حوار: فيصل الحزمي -
قال إن علينا أن نقرأ ياسين وبيدنا حجر معلقاً على الحوار مع الجماعات الارهابية ويؤكد أن آخر العلاج هو الكي.
الشيخ مقبل الكدهي عميد المعهد العالي للتوجيه والارشاد عبر عن عدم ارتياحه لدور بعض الاحزاب التي تفضل اللعب بورقة الارهاب لتحقيق مكاسب ضيقة على حساب مصالح الأمة.. معتبراً ما يصدر عن هذه الأحزاب من بيانات تنديد ضد العمليات الارهابية لا يعبر عن دور صادق لها في مواجهة الارهاب والتطرف بسبب ما أسماه هنا بالأجندة الحزبية.. واللقاء حافل بالعديد من الرؤى لظاهرة الإرهاب والتطرف..
لقاء / فيصل الحزمي
صراع الوسطية والاعتدال مع التطرف بحاجة الى تقييم.. خاصة وأن المتطرفين أصبحوا يستخدمون الأحزمة الناسفة لإرهاب المجتمع.. ما تقييمكم لواقع المواجهة؟
- الوسطية والاعتدال فطرة الله التي فطر الناس عليها، قال تعالى: »كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً«.. هكذا أراد الله الوسطية منجاة لهذه الأمة ولأبنائها من عواصف التطرف وجحيم الارهاب، والله سبحانه وتعالى خبير عليم بما يُصلح عباده، والله غالب على أمره، هذا بمقابل حالة من الشذوذ، ومن شذ شذ في النار، حالة من المروق ضد منهج الله ابتلي بها نفر من الشباب غير الناضج المتهور، الذي لا يفرق بين الفريضة والسنة، ولا بين المستحب والمكروه.. عبأتهم جماعات لها موقف عدائي من المنهج الرباني فأركسها الله بما كسبت أيديهم لتتحول الى مزارع تفرخ الأحزمة الناسفة البشرية برغبة وحشية في إبادة الأخضر واليابس والواقع يملي علينا ألا نقلل من هذا الخطر الداهم الذي تتقزز منه الطباع السليمة، وما تمارسه العناصر الارهابية يلحق أضراره الماحقة بالتنمية الشاملة في بلادنا ويقلق السكينة العامة، وهو سرطان يحتاج علاجه الى رؤية وحكمة وآخر العلاج الكي لوقاية المجتمع مما يهدد أمنه.
دور العلماء
يلاحظ أن بلادنا أصبحت تواجه الجيل الثالث من القاعدة.. فأين دور علماء الدين؟ ولماذا البيانات المنددة للعلماء والمرشدين لا تتحول الى خطب ارشاد في المساجد؟
- يعتبر المراقبون للشأن اليمني في حربه ضد الارهاب أن اليمن قد لحقتها اضرار كبيرة جراء الارهاب، ولهذا فإن دور العلماء فرض عين على كل عالم، ونقول فرض عين لأن أضرار الإرهاب الاقتصادية والاجتماعية تنعكس على كافة أبناء المجتمع، وعلى أمن البلاد واستقرارها، فعلى العلماء ألا يدخروا في مواجهة الارهاب جهداً: فيبصّرون الناس بجادة الطريق الى الله.. ويبيّنون للناس مشروعية الجهاد من حيث الزمان والمكان، وأين يقع الجهاد وبم يقع، ومتى يجب، وما أدواته ووسائله، ومن له الحق في إعلان الجهاد.
كما أن على العلماء أن يبينوا للناس ما تجلبه طاعة ولي الأمر من الأمن والاستقرار وتحقيق المنجزات التي من شأنها أن تعزز القرار الوطني الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني.
ويقع على العلماء أن يؤدوا رسالة يفرقون فيها بين ما هو دين خالص لله، وما هو سياسة خالصة لأعداء الدين وأعداء الوطن.
وجدير بهم أيضاً أن يثقفوا الناس من خلال منابرهم بالأدوار التي اضطلع بها اليمانيون في نصرة دين الله ورسوله، فاستحقوا بذلك تلك الشهادة المحمدية في قوله »صلى الله عليه وسلم«: »الايمان يمان والحكمة يمانية«.
وأن تكون البيانات تتويجاً لأدوار صادقة ومنتظمة في مواجهة التطرف، سيما وأن بعض من وقعوا على تلك البيانات لم يكونوا على قناعة راسخة، وذلك بسبب الأجندة الخاصة بأحزابهم التي تقتضي اللعب بأوراق الإرهاب لتحقيق مكاسب على حساب البلاد والعباد، وعلى العلماء أن يبتغوا وجه الله فيما يفعلون أو يقولون، حتى تتأكد فيهم خاصية القدوة الحسنة لكل المجتمع والأمة، وليفوزوا بالمنحة الربانية التي وعدهم بها والمؤمنين في قوله: »يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات« وقوله »صلى الله عليه وسلم«: »علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل« وإنها لمكانة تضرب إليها أكباد الإبل ويعض عليها بالنواجذ وليس مقبولاً ممن يحوز صفة العلم إلاّ أن يؤثر مصلحة البلاد والعباد على حياته ومصلحته.
مواجهة التطرف
ماذا عن دور المعهد بالمساجد وحيث نجد عناصر الإرهاب قدرة على التحرك في العديد منها؟
- الواضح لدينا أن هناك مدارس خاصة تشرف عليها بعض الأحزاب، وهم من يمارس ثقافة التطرف للدفع الى تطرف في العقيدة وتطرف في الشريعة، وبالتالي تخريج كوادر بينها وبين المجتمع عداء بلا مبرر.
ونحن في المعهد العالي للتوجيه والارشاد نعد مخرجات من الدعاة والمرشدين على منهج الوسطية والاعتدال، والوزارة بدورها توظف وتعين وفقاً لخطتها، ومن صلاحيات الوزارة أن تعين وتستبدل من يخل بأدائه، ويكون هذا الابدال بالتنسيق مع السلطات المحلية والجانب الأمني حتى لا تظل منابر المساجد وسيلة في يد المتطرف، ومن لا يقدرون خطورة المرحلة ليس في اليمن وحسب، ولكن على مستوى العالم.. وإن الوضع يتطلب تضافر جهود الجميع ابتداء بوزارة الأوقاف بدورها الاشرافي وتعيين من يليق هذه الرسالة ومروراً بدور السلطة المحلية في تنفيذ القرارات قرارات التعيين أو الاستبدال ومن المهم التأكيد هنا أنه في الدول المجاورة يشرف على المساجد وخطبائها وزارة الأوقاف والسلطة المحلية تتولى تنفيذ قرارات وزارة الأوقاف حتى لا تظل تلك المدارس تفرخ عناصر متطرفة الى المساجد.
ما بعد الحوار
يتردد أن الحوار مع جماعة القاعدة قد يفشل.. فما وجهة نظركم لأساليب أخرى تجنب بلادنا شرور أعمالهم ولماذا لم يستخدم كبار الإرهابيين أولادهم بدلاً من صغار السن من غير أقاربهم؟
- يجب أن نقرأ ياسين وبيدنا حجر، فالحوار مطلوب لاعادة هؤلاء الى سماحة الدين وخيرية الأمة ولا بأس أن يكون آخر العلاج الكي، أما استخدام كبار القادة وصغار السن من غير أقاربهم فيشير الى ستغلالهم لمرحلة المراهقة التي من خصائصها قابلية هذه الفئة للتغرير والتعبئة.. وعدم استخدامهم لأبنائهم يؤكد سياسة أفعالهم، وأنهم لا يؤمنون بما يعبئون به المغرر بهم لتحقيق أهداف سياسية اذ لو كانت تلك الأفعال الاجرامية تتعلق بجوهر من جواهر الدين لاستأثروا بها لأبنائهم ولكنهم يتعاطون معها من خلفية سياسية وهذا ما ينفر كل الناس من تلك الجرائم، ومرتكبوها حطاب ليلٍ تتبرأ من أفعالهم كافة الشرائح السماوية كون أنشطتهم هذه ضد الشرائع وخارج نطاقها.. نسأل الله أن يجنب بلادنا شرورهم وشرور من يقفون وراءهم.<
كلمة "الميثاق"
كبر اليمن.. وبقي هؤلاء صغاراً
في العام 2009م.. تكتشف أن البعض لايزال يعاني أزمة انتماء الى يوم اليمن.. ويوم الناس هذا، وكأنه لم يبرح سرداب الزمن الغابر.. يعيش متعلقاً بأوهام أمس بعيد فات ومات.. ويصعب عليه الاعتراف بأن اليوم ليس هو الأمس الذي دفنه اليمنيون تحت أقدامهم في الطريق الى مستقبل اقتحمناه في الثاني والعشرين من مايو العظيم 1990م.
غير أن أزمة الانتماء إلى الزمان ليست وحدها من تحجب ضوء النهار وواقع اليمن الجديد عن هؤلاء.. ثمة -أيضاً- »أزمة هوية« أو أزمة انتماء مكاني تلازم المحرومين من نعمة الامتنان لهذه الارض.. ولهذا الوطن الذي كبر بوحدته وشعبه وهمته، وحمل معه أهداف الثورة اليمنية الخالدة.. أمانة ومشروع بقاء وارتقاء..
كبر اليمن.. وهو كبير أبداً.. وبقي البعض »صغيراً« في كل شيء في التفكير والفهم والطموح.. وهكذا فرخ هؤلاء مشاريع أصغر من صغيرة وحبسوا أنفسهم داخلها معتقدين أن التاريخ يسير الى الخلف.. أو أن الحظ سيحالف الحالمين باستعادة مجد قروي ضائع وتراث سلطنات تبخرت تحت لفحات أنفاس الثوار وذوت الى غير رجعة، تزفها خيبات الدهر وخيبات الأحرار الذين كانوا كباراً بحجم شعبهم وبلدهم.. وبحجم التاريخ الذي ينتمي الى اليمن بقدر انتمائنا اليه.
لقد تكشفت أقنعة كثيرة، وسقطت دعوات صغيرة.. وبات واضحاً أن أصحاب العقليات القروية لايمكنهم ان يرتقوا إلى مستوى الدولة والوطن والأمة التي نحن عليها.
وبالمثل فإن المؤمنين بالوطن الواحد العزيز.. والأمة الكبيرة.. والدولة الجامعة والشعب اليمني العظيم لايمكنهم التنازل عن إيمانهم ومجدهم، أو أن تؤثر فيهم هرطقات المزوبعين بالقروية.. المسكونين بالنزعات الإنهزامية.. المناطقية.. والجهوية التي تمارس رذيلة الردة وتتعبد أكثر من آمر.. وموجه.. ودافع.. في سوق الإرتهان وحضيض الإسفاف والإسراف.
لم يعد في مقدور أحد المزايدة على وحدة الناس وثوابت الوطن ومكتسبات الدولة والشعب.. باسم دعوات جوفاء تتاجر بالقضايا الحقوقية.. كما تتاجر بمعاناة الناس وتمتطي أحلامهم للوصول الى الغايات البعيدة والمفضوحة تماماً.. والتي تستجر معها هزائم »الأيام« وحطام الأوهام المتكسرة عند عتبة السابع من يوليو 1994م، حيث الوحدة لم تكن يوماً ملك أحد.. ولا ميراث دعي أو رقماً في رصيد مقامر وجيب مغامر.
إن ما لايفهمه عديمو النظر وقليلو العقل.. هو ان هذا الشعب لم يكن يوماً إلاّ سيداً.. وعبر تاريخه الطويل خاصم، وقصم جميع الذين راهنوا على مصادرته وسرقة إرادته وابتزاز صوته وطيبته.. فعل ذلك مراراً قذف بالمستعمرين خارج أسواره وحدوده ومياهه.. وشطب السلطنات المزروعة في جسد الوطن بأمر المستعمر الغربي.. والتي مزقت الواحد وأحالت البلاد الى مجموعة دكاكين وسلاطين وعملاء.
وانتفض على الإمامة الكهنوتية.. وأقام حكمه الجمهوري.. حكم الشعب، لا السلالة أو الأسرة والإمارة.
ومزق أحلام المتربصين بوحدة الثاني والعشرين من مايو العظيم.. وكعهد التاريخ والتجارب به، فإن هذا الشعب لن يدع لأحد ان ينعم أو يسترسل في غيه وادعاء الوصاية عليه أو مصادرة جزء منه وكأنه ملك أبيه أو ميراث أسلافه..!
يوماً بعد يوم.. وينضح تيار »الايام« بما فيه من محاسن الظروف والأحوال الاستثنائية انها تفضح كل صاحب بضاعة.. وتعري معادن الرجال.. ونسمي الأشياء بأسمائها.. وماهي إلاّ بضاعة كراهية وانتهازية وارتهان. اللائذون بجحور المناطقية والقروية والجهوية المريضة.. انعزاليون.. لديهم أزمة انتماء.. وأزمة هوية، ومن يخلع عنه هوية الأمة الواحدة فإنما ينسلخ عن جسد الجماعة.. ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.<