الجمعة, 29-سبتمبر-2006
اعداد/ بليغ الحطابي -
اختلفت الآراء والروايات حول قضايا عدة بلورت التفكير بالثورة اليمنية وتغيير النظام الملكي من بعض القائمين بالثورة او المشاركين فيها او المطلعين عليها.. في هذه الحصيلة نورد قابلية الشعب لفكرة اقامة النظام الجمهوري.. والرأي القائل استبدال امام بإمام.. ودلالات‮ ‬التغيير‮ ‬الامامة‮ ‬والامام‮.. ‬ومدى‮ ‬تأثير‮ ‬الانتفاضات‮ ‬والحركات‮ ‬التي‮ ‬سبقت‮ ‬الثورة‮.. ‬عبر‮ ‬شهادات‮ ‬استنبطناها‮ ‬من‮ ‬ندوة‮ ‬فكرية‮ ‬نظمها‮ ‬مركز‮ ‬الدراسات‮ ‬والبحوث‮ ‬اليمني‮ ‬سبتمبر‮ 1979م‮.‬
يقول القاضي عبدالسلام صبره ان التساول عن امكانية اقامة نظام جمهوري كبديل متقدم قبل ثورة 48م.. حيث كان البعض من رعيل ثوار حركة 48م، يطرحون ضرورة الاطاحة بالإمامة واقامة نظام جمهوري.. إلاّ أن الاكثرية عارضت ذلك بسبب ان الظروف حينها وطبيعة البلد لا تسمح بالانتقال‮ ‬من‮ ‬الامامة‮ ‬الى‮ ‬الجمهورية‮ ‬وذلك‮ ‬لغياب‮ ‬الوعي‮ ‬عند‮ ‬الغالبية‮ ‬العظمى‮ ‬من‮ ‬الشعب‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يدركون‮ ‬حتى‮ ‬معنى‮ ‬كلمة‮ ‬الجمهورية‮.‬
وهذا الاتجاه كان يمثله المرحوم حسين الكبسي، والذي رأى ابدال امام بإمام "دستوري« امام يعمل لاصلاح الشعب.. والذي كان يرى أنها الخطوة الأولى التي لابد منها.. وهو ما أيده علي الوزير الذي كان مقتنعاً كل الاقتناع من ان الامام يحيى بعناده وصلفه وغروره سيرفض أية فكرة‮ ‬اصلاحية‮ ‬يتم‮ ‬عرضها‮ ‬عليه‮ ‬ولو‮ ‬كانت‮ ‬محدودة‮.‬
ويضيف: اذكر ان علي الوزير قال لي بحضور عبدالوهاب نعمان لقد وصلنا مرحلة يعتبر السكوت فيها خيانة للوطن والدين.. ان نظام الامام يحيى اخذ كل ما استطاع انتزاعه تجبراً من المواطنين دون تقديم اقل خدمة للشعب وانه لابد من الانقضاض على نظام "يحيى" الجائر.
إلاّ‮ ‬ان‮ ‬القاضي‮ ‬صبره،‮ ‬رغم‮ ‬كلام‮ ‬الوزير‮ ‬له،‮ ‬لم‮ ‬يصدقه‮ ‬او‮ ‬كما‮ ‬قال‮ "لا‮ ‬استطيع‮ ‬أن‮ ‬اجزم‮ ‬ان‮ ‬علي‮ ‬الوزير‮ ‬كان‮ ‬يهدف‮ ‬الى‮ ‬اقامة‮ ‬نظام‮ ‬جمهوري‮ ‬على‮ ‬انقاض‮ ‬النظام‮ ‬الامامية‮.‬
فيما يرى القاضي احمد العرفي ان موضوع المبايعة للامامة على الأربعة الذي حضروا اجتماع زبيد وهم "حسين بن الامام يحيى، عبدالله الوزير، علي بن حمود شرف الدين، علي الوزير".. والذي جاء الاخير ليقول لهم ان الخلافة لا تصح له لأنه أعور.. ولكنه رأى أن يفعلوها جمهورية.. فعلي الوزير كان يفكر في اقامة نظام جمهوري في الوقت الذي كانت الاقطار العربية ملكية.. فحين ايد علي الوزير، بحسب القاضي العرفي، استخلاف عبدالله الوزير كان فقط كمرحلة انتقالية يمهد لقيام نظام جمهوري.
بينما يؤكد الاستاذ محمد الفسيل ان اسباب فشل حركة 48م، كانت في استبدال اسرة حميد الدين ببيت الوزير »إمام بإمام«، على اساس ان الناس قد الغوا بيت حميد الدين وسيوف الاسلام فعندما أتى سيوف اسلام جدد لم يهضمهم الشعب بسهولة.
وفيما يتعلق بفكرة الجمهورية قال الفسيل ان الفكرة طرحت بشكل جاد وحاسم بعد فشل حركة 55م، وقد تبنى هذه الفكرة محمد احمد نعمان قبل ان يقتنع بها كبار القادة.. إلاّ أنه يرجع ليقول ان الفكرة في ذلك الوقت كانت سابقة لأفكار الجميع.
اخطاء‮ ‬الحركة
ويشير الفسيل الى أن حركة 55م اخطأت جداً عندما لم تأخذ بالحسبان تغير دلالات الامامة والامام لدى الشعب.. اذ لم يعد الامام رمزاً للإمامة بل رمزاً للبطش.. فإذا كان قتل الامام يحيى كرمز للامامة التي تعتبر جزءاً من العقيدة الدينية قد أثار مشاعر الناس ضد حركة 48م،‮ ‬فإن‮ ‬عدم‮ ‬قتل‮ ‬الامام‮ ‬احمد‮ ‬كرمز‮ ‬للبطش‮ ‬قد‮ ‬افاق‮ ‬الشعب‮ ‬وابعدهم‮ ‬عن‮ ‬الالتفاف‮ ‬حول‮ ‬حركة‮ 55م‮.‬
وهكذا.. فكما أدى قتل الامام يحيى الى فشل 48م، فإن عدم قتل الامام احمد ادى الى فشل حركة 55م ومن هنا كما يقول الاستاذ الفسيل، نلاحظ ان سقوط الهالة الدينية عن الامام احمد ومن ثم عن الامامة اعطى ضوءاً أخضر للنظام الجمهوري كبديل جذري للنظام الامامي.
ويضيف الفسيل: ان محمد احمد نعمان هو اول من توصل الى ان الامامة ليست موجودة في ذهن الناس والموجود هو امام كان يمثل لديهم العقيدة وقد قتل وبقي امام لا يمثل العقيدة لدى الشعب.. إذاً الشعب اصبح مؤهلاً لقبول فكرة الجمهورية.. ومن وقتها نشرت الفكرة جماهيرياً.
ويتفق‮ ‬المرحوم‮ ‬احمد‮ ‬قاسم‮ ‬دماج‮ ‬بما‮ ‬قاله‮ ‬الفسيل‮.. ‬كون‮ ‬التيارات،‮ ‬كما‮ ‬يعتقد‮ ‬الجديدة‮ ‬التي‮ ‬جاءت‮ ‬قبل‮ ‬قيام‮ ‬الثورة‮ ‬وتبنت‮ ‬فكرة‮ ‬الجمهورية‮ ‬جاءت‮ ‬بعد‮ ‬فشل‮ ‬حركة‮ 55م‮.‬
الاستاذ علي الضبه يعتقد أن النظام الجمهوري فرض نفسه كخيار وحيد لا بديل له.. فبيت حميد الدين، كما يقول، انتهوا في 48م، ولكن لم يكن يوجد آنذاك بديل ومن هنا كان استمرار حكم الامام احمد غير طبيعي.. مشيراً الى أن حركة 55م لم تكن وطنية اذ ان السيف عبدالله استغل الثلايا وحركة 55 كوسيلة لترميم نظام الامامة وجعله يرتكز على طبقة تجارية كالنظام السعودي، وفشل هذه الحركة الترميمية للامامة، كما يعتبرها، انهت دون شك الامامة.. فالامامة انتهت قبل 62م، واستمرارها الى 26 ستبمبر كان شكلياً لغياب البديل
الشباب‮ ‬والثورة
ويقول الاستاذ احمد جابر عفيف ان فكرة الجمهورية سادت وانتشرت بعد فشل حركة ٥٥م، ولاسيما في صفوف الشباب من طلاب المدارس الداخلية والمدرسة التحضيرية وبين الشباب الذين انتقلوا الى الكلية الحربية في عام 56م.
واضاف حيث كان النظام الجمهورية هو المحور لكل ما يدور من نقاشات في أوساط تلك المجاميع من الشباب والطلاب ومن هنا كما يعتقد تجذرت فكرة الجمهورية بشكل حاسم بين الضباط والشباب داخل تنظيم الضباط الاحرار فيما بعد.
ويتفق عفيف مع ما طرحه زملاؤه السابقون من أن عهد الامام احمد كان لم يعد يمثل الامامة كما كان ابوه يحيى.. فالامام يحيى كان يمثل للشعب اليمني الامامة كعقيدة دينية وكانت الاكثرية من الشعب اليمني تؤمن في عهده بالامامة ولكنها تغيرت في عهد الامام احمد.
ويرجع‮ ‬عفيـــــف‮ ‬ليتســــــاءل‮ ‬في‮ ‬السياق‮ ‬ذاته،‮ ‬هو‮ ‬هل‮ ‬كان‮ ‬هناك‮ ‬اتفاق‮ ‬عام‮ ‬حـــــول‮ ‬مفهوم‮ ‬الجمهورية،‮ ‬او‮ ‬ترتيب‮ ‬وتحديد‮ ‬نظام‮ ‬معين‮ ‬لهذا‮ ‬النظام‮ ‬الجمهوري‮..‬
ويجيب قائلاً: في الواقع لم يكن هناك فهم مشترك بطبيعة النظام الجمهوري.. باستثناء بعض الشباب من طلاب المدارس وبعض طلبة الكلية الحربية الذي كان لديهم فهم واضح ومحدد لطبيعة النظام الجمهوري، مستمد في خطوطه من تأثيرات معطيات ثورة 23 يوليو 52م المصرية.
ويعود الاستاذ محمد الفسيل ليتحدث عن تأثيرات ثورة 23 يوليو" على اقامة النظام الجمهوري في اليمن ليقول: دون شك كان لثورة 52م في مصر واقامة النظام الجمهوري فيها على انقاض ملكية اسرة محمد علي تأثيراً كبيراً.. والذي كان في البداية بطريقة غير ملحوظة إلاّ أنه تجلى‮ ‬وتبلور‮ ‬بشكل‮ ‬واضح‮ ‬ومحدد‮ ‬بعد‮ ‬فشل‮ ‬حركة‮ ٥٥‬م‮.‬
واضاف لقد شحذت ثورة 23 يوليو فكر الاحرار واوجدت تطلعات وآمال وهذا يظهر، كما يقول الفسيل، أن فكرة النظام الجمهوري لم تنبع فجأة في 55م، لكن ضمائرها لم تظهر على السطح، فجاءت حركة 55م، لتقفز بها قفزة واحدة الى السطح.
ويضيف ناجي علي الاشول ان فكرة الجمهورية وصلت الى جيلنا من الشباب اليمني آنذاك عن طريق الصحف والاذاعات والتنظيمات، اضافة الى التأثير البالغ لثورة يوليو 52م، واقامة النظام الجمهوري في مصر وما حققه هذا النظام من انجازات كبيرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
وكذلك‮ ‬دوره‮ ‬عربياً‮ ‬والذي‮ ‬عمل‮ ‬على‮ ‬تنشيط‮ ‬الحركات‮ ‬الوطنية‮ ‬في‮ ‬الساحة‮ ‬العربية‮.‬
مؤكداً‮ ‬ان‮ ‬قناعة‮ ‬الشباب‮ ‬اليمني‮ ‬بإفلاس‮ ‬وعقم‮ ‬نظام‮ ‬الامامة‮ ‬جعل‮ ‬تأثرنا‮ ‬بثورة‮ ‬يوليو‮ ‬أكثر‮ ‬قابلية‮.‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 01:14 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1119.htm