تحقيق / عارف عقبات الكميم - سيئ هو حظ الكتاب في عالمنا العربي منذ الميلاد وهو قيد التحقيق والمساءلة بجرم غير مشهود ، ومنذ السطر الأول وهو رهن الاعتقال والإقامة الجبرية خلف الأبواب المغلقة والمخازن الباردة ينتظر"المشنقة" كمتهم لم تثبت براءته بعد وكأنما اصبح قدراً أن يظل مقعدة محجوزا ً في قائمة الدخول إلى كسر الخيبة العربية وإخراجنا من راكد ما نحن فيه ،قدراً يمكنه أن يظل خارج فضاءاته التي وجد من اجلها بفعل السلطات والاتجاهات الفكرية المتطرفة والدولار وارتفاع سعر الورق والضغوط النفسية والاقتصادية ومحدودية النسخ المطبوعة التي تقف كقدر ظالم يمنعه من الوصول إلى الجماهير العربية خبزاً ساخناً لكل مواطن عربي كحق طبيعي كالماء والهواء وكذلك القارئ المنهزم الذي اصبح أسير الثقافة "الساندويتش" والإجابات المختصرة التي تقدمها الفضائيات والتقنية الالكترونية الحديثة...
كل هذه الإشكاليات شكلت سؤالنا المرجو ما هي أزمة الكتاب العربي في راهن اللحظة تحديداً..؟! وهل ثمة أمل في ظل الراهن أن نجد منظارا ورديا يكون فاتحه نرى من خلاله ما يفض الاشتباك بين الكتاب وبين العداوات التي تطارده..؟! كل هذه الإشكاليات طرحناها على طاولة بعض الناشرين العرب المشاركين في معرض صنعاء الدولي الثالث والعشرون للكتاب و منهم كانت الحصيلة:-
"أزمة مركبة"
في البداية تحدث أبو حسان – صاحب مؤسسة الرسالة شارحاً جانباً من الأزمة التي عصفت بالكتاب العربي قائلا:أن الكتاب العربي ابتلي منذ فترة طويلة بدخول ناشرين ليسوا أصحاب صنعة وليسوا أهلا للنشر ،فثمة دور نشر أصبحت تنشر الكتاب أيا كان ،بمعنى إنها لم تعد تهتم بالناحية العلمية للكتاب أو التقنية أو حتى الموضوع العلمي الأساسي الواجب توافره في الكتاب ،ودور نشر أخري اتجهت نحو التخصص في النشر بعضها مثلاً أصبحت تنتج الكتاب الجامعي والكتاب الجامعي في حد ذاته اصبح مؤمماً في بعض البلدان العربية ولا يجد سوقاً رائجا له في البلدان الأخرى وهو ما يسبب أزمة نسبية للكتاب ويضيف أبو حسان : إن الكتاب العربي اصبح في الوقت الراهن يعاني أزمة قارئ إلى درجة أن بعض المؤلفين اصبحوا يقولون أعطونا قارئا حتى نقدم نشر أصبحت كذلك كئبا ليس لها أي هم ثقافي و انم كتب عادية تخاطب غرائز القارئ السطحية.
ويرى انه ليس هناك أمل للخروج من أزمة الكتاب إلا بإنتاج الكتاب الثقافي الجيد الذي يخاطب العقل وتوجيه القارئ إليه يالاضافه إلى تحقيق الموازنة بين إنتاج الكتب التراثية والكتب الحديثة لان الكميات الهائلة من الكتب التراثية المطبوعة أصبحت لا تعطي القارئ فرصة لكي يطلع على الجديد.
"أزمة عملة"
وعلى نفس الخط يوافق عيسى طنوب ابو جهاد – دار الأهالي للنشر- الرأي السابق وهو أن أزمة الكتاب العربي في المستوى الأول هو دخول ناشرين ليسوا سوى بياعي كتب على حد تعبيره ويضيف: قدر كان يمكن أن يكونوا تجار ملوخية وسبانخ ولكن حين وجدوا أن بيع الكتب فيها ربح دخلوا هذا المجال ليس عن قناعة أو هواية أو ميل و إنما التجارة مربحة مثلها مثل بيع الملوخية والأحذية أو معجون الأسنان.
ويواصل عيسى حديثة عن أزمة الكتاب قائلا: هناك الأمور المادية تشكل جانبا من الأزمة فمثلا الكتاب في اليمن يستورد إليها بالدولار والمواطن اليمني يعيش أعباء التضخم الاقتصادي ودخله لا يزيد عن 60 دولارا ولذلك فهو لا يدري هل يشتري كتابا أو يشتري خبزا ، وهذا ليس في اليمن وحسب فكثير من الدول العربية ما زالت تعاني أزمة عملة وهي تنعكس على المشتريات وفي مقدمتها الكتاب.
"ثقافة اللحظة"
من زاوية أخرى يرى علي وهبه –دار الحرف العربي : أن المشكلة أصبحت مشكلة ثقافية وكل الكتب التي تنشر تعبر عن ثقافة اللحظة ولم تعد هناك كتب تناقش مشاكلنا على المستوى الطويل كذلك لم تعد هناك كتب تناقش مأزق العقل العربي والذي هو السبب في كل ما يحدث، وللأسف الشديد لقد اصبح الكتاب الآن أشبه ما يكون "بالموضة الهابطة"
ويضيف علي : ان الحالة الاقتصادية في كل بلد على حدة سبب أخر للازمة فالقارئ العربي لديه الرغبة في اقتناء الكتاب ولكنه يصطدم دائما بسعره ومن هنا يجنح عن محاولة الشراء لان دخله ما زال قليلا جدا وبالكاد يفي متطلباته الضرورية
وعلى العكس تماما من الآراء السابقة يرى بسام سركس-دار الكندي للنشر أن كل الأزمات التي تلصق بالكتاب ليست سوى تبريريه فالثقافة ليس لها وطن وكل من أراد كتابا ولديه الرغبة لاقتناء فسيحصل عليه .
ويرجح بسام كل الأزمات إلى موضوع التربية والتنشئة قائلا: للأسف يوجد في وطننا العربي متعلمين وجامعات وكليات ولكن لا يوجد اهتمام بالثقافة والمطالعة الخارجية ولا يوجد اهتمام باقتناء الكتاب ويستثنى هنا بعض الكتب التراثية .
ويضيف قائلا: اصبح هم الطالب العربي الحصول على الشهادة ومن ثم الوظيفة و أصبحت أخر اهتماماته المطالعة ومن هنا يأتي الخلل فحين يفضل الإنسان العربي شراء علبة سجائر بدلاً من الكتاب تصبح كارثة ونحن نحققها في عالمنا العربي الذي يصنف انه عالم قليل القراءة .
ويرفض بسام أن تشكل القدرة الشرائية للفرد سببا للازمة قائلا: الكتاب العربي لم يبلغ ثمنه إلى درجة يتعذر على الإنسان العربي شراءه فالكتاب ما زال رخيصا و أحيانا سعره لا يعطي تكلفته ومع ذلك لو حدث وقلنا بزيادة سعر الكتاب فمن الضرورة أن تتكاتف الجهود من وزارة الثقافة والجمارك والمطابع و تعمل على تخفيض كلفة الشراء وبالتالي وصول الكتاب إلى القارئ بسعر الكلفة.
"الرقابة"
أما احمد فكري-مركز الراية للنشر والإعلام فيؤكد أن أزمة الكتاب العربي تكمن في الرقابة قائلا: إذا ألغيت الرقابة فستنتهي أزمة الكتاب إذا اصبح الضمير هو الحاكم فيما نكتب وجعلنا العلاقة بينه وبين الله ستجد أنها ستنفتح الثقافات.
ويرى احمد أن المسائل الاقتصادية تشكل جانبا من الأزمة :المفروض أن يكون هناك مزايا كثيرة للناشرين فكلما ازدادت التسهيلات أمام الناشرين كلما انعكس ذلك على سعر الكتاب الذي يحدد أصلا على مجموعة التكاليف التي يتحملها الناشر فكلما كانت التكاليف عالية ارتفع سعر الكتاب ولذلك حين تتدخل وزارات الثقافة العربية وتدعم الناشر ماديا ومعنويا سنجد أن سعر الكتاب سينخفض في يد القارئ.
ويضيف: أن الظروف الاقتصادية تشكل عبئا ثقيلاً على حركة النشر ولكن لو تم الاهتمام بالكتاب وعمل الدعاية اللازمة للكتاب وتحقيق برنامج متوازن بين الدول العربية سيخف الحمل على سوق الكتاب وينعكس كل ذلك على الكتاب وصناعته ويرى أخيرا أن هناك ظروفا أخرى أثرت على سوق الكتاب العربي ولكنها اقل أهمية.
"الأمور المادية"
وبشكل متشائم مما يحدث للكتاب يرى طلعت احمد-دار صلاح الدين أن الكتاب اصبح يعاني مجموعة أزمات أرهقته كثيرا عن القيام بدوره قائلا: كثيرة هي المشاكل التي أرهقت و أتعبت الكتاب وبدورها أتعبت الناشر العربي الذي يريد أن يؤدي رسالته بامانه والمشاكل الاقتصادية تقف في المقدمة تليهما مشاكل القارئ وسوق النشر الذي اصبح يعاني كسادا على مستوى الكتب الجادة ولكن هذا لا يهم إذا تم تلافي المشاكل الاقتصادية والحاصل الآن أن أجور المعارض أصبحت بآلاف الدولارات كذلك الشحن اصبح مكلف جدا والنقل وحقوق التأليف وسعر الورق وكل هذه الأشياء تنعكس سلبا على الكتاب.
"ما زال الكتاب رائدا"
ويتفق يوسف الرفاعي –مكتبة الإشعاع مع الرأي السابق فيري أن أزمة الكتاب العربي تتمثل في ارتفاع سعر الورق العالمي إلى جانب أن الدولة لا تدعم الكتاب ومع ذلك يتفاءل قليلا: الكتاب ما زال واقفا على قدميه رغم المصاعب العديدة التي تواجهه من تقنية جديدة وتطورات الكترونية وانتشار رهيب للأدوات المعرفية التكنولوجيا وانتشار ثقافة التلفزيون وما زال الكتاب يؤدي دوره المعرفي الذي لن يتم الاستغناء عنه مهما حدثت من تطورات تكنولوجيه .
"الأزمة أزمتنا"
ومن ناحية أخرى يقول محمد الزعبي- دار الفكر: أن أزمة الكتاب تتمثل في العطية المفروضة الآن بين الكتاب والقارئ إذا اصبح القارئ بعيداً جداً عن الكتاب ولذلك أصبحت هناك ضغوط مادية وفكرية تواجه العالم العربي فالمادية تتمثل في الحالة الاقتصادية التي أثرت على صناعة الكتاب والفكرية هي غياب القراءة فالمثقف الذي تخرج من الجامعات اقلع عن القراءة والمطالعة في اختصاصه وغير اختصاصه والطالب في الجامعات اصبح يعتمد على التلقين ولم يعد مجبرا على البحث في المراجع حتى يتطور ذهنه ويتوسع ويفكر ولكنه اصبح محصورا في كتابه فقط دون ايه رغبه في المطالعة.
ويضيف: أن الجانب الأساسي في القضية هو نزوحنا عن القراءة والفكر واعتبار الكتاب شيئا كماليا في حين تصبح حاجتنا إليه كرغيف أما عن مسألة الحرية فيقول : في كل أنحاء الوطن العربي توجد ممنوعات ومسموحات ويؤكد أن هناك حرية كبيرة ولكننا عزمنا عن القراءة وصرنا نتحجج بكل شئ ونلقي باللائمة على أي شئ في حين أن الخلل يكمن في داخلنا .
|