكثافة الهاتفيّة (قار + جوال) من 3 خطوط لكلّ 100 ساكن سنة 1987 إلى 90,37 خط لكل 100 ساكن إلى حدّ 31 مارس (آذار) 2008. وبلغ عدد المشتركين في الهاتف القار إلى نهاية شهر مارس (آذار) 2008، 1.257.000 وعدد المشتركين في الهاتف الجوال لنفس الفترة 8.041.962، وارتفع عدد مستعملي شبكة الإنترنت في نهاية مارس (آذار) 2008 إلى 1.765.430 مستعمل، وبلغ عدد المواقع التونسية في نفس الفترة على الشبكة أكثر من 6.000 موقع مقابل موقعين فحسب سنة 1996.
وقد جاء في النقطة الخامسة من البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة "بن علي لتونس الغد" المتضمن لـ21 نقطة تحت عنوان : "أرضية ملائمة لبناء اقتصاد المعرفة" أنّ من أهداف الفترة (2004-2009) إرساء بنية اتصالية واعدة بتحقيق، ، تغطية هاتفية تبلغ %80 قبل موفى 2009 وبناء شبكة الكترونية بطاقة أعلى مع الخارج وعلى الواب وتوفير فرصة رقمية للجميع من خلال بلوغ مليون حاسوب وفرصة عنوان إلكتروني لكل مواطن قبل موفى سنة 2009 وكذلك توفير الإنترنت للجميع من خلال شبكة تتيح الربط بالإنترنت في كافة مناطق البلاد ومضاعفة طاقة الربط الحالي بالشبكة العالمية للإنترنت خمس مرات خلال السنوات الخمس المقبلة والتعميم التدريجي للسعة العالية عبر نظام ADSL لدى المشتركين بشبكة الإنترنت وتوفير طاقة للاستعمال العادي للإنترنت لفائدة 50% من المواطنين وإحداث مركز عمومي للإنترنت في كل قرية قبل موفى 2009.
غير أنّه لا يمكن لمجتمع معلومات أن يزدهر دون بذل جهد متواصل في مجال تطوير الموارد البشريّة، من خلال سياسة إراديّة تركز على التكوين والبحث المرتبط بالإنتاج وإيجاد فضاء ملائم للتعليم والبحث والتكوين والإنتاج. وبفضل مؤسسات جامعيّة وطنيّة رفيعة المستوى، مثل المدرسة العليا للاتصالات والمعهد العالي للدراسات التكنولوجيّة في مجال الاتصال، وكذلك بفضل إسهام الكفاءات الوطنيّة، تمكّنت تونس من توفير ما يحتاج إليه قطاع المعلومات والاتصالات من مهندسين وتقنيين سامين وكذلك من تلبية الاحتياجات في مجال التكوين المستمر والرسكلة. ومن ناحية أخرى، تمثّل مدينة تكنولوجيا المواصلات، المقامة على مقربة من تونس العاصمة، فضاء يتطوّر فيه، بتكامل وتناسق، التعليم والبحث والتكوين والصناعة في محيط إبداعي، يساعد على إذكاء جذوة الخلق والابتكار والتحكّم في التكنولوجيا المتطوّرة.













الصحافة

1- الصّحافيون التونسيون المحترفون : يبلغ عدد الصحافيين المحترفين في تونس 1.062 صحفيا (مقابل 639 سنة 1990)، ونسبة 35% من هؤلاء الصحفيين المحترفين هم من النساء، و53% هم من خرّيجي الجامعات وحوالي النصف لا تتجاوز أعمارهم الأربعين عاما. وللصّحافيين هياكلهم المهنية والنقابية المنتخبة. 2- الإطار الدستوري والقانوني : حرّية الصحافة مضمونة في تونس قانونا وعلى صعيد الممارسة. وقد بادر الرئيس زين العابدين بن علي منذ 7 نوفمبر 1987 باتّخاذ المبادرات من أجل النهوض بالتعدّديّة في مجال الإعلام وحماية حقوق الصّحافيين. وتم ّ في هذا الإطار تنقيح مجلّة الصّحافة في أربع مناسبات وذلك سنوات 1988 و1993 و2001 و2006. وقد ألغت هذه التنقيحات الأحكام بالسّجن وتهمة "ثلب النّظام العام" وإجراء الإيداع القانوني والعقوبات المترتبة عنه ولا يمكن اليوم في تونس مصادرة أي صحيفة إلا بقرار من القضاء. ولم يحصل منذ 1987 أن تمّت مصادرة أي جريدة أو مجلة، كما لم يحدث أن تمّ اعتقال أي صحافي من أجل أنشطة صحفية. ويحثّ الدستور التونسي الأحزاب السياسيّة على رفض أي شكل من أشكال التعصّب والعنصريّة والتمييز (الفصل 8). كما يمنع القانون التونسي التحريض على الكراهيّة وعبارات التعصّب وكلّ أشكال التحريض على الإرهاب. 3- دعم الصحافة : ما انفكّ الرئيس زين العابدين بن علي يشجّع الصّحافيين على مزيد التحلّي بروح المبادرة. كما دعاهم إلى "مزيد الجرأة" وملازمة التحرّي و"طرق المواضيع بتجرّد ووضوح ومسؤوليّة". وتتلقى كافة الصحف بما في ذلك صحف المعارضة دعما ماديا من الدولة وتتمتّع صحف المعارضة بالذات بحوافز تمكّنها من استرجاع 60 % من تكاليف الجريدة. كما تتمتّع الصّحافة الوطنيّة بالعديد من أشكال الدّعم غير المباشر، بما في ذلك الإعفاء من دفع المعاليم الجمركيّة على أجهزة الطّباعة المستوردة. و تتحمّل كذلك الدّولة قسطا هامّا من تكاليف توزيع الجرائد على النطاق الدّولي. ويغطّي معدّل المساعدة التي تقدّمها الدّولة إلى المعارضة تكاليف الإنتاج والطّباعة بالنّسبة إلى المنشورات الأسبوعيّة التي يفوق عدد ما توزّعه من نسخ 15.000 نسخة. 4- الصّحافة المكتوبة : تصدر اليوم في تونس قرابة 265 صحيفة ومجلّة (مقابل 91 سنة 1987). معظم هذه المنشورات مملوكة من قبل القطاع الخاص وتعبّر عن آراء مستقلّة. كما تصدر أحزاب المعارضة جرائدها الخاصّة بها التي تعبّر عن آرائها بكل حرّية. وكذلك الشأن بالنسبة إلى العديد من المنظمات والاتحادات المهنيّة.
5- تطوّر المحطّات الإذاعيّة والتلفزيونية الخاصّة : شرعت "راديو موزاييك آف آم" وهي أوّل محطّة إذاعيّة خاصّة في تونس، في بث برامجها في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. وانطلق بث أوّل قناة تلفزية خاصة في تونس وهي "قناة حنّبعل" في 13 فيفري (شباط) 2005.
وفي جويلية (تموز) 2005، انطلقت المحطة الإذاعية الخاصة الثانية "راديو جوهرة" في بث برامجها. وبدأت محطة إذاعية خاصة ثالثة هي "إذاعة الزيتونة" للقرآن الكريم البث في سبتمبر (أيلول) 2007. وجاء بعث هذه المحطات الإذاعية والتلفزية الخاصة بناء على إعلان الرئيس زين العابدين بن علي في 7 نوفمبر 2003 عن "انفتاح المشهد السمعي والبصري". 6- تطوّر البث الإذاعي والتلفزي العمومي : انطلقت "إذاعة تونس الثقافية" في بث برامجها يوم 29 ماي (أيار) 2006 وبدأ يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 البث الفضائي للقناة التلفزية الثانية "تونس 21" وهي قناة موجهة للشباب. 7- الصّحافة الأجنبيّة في تونس : يزور تونس كلّ سنة مئات من الصّحافيين الأجانب كما يمارس حوالي 100 مراسل مهامهم بتونس بصفة مستمرّة. ويتمتّع جميع المراسلين والمبعوثين الخاصّين بظروف ملائمة لممارسة مهنتهم بحرية. ويتمّ توزيع قرابة 1.100 صحيفة ومجلة أجنبيّة في تونس (مقابل 450 نشريّة سنة 1987). وتمتلك كلّ العائلات التونسيّة تقريبا أجهزة راديو وتلفزة. كما أنّ أغلبية الأسر التونسيّة تمتلك أجهزة التقاط للبرامج التلفزية بالساتل ويمكن للأفراد الاشتراك في برامج تلفزية أجنبية. 8- وسائل الإعلام التونسيّة والإنترنت : يتمتّع الصّحافيون المحترفون في تونس بتعريفة منخفضة في مجال الرّبط بشبكة الإنترنت. وتوجد مواقع على الشبكة لأغلب الجرائد والمجلاّت وكذلك الشأن بالنسبة إلى الإذاعة والتّلفزة التّونسيّة.
المرأة
إنّ ما تحظى به المرأة التونسية من مكانة متميّزة يرجع بالأساس إلى الاختيار المجتمعي الذي أقرّ منذ سنة 1956 باعتماد مجلّة الأحوال الشخصيّة (مجلّة الأسرة) وهي مجلّة ثورية بالنسبة إلى نظيراتها في المنطقة : فأحكام المجلّة تلغي تعدّد الزوجات والطلاق التعسفي وتقرّ الطلاق القضائي. كما تتمتّع المرأة التونسية بحق الانتخاب، وبحق الترشح للانتخابات، وكذلك بالحق في التربية والتعليم، والحق في العمل إلخ...
وتدعّمت وتطوّرت هذه المكاسب بفضل إرادة الرئيس زين العابدين بن علي الذي جعل من النهوض بالمرأة أحد الاختيارات الكبرى التي راهن عليها مشروعه المجتمعي القائم على الإدماج وعدم التمييز. وتمّ اتخاذ العديد من الإجراءات لضمان المساواة بين المواطنين من الجنسين وتحقيق توازن الأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع.
وبداية من عام 1993، أضيفت تحسينات إلى المجلّة الصادرة عام 1956، من بينها إدخال مبدأ التعاون والاشتراك في المسؤولية بين الزوجين داخل الأسرة. وقد امتدّت علاقة المساواة التي أقرّتها مجلّة الأسرة إلى كافة ميادين الحياة الاجتماعية.
وأضحت للمرأة التونسية نفس حقوق الرجل في الحياة العامة. والمؤشرات تفصح عن ذلك بجلاء: فنسبة التمدرس لدى البنات في سنّ الستة أعوام مماثلة لنسبة الأولاد (%99) أما في التعليم الثانوي، فعدد البنات (53%) يفوق عدد البنين وكذلك الشأن في التعليم العالي حيث تبلغ نسبة الفتيات %59,1من مجموع الطلاب.
وفي الحياة النشيطة تتميّز النساء بحضور متزايد في مختلف القطاعات الاقتصادية. وتمّ إلغاء بعض أحكام مجلة الالتزامات والعقود لعدم تماشيها مع تكريس حق المرأة في العمل. فالسيدات يمثلن أكثر من ربع السكان النشيطين في البلاد، ونصف العاملين في قطاع التعليم وفي السلك الطبي وشبه الطبّي. ثمّ إن 18 ألف من المؤسسات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات تسيّرها سيّدات.
وفضلا عن كونها شريكة في إدارة شؤون الأسرة، وطرفا له وزنه في الحياة الاقتصادية، فقد أصبحت المرأة أيضا مخاطبا متميّزا في المجال السياسي. فالحكومة تعدّ بين أعضائها سبع نساء، ونسبة السيّدات في مجلس النواب 22.7% حيث أصبح المجلس الجديد إثر انتخابات 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2004 يعدّ 43 إمرأة نائبة من مجموع 189 نائبا. أما في الحزب الحاكم، التجمّع الدستوري الديمقراطي، ف
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "منوعات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)