عبدالحفيظ النهاري -
في الأصل ان الديمقراطية وُجدت كخيار سلمي بديل للعنف، وان الانتخابات وسيلة لضبط اختيار الجماهير، ومن قواعدها التسليم برأي الأغلبية وخيارها واحترام الأقلية لرأي الأغلبية والتسليم بها مقابل استمرار احترام رأي الأقلية غير الملزم للأغلبية برؤاها..
> وهذه المسلَّمات هي المقدمة الأولى لأي إجراءات انتخابية، والقبول بالمشاركة في أي انتخابات هي بالضرورة تسليم بالمبادئ الديمقراطية التي على أساسها تنبني أي إجراءات انتخابية ليصبح الرهان فقط على الاقناع البرامجي للجماهير وليس على مرجعيات أخرى.
> وفي تجربتنا الرئاسية تبرز مرجعيتان غير شرعيتين هما: مرجعية الدين ومرجعية العنف، فالأولى تنتفي بحكم تضمُّن المرجعية الدستورية لها ووجودها كقاسم مشترك وصفة لازمة لكل الأطراف المشاركة في العملية الديمقراطية، والثانية لاغية بحكم التخلي عنها والاحتكام إلى خيار الجماهير عبر صندوق الاقتراع.
> وبناءً على ذلك، فإن الاستناد إلى أي من المرجعيتين يتعارض مع مبادئ الديمقراطية لأن الخيار الديمقراطي كل لايتجزأ فلا يمكن أن نؤمن ببعضه ونكفر ببعضه الآخر، والمنظومة الديمقراطية لاتستقيم إلاّ إذا تكاملت أجزاؤها، لأن الغاية النهائية هي صدق القياس لاختيار الجماهير، فإذا لم تقس بدقة اتجاهات وخيارات الجماهير فلا طائل منها.
> ولذلك فالممارسة والسلوك الديمقراطي جزء أصيل وجوهري من العملية وليس مجرد شكل، وأولئك الذين يهربون من الخطاب البرامجي إلى الخطاب الديني أو إلى العنف هم يتنصلون من قواعد الديمقراطية ويريدونها مجرد شاهد زور على وجودهم غير الديمقراطي وحضورهم الزائف وغير الشرعي في العملية الديمقراطية.
> فما بالنا بمن ينتهكون قواعد اللعبة كلها ويتجاوزون التشريعات والقوانين المنظمة والتي تستند إلى الأصول التشريعية للبلاد وإلى توافق القوى السياسية وإلى التنظيم المؤسسي الذي هم جزء منه ومشارك فيه؟
> إن على هؤلاء ان يراجعوا أنفسهم ويستبعدوا من عقلهم الباطن اتخاذ الديمقراطية مطية للانقلاب عليها أو على الأسس التي أوجدتها، وعليهم ألا يعتبروا أنفسهم أذكياء يوظفون الخيار السلمي كسلم يحملهم إلى الخيار الانقلابي، لأن الآخرين يتمتعون بوعي حريص على الحفاظ على التأسيس الديمقراطي كخيار وطني ينأى بالبلاد عن دورات ودوامات العنف السياسي والأيديولوجي.
> وأحسب انتهاك قوانين الممارسة حتى في صورها البسيطة هو خروج على الديمقراطية وتزييف لإرادة الجماهير وتضليلهم، والمشكلة ان القوى السياسية ذات المرجع الديني لم تغير من تعاطيها الشكلي مع الديمقراطية منذ أكثر من 60 عاماً من التجارب في الساحة العربية، وما تزال ترى في الديمقراطية مجرد مطية وسلماً تحملهم إلى هرم السلطة ليكون أول ماينقضون عليه هو الديمقراطية نفسها.. وهذه أزمة تفكير ستظل ملازمة لتفكيرهم حتى نرى على الأرض مايخالف ذلك.
> وهكذا يبدو العنف الظاهر أو الباطن في النية أو في الممارسة معولاً يهدم البناء الذي يقف عليه الجميع القوي والضعيف على حدٍ سواء، ومن نافلة القول التأكيد على أن المعارضة أحوج ما تكون إلى السلوك المنضبط وإلى التعاطي المبدئي مع الديمقراطية وإرساء قواعد راسخة للتجربة.