د. علي مطهر العثربي - جمعتني الصدف في إحدى الجلسات الاجتماعية بشخصيات لم أكن على معرفة بها عن قرب غير اعتقادي أن نفحة الايمان والحكمة تشع من ثناياهم وأن الفجور في الخلاف لا يمكن ان يجد طريقاً الى قلوبهم، وأثناء الجلسة الاجتماعية التي توسمت فيها روح الوفاء للوطن ووحدته ومصالحه العليا، وجد ما يندى له الجبين من الطرح الذي لم أكن أتصوره أو أتخيله أن يصدر من مثل تلك الشخصيات التي كنت أتوقع أن تكون قامات وطنية تجعل من الوطن ومصالحه العليا همها الأول والأخير.
وقد دفعني ذلك الى تقديم مداخلة استيضاحية عن الاسباب التي تكمن خلف هذا الطرح العنيف وغير المعهود، فكانت الإجابة للأسف أسوأ بكثير من الطرح الذي بدأت به تلك الشخصيات التي كنت أتوقع أن لديها هموماً وطنية عامة ورؤية وطنية واضحة لمعالجة الاختلالات وأساليب مميزة لمواجهة الأفكار المنحرفة، وأن هذه الهموم هي التي تقف خلف هذا البيان الذي سمعته، ولكن للأسف الأسباب التي استنتجتها من الرد الركيك شخصية، نفعية، آنية، ضيقة، خاصة جداً، ولأن هذه المنافع الخاصة جداً لم تتحقق سمعت ذلك الضجيج الناري، الأمر الذي أحدث ردة فعل مكاشفة ومصارحة ومضادة لذلك الطرح المصلحي والتأجيج الحاقد.
إن الغريب الذي لم يشهده شعبنا في تاريخه السياسي القديم ظهور عناصر نشأت على الرفاهية المطلقة وتحقيق الرغبات القانونية وغير القانونية والتعود على المداراة وتحويل أقوالها وأفعالها المخلة بالصالح العام الى بطولات تباهى بها أمام الآخرين، بل وتدفعهم الى السير في ذلك الطريق الجائر الذي جار على الكفاءات، وقدم عناصر لا تتمتع بالولاء والإخلاص في الأداء ولا القدرة أو الكفاءة، وإنما افتعال الزوبعات وضرب مصالح الوطن العليا والمزايدة هي الطريق الأقرب للوصول الى كل ما هو غير دستوري أو قانوني، وأصبحت هذه العناصر النفعية تتكاثر وتتزايد بفعل الخلل الذي يكمن في الأجهزة والمؤسسات الدستورية التي لم تفعل الدستور والقانون وتفعل المعايير الموضوعية، واعتمدت في معالجاتها للقضايا على المداراة والمراضاة وقبلت بسياسة الابتزاز والانتهازية وهو ما شجع الكثيرين على اعتناق ثقافة المنافع الشخصية والآنية والاعتداء على المصالح العامة للبلاد، ووصل بالبعض منهم الى بيع ضمائرهم ورهن هويتهم من أجل الحصول على المنافع الشخصية والضيقة والبحث عن أدوار بطولية من أجل الشهرة.
ولئن كانت العناصر الانتهازية قد تكاثرت فإن ذلك بسبب غياب هيبة الدولة والقصور في أداء الأجهزة الحكومية والسكوت على ثقافة الابتزاز وعدم الأخذ على يد الخارجين على الدستور والقانون، والاحتكام الى رغبات المخربين والمتمردين وقطاع الطرق وعدم الحزم والضرب بيد من حديد لكل عنصر يتمرد على الدستور والقانون ويسعى في الأرض فساداً، كما أن السكوت على ثقافة خالف تعرف قد جعل من البعض أدوات تخدم الشيطان وأثر على الأداء اليومي بشكل سلبي، ولذلك كله فإن الوقت لم يعد اليوم قابلاً للمداراة والمهادنة وتلبية رغبات العابثين بالأمن والاستقرار غير القانونية، وقد بات اليوم من الواجب فرض هيبة الدولة والضرب بيد من حديد وملاحقة المفسدين في الأرض وإنزال أقصى درجات العقوبة في حقهم، بل استطيع القول بأن فرض هيبة الدولة وقدسية الدستور مرهون باتخاذ عمليات جراحية جريئة وقوية ومدروسة وينبغي أن تكون هذه الإجراءات على درجة عالية من الدقة والسرعة من أجل الحفاظ على قدسية دماء المواطنين وصون كرامتهم وحماية مصادر عيشهم من عناصر الارهاب والتمرد والتخريب وكل المفسدين في الأرض.
إن على أولئك الذين يشعرون بأن مصالحهم قد تضررت بسبب تصرفات فردية أن يتجاوزوا مرحلة التفكير في الذاتية «الأنا» وأن يغلبوا المصالح العليا للوطن فوق تلك المصالح المشروعة التي تضررت وألا يقعوا في مستنقع الارتهان وأن يحافظوا على سجلاتهم الوطنية نظيفة وناصعة البياض، ولا يجوز الإنجرار خلف سياسة الابتزاز والنكاية بالوطن، وأن نواجه التحديات مهما كانت بقلوب عامرة بقدسية التراب الوطني وإيمان قوي بالله ثم بالوطن والثورة والوحدة، وأن نجعل من الوحدة الوطنية القوة التي نواجه بها كل التحديات الداخلية والخارجية، ولا يغوينكم الشيطان بتزيين الفتنة والانتقام من الشعب ومصالحه بسبب التصرفات الفردية التي لا تمت بصلة الى ضمير الشعب وأن نجعل من نضالات الأوائل في حركة الأحرار اليمنيين أنموذجاً للتضحية في سبيل الوطن ومقدراته وأمنه واستقراره واستقلاله، وهو ما نأمله من كل الغيورين والشرفاء في كل شبر من أرض الوطن الغالي الذي كبر في ٢٢مايو ٠٩٩١م وازداد اليمنيون شموخاً بيوم وحدتهم المجيدة والخالدة، وعلى أجهزة الدولة أن تفعل الدستور وترفض المداراة والمداهنة نصرة للإرادة الشعبية وفرضاً لهيبة الدولة وحماية لقدسية الدستور وبذلك نصل الى مرحلة البناء التنموي الشامل الذي لا ينغصه شيء بإذن الله.{
|