بقلم الاستاذ/ عبدالعزيز عبدالغني - رئيس مجلس الشورى -
لم يكن حلم الوحدة اليمنية الذي استحكم في وجدان اليمنيين على مدى عقود طويلة من الزمان، باعتباره أسمى وأغلى أهدافهم الوطنية على الاطلاق، متاحاً أو هدفاً سهلاً، في ظل عدد لا حصر له من التعقيدات التي أفرزتها التطورات السياسية والمصالح الجيوسياسية لمراكز النفوذ الاقليمية والدولية، التي لقيت استجابة من مصالح محلية خلال ما مضى من الزمن.
لقد كانت تلك التعقيدات بمثابة تحديات مزمنة لطالما وقفت في وجه اليمنيين المتطلعين الى تحقيق وحدتهم، خصوصاً خلال القرن العشرين الماضي.
ولهذا يمكن اعتبار يوم 22 مايو 1990م، بأنه اليوم الوطني والتاريخي المهم من أيامنا الوطنية المجيدة، لأنه اليوم الذي تحققت فيه المعجزة اليمنية الخالدة، معجزة إعادة تحقيق الوحدة، على يد القائد الوطني والوحدوي فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية ومن خلفه جماهير شعبنا اليمني العظيم.
ومعجزة الوحدة تأتي من كونها تحققت في مناخ دولي كان السائد فيه هو التفكك من الارتباطات التي أوجدتها ترتيبات ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الوحدة لدى اليمنيين هي الثابت الحقيقي، وما عداها هي أحداث ومستجدات آنية، أضعف من أن تقف أو تصمد أمام تيار الوحدة الجارف الذي تجسد في الحشود المليونية لأبناء الشعب اليمني، التي ملأت شوارع وساحات المدن والبلدان اليمنية بالتزامن مع لحظة ميلاد الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
إن الوحدة في سياقها التاريخي، وفي بعدها الوطني، شكلت قوة الدفع الهائلة لهذا الوطن وشعبه على المستويات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى كل المستويات.
وقد نظر اليمنيون ومعهم العرب والعالم الى الوحدة، باعتبارها الانجاز الذي أعاد لليمن اعتباره، وعزز ثقة اليمنيين بحاضر هذا الوطن ومستقبله، بقدر ثقتهم واعتزازهم بماضيهم الذي صنعوا فيه احدى أعظم الحضارات الانسانية في جنوب شبه جزيرة العرب.
وخلال تسعة عشر عاماً من عمر الوحدة اليمنية المباركة جرت في نهر هذا الانجاز الخالد مياه كثيرة، كلها كان عذباً، عذوبة الوحدة، نقياً نقاء الهواء المنعش في طبيعة اليمن المتنوعة والخلابة.
بعض الأحداث جرت في هذا النهر أيضاً، وكادت تُعكِّره، كتلك التي شهدها صيف 1994م، لكن سرعان ما استعادت مياه النهر نقاءها، وعادت لتفيض بالخير، خير الديمقراطية والتنمية والنهوض الاقتصادي الشامل.
هذا الخير، الذي تغيرت بفضله ملامح الوطن، بالآلاف من مشاريع البنية التحتية من طرق وغيرها، وبالتطور في قطاع الخدمات وبالنهوض العمراني، وارتقت بفضل كل ذلك مستويات العيش لكل أبناء الوطن.
وإنه لمن دواعي الأسف أن ينبري البعض اليوم، ليوجه سهامه المسمومة الى جسد الوطن ووحدته المباركة، ويرفع شعارات تصطدم مع ثوابت هذا الوطن ومقدساته، باستهدافه الوحدة، هذا الانجاز الوطني الخالد الذي التقت حوله ارادة الشعب والحركة الوطنية طيلة العقود الماضية من الزمن.
فهذا البعض حينما أخفق في ركوب موجة المطالب الحقوقية التي تم حلها عبر مؤسسات الدولة في مبادرة حكيمة ومسئولة عبر عنها قائد هذا الوطن ورمز وحدته واستقراره فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، عاد الى الظهور من جديد في اصطفاف نشاز ومشبوه مع الباطل.
عاد هذه المرة حاملاً وبوجه سافر المشاريع السياسية المقبورة، مشاريع الإمامة والسلطنات والمشيخات، التي يقترن وجودها بالضرورة، مع واقع لن يعود بإذن الله تعالى، أبرز ملامحه التشرذم والفرقة، والارتباط بالمصالح الخارجية، على حساب القرار الوطني الحر والمستقل، الذي يزهو به اليمن في عهده المبارك.
إن مواجهة هذا البعض، يقتضي وجود اصطفاف وطني حاسم، خلف القيادة السياسية الوحدوية، لافشال المشاريع التي يروج لها هؤلاء البعض ولتأكيد حقيقة الوحدة اليمنية وتنزيهها من النعوت السيئة التي يروج لها هؤلاء.
إذ يستطيع كل وطني غيور على الوحدة وعلى الجمهورية والنظام الديمقراطي، أن يؤكد ما هو حقيقي بالنسبة لوحدتنا المباركة، فالوحدة هي حاضنة قيمنا الوطنية والإنسانية العظيمة.
قيم الأخوة والمحبة والسلام، قيم التضامن والعيش المشترك، ومن الوحدة نستمد ارادة الوجود الحر والكريم على هذه الأرض.
علينا أن نسفه منطق هؤلاء إن كان لهم منطق، الذين يسوقون بصلافة، لمشاريع تمزيق الوطن والعودة به الى الوراء، الى عهود التشطير والإمامة والسلطنات والمشيخات، والتخلف والجهل والظلامية.
نؤكد لهم بثقة أن الوحدة اليمنية راسخة رسوخ الجبال الشامخة، مستقرة في مهج وأفئدة اليمنيين جميعاً، ولهؤلاء نقول أيضاً: إن دستور الجمهورية اليمنية، الذي حظي بإجماع شعبي واسع، قد افرز نظاماً ديمقراطياً يقوم على مبدأ التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، ومؤسسات دستورية تمارس دورها على أساس التفويض الشعبي عبر الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية.
وهو ما يشكل اعادة صياغة طبيعية، لآلية ادارة الدولة، تماماً مثلما هو حال كل دولة ديمقراطية في عالمنا، ويطوي صفحة المرحلة الانتقالية التي انتهت في 27 أبريل 1993م، بإجراء أول انتخابات نيابية تعددية، بعد أن كانت الدولة خلال تلك المرحلة تدار من قبل التنظيمين السياسيين اللذين أبرما هذه الاتفاقية: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وفق صيغة أملتها اتفاقية الوحدة باعتبارها صيغة مرحلية من الأساس.
ولعله من المهم هنا تأكيد حقيقة جوهرية، تتصل بالنظام الديمقراطي التعددي، الذي اعتمده شعبنا بعد اعادة تحقيق وحدته المباركة، فهذا النظام كفل لكل القوى السياسية ولكل قوى المجتمع وأفراده حق المشاركة الفاعلة والمؤثرة في صنع القرار، وكفل فرصاً متكافئة للجميع في الوظيفة العامة، وفي التمثيل عبر مؤسسات الدولة الدستورية، وفي تحقيق المصالح المشروعة.
وذلك يعني ان الشراكة الوطنية في اطار النظام الديمقراطي التعددي ومؤسسات الدولة الدستورية، تفند كل الحجج الواهية التي يسوقها البعض من دعاة الفرقة والفوضى، وهي الضامن الأقوى لاستقرار الوطن، وتحريره من الأزمات التي يبشر بها أمثال هؤلاء.
كلمة "الميثاق"