إعداد/ نجيــب شجاع الدين - في جنة الخلد والتاريخ العديد من شهداء اليمن المثقفين الذين بذلوا أرواحهم من أجل حرية وكرامة اليمن.. التي فقدها أثناء النظام الإمامي الكهنوتي والذي تفنن في اختيار السجون، وتفنن في أساليب التعذيب للثوار حيث كان يعتقد بأن مصير كل من يطالب بالتخلص من شبح الفقر والجهل والمرض الإيداع في أحد سجون الإمامة ومن ثم الإعدام.. غير أن ذلك لم يستمر.. وكانت الثورة في 26 سبتمبر 1962م.. وانتهت كل تلك المعاناة..
> لقد عانى أحرار اليمن خلال مسيرة نضالهم الوطني كثيراً من الأهوال والآلام من أجل إيجاد وطن حر وحياة كريمة حيث عانوا من جحيم وويلات النظام الإمامي.
وكانت مدينة حجة المركز الأول للإمام أحمد حميد الدين الذي عاش فيها فترته الأولى وأوجد نفسه من خلالها كشخصية أسطورية رهيبة عند معظم القبائل في محافظة حجة وكون منطقة حجة لها مميزاتها وصفاتها كمدينة حصينة ومنيعة..
وقد ارتبطت مدينة حجة بثلاث أحداث مهمة في تاريخ اليمن المعاصر حيث كانت القاعدة التي لجأ إليها الإمام عند قيام ثورة 1948م ومنها انطلق إلى حصار صنعاء وقد كانت معتقل أحرار اليمن بعد فشل الثورة الدستورية 1948م وفيها أعدم وسجن كبار رجال حركة الأحرار ومنهم إمام الحركة عبدالله الوزير وعبدالله السلال ومحمد صالح السمة وأحمد الحورش ومحيي الدين العنسي وزيد الموشكي وغيرهم من الثوار الأحرار حيث كان من أبشع سجونها سجن نافع.
سجن نافع الرهيب
> إحدى قلاع الطغيان الإمامي التي استخدمها الإمام لتعذيب الثوار وأحرار الثورة الدستورية وكان سجن نافع أشد السجون في حجة وارهبها حيث يسجن فيه إلى جانب الثوار القتلة واللصوص وأصحاب الجرائم ولايوجد في هذا السجن أي مرفق من مرافق الحياة العادية وكانت تعتبر الأربعة الأشهر الأولى من أصعب الفترات على السجناء نظراً لثقل القيود وعدم وجود الفرش وعدم وجود المياه.. وإن وجدت فهي مياه البرك الضحلة التي تتجمع فيها مياه الأمطار.. فلقد كان كل سجين ينظر الموت بأم عينيه مراراً وقد وصفه أحد الذين عانوا من ويلاته بقوله: لايرغب أحد أن يتكلم.. الصمت الرهيب بادئ ذي بدء الأفكار تجول والنظرات زائغة، همهمة مستطيلة تطل عليها أماكن ممزوجة بالصمت ونفس المكان كان يستعمل أيضاً للتبول والغائط للمعتقلين.
السجن والسجان
> وتخصصت سجون حجة لاعتقال المثقفين والسياسيين والثوار من أبناء اليمن الأحرار.. ولقد تفنن الإمام في اختيار سجونه الرهيبة كما تفنن في اختيار السجانيين المشرفين على السجن وقد وصف أحد الكتاب كبير السجانين في سجن نافع بالأتي: كان كبير السجانين (ناصر) أمياً لايقرأ ولايكتب وقاد العينين رصين الكلام دائم العبوس كثير الجلوس.. أي بمعنى اكتملت فيه شروط الحجاج لسجانيه وكنت تراه حين يساق إليه السجين الجيد منتشياً فرحاً كأنما وفر ثروة إلى كنزه الثمين.. وكان الإمام قد اختاره من بين مئات حرس العكفة بعد خبرة طويلة وكان معظم وقته رابضاً بالسجن وعندما يأتي الليل يدخل بفانوسه ومعه بعض الحراس مجردين من الأسلحة ومحملين بالهراوات وقبل أن يدخل باب السجن يصرخ بصوت جهوري تقشعر له الأبدان ويبدأ الصمت والأنين.
السجان والدستور
> ومن المواقف المضحكة المبكية التي تعكس عمق الجهل الذي فرضته الإمامة، بلادة السجان فقد دخل ذات مرة قائد السجن السجان ناصر قائلاً للمسجونين لدي لكم بشرى سارة فقد ألقى الإمام القبض على الدستور.. نعم إنه لايدرك ماهو الدستور وتلك إحدى علامات الجهل المظلم الذي حرص الإمام على ابقائه.
وبقدر ما مثل سجن نافع للأحرار العذاب المهول والألم المر بقدر ما استطاع الأحرار ان يجعلوه حلقات وصل وعلم فقد استطاع الأحرار ان يقوموا بنشاطات تثقيفية عدة فيما بينهم خاصة وأن أغلبية المسجونين من المثقفين والعلماء والأحرار أي الزبدة الاجتماعية المثقفة حينها.. حيث استطاعوا التأثير على عدد كبير من المسجونين غير السياسيين الذين كانوا يقضون فترات سجن قصيرة فكان الأحرار يحرصون على توعيتهم بمعانٍ وأبعاد الثورة الدستورية كضرورة لتغيير الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الشعب اليمني وكان لذلك النشاط الذي يقوم به الأحرار من داخل السجن تأثير يأتي بمردود إيجابي في عملية انتشار التوعية والتمهيد لتقبل أفكار الثورة فضلاً عن ذلك أن الثوار قاموا بتعليم الأميين القراءة والكتابة بالإضافة إلى ممارسة نشاطهم الثقافي وكتابة الشعر وقد أوجد السجن صداقات عميقة بين الثوار والمسجونين الأخرين وقام المساجين من الثوار بدور المعلمين من المساجين الأخرين وخاصة بعد أن تخففت الإعدامات والأحكام الإمامية الجائرة واستطاع المعتقلون عقد صداقات مع حرس السجن الذين مرروا لهم الأقلام والرسائل والكتب وبدأ يتوسع نشاط الأحرار من داخل السجن والاتصال بإخوانهم خارج السجون وغيرها.
كما أختطت بعض الكتب في السجن وقد استطاع القاضي عبدالرحمن الإرياني تنظيم وضبط ديوان الآنسي، كما قاموا بكتابة بعض القصائد الشعرية الداعية إلى التحرر ورفض الظلم، وبذلك النشاط الذي قام به الأحرار من داخل السجن في عملية التوعية استطاع الأحرار ان يخلقوا ويوجدوا استمرارية التقبل لأفكار الثورة الدستورية وبقاء ديمومتها وهذه لمحات مضيئة من حياة كوكبة من الأحرار الذين ذاقوا ويلات الإمامة في سجون حجة وهم يصارعون طغيان النظام الإمامي البغيض ومنهم:
- الشهيد أحمد الحورش.. استشهد في مدينة حجة بعد أن اعتقله الإمام بعد حركة 1948م الدستورية وكان الشهيد البطل قد عمل في التدريس بالحديدة وبعد أن تلقى تعليمه الأول في مدرسة الأيتام سافر إلى العراق وإلى القاهرة وقد عين وزيراً لوزارة المعارف في ثورة 1948م التي لم يكتب لها النجاح..
وقد كان الشهيد البطل حريصاً كل الحرص على ضرورة نشر التعليم وعلى ضرورة أن ينال أبناء الشعب اليمني قسط من التعليم الذي منعه النظام الإمامي.. فلقد كان مربياً فاضلاً حريصاً على تربية عقول سليمة جيدة وقادرة على التفكير السليم.
- الشهيد البطل أحمد المطاع: توفى في أحد سجون حجة بعد أن ذاق مرارة العذاب والألم في السجن إثر اعتقاله من قبل النظام الإمامي بعد فشل ثورة 1948م الدستورية وقد كان البطل أحمد المطاع من كبار المثقفين حيث ترأس مجلة »الحكمة« بعد وفاة الوريث وكتب عدداً من الكتب مثل كتاب (عطر نسيم الصباح) لمؤلفه أحمد محمد الحيمي، وكتاب (النبأ في تاريخ ملوك حمير وسبأ) وقد احرق بعد وفاته..
- الشهيد أحمد البراق: تلقى تعليمه في مدرسة الأيتام ثم سافر إلى لندن عمل الشهيد البطل على تنظيم حزب الأحرار في عدن مع غيره من الأحرار وكان كاتباً متمكناً للقصة وله عدد كبير من الكتب وقد استشهد في حجة بعد أن تم اعتقاله وإيداعه السجن وحكم عليه بالإعدام ضرباً بالسيف..
- الشهيد حسين الكبسي: كان من المثقفين الكبار مثَّل اليمن في عدد من المنتديات العربية والعالمية واعدم في حجة بعد ان ذاق مرارة السجن..
- الشهيد زيد الموشكي: كان الشهيد زيد الموشكي شاعراً مجيداً انتقد النظام الإمامي بحدة وقف عمره طالباً للعلم ومدرساً وأنضم إلى حزب الأحرار الذي تأسس في مدينة عدن.. سقط شهيداً بسيف الإمام في سجن حجة وهو في الأربعين من عمره..
- الشهيد عبدالوهاب نعمان: ظل طوال حياته معارضاً قوياً للنظام الإمامي ومنتقداً حكمه الظالم سجنه الإمام عشر سنوات ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في صنعاء لمدة سبعة عشر عاماً، وبعد قيام ثورة 1948م أعدمه الإمام في حجة.
- الشهيد سعد حسن فارع الملقب إبليس: من مواليد قرية الكداش ذبحان الحجرية تلقى تعليمه في القرية ثم سافر إلى عدن ومن عدن إلى السعودية ليبدأ هناك ارتباطه بحركة الأحرار اليمنيين سراً بعدها سافر إلى القاهرة وهناك تم التنسيق بينه وبين حركة الأحرار لبيع الصحف المصرية داخل اليمن تغطية لنشاطات الثورة قام بمحاولة اغتيال الإمام في السخنة ولكن تم اعتقاله قبل ان ينفذ العملية الفدائية ضد الإمام وأودع سجن نافع بحجة وتم إعدامه هناك..
إنهم كوكبة من أولئك الأبطال العظماء الذين نذروا حياتهم من أجل اخراج اليمن من أسوار الظلم والطغيان الإمامي فلقد لاقوا مع زملائهم الأبطال أهوال العذاب والظلم في سجون الإمام التي أعدها لكل مثقف يرجو التغيير وثائر يرفض الظلم فلم يكن السجن وحده بطل تطاولت يد الظلم لتجتز رقابهم الطاهرة ولتذهب بأرواحهم إلى جنة الخلد والتاريخ يحفظ مآثراهم العظيمة.
|