ممدوح طه - تلح علينا هذه الأيام بصورة أكثرة إلحاحا من أي وقت مضى ضرورات تحقيق الوحدة الوطنية في دول الوطن العربي التي تواجه محاولات تقسيمية أو إنفصالية لا تغيب عنها الأسباب الذاتية المبررة.
ولا تختفي فيها المؤامرات الخارجية المقررة، علما أن تقسيم المقسم وتجزئ المجزأ هو السيناريو المعادي لمبادئ ومصالح الشعب والوطن العربي، من اليمن في مشرقه الجنوبي إلى موريتانيا في مغربه الشمالي..
وبينما كان الشعب العربي يحاول استعادة الوحدة الوطنية في فلسطين، ويحاول الجهد الرسمي التصدي لمؤامرات الانقسام والتقسيم والتجزئة والتفتيت في أكثر من موقع على امتداد الوطن العربي..
وكان في الوقت نفسه يحتفل مع الشعب اليمني بالذكرى التاسعة عشرة لاستعادة الوحدة اليمنية ولانتصار إرادته على إرادة القوى الانفصالية التي حاولت تقسيم وحدته، باعتبار الوحدة الوطنية والعربية هدفه الاستراتيجي الأول لتحرير أجزائه المحتلة، ولبناء تقدمه الاقتصادي على أسس العدالة الاجتماعية والحرية السياسية.
حاول التيار الحزبي الانفصالي الصغير في جنوب اليمن قبل أيام الثأر لفشله السياسي في حكم كل اليمن عبر الانتخابات النيابية أولا، ولفشله العسكري في تفكيك الوحدة بالقوة ثانيا، بتحويل ذكرى الوحدة اليمنية إلى مناسبة لتشويه هدف الوحدة، وإثبات فشلها إشباعا لنزعات شخصية ومجافاة لكل المبادئ الوحدوية التي رفعتها ثورتا سبتمبر الشمالية وأكتوبر الجنوبية ولكل المصالح اليمنية والعربية!
إن الأحزاب والحركات والزعامات الوطنية الحقيقية التي تحكم أو التي تعارض حين تختلف فيما بينها سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ليس أمامها من وسيلة ديمقراطية ومشروعة سوى إجراء الحوار السياسي سبيلا لمعالجة المشاكل والخلافات السياسية، أما محاولة فرض رؤية الأقلية على الغالبية بالقوة فهذا يؤدي إلى الانقسام الوطني.
وأي محاولة لفرض نظام لم يتم انتخابه أو إزاحة نظام للحكم تم انتخابه من الشعب بالتمرد السياسي أو بالاقتتال العسكري فهذا لعب بالنار لا يلجأ إليه وطني مخلص، لأنه ببساطة ومهما بدا له من مبررات داخلية يقدم خدمة لمقررات خارجية، ولا يمكن فصل ما يجري في اليمن عما يجري مثله في الوطن العربي.
وإن كان زحف الفتن المتنقلة للتقسيم أو الانقسام الوطني والقومي قد واجهنا ولايزال في فلسطين والعراق والسودان والصومال ولبنان والجزائر، في غياب الوعي الكافي بخطورته، فإنه لا بديل عن المواجهة الشاملة للمؤامرة المتكاملة، لأن البديل عن تحقيقها في هذه الظروف الصعبة إنما يعني الفشل في امتحان الإرادة الوطنية بين شركاء الوطن الواحد، والقومية بين شركاء الأمة الواحدة، والسماح بتمرير مخططات «الفوضى الهدامة» المعادية لكل ما هو وطني وعربي وإسلامي.
الصلة وثيقة بين ضرورة الوحدة الوطنية وتحقيق الوحدة القومية، والترابط أكيد بين الاتحاد العربي والاتحاد الإسلامي، حيث لا إمكانية لتحقيق وحدة عربية بدون صلابة الوحدة الوطنية على أسس وفاقية.
ولا إمكانية لتحقيق اتحاد إسلامي بدون اتحاد عربي على أسس شعبية، وخصوصا أن ما يشد هذا الرباط بين الدوائر الثلاث، الوطنية والقومية والدينية، هو تاريخ متواصل، وجغرافيا متصلة، وعقيدة وثقافة واحدة المصدر نابعة من رسالات سماوية نزلت على الأرض العربية.
وإذا كان الأسلوب القديم للاستعمار القديم هو تهشيم الأمة الواحدة إلى عدة دول، فإن الأسلوب الجديد للاستعمار الجديد هو زرع «الفوضى الهدامة» وإثارة الفتن العرقية والطائفية والمذهبية لتفكيك الدولة الواحدة إلى كانتونات لتسهيل سيطرته على الأجزاء، ولتمكين إسرائيل القوية لتكون القوة الإقليمية الكبيرة والوحيدة في المنطقة..فحذار من اللعب بالمصير الوطني والعربي.
•نقلاً عن صحيفة "البيان" الإماراتية
|