الجمعة, 08-مايو-2009
الميثاق نت -  د‮. ‬طارق‮ ‬احمد‮ ‬المنصوب‮ -
يعرف واقعنا اليمني اليوم قضايا كثيرة متشابكة ومتعددة الأبعاد والجوانب، يتداخل فيها الحقوقي أو القانوني، مع السياسي والثقافي، والاجتماعي مع الأمني.. وهي قضايا فرضها الإيقاع المتسارع والمتلاحق للأحداث في الساحة السياسية الوطنية، حتى أنه لم يدع لنا جميعاً -في‮ ‬السلطة‮ ‬والمعارضة‮ ‬ومؤسسات‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮- ‬مجالاً‮ ‬لالتقاط‮ ‬الأنفاس‮ ‬وحشد‮ ‬الطاقات،‮ ‬ولملمة‮ ‬الصفوف‮ ‬ورصها،‮ ‬وتضميد‮ ‬الجراح‮ ‬ومداواتها،‮ ‬ودراسة‮ ‬الأسباب‮ ‬ومناقشة‮ ‬حقيقتها‮.‬
وكثير من هذه القضايا في حاجة الى وقفات طويلة للدراسة والتأمل والقراءة الواقعية، لإبداء الرأي الواضح والشفاف والصريح من أجل وضع نهايات أو اقتراح حلول مقبولة لها، وأحسبنا جميعاً معنيين بذلك، إذ لم يعد يفيدنا أو يفيد وطننا اليمني الكبير أن ندفن رؤوسنا في الرمال،‮ ‬أو‮ ‬نكتفي‮ ‬بمشاعر‮ ‬اللامبالاة‮ ‬أو‮ ‬المواربة‮ ‬في‮ ‬الحديث‮ ‬عنها،‮ ‬أو‮ ‬انتظار‮ ‬ما‮ ‬سيتمخض‮ ‬عنها‮ ‬كأنه‮ ‬قدر‮ ‬لا‮ ‬فكاك‮ ‬لنا‮ ‬منه،‮ ‬وحتى‮ ‬لا‮ ‬نندم‮ ‬ساعة‮ ‬لا‮ ‬ينفع‮ ‬الندم‮.‬
من أبرز هذه القضايا التداعيات الأمنية الخطيرة التي شهدتها بعض المديريات نتيجة إثارة النعرات الانفصالية والمناطقية والطائفية، ونشر ثقافة الكراهية والشقاق بين أبناء المجتمع اليمني الواحد، واستهداف المدنيين والعسكريين من أبناء الوطن الواحد، وكثير من الأحداث الدامية التي شهدها مجتمعنا خلال الأيام الماضية بهدف اثارة الأزمات وزعزعة الاستقرار وتهديد الأمن، في تسارع ملحوظ، وتزامن عجيب، واستغلال مشبوه للشباب وصغار السن الذين تقدموا تلك الصفوف في أعمال الشغب، والتخفي خلف مطالب حقوقية ومدنية، ما لبثت الأحداث أن أثبتت أنها لم تكن أكثر من قناع لإخفاء الأهداف الحقيقية لدعاة مشروع اعادة التشطير والانفصال.. إذ لا يكاد ينغلق ملف حتى يفتحون عشرات الملفات غيره، في تواتر غريب يثير الريبة والشبهات..وقد تساءلنا مع القارئ عن الرابط الذي يجمع تلك الأحداث والقضايا المتنافرة والمتباعدة؟ وأكدنا أن الخيط الرفيع الذي يجمعها أنها تمثل تحديات لنظامنا السياسي الجمهوري، وتجربتنا الديمقراطية الناشئة، ولجميع المكاسب الحقوقية التي تحققت للشعب اليمني، أي باختصار لثوابتنا الوطنية، وهويتنا العربية والاسلامية، ولم يكن يخفى على أحد أنها تستهدف المساس‮ ‬بوحدتنا‮ ‬الوطنية‮.. ‬وبدا‮ ‬لنا‮ ‬أن‮ ‬الهدف‮ ‬النهائي‮ ‬لكل‮ ‬تلك‮ ‬الاحداث‮ ‬هو‮ ‬ايجاد‮ ‬حجج‮ ‬وذرائع‮ ‬للمساس‮ ‬بوحدتنا‮ ‬الوطنية‮ ‬والاجتماعية،‮ ‬وهويتنا‮ ‬اليمنية‮ ‬الواحدة‮.‬
أما لماذا؟ فلأن الوحدة اليمنية التي تطلب تحقيقها نضالاً شعبياً وطنياً متواصلاً عبر مئات السنين، وتضحيات جسيمة بمئات الآلاف من الأرواح والشهداء من أبناء جميع المحافظات اليمنية الذين عبَّدوا وعمَّدوا طريق الوحدة اليمنية بدمائهم الزكية التي سالت أنهاراً في سبيل نيل الاستقلال وترسيخ النظام الجمهوري، ثم في مراحل الصراع السياسي وحروب الأخوة في شطري اليمن قبل إعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الأمة الواحدة، وربما كنت -ومعي ملايين اليمنيين، ومازلنا نعتقد أنها صارت حقاً لأجيال الحاضر والمستقبل من أبناء اليمن الواحد في شتى بقاع أرضنا الطاهرة، ولم يعد من حق أحد أن يساوم عليها أو يجادل حولها أو حتى يفكر مجرد التفكير في امكانية العودة الى أوضاع ما قبل الثاني والعشرين من مايو بدعوى زائفة تقوم على »تصحيح الأوضاع واصلاح المسيرة«.
لكن يبدو أن هذه الحقيقة لم تعد تعني شيئاً عند بعض المهووسين بكراسي الحكم والسلطة، وتجار الحروب والأزمات، وناشري الفوضى والتخريب، ودعاة الفتنة والانفصال الواهمين بحلم العودة الى السلطة عبر بوابة الفتنة والتشرذم، وقوافل القتلى والشهداء من أبناء اليمن الواحد.. حيث صارت في الأيام الأخيرة مضغة على ألسنتهم يلوكونها عند كل مناسبة وأحياناً بغير مناسبة.. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في سعيهم الى إحياء شعارات غابرة تدعو الى تقسيم الواحد والعودة الى »وهمية الشطرين« كما كان يحلو للأديب الوحدوي الكبير الراحل عبدالله البردوني »رحمه الله تعالى« أن يردد في كتاباته المتقدمة والمتأخرة على اعادة تحقيق وحدة الواحد.. معتقدين أن حصول بعض التصرفات الشخصية أو الجماعية لبعض المتنفذين هنا أو هناك، يعطيهم المبرر للمضي بعيداً في اعلان رغباتهم الانفصالية المرَضية وحنينهم الى الشطرية الانقسامية والصراعية التي لا يستطيعون أن يعيشوا ويتكاثروا بدونها.. والواقع أن حصول تلك التجاوزات لا ينبغي أن يكون ذريعة لأحد في ارتكاب تلك الجرائم البشعة في حق أبناء هذا الوطن، ولا أن يصل حد رفع شعارات الانفصال في واحدة أو أكثر من محافظات اليمن الواحد.. كما أن انتهاج وتطبيق بعض السياسات غير الصائبة مما يحدث في جميع المجتمعات بما فيها الأكثر تقدماً لا يبرر لهم رفع مثل تلك الشعارات، مخالفين بذلك سنة الله في الخلق لقوله تعالى: »وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم«، ومتجاوزين الفطرة السليمة في النزوع نحو الاجتماع الانساني، وغير مبالين بمشاعر الشعب اليمني الميَّـال الى التوحد، ومتناسين الدرس الشعبي في الاصطفاف التاريخي العظيم لكل شرائح المجتمع وفئاته في وجه محاولة الانفصال سنة 1994م، بعد افتضاح المشروع الحقيقي لقادة الانفصال يوم الحادي والعشرين من مايو‮ ‬1994م،‮ ‬بإعلان‮ ‬قيام‮ ‬جمهورية‮ ‬اليمن‮ ‬الديمقراطي‮.‬
إن التركيز على الشعارات الانفصالية التي بات أشخاص يطلقونها علناً دونما خوف أو حرج، ويستدعونها بمناسبة وبدونها، وسياسات تأجيج وتثوير الشارع اليمني دون القدرة على ضبط كل التفاعلات الناجمة عن خروج مئات الأشخاص الى الشارع، والسعي نحو زيادة مشاعر الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع اليمني ضد كل ما هو وحدوي ووطني، لن يصلح الأوضاع السيئة التي يعاني منها أبناء المجتمع ولن يحقق الأمن والتنمية للوطن والمواطن كما يريد هؤلاء لشبابنا واخواننا أن يعتقدوا، هذا إن كانت نية المحرضين على تلك الافعال تذهب فعلاً في نفس الاتجاه، لكنه سيزيد من مساحة الخصومة بين الفرقاء السياسيين ويقلص مساحة المشترك بينهم، وسيذهب بالجهود المبذولة خلال الفترة الماضية لإعادة تصحيح الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وسيزيد الوضع سوءاً، بتفتيت الجهد وهدر الموارد البشرية والاقتصادية في غير محلها، وسيسهم في انقسام الصف الوطني وزرع بذور الشقاق بين المواطنين، وهو الأمر الذي لم يحدث في تاريخ اليمن قديماً وحديثاً، إذ ألف اليمنيون العيش المشترك والانسجام التام حتى في عهود التشطير ومراحل ما قبل الاستقلال.
وحتى إن افترضنا عدم قيام السلطة بواجباتها الملقاة على عاتقها أو تقصيرها في أداء الواجبات الكفيلة بإصلاح أوضاع الناس ومعالجة الأزمات والاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا أمر تكذبه الوقائع والتطورات التي عرفها مجتمعنا اليمني، أو أن مسيرة الوحدة اعتورها بعض القصور أو خالفت المتفق عليه بين طرفي الوحدة اليمنية، وهذا شيء ليس مؤكداً بالنظر الى الوقائع التي تبرز بين الفينة والأخرى، أقول حتى بافتراض حدوث ذلك، فإنه لا يعطي أحداً الحق في تبرير سياسة الهدم بحجة اعادة البناء، وهو المبرر الذي يريدنا هؤلاء أن نصدقه.. لكنه يعني استغلال المناخ والهامش الديمقراطي المتاح للمضي بعيداً في نقد السلطة من خلال المنابر الصحفية والمواقع الالكترونية، وطرح البدائل الحقيقية التي تدفع الشارع اليمني الى تبنّي مواقف تلك الأحزاب والقوى السياسية دونما حاجة الى اتباع أساليب دامية متطرفة ومستعجلة تقوم مفرداتها على لغة العنف وتثوير الشارع، واستغلال بعض القضايا المرتبطة بالحقوق والمطالب المشروعة في تحقيق غايات وأهداف غير مشروعة وغير معلنة، هدفها البعيد الوصول الى السلطة، بغض النظر عن كيفية وطريقة الوصول اليها، حتى إن كان على رقاب وجثث الآلاف من الأبرياء من أبناء اليمن، وهو أمر نهانا عنه الدين الاسلامي، ونبينا الكريم، إذ جاء في السنة النبوية الشريفة نهي عن فعل العصيان والخروج عن الطاعة، والقتال تحت رايات العصبية.. عن أبي هريرة »رضي الله عنه« عن النبي »صلى الله عليه وسلم« أنه قال: »من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، بغضب لعصبية، أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقتلته جاهلية، ومن خرج عن أمتي يضر بها برها وفاجرها، ولا يتحاشى عن مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه«.
ولعل التاريخ اليمني المعاصر يقدم لنا عشرات الأمثلة عن السياسات التي انتهجها دعاة الفرقة والانفصال عندما كانوا في سدة السلطة، وحمامات دماء لم تتوقف خلال سنوات ما قبل اعادة الوحدة اليمنية، وبعدها في اعلان الانفصال سنة 1994م، ولعل ذاكرة الشعب اليمني تحفظ لهم ذلك‮ ‬جيداً‮.. ‬مهما‮ ‬حاولوا‮ ‬التخفي‮ ‬بشعارات‮ ‬هم‮ ‬أكثر‮ ‬الناس‮ ‬بُــعداً‮ ‬عنها‮.. ‬فهل‮ ‬يتعظ‮ ‬هؤلاء؟‮ ‬وهل‮ ‬يتوقفون‮ ‬عن‮ ‬الاساءة‮ ‬الى‮ ‬وطن‮ ‬الثاني‮ ‬والعشرين‮ ‬من‮ ‬مايو؟‮<‬
‮- ‬جامعة‮ ‬إب
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:25 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-10192.htm