كتب/أمين الوائلي - لايزال الوقت مبكراً لقراءة متأنية واستقصاء منهجي وتحليل لدلالات ومؤشرات النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية والمحلية.. وتحتاج المسألة الى بعض الوقت والحصول على معلومات كاملة ونهائية معززة بالأرقام والنسب والاحصاءات وتوزيعها على المحافظات والمراكز والدوائر المحلية.. لأن السقوط المدوي الذي فازت به احزاب المشترك وخصوصاً الاصلاح والاخوان المسلمين تحديداً، ليس حدثاً عابراً بل تحولاً جذرياً عميقاً له ما بعده، ومع ذلك لابد من قراءات أولية في تفاصيل ما حدث..
> أظهرت نتائج الاقتراع ومؤشراتها العامة قدراً كبيراً من الموضوعية التي كان أشار اليها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في كل مهرجاناته الانتخابية.. حيث اكد مراراً وتكراراً ان مؤيدية ليسوا فقط هم اعضاء المؤتمر الشعبي العام وانصاره في الساحة.. وانه لم يكن مرشح حزب فحسب بل مرشح اجماع وطني.
وهذا ما أكدته تماماً شواهد الاقتراع ونتائج الفرز في كل محافظة ومدينة ومديرية.. فالأغلبية المطلقة التي حصل عليها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح هي الوجه الحقيقي للاجماع الشعبي.. والذي كان معادلاً للثقة المطلقة ومواكباً لها في آن واحد.
الاجماع.. شيء من التفاصيل
> علاوة على ذلك أبانت الموشرات الأولية للنتائج جانباً مهماً وحيوياً في الاستحقاق الديمقراطي باعتبار الخارطة الحزبية والسياسية.. اذ لم يقتصر الاجماع في صيغته الانتخابية على الهيئة الشعبية الناخبة والتي تمثل الاغلبية المطلقة قياساً الى الرقم الذي تشكله الهيئة الحزبية الناخبة او الناخبين الذي يلتزمون بانتماء الى أحد الاحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة »سلطة او معارضة«، وحتى هنا لم يكن الاجماع غائباً أو متراخياً بل سجل الاقتراع حالة نموذجية من الاجماع الشعبي الذي دلت عليه النتائج العامة، يرافقها اجماع آخر، او حالة نموذجية -مواكبة للأولى ومترافقة معها- من الاجماع الحزبي في التصويت لخيار الرئيس علي عبدالله صالح مرشح المؤتمر الشعبي العام رسمياً على الأقل، ومرشح الاجماع الشعبي والحزبي بصورة فعلية، وقد تجسد ذلك في النتيجة النهائية التي ذهبت الى تأكيد القيمة الوطنية لشخص الرئيس علي عبدالله صالح من جهة.. ومن جهة ثانية أكدت الرمزية الفاعلة والحاسمة التي تمثلها قيادة الرئيس وشخصيته الكاريزمية، حيث عمد الاقتراع ونتائجه القيمة الوسطية للرئيس علي عبدالله صالح باعتباره رمزاً للوسطية في كل شيء.. في السياسة والادارة والقيادة والعلاقة مع الآخرين، بل وفي التقريب بين الفرقاء السياسيين والحزبيين في الساحة واولهم الحلفاء الخمسة في التكتل المشترك المعارض.
فهم انما استمدوا طاقاتهم وامكانات عملهم بالصورة التوافقية المعلنة.. لا لشيء إلاّ لأنهم اتيح لهم امتياز نادر وأكثر من شرفي بأن يلتقوا حول مركز الرئيس علي عبدالله صالح بشخصيته الكاريزمية ورمزيته الوطنية والتاريخية والشعبية.. وسواءً بعد ذلك عارضوه أم وافقوه.. فهذا شيء آخر، طالما والمهم انهم استمدوا منه قيمة عملهم وتحالفهم.. فلو كان شخصاً آخر او اية اعتبارية اخرى جعلتهم يلتقون لما شهدنا لهم ميزة غير عادية، ولما امكنهم التقدم خطوتين بتحالفهم الذي تنهشه التناقضات والتباينات.
ولكن المشترك كان كذلك لأنه لم يستمد قيمته منه بل من الجهة التي يتكتل ضدها.. وقد قيل انك اذا اردت ان تبدو كبيراً فقارع الكبار لأنك حينها تحتمي بهم وتدور في فلكهم.
الناخب عقل
> اذا كان الناخبون الحزبيون يدركون -في الغالب- السمة الانتهازية التي ميزت التقاء الاحزاب الخمسة وتكتلها، فإنهم ايضاً يدركون اكثر من ذلك ان المنطقة الوسط تظل شاغرة دائماً في حالة النقائض.. وان الحاجة ليست الى ترجيح كفة واحدة من الخمسة.. لأنه مهما قيل عن الشراكة في الترشيح وتسمية ممثل واحد يدعمه الفرقاء الخمسة إلاّ أن كل الدلائل تشير الى استحواذية نقيض بعينه وطرف واحد فقـــــط فيما الأربعة الباقون مجرد تبع ضعيف وفريسة اضطرتها الظروف وسوء التقدير والتدبير الى ان تسلم نفسها، ورضيت بدور المحلل الذي يهز رأسه قبل حتى أن يسمع او يفهم ما سيقال.
> وبالتالي كان على الناخب الحزبي ان يصطف مع الحاجة لا مع الشعار، وان يختار عقله لا عقال الحزب وقيد الخطابات التلفيقية.. طالما وهو قادر على التمييز بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة، وطالما يدرك أن الذي يراه ويسمعه انما هو نواح تمثيلي يؤديه الممثلون الخمسة لحساب واحد منهم ليس أكثر.
> كان الناخب الحزبي أكثر ذكاءً ومصداقية وهو يقترع للمستقبل بعيداًعن وصاية الأحزاب وآلتها الدعائية التي تزرع الزيـــــف وتــــــزيف وعي الشارع.. وحين صار الناخب حــــــراً ولوحده، تحرر فعلياً من وصاية النقائض وتسلط الخطاب المأزوم المهزوم، وأمكنـــــه بسهــولة ويسر أن يقرر ارادته ويجعلها نافذة بالاقتراع لخيار الوسطية الفاضلة.. ولهذا قلنا ان الاجماع الشعبي لم يكن لوحدة -رغم كونه الأكبر والأهم- بل ايضاً رافقه اجماع حزبي لافت ومؤثر ايضاً -لو لم يكن مؤثراً في النتيجة العامة فهو مؤثر على الأقل سياسياِ ومعنوياً.
> هكذا اصطف الناخبون خلف مرشح الاجماع الوطني.. اختاروا أسلم الطرق وأضمن الخيارات وأوثقها صلة بالواقع والحاجة والقدرة على التنفيذ البرامجي واتباع القول العمل.
دائمــــاً ما شدد الرئيس علي عبدالله صالح ان العنــــاصر الشـــريفة والوطنية في أحــــزاب الاشتراكي والاصلاح والمشتــــرك عمـــــوماً ســوف تقف مع مرشــــح المؤتمـــر ومرشح الاجماع الوطني.. واليوم ندرك كم كان حكيماً في قراءته.
|