الميثاق نت - د/عادل الشجاع

الخميس, 23-يوليو-2009
د/عادل الشجاع -
لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد من الإخفاق؟ ولماذا يسعى الجميع نحو الكارثة الأكبر؟ ولماذا يسعى الجميع نحو ربح المصالح الشخصية وخسارة الوطن؟
لست بالطبع أنكر أن الأحزاب السياسية جميعها اقترفت سلسلة من الأخطاء الكبيرة التي ساعدت في تفتيت عضد الدولة وتكسير هيبتها وأعتقد أن الحوار المرتقب بين المؤتمر والمشترك لا بد أن يخلص أولاً وقبل أي شيء إلى أهمية استعادة الدولة وهيبتها، فعامة الناس وهم المتضررون الأكبر من حالة غياب هيبة الدولة ينتظرون من هذا الحوار أن يصل إلى هدف مشترك هو بناء الدولة.
ولست بحاجة للقول إننا بحاجة إلى إزالة الحدود الفاصلة بين السلطة والدولة، لأن غياب الدولة يجعل السلطات تتعدد وهذا ما هو حاصل حيث أن الخروج على الدولة يتكرر في بعض المناطق، فكل طرف من هذه الأطراف يمثل سلطة خارجة على السلطة المركزية ويسعى إلى ضرب القانون أو تسييره لصالحه، هذه السلطات المتعددة تولدت نتيجة لغياب القانون وغياب المعايير الموحدة تجاه القضايا المتماثلة والأحكام التي تصدر ولا تنفذ على حد رأي الأخ عبدالله الصعفاني - تخدش وجه العدالة - وتضر بهيبة الدولة .. وتسمح للقوة الشخصية والنفوذ الجهوي أو الفردي بأخذ المكان المخصص للحق والقانون، فغياب القانون ساعد على هذا التناسل الغريب والتكرار الدائري للسلطات المتعددة ومن ثم محاولة الإفلات من دائرة تأسيس الدولة، فكل سلطة من هذه السلطات المتنصلة من القانون تستخدم القوة والعنف كاولوية لزومية وشرط أساس لتسلق فرد أو عائلة أو سلالة لمركز إصدار الأوامر، أو بعبارة أخرى أصبحت الشرعية هي القوة في شكل مغاير للمفهوم المتعارف عليه للدولة.
إن مفهوم الدولة يختلف عن مفهوم السلطة، فإذا ما عدنا إلى اللغة العربية سنجد أن جذرها اللغوي قد حدد مفهوم السلطة بالغلبة والقهر والقوة، أما الجذر اللغوي للدولة فيعني التداول السلمي .
إن الدولة بمفهومها السياسي والديمقراطي تعني مؤسسة عليا فوق الجميع وتختزل الجميع من أجل الجميع وهي ملك للجميع.
وهي بذلك تتجاوز وتتعالى على مراكز القوى وشرعية القوة وتؤكد على حضور سيادة الشعب.
وعندما نتتبع مكونات السلطة ومركباتها نجد أنها عبارة عن حزب يختزل بعشيرة، تختزل العشيرة بالعائلة والعائلة بالفرد.
إن أحداث حبيل جبر وصعدة واختطاف رجل الأعمال «الخامري» وصلاح الجلال، رئيس تحرير صحيفة 17 يوليو، وقطع الطريق هنا أو هناك بكل تجليات ما ذكرنا وإفرازاته تعد لحظات مجنونة وانفصامية للوجدان اليمني لا يتحمل تبعاتها الأخلاقية والقيمية الضمير الشعبي اليمني وإنما تتحمل تبعاته هذه السلطات المتعددة الخارجة على القانون.
والآن وبعد سنوات من العنف ومارافقها من تداعيات على كل المستويات تطرح وبقوة إعادة بناء الدولة وترسيخ هيبتها كمرتكز أساسي للملمة الانفلات، بل أن ذلك هو المنقذ الواقعي للتردي الذي أصاب خارطة الوطن.
لا بد من وضع الحدود بين مفهوم الدولة والسلطة لكي نصبح أمام رؤية حقيقية لما نحاول أن نبنيه لكي يكون منفذا لنا ولكي نخرج من إشكاليات الدمج بين الدولة والسلطة لتصبح السلطة هي الدولة وتصبح كل سلطة منفلتة هي الدولة.
إن السلطات المتعددة والمنفلتة من إطار الدولة تملأ جسد الوطن بالجروح والصديد المتقيح.
إن الدولة هي المنقذ ولا بد من الذهاب نحو بنائها سريعاً حتى لا يختطف ما تبقى من قانون ويصبح بعد ذلك العدل حلماً بعيد المنال، فغياب الدولة وغياب أهم مكوناتها -القانون - يتيح للقيادات الحزبية والقبلية والطائفية والمناطقية أن تنشئ جيلاً كاملاً من السلطويين وتغيب الأمن عبر تشكيل هويات فرعية واستنساخ زعامات سلطوية بحجة استعادة النظام والقانون، كما زعم أصحاب المجلس الوطني يوم انتهكوا القانون بثلاثة آلاف مسلح داخل العاصمة صنعاء.
نتمنى على الأحزاب المتحاورة أن تستفيد من التجربة الديمقراطية وتسعى للتأسيس للدولة من خلال تبنيها نسقا ديمقراطياً يتعامل مع الفرد كمواطن يتساوى مع الآخرين، وألا تتعامل معه من منطلق حزبي مناطقي عشائري وتجعل منه فرداً خارج المجال لأن ذلك سيجعل الأفراد هدفاً للتصفية السياسية والإدارية والحياتية.
ولن أجانب الصواب إذا قلت أن هناك تهميشاً للعناصر التي تدعو إلى وضع مشروع ثقافي يستوعب الجميع ويؤسس لبناء الدولة.
هناك مجموعة من الأفراد وصلوا بفعل الظروف التي ساعدت على وجودهم في بعض مفاصل الدولة، حاولوا أن يخلقوا معازل من أجل أن يستمروا وهم يحاولون أن يكللوا السلطة المركزية حتى تظل بحاجة إليهم وهم كثيراً ما يشعلون النار ثم يعرضون عليها إطفاءها.
إن الدولة تعني التعبير القانوني عن المجتمع وتخضع لسلطة الدستور والقانون.
والمطلوب في الوقت الراهن من السلطة المركزية وهي تملك جيشاً ومؤسسة أمنية أن تقيم العدل بقوة القانون وتتعامل مع الناس على أنهم سواسية أمام القانون، إذ من العيب أن نكون في القرن الحادي والعشرين وفي دولة مَرّ على تجربتها الديمقراطية ما يقرب عن عشرين عاماً وهناك من يحقق مصالحه خارج إطار الدولة ومؤسساتها.
ومن الأهمية بمكان تفعيل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة الدستورية ومن وراء ذلك إطلاق يد الصحافة ووسائل الإعلام لكشف وفضح الفاسدين أينما كانوا ومن كانوا.
إن ما حدث في صعدة وفي بعض المناطق الجنوبية وما تمارسه قبيلة بني ضبيان وبعض القبائل في مارب أوما يمارسه تجار التهريب من تدمير للاقتصاد الوطني إنما يدل على أن الوعي العام لم يصل بعد إلى التعبير عن تماسك النسيج الاجتماعي الواحد لهذا الشعب ولذلك فلا نستغرب لظهور مثل هذه الممارسات ومحاولات الدعوة للانفصال والمعارك التي دارت وتدور بين اليمنيين، فلو كان هناك قانون يحكم لكان الكل التف حوله.
على الأحزاب السياسية أن ترقى إلى مستوى الولاء الوطني وعليها أن تدرك أن عدم تطبيق الدستور والقانون هو سبب كل البلاء الذي تمر به البلاد.
على الجميع أن يعمل من أجل أن يحصل المواطن على حقه في التعليم والصحة والحياة الكريمة وعلى الأخ وزير الداخلية أن ينزل في حملة تفتيش إلى أقسام الشرطة ليرى كيف تضيع حقوق المواطنين وكيف تمتهن كراماتهم، وعلى وزير الصحة أن يزور المستشفيات الخاصة التي لا ترقى إلى أن تكون حتى مراكز صحية وكيف يموت الناس فيها بدون ثمن.
وعلى الأحزاب أن تؤجل صراعاتها إلى ما بعد بناء الدولة فذلك خيره لهم وللوطن.
[email protected]

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:29 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-11030.htm