عبدالملك الفهيدي -
الدعوة التي أطلقها الرئيس -في مقاله الافتتاحي لصحيفة الثورة الجمعة- إلى التصالح والتسامح والحوار تحتاج إلى أكثر من وقفه، وأكثر من قراءة ، وتتطلب التمعن فيها بذات الرؤية السياسية الحكيمة التي كتبت بها، وبنفس النفس التسامحي الذي يحمله صاحب الدعوة.
وإذا كان من المهم القول إن مضامين المقالة الرئاسية تعكس في جوهرها الحكمة القيادية للرئيس، وتكشف عمق رؤيته السياسية لما يعتمل في الوطن من أحداث -بإيجابياتها وسلبياتها- وتظهر صوابية الفكر الرئاسي الحريص على استشراف مستقبل البلد، إلا أن الأهم -في نظري- ما تضمنته تلك الدعوة –الرؤية- الرئاسية من تشديد على أهمية " تفويت الفرصة على تجار السياسة والحروب وأصحاب النفوس المتعطشة لمشاهد الدم والدمار".
إن التمعن الصادق في مجمل مضامين حديث الرئيس وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها بالدعوة لأطياف العمل السياسي في البلد لتفويت الفرصة على تجار الحروب من تحقيق مآربهم ونزعاتهم الشيطانية العدوانية، لا تعكس الحكمة السياسية المعروفة عن الرئيس فحسب، بل وتظهر رؤيته وفكره وتقيميه للأمور بنظرة الإنسان المحب لبلده.. وعقلية القائد الحريص على وطنه .. ونفسية السياسي الوفي لجماهير شعبه.. وتسامح الزعيم المتجاوز لعثرات خصومه قبل أصدقائه.. وعظمة الكبير الذي تصغر في عينه العظائم.. وقبل ذلك كله تعكس حب القلب الأبوي المهموم بمستقبل أبنائه.. كل أبنائه الذين يفوق عددهم 22 مليون شخص على امتداد الرقعة الجغرافية ليمن الثاني والعشرين من مايو .
ولا نبالغ قولاً أن لا أحداً يجاري الرئيس حنكة وحكمة في السياسية، ولا سعة قلب وتسامح مع الجميع خصوماً كانوا أو غير خصوم، ولا وفاءاً لدماء الشهداء والمناضلين، ولا حباً وإخلاصاً للوطن..
وإذا كان الرجل ترك مسألة التقييم والحديث عن إنجازاته، وما حققه للوطن للتاريخ وكتابه- وهي بلا شك إنجازات وشواهد سيسطرها التاريخ بأحرف من نور- فإنه بذلك لم يكن إلا يستحث فينا روح التفكير بالمستقبل.. ونزعة الهم الوطني الذي يستلزم منا التجاوب الصادق مع دعوته تلك، والتعاطي معها من منظور يغلب مصلحة اليمن الواحد على كل مصالحنا أكانت بنفس النزعات الشخصية، أو بمنطق المصالح الحزبية، أو بفكر العقلية السياسية الضيقة.
وبعبارة أخرى، لابد أن نضع نصب أعيننا أهمية التعاطي مع جوهر ذلك الطرح، والمبادرة إلى الاستجابة لمكنون ما حملته دعوة الرئيس للجميع من النظر إلى الأمام وإعمال مفاهيم ومبادئ التسامح والتصالح والحوار والتفاهم القائم على مناقشة مختلف قضايا الوطن تحت سقف الثوابت الوطنية، التي تعطي للجميع حرية الفكر والتعبير ونقد الأخطاء والسلبيات، واقتراح المعالجات الانجح دون شطط أو نزق، أو تجاوز لثوابت الوطن، وفي مقدمها نظامه الجمهوري، ووحدته الوطنية ونهجه الديمقراطي التعددي، ونصوص دستوره وقوانينه النافذة.
إن دعوة الرئيس للتصالح والتسامح والحوار لا تعني أن يتفق الجميع وتتماهى رؤاهم وأفكارهم على كافة قضايا الوطن، ولا تعني أن يختلف الجميع على كل التحديات التي تجابه الوطن أيضاً، لكنها تعني أن نتفق حيثما يجب أن نتفق، وأن تتباين رؤانا وأفكارنا ومقترحات ووسائل المعالجات للأحداث والقضايا ما دام ذلك التوافق، أو تلك التباينات تصب في إطار تحقيق مصالح الوطن، ومحصورة في نطاق خدمة أبنائه، ومستظلة بسقف ثوابته الوطنية.
والخلاصة..انه إذا كان المسؤول الأول عن حاضرنا ومستقبلنا جميعاً في هذا الوطن يجدد ويكرر دعوته لنا جميعاً لمناقشة واقعنا والتفاهم والحوار على الرؤى الأنجع والأفضل لمستقبلنا بهذا الحرص، وبتلك الحكمة.. فلماذا لا نجاري دعوته بذات الحرص-إن لم يكن واجباً أن نجاريها بحرص أكبر، وحكمة أوسع.