محمد الجماعي - تأخر كثيراً تحالف المشترك عن اعلان موافقته على نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية .. ومع ذلك يظل قبوله بالنتائج دفعة مهمة للديمقراطية في اليمن، كتجربة ينبغي أن تحظى بمزيد من الدعم والرعاية من الجميع، وإضافة أساسية تثري المشهد السياسي بنمط جديد من العلاقة المتزنة التي يحتاجها الفرقاء والشركاء على حد سواءفي المشهد السياسي اليمني، لأن الرابح الأول والأخير هو الشعب بكل فئاته وشرائحة وبكل ألوان أطيافه السياسية ..
وبدون أية مقدمات كانت الارضية خصبة لتقبل معترك انتخابي اتسم بالسخونة وامتلأ إلى أذنيه بكل مفردات الخطاب السياسي بخصوصيته اليمنية التي لا تخلو من حدة، ومن تمازج صنوف عمل سياسي المكونات الثقافية والاجتماعية لمجتمع المدينة والريف .. وشحذ الطاقات في خدمة الاوراق السياسية وتبدت أساليب مبتدعة ومبتكرة في الدعايات الانتخابية للمرشحين سواء في الانتخابات الرئاسية أولمرشحي المجالس المحلية .
ودخلت المعارضة الانتخابات بصورة مدهشة ومثيرة وفي إطار تحالف (المشترك) مع أنها كانت موزعة الأهواء السياسية متناقضة المواقف، ولها تاريخ غير مريح من الصراع والتناحر، الإّ انها أدهشت الجميع ودخلت مجتمعة تحت مظلة واحدة واعتبرها المراقبون المحايدون ظاهرة سياسية يمنية خاصة، ووصفوها بالمتطورة ...
ولكن ما يؤخذ عليها انها استعجلت في اعداد برنامج الاصلاحات الذي تقدمت به الى الجماهير بعد أن ناورتها برامج اخرى من الاطراف ذاتها في المكونات السياسية للمشترك والتي تلاشت واختفت دون أن يبرروا لماذا اختفى هذا البرنامج كما يقول مختصون أعد على عجل، ولم تحدد آلياته، وكان في مجمل بنوده غير واضح، بل ان بعضها وصفت بشكل كيدي وغلبت عليه النـزعة الحزبية المتشددة التي لا تريد أن تعالج أوضاعاً بقدر ما تضع اشكاليات عصية على التقبل ليس من الشريك (الحكم) وانما من فاعليات سياسية واقتصادية لها ثقلها ولها وزنها، حتى علّق أحد المتابعين على المشهد السياسي بأن معارضة المشترك تتصرف وكأنها قد تسلمت تفويضاًَ شعبياً اعطاها الحق في ان تتحدث عن الجميع وأن تحاور الحكم على قضايا تهم الشعب كلّه، في اطار ما ارادوه حواراً خاصاً بهم على طاولة انفرادية مع الحكم، وتشتمل على أجندة تبقى طي الملفات السياسية الحزبية فقط ..
ولذلك فإنهم عندما دخلوا المنافسة الانتخابية دخلوها على هذا الاساس .. لم يناقشوا برنامجهم السياسي والانتخابي مع كوادرهم الوسطية ولا مع قواعدهم الحزبية، واتجهوا إلى الاستعلاء على ارادة الناخبين الذين حيدهم المشترك بل إنهم جانبوا النفس الديمقراطي واعتمدوا من البداية اسلوب الصفقة السياسية فيما بينهم من مكونات المشترك، ثم انساقوا إلى مفاوضة مع الحكم قبل الانتخابات إلى وضع برنامجهم موضع الحوار وكأنهم يطلبون صفقة سياسية ، وان رفض الحكم هذا الاسلوب ونخر منها ..
الشعب أدرك هذه الاشكالية، وقوى اجتماعية وثقافية وسياسية اخرى رأت نفسها على الهامش والرأي .. وقدم نفسه كوصي للتغيير .. ولكن وفق منظورهم ووفق رؤيتهم، وعاشت مكونات المشترك مواجهة حقيقية مع نخب ومع نسبة كبيرة من ابناء المجتمع قبل ان تدخل الانتخابات، ولذلك فان الحصيفين والجادين من تيارات سياسية عديدة رأت أن المشترك واجه منذ البداية اشكاليات عديدة لعل ابرزها : تآكل شرعيتهم الشعبية فدخلوا مكشوفين من الغطاء الشعبي، ولأول مرة يراهنون على مرتكزات قبلية ومالية في إطار لعبة سياسية تكاد تخلو من أدبيات طالما تغنى بها العقائديون من تحالف المشترك وراهنوا عليها في ما سبق، ثم في لحظة انتخابية تلوى أعناق الحقائق والادبيات لتطوع في المشهد الانتخابي، وتمارس سياسية المصالح الآنية دون أي تحفظ، أوحتى نقاش من قواعدهم واعضائهم .. المهم لديهم هو الذي جدولوه في اجندتهم هو(القفز إلى السلطة والحكم ولو عبر تحالفات طارئة نشأت كان يمكن ان تفضي إلى حالةفوضى عارمة إن نجح مشروعهم الانقضاضي التصفوي، ولكن الجماهير كانت أبعد نظراً فعملت من خلال الصندوق على تحييدهم في أهم مشهد انتخابي شفاف عاشته اليمن وكانت محط أنظار الجميع من دول الجوار، ومن النطاقات الدولية التي دفعت باكثر من (120) مراقباً يشهدون على شفافيتها ونزاهتها، وتأكيد ذلك، وجاءت تقاريرهم إلى حد كبير منصفة في الوقت الذي اندفعت مراكز مراقبة محلية إلى تغليب الموقف الحزبي على ادائها المهني فغردت خارج السرب، وبدت بصورة سيئة لا تحسد عليها .
أما (المشترك) بين اقطاب اللقاء المشترك في المشهد الانتخابي الرئاسي الذي وقع عليه الاختيار فكان فيصل بن شملان .. رجل مغمور وزير سابق خلد إلى الراحة في بلدته.بعد سنوات عمل .. ومقاربات سياسية مهادنة كان أقصاها استقالاته الشهيرة التي كان يمارس من خلالها هروبه من مواجهة مسؤوليات كانت تتطلب منه موقفاً واضحاً ..
وبرز سؤال لماذا لجأ المشترك للبحث عن (مشترك) بينهم وتخفت الاجابة في مطويات حساباتهم فهم قد وجدوا مواصفاته متطابقة مع ما يريد..؟ وهناك من اجتهد في تفسير هذه الظاهرة وأفتى بأن الاشتراكي اعتبر بن شملان أحد عناصره التكنوقراط الذي يمكن أن يعول عليه اذا تحققت المعجزة ونجح في مواقف قادمة ويتقوى بعد ان عاش وهناً واسعاً في كل مفصلياته ومكوناته؟!
في حين رأى الاصلاح أن بن شملان لم يكن حزبياً عتيداً، أو مال نحو العقائدية الاشتراكية، وانما تعاطى مع الفكر الماركسي كتكنوقراط ولذا فإنه سيكون مقنعاً لقواعده التي عانت أزمة شرعية كبيرة، في حين اندفعت عناصر الناصرية المتحالفة مع المشترك لتروي ضمأً للسلطة هي واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق ذلك الضمأ الذي أبان عن قوى ممكن ان تقيم تحالفاتها مع أي كان المهم ان تصفي حسابات سابقة مع الحكم، وتروي ضمأها للسلطة، وان لم تنجح تبقى على طرف مناقض للحكم على طول الخط ..
وبالمحصلة النهائية .. ما الذي جعل فيصل بن شملان يركب الموجة، ويصدق أكذوبة (استئجار القوي الأمين) كما قال محمد قحطان أحد أبرز رموز التجمع اليمني للإصلاح .
فالرجل حتى وهو يعيش الآن تخلياً واضحاً من حشود الحفاوة الاصلاحية والاشتراكية ما زال يستعذب الخطابة الانتخابية حتى وهو يقر بالنتائج.
ويبرز الآن سؤال ماذا ينتظر بن شملان وإلى أين سيصل به المطاف، بعد هذا الشوط الانتخابي الذي أداه (كمحترف) ؟ هل سيعود إلى مسقط رأسه ليمارس أحلام اليقظة، في العزلة التي اختارها في السابق، أم ماذا تخبئ له الآتيات من الأيام .. تم إلى أين يتجه تحالف المشترك .. وماهي الخلاصه التي سيخرج بها، ووفق أي المعايير ستم لقاءات قادة المشترك التي عركتها التجربه واثخنتها الهزيمة، فأي المخارج ستختار.. وماذا عن مشروعها الذي جعلته مثل (التابو) الذي لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه !!
انه سؤال المرحلة أمام تحالف المشترك.. وأمام قادة المشترك وأمام صقوره وحمائمه؟!
|