امين الوائلي -
في حين أن البعض من السياسيين يصرُّ على إزهاق روح التفاؤل لدى العامة، وإلحاق الأذى بمقدرة الناس على التعايش تحت سقف الأمل والثقة بالمستقبل.
إلا أنّ حسابات الشعوب تختلف تماماً عن نظرة الأفراد الطارئين على خشبة المسرح السياسي، ولولا ذلك مثلاً، لما استطاع اليمنيون أبداً أن يُسقطوا من حساباتهم أوهام التناقضات الأيديولوجية والسياسية المعقدة، التي اشتغل عليها السياسيون طوال العقود الثلاثة الممتدة الى مفتتح تسعينيات القرن الماضي.
فكانت الوحدة إيذاناً بانتهاء الوهم وانتفاء مبررات التخاصم والتشاؤم الأيديولوجي المصطنع.
< علَّمتنا الوحدة .. من يومها الأول.. أن نثق بأنفسنا أكثر مما نثق بالرجال الذين ظلوا على مدى ثلاثين عاماً يفكرون لنا، أو بالنيابة لنكتشف بعدها أنهم لا يفكرون لأجلنا بل لأجلهم، وأن ثمة من يفكر لهم - بالنيابة أيضاً - أو يحدد لهم كيف.. وبِمَ يفكرون .. ويستخلص لهم النتائج مقدماً.
اليوم وبعد مرورعقدين إلا عاماً واحداً من عمر الوحدة المديد، نكتشف من جديد أنّ البعض من السياسيين الاوائل مايزال يجترُّ معه مثاقيل الزمن الغارب وروحية الصدام والخصام، محاولاً استعادة وظيفة »المفكر بالنيابة«، والمقرر بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن الجماهير، في زمن لم يعد الشعب فيه قابلاً للمصادرة والإلغاء وصار أكبر من أن تؤمَّم إرادته في الحياة والحرية.. والوحدة.
لحسن الحظ: »لقد تغيرت الأمور منذ تسعة عشر عاماً«.
وخلال هذه السنوات المليئة بالتحولات والتغيرات الجذرية العارمة على أكثر من صعيد وبأكثر من معنى، تمكن اليمنيون من صياغة أولوياتهم وتحديثها وتطويرها باستمرار وليس من جملتها على الإطلاق العودة الى ما قبل تسعة عشر عاماً.
وإن كان يجب الإسراع في الحلول والمعالجات الجذرية والنهائية لمخلفات زمن الصراع وميراث ما قبل الوحدة، وأيضاً التخلص من كافة القضايا والإشكالات التي تراكمت في الطريق من ٠٩٩١م وحتى ٩٠٠٢م، وليس ذلك إلا بمعالجات جذرية.. ومبادرات شجاعة وشاملة قادرة على إسقاط كافة المبررات التي يتحجج بها ويمتطيها الذاهبون عكس الغد.. وضد المستقبل.
لقد غيَّرت الوحدة وجه الحياة وطريقة العيش وأمّنت الطريق الذي يجب أن يسلكه اليمنيون ويمضون قدماً باتجاه الطموحات التي لم تبرد يوماً، والآمال التي لم تنكسر طوال نصف قرن أو يكاد من عمر اليمن الجمهوري.
وبين الطريق.. وأقدام السائرين ثمة علاقة وثقة عززتها السنوات وتضمَّنتها إرادة التغيير والتحصُّن ضد اليأس وضد الخذلان.
كبار.. برغم الأقزام!
يصعب خداعنا.. كشعب وقيادة ووطن.. ويصعب على البعض أن يفهم هذه الحقيقة الراسخة في التاريخ كله!
قبل تسعة عشر عاماً من اليوم كنا نشهد عودة الروح الى الجسد اليمني، وفي ٢٢مايو ٠٩٩١م لامست رؤوسنا السماء.. وشعرنا للمرة الأولى بأن التاريخ قد أنصفنا وأراح ذمته.
اليوم هو ٢٢مايو.. بفارق تسعة عشر عاماً عن ذلك اليوم، ونشعر بأن الزمن قد تغيَّر كثيراً، إلا أن مشاعرنا وقلوبنا لم تبرد ولم تتغير بل ازدادت محبةً واعتزازاً بالوحدة العظيمة.
كبرنا.. وامتد بنا العمر، تماماً مثلما كبرنا
بالوحدة وكبر شعبنا ووطننا، ولذلك ليس كثيراً - مثلاً - أن هناك من يتربص باليمن الكبير، ويبرم المكائد في السر وعلانية، ليسلبنا هذا الحق ويعيق تقدُّمنا في الطريق الى المستقبل الآمن.
أصلاً، لم تغب المؤامرات ولا المكائد يوماً، وبرغم ذلك لم يغب عن عقولنا أبداً أن المنجز العظيم يستثير ضده نقمة الكبار والصغار، على أن العظيم يبقى عظيماً بلا خذلان وبلا تقهقر.. وهكذا هي الوحدة اليمنية.
صارت الأمور الى الأفضل مما كنا عليه في العام ٠٩٩١م، وبِتْنا الآن أفضل حالاً من الحال الذي ودعنا به القرن العشرين، وها هو عمر وحدتنا يُحسب بالسنوات والعقود وليس بالأيام والأشهر، وكلمات تقدمت في العمر كلما اشتد عودها واستوى لها أمر الزمان والمكان.. وما لم ينله منها الأقزام بالأمس، فهم أولى بالخيبة والخذلان اليوم.. وغداً..
قالها الرئيس علي عبدالله صالح بالأمس: »لن نسمح للأقزام بأن يقزّموا اليمن«.. ومن لم يفهم العبارة والإشارة أو لم تكفه الرسالة فلسوف ينفق ماله ويكون عليه وبالاً، ولن ينالنا والوحدة من شرورهم إلا أذى، وينالهم الخزي.!
حتى لا نُخدع.!
هل يمكن أن نقارن بين ما فعلته الوحدة وحققته على الأرض خلال ٩١ عاماً ،وما فعله المتناحرون طوال عقود؟
جميع من تحدث عن الوحدة ذكر الأمن والاستقرار والتنمية، وفي المقابل تذكَّر عهد التشطير بالخوف والصراعات ومشاهد العنف والاقتتال الداخلي زائداً التخلف والضياع.
هل يحتاج اليمنيون فعلاً العودة الى زمن التشطير والضياع والاقتتال؟
قال شيخ مشائخ يافع العليا فارس حسين آل هرهرة: »نحن مع الوحدة ومع اليمن الواحد ولن نعود للتشطير والفرقة«.. وخلال لقاء جمع الرئيس علي عبدالله صالح بمشائخ ووجهاء مديرية الحد - يافع، توجه آل هرهرة بالخطاب الى رئيس الجمهورية: »شكراً لأنك منحتني حق العودة بعد أكثر من عشرين عاماً من التشرد القهري« وهو يشير الى تشرده في المنافي إبان الحقبة الشمولية.
هؤلاء هم الشعب الذي يُخاطب بالوحدة، وهم المستفيدون الحقيقيون من الوحدة اليمنية التي أنصفتهم ورفعت عنهم القهر والحرمان ويد البطش والتسلط.
يدرك الناس عظمة المنجز الوحدوي، ويدركون ايضاً أن المظالم الحقوقية والمطالب المشروعة شيء.. والوحدة وأمن واستقرار الوطن شيء آخر لا يمكن مقايضته بسواه.
في يوم إعلان الوحدة (٢٢مايو ٠٩٩١م) - كما استشهد رئيس الحكومة الدكتور علي محمد مجور في أحد لقاءاته الجماهيرية قبل أيام - كانت القوارب الصغيرة التي يعمل عليها الصيادون مؤممة ولا يملكون منها شيئاً حتى الشبك المتهالك، وبعدها تغيرت حياة الصيادين وصارت الحكومة - عوضاً عن التأميم - هي مَنْ تشتري قوارب الصيد الحديثة وتمنحها للصيادين والجمعيات التعاونية.
هذه حكاية بسيطة لا أكثر، والذين يزايدون على دولة الوحدة ونعمة الاستقرار والحرية ينسون كل شيء ويتذكرون فقط كيف يتاجرون بالحقوق المطلبية المشروعة للمواطنين ويحولونها الى وسائل هدم غير مشروعة ولا يرضاها الناس أو المواطنون.
ليس صحيحاً أن الوحدة لم تحقق شيئاً.. بل حققت أشياءً عظيمة لم يستطع الاستعمار البريطاني بمملكته التي لا تغرب عنها الشمس أن يحقق عُشْرَه طوال ما يقارب قرناً ونيفاً من الزمان في مدينة واحدة اسمها عدن.. والكلام يطول.
حلول.. مطلوبة للخدمة
الخيارات أمام صانعي القرار، والسياسات العامة لا تنفد.. ليس ثمة مشاكل بلا حلول.. وثمة حلول يجب إدخالها الى الخدمة.
أفهم -مثل غيري من اليمنيين- أن صيغة الحكم المحلي التي يقترحها الرئيس علي عبدالله صالح قد تكون هي الصيغة المثلى لإدارة الشأن العام والأهلي في اليمن.
وأزعم أن الرئيس يحمل معه هذه القناعة والرؤية من البداية.. ولم يتردد أبداً عن عرضها والتصريح بها مراراً وتكراراً، منذ ما قبل ٢٠٠٢م لحظة إجراء أول انتخابات محلية - المجالس المحلية-.
استعراض الخلفية التاريخية القريبة من الخبرة والذاكرة، يعيد الى الأذهان أن مشروع الرئيس للانتخابات المحلية وُوجِهَ برفض واستنكار وتحفُّظات كبيرة وصلت حد إطلاق التحذيرات من قِبل نفس الأحزاب والمجموعات السياسية المعارضة التي ترفع اليوم أصواتها بالحكم المحلي المطلق وما بعد الحكم المحلي »الفيدرالية مثلاً«!
يومها مضى الرئيس في تجربة المجالس المحلية .. واضطر المعارضون ان يشاركوا وينافسوا بقوة في الانتخابات لأنهم أدركوا أن التأخر عن المشاركة سوف يعزلهم عن تحول وتطور إيجابي في الممارسة الديمقراطية والمشاركة في صُنْع القرار.. بقدر التجربة وتقدمها الى الأمام.
وتكررت التجربة ثانية في العام ٦٠٠٢م انتخابات سبتمبر الرئاسية والمحلية، وبذل المتنافسون مجهوداً مضاعفاً وحملات انتخابية ساخنة .. ولكن النتائج صدمت الأقل نصيباً، فهل هذا يعني أن التجربة فشلت، أم أن البعض هو مَنْ فشل في التنافس؟!
اليوم الرئيس يعيد ما كان تضمّنه برنامجه الانتخابي في ٦٠٠٢م باعتماد الحكم المحلي واسع الصلاحيات.
الرئيس جاد وسوف يمضي في غايته، ويجب على الشركاء في الوطن والحياة السياسية أن يثبتوا للرأي العام أنهم جادون في كل ما يطرحونه من دعوات وأفكار تصب في ذات الغاية، فلا يأخذوا بخلاف هذه القناعة طالما وقد نظروا لها كثيراً.. فهل يتراجعون عنها الآن؟!
ردفان .. سلام
عاد الهدوء الى ردفان.. ونفضت الحبيلين عنها غبار الأيام العشرين الماضية واختفت المظاهر المسلحة منها وأفلحت جهود اللجنة الرئاسية المكلفة بتهدئة الأوضاع في ردفان بعد أيام طويلة ومضنية أعطت نتائج جيدة في المحصلة الاخيرة.
درجة عالية وكبيرة جداً من ضبط النفس مارسها الجانب الرسمي والجهات الأمنية والسلطات المحلية المختلفة انسجاماً واستجابةً لتوجيهات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، المؤكدة على عدم إراقة الدماء أو الانجرار إلى مواجهة يبحث عنها المتسببون في تفجير الوضع الأمني وتوتير الاجواء في مثلت الضالع أبين ولحج.
الوجهاء والأعيان والمواطنون في ردفان / حالمين / الحبيلين/ الضالع، أظهروا الرفض المطلق لأعمال التخريب والتقطع وإثارة الفوضى وتعطيل الحياة.
وكان الموقف الشعبي العارم هو الضمانة الحقيقية لإفشال حمام الدم الذي كان يدفع باتجاهه مثيرو الكراهية والأحقاد المناطقية والنزعات الشطرية البائسة.
لدينا الآن تجربة قوية يمكن الاعتماد عليها والتعويل على المجهود الشعبي ووعي المواطنين والجماهير في مواجهة الخارجين على القانون ومساندة جهود الدولة لترسيخ الأمن والاستقرار.
ينبغي التفرغ لأعمال التنمية وحل مشاكل المواطنين ومعالجة القضايا ومعاناة السكان، وتتحمل المكاتب التنفيذية والسلطات المحلية والأجهزة الحكومية مسؤولية ذلك.. وعليها ألَّا تكرر الأخطاء.!<