الخميس, 28-سبتمبر-2006
حظيت ثاني انتخابات رئاسية ومحلية تجرى في بلادنا بتغطية اعلامية خارجية لم تتوافر لأي انتخابات سابقة سواءً النيابية حيث جرت ثلاث دورات انتخابية منذ قيام الجمهورية اليمنية او الانتخابات الرئاسية‮ ٩٩‬م‮ ‬والمحلية‮ ١٠٠٢‬م‮.. ‬ويمكن‮ ‬ارجاع‮ ‬هذا‮ ‬الاهتمام‮ ‬والتغطية‮ ‬غير‮ ‬المسبوقة‮ ‬لدى‮ ‬وسائل‮ ‬الاعلام‮ ‬العربية‮ ‬او‮ ‬الاجنبية‮ ‬للانتخابات‮ ‬اليمنية‮ ‬الاخيرة‮ ‬الى‮ ‬عدة‮ ‬عوامل‮ ‬تتمثل‮ ‬في‮:‬
١- جدية التنافس التي انطوت عليها هذه الانتخابات وخاصة في مجال منصب رئيس الجمهورية، حيث لم يكن من المألوف في الوطن العربي اجراء انتخابات رئاسية تنافسية حرة ومباشرة على النحو الذي قدمته اليمن والذي كان تنافساً حقيقياً وشفافاً.. وكان للحملات السياسية اثناء فترة الدعاية الانتخابية من قبل المرشحين المتنافسين والتي استمرت ٨٢ يوماً أي الى ما قبل ذهاب الهيئة الناخبة للاقتراع بيوم دور كبير في جذب اهتمام وسائل الاعلام العربية والاجنبية خاصة ان المهرجانات الخطابية الجماهيرية التي كان يقيمها المرشحون للرئاسة في المحافظات‮ ‬كان‮ ‬التلفزيون‮ ‬اليمني‮ ‬يذيعها‮ ‬بما‮ ‬فيها‮ ‬من‮ ‬تجاذبات‮ ‬بين‮ ‬المتنافسين،‮ ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬معهوداً‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬قطر‮ ‬عربي‮.‬
٢- ما تشهده العديد من الدول العربية من حراك ديمقراطي تباينت مستوياته وتجلياته.. وبروز التجربة اليمنية في عملية التحول الديمقراطي بين سائر التجارب العربية على نحو اتسم بالمصداقية والشفافية.. ناهيك عن التطور الذي تشهده عملية التحول الديمقراطي في اليمن.. توسعاً‮ ‬وممارسة‮.. ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬جذب‮ ‬الاهتمام‮ ‬الاعلامي‮ ‬العربي‮ ‬حيث‮ ‬تجلت‮ ‬التغطية‮ ‬ليس‮ ‬فقط‮ ‬في‮ ‬ابراز‮ ‬التجربة‮ ‬اليمنية‮.. ‬ولكن‮ ‬ايضاً‮ ‬في‮ ‬القاء‮ ‬الضوء‮ ‬على‮ ‬تجارب‮ ‬الدول‮ ‬العربية‮ ‬والمقارنة‮ ‬فيما‮ ‬بينها‮.‬
٣- ما حققته اليمن من تحولات شتى سواءً على صعيد التنمية السياسية او الاقتصادية أو الاجتماعية.. او ما تتبناه من سياسات على المستويين الداخلي والخارجي.. فضلاً عن مواقفها ازاء القضايا العربية والاقليمية والدولية.. ناهيك عن الاهمية الجيويولتيكية الذي يشكله موقع‮ ‬اليمن‮ ‬وتوظيف‮ ‬اليمن‮ ‬لهذه‮ ‬الاهمية‮.‬
٤- التطور الكبير الذي شهدته وسائل الاعلام الدولية والعربية تقنية وانفتاحاً اسهم في تسابق هذه الوسائل على أن يكون لها حضور في تغطية انتخابات ٦٠٠٢م اليمنية.. الى جانب ان الانفتاح السياسي الذي تعيشه اليمن حيث لا توجد أي قيود تحول بين وسائل الاعلام وحرية التغطية‮ ‬ادى‮ ‬الى‮ ‬أن‮ ‬تأتي‮ ‬وسائل‮ ‬الاعلام‮ ‬العربية‮ ‬والدولية‮ ‬ذات‮ ‬المكانة‮ ‬القيادية‮ ‬الى‮ ‬اليمن‮ ‬لتغطية‮ ‬الانتخابات‮.‬
كتابات‮ ‬عربية
> والى جانب التغطية الحية من قبل الاعلام العربي والدولي.. استحوذت الانتخابات اليمنية على اهتمامات الكثير من كتاب المقالات والاعمدة الصحفية.. وهي كتابات كثيرة في العديد من الصحف العربية.. نقف على جانب مما نشر أمس.. ففي مقال تحت عنوان »الشعب اليمني العريق يطرق‮ ‬باب‮ ‬الديمقراطية‮« ‬للدكتور‮ ‬محمد‮ ‬صالح‮ ‬المسفر‮ ‬في‮ ‬صحيفة‮ »‬القدس‮ ‬العربي‮« ‬التي‮ ‬تصدر‮ ‬في‮ ‬لندن‮ ‬نقطتف‮ ‬منه‮ ‬ما‮ ‬يلي‮:‬
يكتب التاريخ العربي في اليمن صفحات مشرفة نحو محاولات الانتقال من مجتمع القبيلة الي مجتمع الدولة، الانتقال من الفردية الي التعددية، الانتقال من حكم التوارث للنظام السياسي الي حكم الناخب الذي يحدد من يريد ان يحكمه، انه الشعب اليمني العريق الذي يسير بخطوات سريعة‮ ‬نحو‮ ‬ولوج‮ ‬عصر‮ ‬الديمقراطية‮.‬
لا تهمني نتائج الانتخابات الأخيرة التي أعلنت فوز الرئيس علي عبد الله صالح لفترة حكم أخرى مدتها سبع سنوات، ولن تستوقفني النسب التي حصل عليها المرشحون (الرئيس علي عبد الله صالح 77٪ والمهندس فيصل شملان أكثر من 21٪ وآخرون بنسب لا تذكر) الذي يهمني أن الشعب اليمني بكل أطيافه القبلية، رجالا ونساء خرجوا من قراهم المتناثرة في بطون الأودية وفي قمم الجبال ليقفوا في طوابير منتظمة واحدا خلف الآخر ليقولوا من يحكمهم لسبع سنوات قادمة، وقالت الأغلبية كلمتها عبر تصويت سري انها تريد استمرار الرئيس علي عبد الله صالح علي قمة هرم‮ ‬السلطة‮.‬
لقد‮ ‬حصل‮ ‬علي‮ ‬عبدالله‮ ‬صالح‮ ‬على‮ ‬موافقة‮ ‬ما‮ ‬يزيد‮ ‬عن‮ ‬اربعة‮ ‬ملايين‮ ‬ناخب‮ ‬لاستمراره‮ ‬في‮ ‬الحكم‮..‬
‮> ‬وفي‮ ‬مقال‮ ‬للدكتور‮ ‬محمد‮ ‬الرميحي‮ ‬في‮ ‬صحيفة‮ »‬البيان‮« ‬الاماراتية‮.. ‬جاء‮ ‬فيه‮:‬
للإنصاف فان الرئيس علي عبد الله صالح قد أعلن منذ أكثر من عام انه غير راغب في التجديد ودعا الجماهير اليمنية أن تقرر ما تريد ومن تريد للرئاسة، إلا أن تلك الجماهير كما نعلم جميعا قد أبت إلا أن تطالب وبإلحاح عودة الرئيس عن قراره »غير الديمقراطي« لان من يحق له أن‮ ‬يقرر‮ ‬من‮ ‬يحكم‮ ‬هو‮ ‬الشعب‮ ‬اليمني‮ ‬ومن‮ ‬يقرر‮ ‬كفاءة‮ ‬الإدارة‮ ‬هو‮ ‬الشعب‮ ‬نفسه‮ ‬ولا‮ ‬غيره‮. ‬
كان الرهان على من سينال ثقة الشعب في هذه الانتخابات، هل هو الرئيس أم مرشح آخر، وخسر من راهن على غير الرئيس.إلا أن الأمر له وجهة نظر أخرى،دبلوماسي يمني التقيت به في أوروبا قبل أسابيع، ناقش المسألة من زاوية أخرى قد تغيب عن البعض، قال إن الجيد والجديد في الانتخابات‮ ‬الرئاسية‮ ‬اليمنية‮ ‬المقبلة‮ (‬قبل‮ ‬أن‮ ‬تقع‮) ‬هي‮ ‬إنها‮ ‬تنافسية،‮ ‬وهناك‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬مرشح‮ ‬يطوف‮ ‬على‮ ‬الناس‮ ‬ويحضر‮ ‬اللقاءات‮ ‬الانتخابية‮ ‬الجماهيرية‮. ‬
وينتقد القائم من السياسات، وهي ظاهرة صحية بكل معنى من المعاني في فضائنا العربي المقفر من هذه المظاهر، وقد وافقته على أن الظاهرة صحية، إلا أن الخلاف حول ماذا تقود إليه،هل إلى تنافس حقيقي، أم إلى تكريس عزل شريحة من الشعب وربما تشاؤمهم من التغير الحقيقي الذي له‮ ‬معنى؟‮ ‬
ويمضي‮ ‬الى‮ ‬القول‮ ‬إن‮:‬
اليمن بلاد لا يسهل حكمها، وبقاء الرئيس علي عبد الله صالح طوال هذه الفترة الزمنية التي قاربت ثلث قرن في الحكم، يحسب له لا عليه، فاليمن بلاد فقيرة نسبيا فيها الصراع القبلي والمناطقي على أشده، بلاد جبلية شاهقة وسهول عريضة، يختفي فيها أن أردت حتى الشيطان ! وهي‮ ‬لسنوات‮ ‬خلت،‮ ‬بلاد‮ ‬متخلفة‮ ‬بالمعنى‮ ‬الحقيقي‮ ‬للتخلف،‮ ‬ومنقسمة‮ ‬على‮ ‬نفسها،‮ ‬فهي‮ ‬تنافي‮ ‬بمعطياتها‮ ‬الاستقرار‮ ‬الذي‮ ‬حققه‮ ‬علي‮ ‬عبد‮ ‬الله‮ ‬صالح‮. ‬
فالانجاز اليمني في الزمن الذي انقضى ليس سهلا أو ميسورا، ولا بد أن الرئيس علي عبد الله صالح له من القدرات الشخصية والذكاء ما قدر به أن يمخر عباب البحر السياسي اليمني المتقلب بقدرة مشهودة.
‮> ‬وجاء‮ ‬في‮ ‬مقال‮ ‬للدكتور‮ ‬محمد‮ ‬لطف‮ ‬الحميري‮ ‬في‮ ‬صحيفة‮ »‬الشرق‮« ‬القطرية‮ ‬حول‮ ‬الانتخابات‮ ‬الرئاسية‮ ‬والمحلية‮ ‬بعنوان‮ »‬نجح‮ ‬اليمن‮« ‬ما‮ ‬يلي‮:‬
أن المفاجأة الحقيقية التي صنعها اليمنيون تلك اللوحة الديمقراطية البديعة المزينة بوعي الإنسان وقدرته على استعادة زمام المبادرة في رسم ملامح مستقبل وطنه، والمزوقة أيضا بالملايين المحتشدة من الجنسين في مهرجانات مرشحي الرئاسة طيلت أربعة وعشرين يوما، والطوابير الطويلة أمام مكاتب الاقتراع دون أن يسجل المراقبون حدثا يسيئ إلى جمال اللوحة وصانعيها، ذلك أن اليمني اختار سبيل التداول السلمي للسلطة ديمقراطيا لأنه الطريق المأمون نحو بناء الدولة وسلطتها المنبثقة من الشعب وإلى الشعب، وترجع قناعة الأخذ بهذا الخيار ربما إلى الرغبة‮ ‬الجامحة‮ ‬في‮ ‬طي‮ ‬صفحة‮ ‬التاريخ‮ ‬اليمني‮ ‬المظلم‮ ‬لمرحلة‮ ‬ماقبل‮ ‬الوحدة‮ ‬اليمنية‮ ‬والتي‮ ‬شهدت‮ ‬تعاقب‮ ‬عشرة‮ ‬رؤساء‮ ‬أتت‮ ‬بهم‮ ‬الدبابات‮ ‬والمؤامرات‮ ‬وتوزعتهم‮ ‬بعد‮ ‬ذلك‮ ‬المقابر‮ ‬والمنافي‮.‬
هذه‮ ‬الانتخابات‮ ‬تختلف‮ ‬في‮ ‬نقاط‮ ‬عدة‮ ‬عن‮ ‬سابقتها‮ ‬التي‮ ‬جرت‮ ‬في‮ ‬1999م،‮ ‬وربما‮ ‬تختلف‮ ‬كذلك‮ ‬عن‮ ‬كثير‮ ‬من‮ ‬التجارب‮ ‬في‮ ‬البلدان‮ ‬التي‮ ‬توصف‮ ‬بالديمقراطيات‮ ‬الناشئة‮ ‬ومن‮ ‬أهم‮ ‬نقاط‮ ‬التميز‮: ‬
‮- ‬أنها‮ ‬شهدت‮ ‬منافسة‮ ‬حقيقية‮ ‬على‮ ‬كرسي‮ ‬رئاسة‮ ‬البلاد‮ ‬الذي‮ ‬طالما‮ ‬أحيط‮ ‬بهالات‮ ‬القداسة‮.‬
- أنها شهدت تكتل خمسة أحزاب معارضة ذات توجهات أيديولوجية متابينة، توزعت بين إسلامية سنية وإسلامية زيدية شيعية واشتراكية وقومية، لكن ما جعلها تقف بشراسة في وجه الحزب الحاكم هو رغبتها في التغيير واتفاقها على برنامج للإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل، وهي تجربة‮ ‬رائدة‮ ‬قد‮ ‬تكون‮ ‬فريدة‮ ‬في‮ ‬الساحة‮ ‬السياسية‮ ‬العربية‮ ‬التي‮ ‬اعتادت‮ ‬على‮ ‬أن‮ ‬تقوم‮ ‬السلطة‮ ‬بتفريخ‮ ‬منافسيها‮ ‬لتجميل‮ ‬المشهد‮ ‬الديموقراطي‮ ‬الكاريكاتوري‮. ‬
- اللجنة العليا للانتخابات التي أشرفت على تنظيم عملية الانتخابات الرئاسية والمحلية شكلت بأسلوب متميز، إذ أن هذه اللجنة تتشكل عادة في كثير من الدول من موظفي الإدارة العامة بينما سعت الحكومة اليمنية إلى إشراك كل أطراف اللعبة الديمقراطية في تكوين هيكل هذه اللجنة من أعلى مستوياتها إلى أدناها حيث بلغ ممثلو الحزب الحاكم فيها نسبة 54٪ بينما بلغ ممثلو تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض نسبة 46٪ الأمر الذي أعطى قدرا عاليا من المصداقية والشفافية لكل إجراءات العملية الانتخابية رغم بعض التحفظات التي أبدتها المعارضة على النتائج‮ ‬النهائية‮ ‬وهو‮ ‬أمر‮ ‬طبيعي‮ ‬يحدث‮ ‬في‮ ‬أرقى‮ ‬الديمقراطيات،‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬ماشاب‮ ‬هذه‮ ‬العملية‮ ‬من‮ ‬حوادث‮ ‬لاتعدو‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬انفعالات‮ ‬فردية‮ ‬لاتمثل‮ ‬فعلا‮ ‬جماعيا‮ ‬مبرمجا‮ ‬للتأثير‮ ‬في‮ ‬نزاهة‮ ‬الانتخابات‮. ‬
نجح اليمن إذن في السير خطوات على طريق الديمقراطية والمشاركة السياسية وهو نجاح يبدو أنه أشعر الأمريكيين بنوع من التفاؤل خاصة مع توالي النكسات المتتالية للمشروع الأمريكي "لدمقرطة" المنطقة الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي يصف اليمن من على منصة الأمم المتحدة أثناء جلسات الدورة الحادية والستين بأنها: "الدولة التي تجري فيها انتخابات ديموقراطية في إطار التعددية السياسية" ويقول في تعليق آخر: »الديمقراطية اليمنية رائعة وسندعمها، لكن اليمنيين لايهمهم كلام بوش أو حتى ما يقوله كل ساسة العالم، ما يهمهم هو تحسن أوضاعهم المعيشية‮ ‬الضنكاء‮ ‬التي‮ ‬دفعتهم‮ ‬نحو‮ ‬صناديق‮ ‬رأوا‮ ‬فيها‮ ‬بارقة‮ ‬أمل‮ ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬يجعل‮ ‬مهمة‮ ‬الرئيس‮ ‬الفائز‮ ‬صعبة‮ ‬إذ‮ ‬أن‮ ‬الجميع‮ ‬ينتظرون‮ ‬بلهفة‮ ‬تحقق‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬وعد‮ ‬به‮ ‬الزعيم‮ ‬أثناء‮ ‬الحملة‮ ‬الانتخابية‮«.‬
‮> > >‬
وتحت‮ ‬عنوان‮ »‬اليمن‮ ‬وتحديات‮ ‬مرحلة‮ ‬ما‮ ‬بعد‮ ‬الانتخابات‮«.. ‬كتب‮ ‬خيرالله‮ ‬خيرالله‮ ‬في‮ ‬صحيفة‮ »‬المستقبل‮« ‬اللبنانية‮ ‬نشر‮ ‬في‮ ‬عددها‮ ‬الصادر‮ ‬يوم‮ ‬الاثنين‮ ‬الماضي‮.. ‬ما‮ ‬يلي‮:‬
> مرّ اليمن في تجربة سياسية مهمّة، ذلك أنّ ما شهده في العشرين من أيلول 2006 لم يكن مجرّد انتخابات رئيسية تعتبر الأولى من نوعها في البلد من ناحية التنافس الحاد بين برامج مختلفة وقوى سياسية مختلفة.. ما شهده البلد في ذلك اليوم كان تأسيساً لمرحلة سياسية جديدة تندرج‮ ‬في‮ ‬السياق‮ ‬الطبيعي‮ ‬للتطور‮ ‬الذي‮ ‬يشهده‮ ‬اليمن‮ ‬منذ‮ ‬استعادته‮ ‬وحدته‮ ‬في‮ ‬الثاني‮ ‬والعشرين‮ ‬من‮ ‬أيّار‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬1990‮.‬
إنها انتخابات تأسيسية لمرحلة جديدة في اليمن، مرحلة تكريس التجربة الديموقراطية التي تقود لاحقاً إلى التداول السلمي للسلطة.. ولهذا السبب، لم تكن الانتخابات الرئاسية مثل غيرها من الانتخابات بمقدار ما أنّها كانت بداية لمرحلة هي نتيجة طبيعية للمراحل التي سبقتها ونتاج لها.. وبلغة أخرى، كانت الانتخابات الرئاسية التي شهدت تنافساً لا سابق له في المنطقة العربية مؤشراً الى مدى تعلّق اليمن بالديموقراطية من منطلق أن الديموقراطية والوحدة توأمان لا يمكن الفصل بينهما.. نعم، يمكن القول بكل صراحة وبلغة مباشرة أن المكان الوحيد في العالم العربي الذي تجرى فيه انتخابات رئاسية حرّة هو اليمن.. حتى في لبنان الذي يعتبر ديموقراطية عريقة، لا يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية ذات طابع ديموقراطي مئة في المئة، نظراً إلى أن البرلمان وليس الشعب هو الذي ينتخب الرئيس في لبنان.. وفي معظم الأحيان،‮ ‬هناك‮ ‬ظروف‮ ‬إقليمية‮ ‬ودولية‮ ‬تفرض‮ ‬على‮ ‬النوّاب‮ ‬اللبنانيين‮ ‬انتخاب‮ ‬رئيس‮ ‬معيّن‮ ‬أو‮ ‬التمديد‮ ‬له‮ ‬كما‮ ‬حصل‮ ‬أخيراً‮ ‬بما‮ ‬يخالف‮ ‬الأرادة‮ ‬الحرّة‮ ‬للبنانيين
أبعد من تجربة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما يمكن قوله هو أنّ هذه الانتخابات كانت دليلاً على أن لا تراجع عن الديموقراطية في البلد وأنّ اليمن مقبلة على تطورات مهمة بعدما اكتشف كلّ حزب أن في استطاعته الوصول إلى الرئاسة، عبر مرشّحه، متى قدّم برنامجاً يقبل به‮ ‬الشعب‮ ‬ويقتنع‮ ‬به‮ ‬الشعب‮ ‬ويجد‮ ‬فيه‮ ‬الشعب‮ ‬أنّه‮ ‬يحقق‮ ‬له‮ ‬طموحاته‮ ‬وآماله‮.. ‬
منذ تحقيق الوحدة اليمنية، جرت ثلاث تجارب انتخابية على المستوى التشريعي.. وربّما كانت انتخابات العام 1997 الأهمّ بين التجارب الثلاث، ذلك أنها جرت بعد حرب الانفصال صيف العام 1994، وكانت دليلاً ساطعاً على أن لا رغبة في العودة عن التجربة الديموقراطية في أي شكل من الأشكال وأن اليمن الموحد بلد ديموقراطي قبل أي شيء آخر.. كان إجراء هذه الانتخابات على الرغم من وجود منتصر ومهزوم في الحرب التي فشلت في شرذمة اليمن، دليلاً على أن القرار اليمني واضح وهو أنّ لا عودة عن تجربة الديموقراطية ولا عودة عن تجربة التعددية الحزبية‮ ‬ولا‮ ‬عودة‮ ‬إلى‮ ‬نظام‮ ‬شمولي‮ ‬على‮ ‬غرار‮ ‬ما‮ ‬كانت‮ ‬عليه‮ ‬الحال‮ ‬في‮ ‬الشطر‮ ‬الجنوبي‮ ‬من‮ ‬البلد‮ ‬قبل‮ ‬الوحدة‮.. ‬
ما يبدو مطلوباً الآن هو إثبات أن لا عودة إلى خلف وأن التجربة الديموقراطية مستمرة في التطور وأن اليمن كلّه اعتمد هذه التجربة وأنّه قادر على التكيف معها نظراً إلى أنّه يتطلع إلى المستقبل وليس إلى الماضي.. إن اليمن يرفض بكل بساطة أن يكون أسير الماضي وعقده.. إنه يتطلع إلى الأمام ، إلى اليوم الذي لا تعود فيه مشكلة في أن يتسلّم أي شخص من أي حزب كان الرئاسة شرط أن يحظى هذا الشخص بالثقة الشعبية عبر انتخابات حرّة ونزيهة كما حصل يوم العشرين من أيلول الجاري.
اليمن إلى أين؟ إلى مزيد من الديموقراطية وإلى مزيد من التنافس بين البرامج التي تطرحها الأحزاب.. وما لا بدّ من الاشارة إليه هنا هو أن اليمنيين جدّدوا ثقتهم بعلي عبدالله صالح لأنّ لديه برنامجاً واضحاً يحدد فيه ما الذي سيفعله في المستقبل.. إنّه برنامج واقعي أوّلاً وأخيراً يرفض خضوع البلد للإرهاب والغوغاء ولأي نفوذ خارجي مهما كان هذا النفوذ قويّاً.. وكان السبب الأول لخسارة منافسيه تلك الغوغائية التي اعتمدوها.. وبكلام أوضح، إن الشعب اليمني يعرف جيّداً من هو الصادق ومن هو غير الصادق.. يعرف جيّداً أن للانتهازية حدوداً وأن لا شيء يجمع بين الحزب الاشتراكي والتجمّع اليمني للإصلاح من حيث المبدأ.. الأكيد أن العداء لشخص الرئيس ليس سبباً كافياً للالتقاء حول برنامج لا علاقة له بالواقع بمقدار ما أنّه محاولة لبيع الأوهام والأحلام.
في القرن الحادي والعشرين لا مكان لا للأوهام ولا للأحلام.. هناك لغة الأرقام التي تتكلّم وقد فاز من اعتمد هذه اللغة التي يفهمها الشعب.. هذا الشعب الراغب في أن يكون لديه مستقبل أفضل يستند إلى ما تحقق في السنوات الأخيرة على كلّ الصعد بدءاً بالطرقات وانتهاء بالمدارس والسدود.. الشعب اليمني ليس غبيّاً إنه يفرّق بين من وضع نفسه في خدمته وبين من يحاول المتاجرة به.. لا يعني ذلك أن في استطاعة الرئيس تفادي المشاكل الحقيقية التي يعاني منها البلد وفي مقدّمها الفساد والانفجار السكّاني والتنمية والبرامج التعليمية التي لا مفرّ من تطويرها.. إنها تحديات حقيقية للمرحلة المقبلة لا بدّ لدول الجوار من مساعدة اليمن في مواجهتها.. في النهاية، إن كل دول شبه الجزيرة العربية في مركب واحد.. والأكيد أن أمن اليمن بكل ما تعني كلمة الأمن من أبعاد جزء لا يتجزّأ من أمنها والعكس صحيح أيضاً.


تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 12:22 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1097.htm