السبت, 23-مايو-2009
الميثاق نت -   محمد انعم -
‮ ‬الانفصاليون‮ ‬الجدد‮ ‬شيطان‮ ‬استنسخه‮ ‬المستعمرون‮ ‬قبل‮ ‬مائة‮ ‬عام‮ ‬في‮ ‬اليمن‮.. ‬انهم‮ ‬فيروسات‮ ‬خطيرة‮ ‬أنتجتها‮ ‬مختبرات‮ ‬الغزاة‮ ‬لحماية‮ ‬أجندتهم‮ ‬ومشاريعهم‮ ‬التخريبية‮ ‬والتآمرية‮ ‬على‮ ‬بلادنا‮.‬
لهذا‮ ‬كانت‮ ‬معركة‮ ‬شعبنا‮ ‬ضد‮ ‬الاستعمار‮ ‬البريطاني‮ ‬معركة‮ ‬مختلفة‮ ‬عن‮ ‬كل‮ ‬المعارك‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬تخوضها‮ ‬شعوب‮ ‬العالم‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬استقلالها‮ ‬والتحرر‮ ‬من‮ ‬الاستعمار‮.‬
إن الذين لا يقرأون التاريخ قراءة متمعنة لا يمكنهم أن يدركوا حقيقة خفايا المؤامرة التي رسمها الاستعمار الانجليزي ضد بلادنا قبل أكثر من قرن.. فلم يكتفوا بسياسة »فرّق تسد« لضرب المقاومة اليمنية التي ظلت مشتعلة ضدهم منذ يناير ٩٣٨١م.. بل إنهم قسموا اليمن الى فسيفسات صغيرة لتمزيق الهوية الوطنية اليمنية أولاً، وذلك بتخصيب دويلات وإمارات ومشيخات وسلطنات بلغ عددها أكثر من عشرين كياناً سرطانياً، كلٌّ منها أشبه بدمية يحركها المندوب السامي في عدن كيفما يشاء..
أي‮ ‬أن‮ ‬اليمن‮ ‬كانت‮ ‬تقام‮ ‬عليها‮ ‬دولاً‮ ‬يتجاوز‮ ‬عددها‮ ‬عدد‮ ‬الدول‮ ‬في‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮ ‬حتى‮ ‬اليوم‮.. ‬وكان‮ ‬لكل‮ ‬كيان‮ ‬عَلَمُه‮ ‬الوطني‮ ‬وحكومته‮ ‬وجوازه‮ ‬ومجلسه‮ ‬التشريعي‮ ‬وسيادة‮ ‬حدودية‮ ‬وجيش‮ ‬وأمن‮.. ‬الخ‮..‬
إذاً‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬معركة‮ ‬شعبنا‮ ‬اليمني‮ ‬الرئيسية‮ ‬هي‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬التحرر‮ ‬من‮ ‬الاستعمار‮ ‬فقط‮ ‬بل‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬الوحدة‮ ‬الوطنية‮ ‬والحفاظ‮ ‬على‮ ‬الهوية‮ ‬اليمنية‮.‬
بالتأكيد لم يؤرَّخ لمعركة الدفاع عن الوحدة وتعميق الولاء لليمن حتى الآن، فهذه الجبهة المهمة والتي لاتزال منسية من الدراسة والبحث في تفاصيلها حتى اليوم، إلا أن ظهور النزعات الانفصالية في خمسينيات القرن الماضي بذلك الشكل المتطرف وتفجُّر الصراعات الدامية التي‮ ‬اتسمت‮ ‬بفرز‮ ‬مناطقي‮ ‬فاضح‮ ‬بعد‮ ‬الاستقلال،‮ ‬تؤكد‮ ‬على‮ ‬أهمية‮ ‬إعادة‮ ‬دراسة‮ ‬وتقييم‮ ‬معركة‮ ‬شعبنا‮ ‬في‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬الوحدة‮ ‬والتي‮ ‬بدأت‮ ‬قبل‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬مائة‮ ‬عام‮.‬
من المنطقي أن بريطانيا في بداية القرن الماضي لم تكن بحاجة الى ترسيم حدود تقسم اليمن بينها وبين العثمانيين.. لأن وضع الاستانة كان سيئاً جداً وانتكاساتها تتوالى تباعاً أمام ضربات القوات العسكرية الفرنسية والبريطانية في مناطق نفوذها.. فعلاً لقد كان العثمانيون منهكين جداً وغير قادرين على مواجهة أطماع بريطانيا في اليمن، بيد أن الحكومة البريطانية التي ظلت تحلم بتقسيم اليمن منذ بداية عام ١٩٨١م وجدت في ضعف العثمانيين فرصة لتنفيذ مخططها لتقسيم اليمن وليس للاستيلاء على المزيد من الأراضي اليمنية.
لقد تمكن الاستعمار البريطاني من فرض اتفاقيات ومعاهدات حماية مع شيوخ القبائل بلغت ٧١ معاهدة حتى عام ٦٩٨١م، فإن حادثة قرية الدريجة قد دفعت الاستانة عام ١٠٩١م الى أن تقترح على بريطانيا تقسيم اليمن.. وكانت هذه المبادرة غير متوقعة للبريطانيين أبداً خصوصاً وأن المؤرخ عزيز خودا بيردييف في كتابه »الاستعمار البريطاني وتقسيم اليمن« ذكر أن المسؤولين في لندن قرروا الاستفادة من المسح الطبوغرافي الذي أجراه الضابط عبدالوهاب في ١٩٨١ - ٢٩٨١م لتعيين الحدود.. لكن هذا الضابط لم يستطع إنجاز مهمته لأنه واجه مقاومة يمنية في المناطق‮ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬يجري‮ ‬فيها‮ ‬عملية‮ ‬المسح،‮ ‬فعاد‮ ‬الى‮ ‬عدن‮ ‬عام‮ ٢٩٨١‬م‮ ‬وأوقف‮ ‬دراساتها‮..‬
وفي عام ٢٠٩١م يمكن أن نسجل فيه أول مقاومة شديدة للدفاع عن الوحدة، حيث خاضت القبائل اليمنية في الضالع أول معركة لعرقلة مؤامرة ترسيم الحدود لتقسيم اليمن كطرف مناهض للمخطط الانجلوعثماني.. وقد استثارت أحداث الضالع قبائل جنوب اليمن فتصاعدت مقاومتها ضد بريطانيا،‮ ‬الى‮ ‬درجة‮ ‬جعلت‮ ‬المقيم‮ ‬البريطاني‮ ‬في‮ ‬عدن‮ ‬يقول‮: »‬حتى‮ ‬القبائل‮ ‬القريبة‮ ‬من‮ ‬عدن‮ ‬مباشرة‮ ‬تتصرف‮ ‬على‮ ‬نحو‮ ‬ينم‮ ‬عن‮ ‬عدم‮ ‬الولاء‮ ‬وعدم‮ ‬الاحترام‮ ‬لحكومة‮ ‬بريطانيا‮ ‬العظمى‮«.‬
ويذكر نفس المؤرخ أنه منذ أن شرعت اللجنة الحدودية الانجلوعثمانية برسم الحدود أواخر مارس ٣٠٩١م، أبدت قبائل جنوب اليمن مقاومة جديدة ضد محاولة تقسيم البلاد عنوة.. ورغم الحراسة العسكرية الكبيرة تعرضت اللجنة البريطانية لهجمات متكررة وإطلاق نار من قبل المواطنين، ورداً‮ ‬على‮ ‬ذلك‮ ‬شن‮ ‬الانجليز‮ ‬حملات‮ ‬عسكرية‮ ‬تنكيلية‮ ‬ضد‮ ‬القبائل‮ ‬ودمروا‮ ‬قُراها‮.‬
وكانت مقاومة قبيلة الكتيب عنيفة حيث قطعت المواصلات بين عدن والضالع وطوقت في اكتوبر عام ٣٠٩١م وحدة من القوات البريطانية بقيادة الكابتن لويد جونس، كما تلقى المقيم البريطاني في عدن الجنرال مايتلاند بلاغاً من لويد جونس أفاد فيه أنه لن يصمد أكثر من ٤٢ ساعة إذا لم‮ ‬يصله‮ ‬الدعم،‮ ‬ما‮ ‬دفع‮ ‬الادارة‮ ‬الاستعمارية‮ ‬في‮ ‬عدن‮ ‬الى‮ ‬إرسال‮ ‬قوات‮ ‬على‮ ‬وجه‮ ‬السرعة‮ ‬الى‮ ‬المنطقة‮ ‬نكلت‮ ‬بكل‮ ‬قسوة‮ ‬بأبناء‮ ‬قبيلة‮ ‬الكتيب‮ ‬ودمرت‮ ‬القرية‮ ‬التي‮ ‬جرت‮ ‬فيها‮ ‬المعركة‮.‬
وعند محاولة ترسيم الحدود في الصبيحة والحواشب، قام المستعمرون البريطانيون بحملة عسكرية لحماية اللجنة والتي عملت بحماية أكثر من (٠٠٠١) جندي مزودين بالمدفعية، ورغم ذلك تعرضت اللجنة لهجمات المقاومة اليمنية.
وذكر‮ ‬المقيم‮ ‬البريطاني‮ ‬بعدن‮ ‬في‮ ‬تقرير‮ ‬سري‮ ‬موقف‮ ‬القبائل‮ ‬اليمنية‮ ‬من‮ ‬ترسيم‮ ‬الحدود‮ ‬ان‮ ‬عرب‮ ‬المناطق‮ ‬الداخلية‮ ‬يرفضون‮ ‬تواجدنا‮.‬
إذاً فإن ترسيم الحدود لتقسيم اليمن قد أوجد مشكلة حقيقية لدى الانسان اليمني وتمثل ذلك بظهور طابور من الأعداء الداخليين، ولم تمضِ بضع سنوات حتى ظهرت »الجمعية العدنية« وهي -بحسب الكاتب عبدالله باذيب- التنظيم السياسي للقوى الانفصالية في عدن التي طالبت بحكم ذاتي‮ ‬لعدن‮..‬
حري‮ ‬بنا‮ ‬اليــوم‮ ‬ان‮ ‬ندرك‮ ‬أن‮ ‬خمسينيات‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮ ‬قد‮ ‬شهدت‮ ‬فيها‮ ‬عدن‮ ‬وجود‮ ‬أحزاب‮ ‬انفصالية‮ ‬تعمل‮ ‬علناً‮ ‬وبدعم‮ ‬من‮ ‬الاستعمار‮ ‬البريطاني،‮ ‬بيد‮ ‬أنها‮ ‬سقطت‮ ‬في‮ ‬أول‮ ‬مواجهة‮ ‬حقيقية‮ ‬مع‮ ‬الشعب‮ ‬اليمني‮.‬
استنتاجات
< لقد اُبتلي شعبنا بخوض معركتين شرستين للتحرر من الاستعمار لحماية الوحدة ورفض الحدود الشطرية.. ولم يستطع أن يكسب المعركة الا بعد أن تقدم خيرة رجال اليمن الصفوف، وكانوا أكبر من القبيلة وفوق كل أمراض العصبيات.. انتصر شعبنا على الطائفيين والانفصاليين وزبانية الاستعمار‮ ‬والترسانة‮ ‬العسكرية‮ ‬للمحتلين‮ ‬وتحقق‮ ‬الاستقلال‮ ‬المجيد‮.. ‬ثم‮ ‬انتصر‮ ‬شعبنا‮ ‬وحقق‮ ‬أهداف‮ ‬الثورة‮ ‬اليمنية‮ ‬بقيام‮ ‬الجمهورية‮ ‬اليمنية‮ ‬في‮ ٢٢‬مايو‮ ٠٩٩١‬م‮.. ‬ثم‮ ‬في‮ ‬معركة‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬الوحدة‮ ‬في‮ ٧ ‬يوليو‮ ٤٩٩١‬م‮.‬
ولأن‮ ‬معركة‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬الوحدة‮ ‬لاتزال‮ ‬رئيسية،‮ ‬فإننا‮ ‬بحاجة‮ ‬ملحة‮ ‬الى‮ ‬دراسة‮ ‬ظاهرة‮ ‬عودة‮ ‬دعاة‮ ‬الانفصال‮ ‬والتخلص‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬البؤرة‮ ‬المثيرة‮ ‬للقلق‮ ‬والهلع‮ ‬أيضاً‮..<‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:08 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-10299.htm