ناصر العطار -
الإفساد في الأرض وعقوبته وأضراره على الحياة بأكملها، يعتبر مجرماً ومحرماً في جميع الرسالات السماوية وكذا في جميع الاعراف بين الناس سواءً أكانت على شكل قواعد عرفية مكتوبة أو غير مكتوبة أو على شكل مواثيق ودساتير وقوانين بحسب الحضارات الانسانية.. وشواهد ذلك كثيرة تحدث عن بعضها القرآن الكريم في شرعنا وشرع من قبلنا من خلال تناوله لقصص بعض الانبياء والمرسلين ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: »وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك«.. وقوله: »قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا«.. وقوله: »إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ«.. صدق الله العظيم..
وفي القرآن الكثير من الآيات التي تناولت كافة أنواع وأشكال الفساد في الأرض وأنه كان سبباً في إهلاك الحضارات والاقوام التي ارتكبت جرائم الفساد ومنها اهلاك »قوم نوح، عاد، لوط، الاحقاف، فرعون، بنو اسرائيل،.. الخ«.
وجاءت السنة النبوية لأقوال وأفعال الرسول »صلى الله عليه وسلم« مكملة ومفصّلة لأحكام القرآن حتى عم الأمن والاستقرار واحترام الحياة والكرامة الانسانية في جميع المعمورة التي وصل الاسلام اليها، فحُرر الانسان من العبودية وطبق نهج العدل والمساواة بين كافة ابناء البشر واحترام التعاملات والحقوق والاموال الخاصة والعامة والتي خلفتها موروث اعمال الفساد في الأرض بالربا وانتهاج سياسة تسلط القوي على الضعيف.. الخ.
أما القواعد التي تعارف عليها الناس فقد توارثت وساد تطبيقها وتحديث مضامينها وأحكامها حتى أصبحت على شكل مواثيق دولية تمثلت في احترام سيادة الشعوب وعدم التدخل في شئونها، وتحريم أعمال العنف، وانتهاج سياسة التعايش السلمي بين الشعوب وتجريم أي فعل يستهدف البيئة أو طرق الملاحة الجوية، والبرية، والبحرية.. الخ.
ومع وجود بعض الاختلافات أو التباينات في وصف الارهاب وحق الشعوب القابعة تحت وطأة الاستعمار المباشر أو غير المباشر في مقاومته حتى ازالة الظلم عنها وحصولها على الاستقلال التام، وذلك بسبب موقف بعض الدول التي تبنته وفقاً لعواطفها وتأثرها بموروث العنصرية أو بتغليب مصالحها على مصالح تلك الشعوب.. ومع كل ذلك إلاّ أن الجميع يدين الإرهاب والعنف والخروج على القواعد الدولية أو الوطنية.. وشواهد ذلك كثيرة ومن أمثلتها ما جرى ويجري للعالم بعد احداث 11 سبتمبر 1992م.
وما يهمنا من خلال تناولنا هذا هو التنويه لكل أبناء الوطن أينما وُجدوا على تراب الوطن وسواءً أكانوا شيوخاً أو شباباً، متحزبين أو مستقلين، وبمختلف شرائحهم رجال دين، مثقفين، مشائخ، وجهاء، مواطنين.. الخ، القيام بواجباتهم الدينية والانسانية، والوطنية، والاجتماعية، والسياسية، والوقوف صفاً واحداً للتصدي للجرائم والاعمال التي تنفذ بأيادٍ مسعورة وبتمويل وتخطيط المتآمرين والحاقدين على الوطن باعتبار الجرائم التي تنفذ في بعض اجزاء الوطن سواءً في بعض مناطق صعدة أو التقطع في بعض الطرقات العامة للأجانب وما تلحقه من أذى بحياة المواطنين وازهاق لأرواح البعض ومصادرة واتلاف الممتلكات العامة أو الخاصة، فإنها تستهدف كافةاجزاء الوطن وكافة ابنائه وهي من ابشع الجرائم واخطرها على السلامة والسكينة العامة، ويمتد أثرها على الغني والفقير والصغير والكبير لما تسببه من عرقلة لمسيرة التنمية وتوفير الخدمات مما يعني الحرمان من التعليم والصحة.. الخ، وكذا زيادة الاعباء الاجتماعية بتدهور نمو الموارد الاقتصادية وزيادة تكاليف نقل وقيمة السلع والمؤن الغذائية والدوائية اضافة الى تأثيرها المباشر على الاستثمار والتبادل الاقتصادي بين اليمن وبقية الشعوب.
واستناداً الى ما ذكرناه نصل الى حقائق مؤداها أن الجرائم والافعال التي تنفذ تعد من الجرائم التي تستهدف أمن واستقرار الوطن وتهدد أمنه واستقراره ووحدة أراضيه ويعتبر منفذوها مؤازرين ومنفذين لأطماع ومآرب أجنبية، وأنه يقع على كل فرد في المجتمع واجب التصدي لهم والوقوف الى جانب ابناء القوات المسلحة والأمن لتأمين سلامة المواطنين وممتلكاتهم والحفاظ على الوحدة الوطنية.. كون هذا فرض عين بموجب احكام الشريعة الاسلامية، كما يجب على جميع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والخطباء والمرشدين وكافة الشخصيات الاجتماعية توحيد موقفهم لمواجهة تلك الاعمال وإدانتها وتجريمها وتوعية كافة أبناء الشعب بخطورتها واعتبار التهاون والسكوت عليها هو الرجوع باليمن الى عصر الدويلات والامارات والى رسم طريق مظلم لليمن وابنائه يؤدي الى التناحر والتشرذم.. وفي تجارب الشعوب المنكوبة ومنها ما هو في محيط اليمن كالصومال أو العراق، خير شاهد.. والمؤمل من جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية بدرجة رئيسية- باعتبارها تمثل اركان النظام السياسي للجمهورية اليمنية والاداة الفاعلة لتمثيل المواطنين سياسياً -الدفاع عن الوطن ووحدته وسلامته واستقراره سواءً أكانت في الحكم أو المعارضة، يليهم كافة ابناء وشرائح المجتمع.<
❊ رئيس الدائرة القانونية