يحيى علي نوري -
ينظر البعض الى يوم 17 يوليو 1978م- وهي مناسبة انتخاب فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية- الى كونها ترسيخاً لقيم ما قبل الوحدة، ولا تمت بصلة الى اليمن الموحد الذي انطلقت مسيرته في 22 مايو 1990م.ونظرة كهذه تعكس حالة من السطحية وتمترس أصحابها في مواقف هدفها الأول والأخير المزايدة السياسية، خاصة وأنهم قد أثروا هذه المزايدة بالكثير من المواقف التي تستهدف النيل من النظام واعتمال كل ما من شأنه تشويه المشهد السياسي اليمني بل وتشويه محطات مهمة في مسيرة الوطن دوَّنها في تاريخه المعاصر، بكلما تحمله من اشراقات حضارية ووطنية وانسانية.
وهؤلاء تناسوا من خلال رؤيتهم السوداوية لمناسبة 17 يوليو أن الشعوب تصنع العديد من التحولات في مسيرة تطورها في تمكينها من تحقيق أهدافها وتطلعاتها بل وتعترف هذه الشعوب بعظمة هذه المحطات التاريخية وقياداتها التي صنعتها وهيأة لها سبيل الانطلاق صوب تحقيقها في أجواء من الاستقرار والأمن والسلام ما جعلها تتمكن من اطلاق كافة امكاناتها وطاقاتها الابداعية التي باتت اليوم شواهد مهمة على حضارة العديد من الشعوب وشواهد ايضاً على اعتراف وامتنان هذه الشعوب بتأثير رجالاتها وقياداتها التاريخية على تغيير مسار توجهاتها بل وانقاذها من حالات التقوقع والجمود والانزواء عن التيار الحضاري.
وحقائق كهذه تجعل أصحاب الرؤية السوداوية إزاء مناسبة 17 يوليو غير قادرين على تجريد هذه المناسبة الوطنية من حقها التاريخي باعتبار أن يوم 17 يوليو 1978م كان وسيظل محطة مهمة في تاريخ اليمن ففيه انطلقت في ظل ظروف قاهرة وصعبة للغاية مسيرة بناء اليمن الجديد.
لاشك لا يعرف عظمة ودلالات هذه المناسبة إلاّ من عايشوا مرحلة ما قبل الـ17 من يوليو 1978م وعاشوا حالات الانفلات والفوضى التي كانت سائدة في البلاد وما أفرزته تلك المرحلة من أوضاع فظيعة عاشتها اليمن، لكن يتفق كل من رصد تفاصيلها أن يوم الـ17 من يوليو 1978م مثل الانطلاقة الأولى والجبارة باتجاه الانتصار الحقيقي لأهداف ومبادئ وقيم الثورة اليمنية "سبتمبر وأكتوبر" والبداية الحقيقية لتأسيس الأرضية القوية والصلبة التي تهيئ للنظام الجمهوري اليمني سبل انطلاق اكبر صوب تحقيق أهداف الثورة من وحي توجهات جديدة حرص فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية على تحقيقها منذ الوهلة الأولى لتحمله مسئولية ادارة الوطن وهي مسئولية عظيمة -كان يومها عديد من المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي يتوقعون اخفاقاً سريعاً للرئيس المنتخب من قبل مجلس الشعب التأسيسي ذلك أن المؤشرات التي أخذ بها أولئك المراقبون لم تكن بالكاذبة حتى جعلتهم يخلصون الى ما مثل تلك النتائج، وانما كانت لديهم حقائق ظاهرة للعيان.. وكانت أية قراءة مهنية لا ستصل حتماً الى هذه النتيجة السوداوية، إلاّ أن هؤلاء المهتمين والمختصين قد أغفلوا حقيقة أن في حياة الشعوب محطات ومواقف تاريخية وقيادات يكتب لها النجاح والسؤدد ويجعلها أكثر قدرة على قهر كافة التحديات والمخاطر وفي ذلك واحدة من الحقائق التي تؤكد أن استمرار فخامة الرئيس ولأكثر من ثلاثة عقود في قيادة الوطن يمثل اشراقة عظيمة لكونه استطاع أن يحدد مشروعه الحضاري الذي ينتصر للوطن ويحقق أمانيه وتطلعاته وأن يحدد في الوقت ذاته الطريق الأسلم والأمثل الذي يمكنه من بلورة مشروعه على الواقع.
وبالعودة الى أصحاب الرؤية السوداوية إزاء هذه المناسبة نجد أن أية مناقشات مسئولة معهم حول رؤيتهم هذه لا يمكن لها أن تستطيع الصمود ولو لدقائق معدودة، ذلك لأنهم يحاولوا تجاوز محطة مهمة من محطات تاريخ اليمن المعاصر.
وهنا نتساءل هل نستطيع أن نفصل مسار الـ17 من يوليو 1978م عن مسار الـ22 من مايو 1990م.. أليس منطق التاريخ وعظمة التوجهات- التي اتخذها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح منذ انطلاق ادارته للشأن الوطني يجعل من هذين المسارين يمثلان مساراً واحداً؟
واذا كان هذا القول يزعج البعض من الذين لا يعجبهم الاعتراف بحق التاريخ وحق قياداته ومناضليه، سيقولون إن جعل المسارين في مسار واحد هو جزء من حالات النفاق السياسي.. الخ من المفردات بهدف التضليل لشواهد التاريخ الحية.
وبالمقابل فإننا وفي اطار رؤيتنا الى عظمة مسار الـ17 من يوليو وأهميته الوطنية على حل العديد من القضايا والمشكلات العالقة على السطح وقدرته على السير بشعبنا باتجاه تحقيق أهدافه الاستراتيجية العملاقة في الوحدة والديمقراطية والتنمية.. وهي أهداف بات الوطن اليوم يعيشها واقعاً حياً.
ويؤكد قولنا هذا العديد من الشواهد القائمة والتي يستحيل على أي كان حجبها أو تضليل الرأي العام إزاءها.
ومن هذه الحقائق الناصعة والتي يحفل بها عهد فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية حقيقة الحوار الوطني المسئول الذي حرص على جعله ومنذ انطلاقته الأولى قاعدة أساسية لليمن وأصبح دون منازع الأداة الأكثر قدرة على الاستجابة لمتطلباته بل والضمان الحقيقي لبناء حاضره ومستقبله.
فكان الحوار القوة السياسية التي مكنت الرئيس من اقتحام كافة قضايا الساحة السياسية المعقدة واستطاع من خلاله فك تعقيداتها المزمنة، وتشخيص أسبابها وعواملها مهيئاً كافة الظروف لكل الخيرين والفاعلين من أبناء شعبنا وقواه الحية للسير باتجاه تحقيق الاستقرار واعادة الوحدة.. فأمكن له من خلال الحوار أن يؤسس في العام 1982م المؤتمر الشعبي العام كإطار للعمل السياسي.. وهو إطار يمني خالص يعبر عن واقع مجتمعنا ويستمد فكره من أصالة شعبنا وعظمة موروثه الحضاري وعظمة انتمائه الديني وكان له -أي فخامة الرئيس- من خلال هذا الانجاز العظيم أن يضع حداً لحالة الارتهانات السياسية وحالة التجاذبات الفكرية الخارجية التي كانت تستغل ظروف الواقع اليمني وتحاول عبثاً السير به باتجاه تحقيق أهدافها ومآربها التدميرية.
إن قيام المؤتمر الشعبي العام -من خلال فكره الوطني المتمثل في الميثاق الوطني جاء عبر استفتاء شعبي -مثَّل البذرة الأولى للتعددية السياسية في بلادنا حيث كان المؤتمر الشعبي العام حينها يمثل الخيمة الكبرى لمختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية التي أعلنت التزامها بمثل وقيم الميثاق الوطني واستطاعت من خلاله أن تعلن اراءها وتصوراتها بصورة مسئولة وشفافية عالية وفي اطار من الاحساس الكبير بعظمة المسئولية الوطنية التي أُلقيت على عاتقها من خلال وجودها في المؤتمر الشعبي العام بمختلف تكويناته السياسية والفكرية.
هذا الانجاز لا ريب هيأ المزيد من المداميك القوية لعملية الحوار الوطني المسئول والذي وحرص فخامة الرئيس على التمسك به كخيار وحيد لا رجعة عنه من أجل بناء اليمن الجديد والنأي به من كافة المخاطر التي تحدق به أو يجد أعداؤه التاريخيون منافذ للنيل من الثورة اليمنية "سبتمبر وأكتوبر" ولهذا مضى فخامته من خلال المؤتمر الشعبي العام في مسيرة الحوار برؤية أكثر علمية وشفافية تعتمد على الطرح الجريئ والتشخيص العلمي والموضوعي لمختلف القضايا، فكان يزداد الوطن تقدماً صوب تحقيق أهداف الوطن والأمة في الوحدة والديمقراطية واستطاع الرئيس علي عبدالله صالح أن يفتح آفاقاً جديدة ليس على المستويين الاجتماعي والسياسي في المحافظات الشمالية والغربية، وانما على مستوى المحافظات الجنوبية والشرقية، حيث شهدت المسيرة الوحدوية تحولات غير عادية كان أساسها الأول والأخير الرغبة الكاملة في التعبير عن ارادة الأمة عبر الحوار المسئول الذي ارتكز على العديد من الحقائق التاريخية الناصعة التي أمكن لفخامة الرئيس أن يحددها بجدارة عند صياغة الميثاق الوطني.
الحقائق الخمس العظيمة التي دونها في اطار مقدمته.. وهي حقائق انطلق الحوار من وحيها ومن فهم واستيعاب كاملين لعظمة هذا النهج..
وتتمثل في:
الحقيقة الأولى:
إن شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلاّ في ظل الاستقرار والأمن والسلام، ولم يتحقق له ذلك إلاّ في ظل وحدة الأرض والشعب والحكم.
ولم تتحقق له الوحدة إلاّ في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية.
الحقيقة الثانية:
إن كل الأحداث الدامية، عبر تاريخ اليمن الطويل، قد زعزعت كل شيء في حياة الانسان اليمني، إلاّ إيمانه بالله وتمسكه بالعقيدة الاسلامية، هذه الحقيقة تؤكد أن العقيدة الاسلامية هي ضمير شعبنا الذي يستحيل بدونه الاندفاع الى الأمام، وتؤكد أن مجتمعنا اليمني في ظل الشريعة الاسلامية الحقة، قادر على فهم واقعه وتكوين النظرة الواقعية السليمة لحاضره ومستقبله، وضمان الوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الحقيقة الثالثة:
إن التعصب الأعمى لا يثمر إلاّ الشر، وأن محاولات أية فئة متعصبة للقضاء على الآخرين، أو اخضاعهم بالقوة، قد فشلت عبر تاريخ اليمن كله، وأن الاستقرار الجزئي أو الشامل لليمن في ظل حكم يتسلط بالقوة ويتسلط بالدجل والخديعة لا يدوم طويلاً، وغالباً ما ينتهي بكارثة، بعد أن كان نفسه كارثة على الشعب، وأن الحوار الواعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق حياة أفضل للجميع.
الحقيقة الرابعة:
إن مجتمعنا اليمني بدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية غير قادر على تعزيز وحدته، وغير قادر على استغلال ثروته المادية والبشرية وإحداث التطور والتقدم والحفاظ على السيادة الوطنية.
الحقيقة الخامسة:
إن مجتمعنا اليمني، كان ولايزال يؤكد رفضه لأشكال الاستغلال والظلم، مهما كانت أصولها ومصادرها، ويؤكد -في الوقت ذاته- حرصه على الاستقرار والأمن والإيمان.
خلاصة
إذاً وإزاء هذه الحقائق نجد أن فخامة الرئيس مازال حتى اليوم يواصل تحقيق العديد من الانجازات والعطاءات في عهده المبارك ومازال من خلال هذه الحقائق يواصل مسيرة الحوار الوطني المسئول من أجل بناء اليمن الجديد.
وعند نظرتنا للتحديات التي تواجه الوطن اليوم بفعل العديد من التطورات والتي يحاول المأزومون والحاقدون العودة بالوطن الى الوراء والى عهد التشطير، سنجد أن هذه الحقائق الخمس والتي تتسم بها سياسة الرئيس علي عبدالله صالح مازالت تمثل الضمانة الحقيقية للوطن وتمثل بالتالي سنداً قوياً لفخامة الرئيس تؤهل الى المزيد من مواصلة عطاءات عهده في ترسيخ قيم الوحدة والديمقراطية.. وواثقون أن فخامة الرئيس سيواصل بقوة وعنفوان المسيرة الوطنية والوحدوية والولوج بالوطن الى العهد الجديد الذي وعد به وبخُطى واثقة.
وكل ذلك يعكس عظمة الـ17 من يوليو كيوم من أيامنا الوطنية التي كان لها التأثير الايجابي.
كما نقول لكل من عميت قلوبهم وأفئدتهم وفقدوا القدرة على فهم المعطيات الوطنية أن يعيدوا قراءة تاريخ وطنهم بعقلية مهنية حتى يتمكنوا من اعطاء الوطن حقه وللقائد أيضاً كل القيادات الفاعلة والذين أسهموا جميعاً في تحقيق أمانيه وتطلعاته.. ولـ17 من يوليو عهدنا على مواصلة مسيرة الوطن بخطى واثقة نحو المستقبل الأفضل.