السبت, 23-مايو-2009
الميثاق نت -  امين الوائلي -
‮‬كان‮ ‬عمر‮ ‬الجاوي‮ -‬يرحمه‮ ‬الله‮- ‬داعية‮ ‬الوحدة‮ ‬والتحديث‮ ‬بلا‮ ‬منازع‮ ‬في‮ ‬الأوساط‮ ‬الأدبية‮ ‬والفكرية‮ ‬والثقافية‮ ‬اليمنية،‮ ‬ولم‮ ‬يعبأ‮ ‬أبداً‮ ‬أو‮ ‬يلقي‮ ‬بالاً‮ ‬لسطوة‮ ‬السياسيين،‮ ‬وتمرده‮ ‬على‮ ‬سلطة‮ ‬الحزب‮ ‬وحزب‮ ‬السلطة‮.‬
{في يوم من أيام العام ٨٨٩١م كتب عمر الجاوي يقول: »لقد أثبتت الظروف وآخر جريمة ارتكبت في حق شعبنا يوم ٣١ يناير ٦٨٩١م، أن الانفصال القائم في البلاد هو وليس غيره سبب هذه الكوارث وأية كوارث أخرى مشابهة، لأن الانفصال قد وجد طريقه حتى الى المؤسسات الحديثة مثل الأحزاب‮ ‬السياسية‮ ‬والمنظمات‮ ‬والنقابات‮ ‬الجماهيرية‮ ‬والمهنية‮ ‬ونعني‮ ‬الانفصال‮ ‬الموروث‮« (‬الوحدة‮ ‬اليمنية‮ - ‬صـ‮٥-‬6‮).‬
{هذا المقطع المركز والبليغ يصلح أن يكون رداً حاسماً على ما قاله علي ناصر محمد قبل أيام من أن جميع الصراعات الدموية التي دارت بين الرفاق في قيادة الحزب والدولة في ما كان يسمى بجمهورية اليمن -الديمقراطية الشعبية سابقاً - ومن ضمنها أحداث ٣١ يناير- كانت كلها سبب‮ ‬الوحدة‮ ‬أو‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الوحدة‮!!‬
يحمل‮ ‬كلام‮ ‬علي‮ ‬ناصر‮ ‬رغبة‮ ‬في‮ ‬التخلص‮ ‬من‮ ‬مسؤولية‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ ‬في‮ ٣١ ‬يناير‮ ٦٨‬م،‮ ‬بل‮ ‬ويلجأ‮ ‬الى‮ ‬تبرير‮ ‬وتفسير‮ ‬المجازر‮ ‬والصراعات‮ ‬الدموية‮ ‬بزعم‮ ‬أنها‮ ‬كانت‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الوحدة؟‮!‬
ولكن‮ ‬عمر‮ ‬الجاوي‮ ‬كان‮ ‬قد‮ ‬سبقه‮ ‬الى‮ ‬التفسير‮ ‬والتوضيح،‮ ‬وأكد‮ »‬أن‮ ‬الانفصال‮ ‬القائم‮ ‬هو‮ ‬وليس‮ ‬غيره‮ ‬سبب‮ ‬هذه‮ ‬الكوارث‮«.‬
وأكثر‮ ‬من‮ ‬ذلك‮ ‬رأى‮ ‬عمر‮ ‬الجاوي‮ ‬أن‮ ‬الانفصال‮ ‬وجد‮ ‬طريقه‮ ‬الى‮ ‬الحزب‮ ‬وجهاته‮ ‬والمنظمات‮ ‬الاخرى‮.. ‬فكيف‮ ‬تكون‮ ‬الوحدة‮ ‬هي‮ ‬السبب‮ ‬كما‮ ‬برر‮ ‬علي‮ ‬ناصر‮ ‬محمد؟‮!‬
وإذ يتحدث الجاوي عن المجاوز والصراعات الكارثية، فإنه يطيل التوقف أمام أحداث ٣١ يناير ٦٨م بوصفها تمثل ذروة الانقسام والتقاتل.. ويكتب: »وقد انتهت الظروف بنا الى اقتتال أهلي في عدن يوم ٣١ يناير ٦٨٩١م، كان بمثابة جريمة لا تُغتفر، وفتح مجالاً كبيراً بحكم تكريس الانفصال‮ ‬الى‮ ‬طريق‮ ‬دموي‮ ‬ليس‮ ‬بيدنا‮ ‬حصره‮ ‬إلا‮ ‬ببرنامج‮ ‬عمل‮ ‬وحدوي‮ ‬صادق،‮ ‬يخالف‮ ‬أساليب‮ ‬المراوغة‮ ‬وكل‮ ‬أنواع‮ ‬المماطلة‮ ‬التي‮ ‬عهدناها‮ ‬في‮ ‬السنوات‮ ‬السابقة‮« (‬ص‮٨).‬
{فإذاً كانت الصراعات وكان الاقتتال يفتح المجال الى طريق دموي يعمل على تكريس الانفصال وليس العكس أو من أجل الوحدة وفي سبيلها كما هو التبرير العجيب والتفسير العكسي الذي سمعناه مؤخراً من علي ناصر محمد سيد ٣١ يناير ٦٨م.
‮»‬الوحدة‮ ‬اليمنية‮«‬
{إضافة الى ما سبق كان عمر الجاوي قد دشن في افتتاحيته لعدد يناير ١٨٩١م من مجلة »الحكمة« الناطقة بلسان اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين - الموحد - والصادرة في عدن نقاشاً مدوياً وعميقاً حول الوحدة اليمنية اشترك فيه لاحقاً عدد كبير من أبرز المثقفين والكُتَّاب والأدباء‮ ‬وحتى‮ ‬السياسيين،‮ ‬واستمر‮ ‬بعد‮ ‬ذلك‮ ‬لأشهر‮ ‬وسنوات‮.‬
وفي الافتتاحية أو المقالة وصف عمر الجاوي عقد السبعينيات بأنه »عقد تخدير الشعب اليمني وإلهائه عن قضيته المركزية قضية الوحدة« وحمل النظامين في الشمال والجنوب مسؤولية ذلك..معتبراً ما سميت بـ»لجان الوحدة« التي مضى عليها أكثر من ٩ سنوات - من عام ٢٧٩١م بعد توقيع‮ ‬اتفاقية‮ ‬الوحدة‮ ‬في‮ ‬القاهرة‮ - ‬بأنها‮ »‬ملهاة‮«.‬
في‮ ‬الافتتاحية‮ ‬ذاتها‮ ‬هاجم‮ ‬الجاوي‮ »‬الانفصاليين‮ ‬اليمنيين‮ ‬والتقدميين‮ ‬المزيفين‮« ‬الذين‮ ‬يدعون‮ ‬الى‮ ‬تكريس‮ ‬التجزئة‮ ‬بين‮ ‬الشطرين‮ ‬باسم‮ ‬المحافظة‮ ‬على‮ ‬نمط‮ ‬النظام‮ ‬القائم‮.‬
{جمع عمر الجاوي حصيلة سنوات طويلة ترقى الى العام ٤٧٩١م من الكتابات والنقاشات التي تناولت قضية الوحدة اليمنية.. بما فيها حصيلة ملفات مشابهة نشرتها مجلة »الحكمة« بالتتابع، لعدد من الكُتاب والمفكرين جمعها كلها في كتاب مهم وتأريخي صدر عام ٨٨٩١م عن اتحاد الأدباء‮ ‬والكُتاب‮ ‬اليمنيين‮ ‬بعنوان‮ ‬عريض‮ ‬وشامل‮ ‬هو‮ »‬الوحدة‮ ‬اليمنية‮«.. ‬قدّم‮ ‬له‮ ‬الجاوي‮ ‬في‮ ‬وريقات‮ ‬موجزة‮ ‬ومكثفة‮ ‬تمهد‮ ‬لما‮ ‬بين‮ ‬دفتي‮ ‬الكتاب‮ ‬من‮ ‬فصول‮ ‬ونقاشات‮.‬
{وفي استعادة لنفس الخط الهجومي الذي دشنه في مجلة الحكمة عام ١٨٩١م، ضد »الانفصاليين« و»التقدميين المزيفين« الذين يدعون الى تكريس التجزئة بين الشطرين باسم المحافظة على نمط النظامين القائمين آنذاك..
واصل الجاوي في تقديمه للكتاب المذكور والصادر عام ٨٨م هجومه وتفنيده لحجج ومقولات الانفصاليين، حيث يقول: »يعتقد البعض أن اليمن منقسم الى نظامين مختلفين، وهم بذلك يريدون أن يصنفوا السلطتين - بالرجعية والتقدمية - أو »ذات التوجه الاشتراكي والرأسمالي« وبعضهم يعتقد أن تحقيق الوحدة في هذه الظروف سيسبب على أقل تقدير ضياع المكاسب الثورية التي تحققت في الجنوب« (ص٧).. إذ ذاك لطالما ردد وكتب عمر الجاوي: »إن الذين لا يحسبون حساب الجماهير خاصة في طموحها الوطني والاجتماعي، يسقطون خارج التاريخ البشري الناصع للشعوب ويقعون في‮ ‬مستنقع‮ ‬التحسبات‮ ‬والترسبات‮ ‬الذاتية‮« (‬ص‮٢١).‬
‮»‬الميراث‮ ‬الانفصالي‮«‬
{علاوةً على ذلك كتب عمر الجاوي كلاماً في ٨٨م لايزال يصلح للاستشهاد به وإعادة الاستفادة منه اليوم وفي ظل هذه الاصوات والتداعيات التي تستحضر مثالها في السابق وتعيد نفس الحجج والمقولات الزائفة من قبيل »الضم والالحاق« وعدم استطاعتها تفهُّم المتغيرات الهائلة التي‮ ‬حدثت‮ ‬في‮ ‬الواقع‮ ‬واستيعاب‮ ‬الظروف‮ ‬الوطنية‮ ‬المتجددة‮.‬
‮{‬كتب‮ ‬عمر‮ ‬الجاوي‮ ‬في‮ ٨٨٩١‬م‮: »‬ربما‮ ‬وجد‮ ‬خلاف‮ ‬في‮ ‬الحقيقة‮ ‬ليس‮ ‬في‮ ‬استخدام‮ ‬الكلمات،‮ ‬وإنما‮ ‬في‮ ‬النوايا‮ ‬المبطنة‮ ‬والميراث‮ ‬الانفصالي‮ ‬المتراكم‮ ‬من‮ ‬عهد‮ ‬الأئمة‮ ‬والاستعمار‮ ‬والسلاطين‮« ‬ص‮٧.‬
وفي موضع آخر يؤكد: »تأتي مسألة الوحدة اليمنية بطابعها الوطني الذي تندرج فيه الفئات والطبقات الاجتماعية صاحبة المصلحة في الوحدة على رأس القضايا الملحة التي يجب أن يوضع لها برنامج محدد وواضح بعيد عن الأحلام الاجتماعية التي تقفز على طبيعة المرحلة وهدف النضال اليومي‮ ‬الذي‮ ‬تخوضه‮ ‬جماهير‮ ‬شعبنا‮ ‬اليمني‮« (‬ص‮٩).‬
{وفي كل مرة كان النقاش يحتدم حول الوحدة - على المستويين الفكري والشعبي - كان السياسيون والتقدميون المزيفون يتصدون للضرورات الشعبية والوطنية باعتماد شعارات أيديولوجية عائمة للقفز على الواقع ومطالب الشعب وضرورات المرحلة التاريخية الماثلة.
أو بطريقة ولغة الجاوي : »لعل السبب الأهم في تأجيل هذه القضية هو أن المنظمات السياسية لم ترقَ بعد الى مرحلة وطنية متقدمة، واعتمدت الشعارات المتقدمة جداً أيديولوجية لها لإخفاء طابعها الانفصالي على النطاق اليمني، تماماً كما كانت الأحزاب القومية ترفع شعارات الوحدة‮ ‬العربية‮ ‬لتخفي‮ ‬جوهر‮ ‬تركيبها‮ ‬الانفصالي‮ ‬على‮ ‬نطاق‮ ‬اليمن‮« (‬ص‮٩).‬
اليمن‮ ‬أولاً‮..‬
{كانت - وربما لاتزال - ثمة أحزاب ومنظمات حزبية تهرب من واجباتها الوطنية الى التستر بشعارات أيديولوجية أممية وقومية، ولكنها لا تستطيع إخفاء تقاطعها مع مشاريع رجعية متخلفة على الصعيد الوطني الداخلي.. وهؤلاء لم يسلموا أبداً من التناقض الفاضح والتصادم الفج مع مقتضيات‮ ‬الضرورة‮ ‬الوطنية‮ ‬والحس‮ ‬التاريخي‮ ‬الشعبي‮ ‬المتمسك‮ ‬بالنضال‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الوحدة‮ ‬باعتبارها‮ ‬غاية‮ ‬المشروع‮ ‬النضالي‮ ‬اليمني‮ ‬والذي‮ ‬دشنته‮ ‬الثورة‮ ‬اليمنية‮ (‬سبتمبر‮ ‬واكتوبر‮).‬
‮{‬وإذ‮ ‬يحدد‮ ‬عمر‮ ‬الجاوي‮ ‬تلك‮ »‬المنظمات‮ ‬السياسية‮« ‬وما‮ ‬اعتمدته‮ ‬من‮ »‬شعارات‮ ‬أيديولوجية‮ ‬متقدمة‮ ‬جداً‮ ‬لإخفاء‮ ‬طابعها‮ ‬الانفصالي‮«..‬
فإنه‮ ‬يستدرك‮ ‬مباشرة‮:‬
»ويحق في هذه الحالة - حالة عدم التدخل - لكل حزب أن يرفع شعار »نهج الاشتراكية العلمية والأممية البروليتارية« أو »الاشتراكية العربية والوحدة العربية« أو »الاشتراكية العلمية ووحدة أمة الاسلام« كدليل عمل للنضال الأممي والقومي والإنجازات الاجتماعية ، شريطة أن يتم‮ ‬النضال‮ ‬في‮ ‬الوطن‮ ‬اليمني‮ ‬الموحد‮ ‬وباعتماد‮ ‬الديمقراطية‮ ‬بدلاً‮ ‬من‮ ‬أشكال‮ ‬وأنواع‮ ‬الاسلحة‮ ‬القاتلة‮« (‬ص‮٩).. ‬اليمن‮ ‬أولاً‮ ‬إذاً‮.. ‬والديمقراطية‮ ‬طريق‮ ‬النضال‮ ‬وليس‮ ‬العنف‮ ‬أو‮ ‬الأسلحة‮ ‬القاتلة‮..‬
ما‮ ‬أشبهها‮ ‬بالبارحة‮..‬
{لم يهاون عمر الجاوي - رحمه الله - في الوحدة أبداً.. أو أحداً.. ولم يتردد في دحض حجج ومقولات »الصف الرسمي« من المثقفين والأدباء والكُتاب - فضلاً عن السياسيين - الذين وصفهم صراحةً وفي أكثر من موضع ومناسبة بـ»الانفصاليين« و»التقدميين المزيفين«.
{واليوم .. بعد ما يقارب ثلاثة عقود كانت حافلة بالتغيرات والتحولات الكبرى وصولاً الى الوحدة اليمنية المباركة وحتى ساعة اليمن هذه يطل علينا مشهد مشابه أقرب حالاً ومقالاً من ذلك المشهد الذي عاركه وصارعه عمر الجاوي بكل ما أُوتي من قوة وجَلَد.. ومن إيمان لا يتزعزع‮ ‬بوحدة‮ ‬اليمن‮ ‬والنضال‮ ‬الثوري‮ ‬الهادر‮ ‬على‮ ‬زخم‮ ‬الثورة‮ ‬اليمنية‮ (‬سبتمبر‮ ‬واكتوبر‮).‬
ومجدداً‮ ‬تطل‮ ‬الدعوات‮ ‬والشعارات‮ ‬والتبريرات‮ ‬الانهزامية‮ ‬التي‮ ‬يستعيدها‮ »‬الانفصاليون‮ ‬الجدد‮ - ‬القدامى‮« ‬و‮ »‬التقدميون‮ ‬الرجعيون‮«.. ‬فما‮ ‬أشبه‮ ‬الليلة‮ ‬بالبارحة‮ ‬يا‮ ‬عمر‮.<‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-10296.htm