شائف علي الحسيني -
موضوع للنشر يتحدث عن أحوال البلاد في الحاضر لايدري كاتبه كيف تكون البداية وما هي النهاية حتى تصل الفكرة للقارئ سليمة وغير مشوهة، فمايجري في ساحة الوطن ينذر بتهديد لكيانه وأمنه، يقف الكاتب حائراً هل يتناول الحاضر كما يراه ويحلل مافيه وكفى، أم يعود للتاريخ ليرى ما كان يحدث مقارنة بما يحدث اليوم لوجود عناصر تشابه لذلك الماضي مثل الاضطرابات والدعوات المناطقية وغيرها، إنها إشكالية حقيقية أمام أوضاع تتشكل بفعل مجموعة عوامل داخلية وخارجية، لكنها في كل الأحوال لم تأتِ من عدم ،فكل حدث بهذا المستوى لاشك أن له صلة هنا وهناك فالحاضر هو مرآة للماضي..
»تلك آثارنا تدل علينا.. فانظروا بعدنا إلى الآثار«
إن الأسئلة تتداعى في الذهن حول هذه الأحداث التي تجري في البلاد فيتألم لها القلب ويقف حائراً عندها العقل، لماذا اليمنيون يعيشون في حياتهم مأساة »سيزيف« إحدى شخصيات الميثولوجيا »اليونانية« التي تناولت فكرة العذاب الأبدي، حيث تحكي أن كبير الآلهة اليونانية »زيوس« عاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى القمة إلاّ أن الصخرة تتدحرج كلما كاد أن يصل إلى القمة فيعود إلى الصعود بها من جديد، وهكذا.. فأصبح اسم »سيزيف« مرتبطاً بفكرة هذا العذاب.
لا أحد يتمنى أن يصبح اليمنيون كحال هذه الشخصية الأسطورية، ولكننا نتساءل: إلى متى ستظل الأجيال تلاحق الأحداث التي تخرب بلادهم جيلاً بعد جيل دون أن يتابعوا حركة البناء والتنمية التي هي الأهم والاستمتاع بالحياة كسائر أمم الأرض..؟!
فأين توجد الاشكالية -يا ترى- التي حالت دون تمكن اليمنيين الوصول بالصخرة إلى قمة الجبل لتأسيس دولة يتحقق في ظلها العزة والكرامة لأبناء الوطن وتكون هذه الدولة عامل جذب في محيطها الإقليمي والعربي والعالمي..؟ إن هذا السؤال مطروح أمام الجميع للتأمل فيه والمشاركة في الاجابة عليه.
لماذا الناس في هذه البلاد سريعو الثورات والتمردات .. يخربون ما بنوا ويتوجهون نحو المجهول في رحلة شاقة لايُعلم فيها نهاية الطريق؟
لقد كانت العلاقة القائمة بين التاريخ والجغرافيا، بين الإنسان والطبيعة مهمة جداً لدراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية باعتبار أن الإنسان -كما يقال- هو ابن بيئته أو كما قال المفكر السعودي يوسف مكي »محاولة استيعاب العلاقة بين التاريخ كمُعبر عن ديناميكية المكان وما يجري فيه من أحداث عاصفة وأفكار فوارة تتصارع تارة وتتلاقح تارة أخرى(1)
وذلك لعمري كما أعتقد هو ما تميزت به الدول اليمنية المتعاقبة ومسيرة اليمنيين عبر الأزمان بفعل تأثير المكان و التاريخ.. ولكن رغم تلك الصراعات والتناقضات المناطقية والمذهبية لم يتخلَ أحد منهم عن يمنيته وعن هويته عبر التاريخ رغم جسامة الأحداث وعظمها.. فقد كانت الاضطرابات تعم البلاد سواءً على أسس قبلية أو مناطقية أو مذهبية لكنها سرعان ما تتراجع بفعل صعود قوى تنشد السلام وتعيد الوئام فتتماسك البلاد من جديد وتسود الوحدة والاستقرار.
لكن ما يجري اليوم -للأسف الشديد- هو بروز بعض القوى التي تدعو للتخلي عن الهوية الوطنية اليمنية وهذا هو مكمن الخطر الذي لايساعد أحداً من الحكماء والعقلاء وأصحاب الرأي السديد على الخروج بالحلول التي تحفظ الأمن والاستقرار وتصلح حال البلاد والعباد.. وقد علت أصوات نشاز على هذا الصعيد، لقد أضافت الأحداث إلى ما سبق أبعاداً لم تكن في التجربة التاريخية في الاختلافات بين اليمنيين وهو وهم الثروة وميزات المكان ليصبح الوطن على غرار التشرذم الحاصل في المنطقة العربية تحت وهم من هذا القبيل، »كلما كنتم قليلي العدد تكونوا كثيري المال« وهذا ما جعل المشهد تحت هذه العناوين أكثر تعقيداً وايهاماً لمن لايقرؤون التاريخ اليمني، لأنهم في الأخير سيدركون أن النتيجة لن تكون إلاّ البؤس والحرمان وليس الثروة والمال.. ثم البحث من جديد عن حلول أضاعها المغرر بهم وهي بين أيديهم المتمثلة في الوحدة والديمقراطية والكرامة التي هي موجودة في البلاد والتي يتمناها من يملك أعظم ثروة وهو محروم منها »فليس بالرغيف وحده يعيش الإنسان« كما يقال، فكل الأمور قابلة للحوار، وإصلاح المسار، حتى تجسد أهداف الثورة اليمنية على أرض الواقع عدا المساس بوحدة الوطن.
إن قراءة التاريخ في هذه الفترة الحرجة أمر ذو أهمية لاكتساب العبر والخروج بفوائد حتى لاتتكرر سلبيات الماضي التي جعلت اليمنيين من فترة إلى أخرى يُسقِطون مثل ذلك الماضي السلبي على الحاضر الذي يفترض أن يكون مشرقاً أمام جميع أبناء اليمن ليبحثوا فيه عن حلول عدمية لمشاكل عصرية.
التجربة التاريخية لليمنيين
لقد مر اليمنيون في تاريخهم القديم والحديث بفترات عصيبة اكتنفتها الصعوبات الشديدة في حياة الحاكمين والمحكومين على حدٍ سواء، وأدت إلى اشتغال الدول اليمنية - كل الدول المتعاقبة على حكم اليمن منذ ظهور الإمام الهادي يحيى بن الحسين في صعدة سنة 284هـ 897م بالحروب والمنازعات ولم تهدأ على مر التاريخ إلى وقتنا الحاضر وإن كان يحصل أحياناً فترات هدوء نسبي بين زمن و آخر في بعض الدول القائمة، ولكن سرعان ما تتداعى الأحداث فتعود البلاد مرة أخرى إلى أتون القتال والحروب وهكذا دواليك.
وقد تركت تلك الأحداث اشارات سلبية على شتى مناحي الحياة وأدت إلى استمرار التخلف في البنية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وغيرها وترسخ التخلف عبر مراحل الصراع وكأنه قدر محتوم جاثم على اليمنيين لايبرح من أرضهم بل تعاظم شأنه في حياة الناس، فدخل اليمن القرن العشرين وهو لايملك أي مقومات حديثة كالتي هي موجودة في البلدان الأخرى، لا في الصناعة، والزراعة، والتعليم، ولا في النظم السياسية والاجتماعية و غيرها.. بل أنه مجرد من كل وسائل العصر الحديث ماعدا النزر اليسير وهو ما تركه الحكم العثماني في الشمال والاحتلال البريطاني في مدينة عدن من بعض الوسائل الحديثة خاصةً في مجال المواصلات والتنظيم الإداري وبعض مظاهر الصناعة والتجارة.
والذين زاروا اليمن في تلك الفترة من عرب وأوروبيين قالوا عن هذا البلد أنه يعيش حياة القرون الوسطى لا حياة القرن العشرين وأدلوا بدلوهم فيما رأوه وشاهدوه في المدن والأرياف.. (2)
ومع حدوث ثورات متكررة من قبل القوى السياسية والاجتماعية المستنيرة لتغيير تلك الأوضاع المتردية إلاّ أنها محاولات لم تفلح في تحقيق أهدافها رغم جسامة التضحيات في الشمال والجنوب.
فالواقع الاجتماعي شديد التخلف.. كان أقوى بكثير من إمكانات وقدرات الثائرين، فقد مُثِّل بأحرار اليمن الذين تطلعوا للتحرير والعصرية وكأنهم عصاة منبوذون لا أحرار وطنيين.. يساقون إلى ساحات الموت أو إلى غياهب السجون في حجة وصنعاء وتعز وغيرها وهتافات الجهل ترميهم بالخيانة والمروق.
التاريخ لاشك أنه يحمل في طياته ركاماً هائلاً من التخلف تحملت أعباءه أجيال متلاحقة ولاتزال البلاد تعاني منه إلى يومنا هذا وستظل بهذه الصورة لأنه لم يتم تشخيص الداء ووصف الدواء المناسب الذي يجنب المجتمع إراقة الدماء والفرقة والاختلاف.. فحاجة الناس الملحة للغذاء والسكن والدواء والحرية والأمن والتعليم لم تنقطع منذ أزمنة بعيدة وهي تمثل حالة دائمة في الماضي والحاضر، بل إنها تزيد سنة بعد أخرى كلما تزايد السكان عدداً وتطلع الناس للعيش كأمثالهم في الدول المجاورة أو في بلدان العالم الأخرى فتزيد المشاكل السياسية والاجتماعية اضطراباً وتعقيداً من جرائها، وهي حالة تعكس أن مفهوم الاقتصاد وتطوره الذي لم تُحل إشكاليته حتى اليوم نابع من مفاهيم سياسية.. عندما تخفق السياسة في تنظيم شئون الحكم يخفق الاقتصاد عن أداء دوره في حياة المواطنين وينتج عن ذلك اضطرابات وعدم استقرار وهكذا.-
- رئيس دائرة الثقافة بالمؤتمر