تحقيق : منصور الغدره - لماذا يرفض البعض مغادرة حقول ألغام التشطير، وهل يمكن لنا استحضار هنا مَثَل »من شب على شيء شاب عليه«..؟!!
هؤلاء الداعون لعودة اليمن إلى التشطير وإلى زراعة لغم التشطير من جديد، لأنها »مهرتهم« امتهنوها واحترفوها منذ نعومة أظافرهم، لذلك نجدهم يحترفون ما ألفوا عليه، وتراهم يجتهدون أيما اجتهاد في صناعة الموت للأجيال، ولايجتهدون في صناعة المستقبل والحياة المستقرة والآمنة لليمن وأجياله..
يثابرون للعودة باليمن إلى عهد التشطير، فيشغلون حياتهم وفكرهم في ابتكار وسائل وأدوات الموت لأجيال وأُناس أبرياء، ليسوا من أجيالهم ولا من صنفهم، وليست مصالحهم تندرج ضمن أجندة ومصالح صُناع الموت الذين دائماً ما تكون ضحاياهم أُناساً أبرياء، وليس المبتكرين والمخططين لصناعتها وزراعة أشواكها وألغامها في اليمن، وكما هو الحال اليوم مع المشدودين والداعين بالعودة إلى عهد زراعة ألغام التشطير، التي حصدت عشرات الآلاف من اليمنيين الأبرياء- معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، دون أن يكون لهم ذنب عدا أنهم من سكان مناطق التشطير سابقاً، ذهبوا إما إلى حقولهم لحرث الأرض وإما إلى الجبال لرعي أغنامهم ومواشيهم أو لجمع الحطب أو الأعلاف والحشائش من الشعاب والبراري والمزارع التي استوطنها لغم التشطير..!!
لغم التشطير.. الوحش المفترس، لايزال حتى اليوم يحصد ضحايا ويأكل أنصاف أجسادهم الواحد تلو الآخر، ولم يتنفس أبناء وسكان قرى ومناطق التشطير الصعداء إلاَّ في الـ22 من مايو 1990م.. يوم إعلان ميلاد يمن الحاضر.. يمن المستقبل.. الجمهورية اليمنية- في شهر مايو الأغر- الذي نحتفي اليوم بميلاده الـ19- كعيد أعاد لهؤلاء الأمل والنجاة من موت لغم التشطير،ليطووا بذلك عهداً مأساوياً قاتم السواد كُتبت صفحاته بدماء آلاف الضحايا الذين فقدوا أيديهم وأرجلهم..!!
هؤلاء يؤدون اليوم طقوس أفراحهم بعيد وحدتهم بالطريقة التي لقنهم إياها لغم التشطير وتركهم بنصف جسد كما أراد أن يجعل الوطن هكذا.. إنهم بلا أرجل يمشون بها وبلا أيدٍ يأكلون بها، كما انتزع من بعضهم أعينهم.. الخ، لكنهم اليوم يحتفلون كعادتهم إما قاعدين وإما على كراسي الإعاقة، أو حبواً.. جميع الطرق ألفوها لإعلان فرصتهم بنهاية تلك المأساة.
لغم التشطير الذي زرع عهداً تشطيرياً بغيضاً في نقاط التماس أو جبهات خط النار.. ولأنه لغم شرير لايزال يخرج علينا بين الحين والآخر لينفجر في وجهنا مخلفاً وراءه ضحية جديدة بين طفل وشيخ وبين شاب وشابة وبين إنسان وحيوان.. بل إن شر هذا اللغم قد استعصى حتى على الكلاب البوليسية التي لجأ إلى الاستعانة بها البرنامج الوطني لنزع واكتشاف الألغام..
ضحايا الألغام أو الناجون، ويبدو أنهم لم ينجوا من شرها، وإنما فقط نجوا من الموت، وفضلوا أن يطلقوا على أنفسهم هذه التسمية حتى يتغلبوا على مأساتهم، وخلق في ذاتهم شيئاً من الأمل في إمكانية النجاح والعودة إلى الحياة الطبيعية وسط المجتمع، خاصة وأنهم وجدوا أنفسهم معزولين، وان الجميع قد تخلّى عنهم، بمن في ذلك النخب السياسية التي كانت السبب الرئيسي في مأساتهم عندما ذهبت إلى خوض معاركهم العسكرية والسياسية باستخدام الألغام والذخائر الحية المزروعة في العديد من المحافظات عدا محافظة المحويت..
الجميع تخلى عن أكثر من خمسة آلاف شاب وشابة يكابدون آلام الإعاقة والمأساة التي فعلتها بهم ألغام التشطير التي كان لها النصيب الأكبر من هؤلاء الضحايا، فضلاً عن حالة الوفاة التي تجاوزت 10 آلاف شخص، ومع أن تشطير الوطن الواحد بحدوده المصطنعة وبراميله المسيسة قد ولَّى إلى غير رجعة، إلا أن ألغامه لا تزال تشطر أجساد أطفاله وتحصد أرواح الأبرياء إلى اليوم.
التشطير أزيل بكل رواسبه إلاّ لغم التشطير المزروع الذي تنوعت ضحاياه بتنوع مناطق ومناخ اليمن، فتجاوز الرقم عشرات الآلاف من الضحايا الذين قضوا نحبهم على دوي لغم التشطير، اضافة الى ما يقارب الخمسة آلاف يكابدون اليوم مأساة الإعاقة التي فعلها بهم لغم التشطير.
صالح محسن الضحياني- رئيس الجمعية اليمنية للناجين من الألغام- الذي أخذ لغم التشطير منه ساقيه عام 1982م وعمره لا يزال حينها 13 عاماً - يصف مأساته بأنها من أعقد المشكلات التي يواجهها شعبنا، خاصة في ظل الظروف الراهنة لما يشهده المنجز الوحدوي العظيم من منغصات وممارسات من قبل بعض الخارجين على القانون الذين لا يريدون لوطننا الأمن والاستقرار.
ورغم ما عاناه الضحياني، لكنه بالإرادة استطاع أن يتغلب على مأساته وواصل دراسته إلى أن حصل على شهادة الليسانس- حقوق من جامعة صنعاء، ويعمل حالياً محامياً، بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا وإنما ذهب الضحياني إلى التفكير بمأساة الآخرين - زملائه- ضحايا ألغام التشطير- ليقدم لهم شيئاً يساعدهم ويتغلب على معاناتهم خاصة.. ويقول: في العادة ضحايا الألغام يعانون كثيراً من المشاكل الصحية والنفسية.. منهم من يحتاج إلى أجهزة طبية - تعويضية- أو تركيب أطراف صناعية أو إزالة شظايا أو بتر جزء من جسده لمنع انتشار السم في بقية الجسم أو لإزالة التشوهات.
وهو ما حققه فعلاً عندما أسس في سبتمبر ٤٠٠٢م، بالتعاون مع البرنامج الوطني للألغام »الجمعية اليمنية للناجين من الألغام والقذائف« ويتبوأ منصب رئاستها، وتتولى الجمعية إسعاف ضحايا الألغام إلى المستشفى العام بعدن لإجراء الفحوصات ومعرفة ما يحتاجونه من مساعدة، ثم بعد ذلك يعمل على إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع..
ويقول: نحن.. ضحايا العهد التشطيري ومخلفات الحروب والصراعات.. نحن من اكتوى بنار ذلك العهد البائد، وما زال حتى اليوم يتساقط الكثير من الابرياء.. نحن الضحايا أكثر من غيرنا إدراكاً لمأساة التشطير، لذلك نحن أحرص الناس، وندعو الجميع إلى المزيد من لم الشمل وإلى المزيد من التوحد، كما ندعو إلى نبذ الماضي التشطيري الأسود، ومن يحاول التفكير في العودة إليه إنما يكون قد قبر جثمانه متعفناً..
ويضيف: أن مضمون رسالتهم تقول لمتعطشي الدماء ولمن ألفوا العيش على الفتن: يكفي دماء الأطفال والنساء والشيوخ التي سالت في كل جبل ووادٍ وسهل .. أخذنا نصيبنا من مأساة التشطير البغيض، ونحن الآن في الجمعية نحاول معالجة هذه المأساة.. دعوتنا: لا للمزيد من المأساة.. دعونا نعالج مأساة الماضي التشطيري..
وحينما سألته إن كان هناك دعم أو مساعدة تقدم لهم فقال: كيف ستكون لهؤلاء مساعدة وهم ما يزالون يدعون إلى المزيد من وطأتها.. نحن نعمل مع الخيّرين فقط، ومنذ الستينيات وحتى بعد عام 1994م من القرن الماضي لم يتلفت إلينا أحد.. هناك المئات، بل الآلاف من ضحايا ألغام التشطير موجودون في الأرياف ومناطق الصراعات التي كانت تعرف بالمناطق الحدودية الشطرية لا أحد يلتفت لهم.. إلى أن وضعت اللبنة الأولى في عام 1999م عندما أُنشئ المركز الوطني لنزع الألغام والذي قام بالإحصاءات وجمع المعلومات وبدأ الاهتمام شيئاً فشيئاً إلى إجراء الفحوصات الطبية لبعض الحالات وتقديم الخدمات والمساعدات لضحايا الألغام.. كالأطراف الصناعية والأجهزة الطبية المساعدة..
وفي العام 2004م أسسنا الجمعية اليمنية للناجين من الألغام والتي بدأت بعملية التأهيل والدمج في المجتمع لبعض حالات ضحايا الألغام، وبحسب إمكانات الجمعية.. وإنشاء المشاريع الصغيرة بهدف إخراجهم من عزلتهم وجعلهم عناصر فاعلة في المجتمع كونهم يواجهون معيشة الحياة الاقتصادية بأنفسهم دون الاعتماد على أحد..
كما أننا في الجمعية نعمل على دعم ضحايا الألغام وتشجيعهم على مواصلة التعليم وبعد ذلك يأتي الدور في البحث لهم عن عمل سواءً بالحصول على الدرجات الوظيفية الحكومية والمقدرة بدرجتين أو ثلاث درجات وظيفية سنوية، أو تشغيلهم لدى القطاع الخاص أو إقامة مشاريع خاصة بهم كورش نجارة أو مراكز اتصالات أو معامل خياطة.. لدينا ثلاثة طلاب يواصلون دراساتهم الجامعية، و12 آخرون يدرسون الآن في المرحلتين التعليمية الأساسية والثانوية، و8 قد تم توظيفهم، ولدينا مجموعة كبيرة يعملون في المشروعات الاقتصادية التي أقامتها الجمعية..
ومع أن الجمعية منذ تأسيسها حتى اليوم لم تؤهل إلا العدد القليل من ضحايا ألغام التشطير.. لكن جميعهم أصبحوا فاعلين في المجتمع ويمارسون حياتهم ونشاطهم بصورة عادية.. منهم المدرس والعامل والنجار والمحاسب والمبرمج، ويكفي أنهم قد أصبحوا مدرسين ومدربين ويديرون نشاط ومهام الجمعية كاملةً.
وحسب إمكانية الجمعية لدينا مقيمون ويعملون في مقر الجمعية بصنعاء ما بين 30-40 حالة، ويتبدلون بحسب الدورات المقامة.. حيث يوجد قسم داخلي خاص بالبنات وآخر بالذكور وجميعهم من الأرياف ومن محافظات بعيدة..والعدد الذي تقدر استيعابه وتأهيله من قبل الجمعية منذ إنشائها "250" حالة، كأعضاء في الجمعية..
{ مآسي ضحايا ألغام التشطير، ابتداءً من الطفلة أروى علي سعيد من مديرية قعطبة -والتي بتر لغم التشطير قبل ست سنوات ساقيها وهي لم تكمل ربيعها الـ13- عندما ذهبت ذات يوم لرعي الغنم مع رفيقاتها في أحد جبال المنطقة، وبينما كانت تمرح انفجر بها لغم، وتقول أروى:"رغم أن المكان الذي تعرضت فيه للحادثة قد مشيت فيه مع رفيقاتي أكثر من مرة في السابق" لكن بالصدفة في ذاك اليوم ذهبت إليه بمفردها وحدث لها ما حدث.. إذ تقول: ذهبت لرعي الغنم ومررت بالمكان المليئ بالحشائش والعلف الكثيف فانفجر اللغم الذي بعثر جسدي -كما ترى- خاصة بعدما قرر الطبيب في المستشفى إزالة ساقين تخلصاً من التسمم الذي كاد يقضي على حياتي نهائياً.. وها أنا اليوم كما ترى بلا ساقين، لكنني أعيش هنا في داخل الجمعية وأواصل دراستي ونشاطي في الجمعية، لكن على »كرسي«.
{ أروى اليوم تبلغ من العمر 18 سنة، تمتاز بلسان بليغ الخطاب، وجمال فتان، وإذا ما اطلعت على صورتها يوم الحادثة لا تصدق أنها صورة للشابة التي أمامك اليوم، لكنها أروى على كل حال والجميع يعرف تاريخ السيدة أروى.. وتكاد مأساة سبأ الجرادي هي الأخرى إحدى ضحايا لغم التشطير نفسها تتكرر لكن مأساة سبأ أعظم لأن لغم التشطير زارها مرتين الأولى عندما فقدت والدها عام 1982م، وهي ما تزال بنت سبعة أشهر، لذلك عرفت لغم التشطير من وقت مبكر بقاتل أبيها.. ثم زارها مرة أخرى عام 1999م، وهي بنت 17 سنة، حيث تقول سبأ: ذات صباح ذهبت مع رفيقاتي من القرية لجمع الحطب في أحد الجبال بمحافظة الضالع-منطقة التشطير سابقاً- وكنت أسير بأمان الله ولم أدرِ إلاّ وقد طار بي انفجار وظللت أنزف في مكان الحادث حوالي ساعتين في أعلى قمة الجبل لصعوبة الوصول إليها لوعورة الطرق.. صحيح أنني لم أكن أدرس لظروف وعادات الريف.. لكنني أتيت إلى هنا وواصلت دراستي .
سبأ الجرادى -إنها ملكة سبأ اليوم رغم أن لغم التشطير قد حرمها نعمة السير بساقين طبيعيتين وأبدلتهما بصناعيتين، كما حرمها أيضا أن يكون لها اشقاء عندما أخذ أباها وهي ما تزال رضيعة.. سبأ اليوم -أمين عام الجمعية اليمنية للناجين من الألغام، وتعد من أهم كوادر التأهيل لزملائها ضحايا الألغام.
المأساة نفسها داهمت الطفل غانم احمد غالب وأخذت منه يده اليمنى عام 1998م، وعمره حينذاك ٨ سنوات فقط، وكذلك الطفل بشير الوصابي، والطفل جلال قائد والطفلة قارية العمري، وهناك قرابة ٥ آلاف ضحية للغم التشطيري ومآسيه.. في حين حالات الوفاة تفوق هذا الرقم بمئات المرات.. وستظل المأساة قائمة ما دام هناك ٤١ حقلاً للألغام موزعة في المناطق الوسطى يتم تسويرها بشكل دائم لعدم تمكن البرنامج من نزعها وتحتاج إلى تكنولوجيا حديثة، بل انها تحتاج إلى استقدام آلة حديثة من أمريكا مخصصة لنخل التربة وإنزال الجبال واستخراج الألغام المضادة للأفراد في لحج وإب وشبوة وحضرموت.
_ وما دمنا نعيش غمرة أفراح العيد الوطني الـ19 للجمهورية اليمنية، لابد أن نتعظ من مأساة هؤلاء وما فعله لغم التشطير بهم وبحياتهم، ونحمد الله على الوحدة التي أتت بالأمن والاستقرار لتلك المناطق الشطرية، التي ودعت ويلات التشطير وكوارثه، وحتى نكون منصفين لوحدتنا مما يطالها..
(5400)ضحايا.. ونزع (165)ألف لغم
هذا وأعلن البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام مطلع ابريل الماضي أن المسح الذي نفذه كشف عن وجود(5400) شخص ضحايا الألغام في اليمن خلافاً للحالات التي لم يصل إليها المسح وأيضا الحالات المتوفاة، كما أن هذه الأرقام لا تشمل الحالات الجديدة التي تسقط من وقت لآخر ضحايا الألغام المزروعة في مساحة واسعة من الأرض اليمنية التي كانت ساحة مفتوحة لصراعات التشطير.
وقال منصور محمد العزي مدير البرنامج:إن عدد ضحايا الألغام في اليمن وصل إلى(5400) ضحية موضحا أنه تم نزع (165) ألف لغم وقذيفة منذ بداية عمل البرنامج في عام 1998م.
واستعرض مراحل المشروع من خلال المسح الميداني والذي انتهى العمل به في يوليو 2000م على وجود 592 قرية متأثرة بالألغام في 19محافظة، منها 14 مجمعاً بعدد سكان 36000 نسمة كانت متأثرة بشكل كبير، و578 مجمعاً بعدد سكان 791400 متأثر بشكل بسيط.
وأكد مدير البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام أن المشروع عمل عشر سنوات وطهر خلالها مساحة(7.410.064.523) متراً مربعاً في جميع محافظات الجمهورية ماعدا المحويت، وأنجز 654 توعية ومساعدات لـ 2033 ضحية.
مشيراً إلى أن عدد السكان المتأثرين بالألغام في تعز وحدها بلغوا 46808، والضحايا 490 نسمة، أما المساحة الممسوحة فقد بلغت 616كم، وهناك 80 قرية متأثرة بالألغام تم استكمال 46 منها والعمل جارٍ في 3 حاليا والمتبقية منطقتان بنسبة 82٪وسيتم إعلان تعز خالية من الألغام خلال العامين القادمين.
ووفقاً للتقرير فإن البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام تمكن من تقليل نسبة ضحايا الألغام من 27 ضحية في الشهر إلى ضحية واحدة، الأمر الذي حصل بموجبه البرنامج اليمني على المركز الأول على مستوى العالم لثلاث سنوات متتالية إضافة إلى انه تم تبنّيه كبرنامج نموذجي على مستوى العالم في عام 2005م.
وأفاد تقرير برنامج الأمم المتحدة الانمائي حول الألغام أن النساء والأطفال هم من أكثر الفئات عرضة لضرر الألغام وذلك بسبب نوع الأنشطة التي يمارسونها مثل الرعي واللعب.
وكان المسح الشامل الذي نفذه البرنامج عامى 1999-2000 اظهر وجود 598 منطقة متأثرة بالألغام في 95 مديرية من مديريات الجمهورية بمساحة إجمالية 923 مليون متر مربع، بحسب التقرير التاسع لمرصد الألغام الأرضية الدولي العام الصادر في نوفمبر2007م.
وتعود زراعة هذه الألغام إلى فترة الستينيات وحتى التسعينيات، حيث شهد اليمن الحرب بين الملكيين والجمهوريين، وفي فترة الاستقلال من الاستعمار البريطاني في الستينيات، والصراع الحدودي بين الشطرين ثم الحرب الأخيرة صيف 1994م.
قصص محزنة..!!
{ الطفلة أشواق التي أخذ لغم التشطير منها أحد ساقيها ويدها، وهي لم تكمل ربيعها الثاني عشر، وكذلك الشابه انتظار التي غدر بها هذا اللغم الخبيث وسرق منها يدها ونور بصرها..
وإلاَّ ماهو الجرم الذي ارتكبته الطفلة سمر حتى يعاقبها لغم التشطير البغيض ببتر إحدى رجليها، وإصابة الأخرى بعاهة مستديمة ليجعلها حبيسة العربة أو كرسي الإعاقة..
مآسٍ وقصص محزنة وفظيعة يكابدها آلاف من ضحايا لغم التشطير الذين منهم من فقد ساقه أو يده أوعينه.. ومنهم من فقد واحدة أو اثنتين منها..
فالشباب الضحايا قيس وأحمد وجلال ومحمد العبدلي وصالح وصادق.. والأم فضيلة، والشابات قارية ولبيبة وأروى وسبأ.. معظم هؤلاء إن لم يكن جميعهم أصبحوا اليوم أنصاف أجساد، يروون لك قصص مآساتهم، وهم إما على عربة وإما يقفون على ساقين وبيدين صناعيتين أو بدونها- الطبيعي والصناعي- كما هو حال الطفل محمد الذي أكل اللغم كلتا يديه، وما يزال منذ أشهر وحتى اللحظة وهو يبحث عن يدين صناعيتين لكي يركبها على ما تبقى من يديه النحيلتين والصغيرتين ليتمكن من مواصلة دراسته وممارسة حياته كإنسان.. لكنه للأسف لم يجد ما يبحث عنه فاضطر- كما هو واضح في الصورة- إلى اللجوء للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية المقيمة في اليمن وحتى يستعطفها حمل إليها بيديه المبتورتين باقة ورد بمناسبة العام الميلادي 2009م.. واليوم أيضاً يهدي باقة أخرى للوحدويين فقط بمناسبة العيد الوطني الـ٩١، كما مخاطب دعاة التشطير: دعونا نَعِشْ في سلام وأمان، ولا تعيدونا إلى حقول الألغام وأنهار الدماء.. رجاءً.. رجاءً.. رجاءً..
صحيح أن الطفل محمد مؤمن بقدره كبقية زملائه الضحايا، لكنه يطمح بأن يصبح عنصراً مهماً وفعالاً في المجتمع وليس عالة عليه.. لذلك فهو يريد أن يكون كزميلته الشابة لينا عبدالله التي كان اللغم قد أخذ منها يديها، إلاَّ أنها بعزيمة إيمانها الكبير تغلبت على مأساتها فاجتهدت وثابرت لتصبح اليوم بيديها الصناعيتين رسامة وفنانة تشكيلية بارعة.. ترسم بريشتها البديعة، وتحلق بخيالها وإبداعها في سماء يمن الوحدة.. في سماء اليمن الكبير.. وطن مايو الأغر.. تستشرف من خلال لوحاتها وخطوط ريشتها إشراقة ضوء اليمن الجديد والمستقبل الأفضل..
ألم يفق أولئك الحالمون بعودة الماضي التشطيري، والمشدودون إلى مزارع وحقول الألغام- من هذه المآسي، وما خلَّفته من ضحايا أبرياء لا ذنب لهم سوى أن قدرهم قادهم إلى حراثة أرضهم البور أو اعتلاف الحشائش أو لجمع الحطب أو لرعي المواشي في البراري والجبال، دون أن يكون لهم علاقة بلعنة التشطير وأربابه..!!<
gudrah@gmail.com
|