الجمعة, 29-سبتمبر-2006
الميثاق نت - بعد هذا العرس الديمقراطي الحقيقي يحق لنا أن نقرأ في نتائج الانتخابات اليمنية الأخيرة التي تميزت بتفاعل شعبي قل نظيره ومثلت فرصة ثمينة لبعض الأحزاب لمراجعة حساباتها على ضؤ المعركة الانتخابية التي خاضتها والتي كانت لها أهميتها في تطوير العملية الديمقراطية وفي تحديد الحجم الحقيقي لكل حزب ومدى حضوره السياسي على الساحة اليمنية، فقد استطاع المشترك بتحالفه تحقيق بعض الظهور الإعلامي ومخاطبة بعض قواعده التي ذابت بعد الانفتاح الديمقراطي في أحزاب أخرى أو انسحبت إلى المؤتمر الشعبي العام الذي مثل البديل المناسب أمامها للمشاركة الديمقراطية . د. وهيبة فارع -
بعد هذا العرس الديمقراطي الحقيقي يحق لنا أن نقرأ في نتائج الانتخابات اليمنية الأخيرة التي تميزت بتفاعل شعبي قل نظيره ومثلت فرصة ثمينة لبعض الأحزاب لمراجعة حساباتها على ضؤ المعركة الانتخابية التي خاضتها والتي كانت لها أهميتها في تطوير العملية الديمقراطية وفي تحديد الحجم الحقيقي لكل حزب ومدى حضوره السياسي على الساحة اليمنية، فقد استطاع المشترك بتحالفه تحقيق بعض الظهور الإعلامي ومخاطبة بعض قواعده التي ذابت بعد الانفتاح الديمقراطي في أحزاب أخرى أو انسحبت إلى المؤتمر الشعبي العام الذي مثل البديل المناسب أمامها للمشاركة الديمقراطية . كما مكنت هذه الانتخابات المؤتمر من اكتشاف الطرح الأخر واكتشاف تطلعات جماهيره التي ساندته ببسالة من خلال المهرجانات وصفحات الصحف والندوات السياسية والثقافية، وفتحت المعركة الانتخابية التي استمرت أكثر من شهرين بابا للنقد والمواجهة من خلال الهجوم الذي شنته كل جهة على الأخرى كادت إن تصل في بعض الأحيان حد القذف، كما أفسحت المجال من جانب أخر أمام تبني جملة إصلاحات مستقبلية أهمها التوجه للقضاء على الفساد التي اتفقت جميع الأطراف على انه آفة للسلطة والمعارضة على حد سواء وان الفائز في الانتخابات عازم على استئصاله ومن لم يفز فانه عازم على تحرير نفسه منه. وإجمالا فان موقف المؤتمر بعد الفوز قد عزز القناعة التامة بأن وجود معارضة له وطنية ومخلصة لا يفسد للود الوطني قضية حتى وان اختلف معها خصوصا وان رئيس المؤتمر ألان هو رئيس لكل اليمنيين مهما تعددت رؤاهم ومشاربهم ،وبهذا يرسي المؤتمر تقليدا ديمقراطيا جميلا يلطف الأجواء أمام فشل المشترك التي كانت له أسبابه ، وبذلك يؤكد الرئيس علي عبدا لله صالح انه قد استحق الفوز بجدارة واستحق احترام العدو قبل الصديق على مواقفه الوطنية التي اتسمت بالمسؤولية والمصداقية كمظلة لكل الوطن. وبقراءة متأنية لأسباب فشل المشترك بمؤشراته المبكرة التي عكستها نتائج الانتخابات للمجالس المحلية والرئاسية الأخيرة يتبين أن المواقف التي تبناها المشترك كان متوقعاً أن تؤدي به إلى هذا النهاية منها موقفه من الوحدة الوطنية وموقفه من مشاركة المرأة سياسياً واجتماعياً وموقفه من الأمن والعدل الاجتماعي وموقفه من المؤسسة الوطنية المتمثلة في النظام الرئاسي وأخيراً تحالفه المتناقض عقائديا بين أركانه ومراهنته على قواعده السابقة التي كانت قد انصهرت في أحزاب أخرى أو مارست العمل السياسي كمستقلة ولم تعد تخضع لهيمنته في ظل التعددية السياسية فقد أرادت أحزاب المشترك من خلال هذا التحالف إعادة تشكيل الخارطة السياسية في اليمن والعودة إلى السلطة أي كانت الوسائل كي تثبت أنها لاتزال موجودة لكنها لم تنجح، فالحزب الاشتراكي الذي لم يحافظ على مصداقيته كشريك في الوحدة لم يحقق مكاسب تذكر من تحالفاته السابقة بسبب نكوصه عن الوحدة وتنكره لها ورفعه السلاح في وجهها وجره البلاد إلى حرب طاحنة، ولم تصمد قياداته بعد سقوطه مما أدى إلى أفراغ معظمها وانخراطها في هياكل الدولة المختلفة بعد شمولها بقرار العفو الذي أعلنه رئيس الدولة رئيس المؤتمر اثر أحداث عام 1994م ،بينما ظل بعض قياداته يمارس المعارضة في الخارج دون دعم شعبي أو مسوغ قانوني لاستنهاض قواعده الذي لم يعد مجديا بعد ضياع فرصة التصحيح الذاتي لإحداث مشاركة سياسية واعية ومراجعة أخطائه بشفافية التي فصلته عن المجتمع وأهدافه وقد شكل الإصلاح أحد أركان السلطة بعد أول انتخابات لكنه استثمر سقوط الاشتراكي بعد حرب 94 ليشكل خطاً معادياً لكل القوى التقدمية الأخرى في الساحة، وليحقق مكاسب سياسية وشخصية مستغلاً مبدأ الاعتدال والوسطية داخل المؤتمر الذي تحالف معه وليجعل المؤتمر عرضة لابتزازه السياسي الذي أراد من ورائه أن يحظى بنصيب الأسد من المكاسب تحت عباءة هذا التحالف على حساب الثوابت الوطنية والحرص على تنمية مكاسبه وتكديسها لإحراج المؤتمر الذي رفضها وضاق ذرعا بها لتتولى الجماهير إسقاط معظم رموز الإصلاح في الانتخابات البرلمانية وحرمانه من الأكثرية البرلمانية حتى لا تتكرر تجاوزاته مرة أخرى وكان المؤتمر قد شكل أول انفراد له بالسلطة بعد الانتخابات البرلمانية التي منحته الثقة بالأغلبية والتي أثمرت عن التوجه لبناء الدولة الحديثة ومعالجة الاختلالات التي شكلها الوضع السابق بالائتلاف أو التحالف والتوجه لتحديث البنية التشريعية والقانونية وانتهاج مزيد من الديمقراطية وتحقيق الاستقرار الداخلي وترسيم حدود اليمن، لكن المعارضة التي فقدت مصالحها جمعها الهدف الواحد مرة أخرى للعودة إلى الساحة لتهيئة الأجواء لانتزاع دور المؤتمر القيادي، فتحولت إلى آلة إعلامية رافضة للإصلاحات التي تمارسها الحكومة غير مساهمة أو راغبة فيها بصدق مكتفية بتصيد الأخطاء التي كانت سببا فيها عند مشاركتها في السلطة ووصل بها الأمر إلى حد التحريض للانقلاب على الديمقراطية وإيجاد ثغرات للانطلاق من خلالها كدعم التمرد على الدولة إعلامياً أينما وجد كما حدث في مران متجاوزة بذلك الثوابت الديمقراطية ومؤدية إلى صدام مسلح راح ضحيته عدد كبير من الأبرياء، كذلك كان موقف بعض أحزاب المشترك السلبي من الحرب على الإرهاب فهي لم تقف موقف المحايد على الأقل من أحداث كول ومحاولة إغراق الباخرة الفرنسية ومن تزايد ظاهرة الاختطافات التي أسهمت في هروب الاستثمارات وضرب الاقتصاد الوطني نكاية بالمؤتمر. فقد بني المشترك حساباته على فهم خاطئ لحقيقة الناخب اليمني وتعارضت أطروحاته مع أهداف الشارع السياسي في السيادة والحرية ولم يدرك أن الجمهور اليمني كان قد أصبح أكثر نضجا ورغبة في التغيير وأكثر تحررا من قيود الإكراه التي مورست عليه سابقا من الأحزاب الشمولية، كما بني المشترك حساباته على فهم خاطئ لطبيعة الحياة الديمقراطية والتحولات التي حدثت في المجتمع اليمني بعد الوحدة واغفل ظهور أجيال جديدة متطلعة إلى المستقبل لم تعتاد على لغة خشبية جافة وأهداف مطاطة، وتجاهل التطورات الاجتماعية الملموسة التي حدثت في المرحلة السابقة التي لم يجاريه احد في المزايدة عليها. وفي سبيل ذلك استعد المشترك للانقلاب على الديمقراطية مجددا عن طريق جمع تحالف للقوى خارج السلطة مستغلا الأجواء السياسية الديمقراطية لتحقيق أهدافه المعلن منها وغير المعلن محدثا شرخاً اجتماعياً وسياسياً حمله برنامج غير مقنع وغير ناضج بسبب تعدد رؤاه وعلاقاته المتناقضة الأمر الذي أدى إلى فشله واسهم في خروجه صفر اليدين من الانتخابات التي حشد لها كل ما ستطاع إليه من قوة وجمع لها كل القوى ذات المصلحة من هذا الانقلاب فأحزاب المشترك تجاهلت ذاكرة المواطن التي سجلت العديد من تناقضاته السابقة بين القول والفعل تجاه بعضها البعض وتجاه مجمل القضايا الوطنية ، ورصدت بحذر أطروحاته الجديدة التي لم تمثل لها الوحدة الوطنية أو الهم العام في الاستقرار والتنمية شأنا يذكر ، فقد أهمل المشترك قضية مشاركة المرأة وحملها مسئولية التخلف وعيرها بجهلها ولم يشمل برنامجه أية إشارة لدعمها سياسياً أو اجتماعياً ولم يكن له عذر يتناسب مع حجم تجاهله 50% من أصوات الناخبين وقد تجلى ذلك واضحاً في تحريم أحد أقطاب المشترك ترشيح المرأة وأدى بالتالي إلى عدم ظهور أي حليف أخر لها بين المشترك يتبناها مما أجبرها على النزول كمستقلة وبدعم من المؤتمر لتمثل الحليف الوطني الحقيقي له ناخبة ومنتخبة. وحمل برنامج المشترك على الوحدة الوطنية معتبرا إياها سبباً في المعاناة الاقتصادية وأنكر ما حققته له الوحدة من تقدم ولو محدود لكل أبناء اليمن في مختلف المحافظات ، وأهمل حق الجميع في التمتع بخيرات الوطن رافضا اعتبار ثروته النفطية ثروة سيادية. وكاد خطاب المشترك أن يدعو إلى الانفصال صراحة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية من وجهة نظره مما يعني إعادة البلاد إلى نقطة الصفر وكأنه يخاطب عقليات لا تؤمن سوى بالمناطقية، وقد بدا أكثر قبولاً واستعداداً لرهن الوطن ومنجزاته ومقايضة حرية الوطن بالسلطة في إشارات واضحة لتسويق نفسه للخارج وبأنه البديل الأكثر انفتاحا لكن ذلك قوبل بصد جماهيري عارم. وقد تجاوز المشترك المصالح الوطنية العليا ليتفاوض مع الأخر ولكن على الثروة والنفوذ فقط مما يعني تحويل الوطن إلى استثمار سياسي دون اعتبار لمسائل الأمن الاجتماعي والعدل الاجتماعي والموروث الاجتماعي فكفر بالقبيلة واعتبرها نكرة ما لم يكن ولائها له وحرضها على العصيان والتمرد لتصبح دويلات داخل الدولة، واستبعد مفهوم العدل في ظل أي نظام أو برنامج انتخابي أخر فمفهومه للعدل الاجتماعي انطلق من فكرة الهيمنة على البترول والغاز ومفاصل الاقتصاد التي كان يبني عليها حساباته ومن خلال الترويج بأن التقوى للمشترك هي الأساس للرحمة والتكافل الاجتماعي وما عداه فهو خارج عن فتواه الداعية لإنكار أحقية الدولة بالضرائب والواجبات لتقوم بواجبها لمواجهة الالتزامات الاجتماعية أما موقفه من المؤسسة الوطنية وهياكلها فقد عبر المشترك عن رغبة دفينة لديه في الانقلاب على النظام الجمهوري صراحة واستبداله بنظام أخر يعيد هيكلته بحيث يصبح مزيجاً من المناطقية والملكية والطائفية تحت مسمى النظام البرلماني عوضاً عن النظام الرئاسي ، وفي ظل هذا النظام يستبعد كل القوى المسالمة والمستفيدة الحقيقية من الوحدة والديمقراطية كالنساء والفئات المهمشة وسكان المناطق النائية ذات المستويات الاقتصادية المتدنية ليكون منها فصائل متناحرة يجمعها العداء للسلطة وعدائها لبعضها البعض متناسيا ما دفعه الإنسان اليمني من تضحيات في سبيل الجمهورية والاستقلال والوحدة التي مثلت منتهى أحلامه لتكوين اليمن الحديث. ولعل الأكثر إثارة كان تناقض المشترك في تحالفاته ذات الأبعاد السياسية المتعددة التي لم توضح نوع ومدى التحالف بداياته ونهاياته، ولم تبين ما إذا كان هذا التحالف سيتوقف عند نقطة الانقلاب على الديمقراطية أم سيستمر لاحقا مما أثار الفزع حول المستقبل المجهول للبلاد لما بعد الانتخابات في حال انقض المشترك على الحكم، ومع غياب هذا الوضوح وإعلان بعض قيادات التحالف التي وفرت الدعم المادي الداخلي والخارجي للمشترك بأنها ستضع اليد على السلطة بعد نجاح المشترك في الانتخابات لتجره نحو الفراغ ، تأكدت قناعات الناخبين بأن الغرض الحقيقي للمشترك هو التغيير في مفاصل الدولة وإعادة تكوينها كشركة يمتلكها بعض قادة المشترك وان البلاد فعلا متجهة نحو مجهول ليس له بداية ولا نهاية. كل هذه المواقف فاجأت المشترك بنهاية غير متوقعة فالناخب كان أكثر فطنة خصوصا وأنه قد حدد اتجاهه قبل بدء الانتخابات واختار طريقه على مبدأ ديمقراطي وثوابت وطنية تؤمن بالوحدة والديمقراطية والتقدم والسلام الاجتماعي التي لم يتبناها المشترك صراحة ولم يستطيع إثبات مصداقيتها على الأقل في خطابه السياسي غير الموفق الذي تأسس على الانانية وحدها . من ناحية أخرى فقد نزل المؤتمر في مختلف الانتخابات مستنداً إلى قواعد جماهيرية أحاط بها نفسه مع الالتزام الواضح بالمواقف الوطنية والقومية والانحياز غير المحدود لقضايا المواطن البسيط اليومية بشكل عام والانحياز لقضايا التنمية الشاملة وإشراك المرأة فيها والانحياز لهموم الوطن السياسية والاجتماعية في تجربة فرضت معطيات الواقع نفسها عليها بضرورة استمرار استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي وبناء المؤسسات الذي تبناه والتي تحتاج إلى فرصة زمنية كافية لاستكمال مساره التنموي الذي غيب في الماضي بسبب عدم الاستقرار. وإذا كانت الانتخابات قد أفرزت نجاح المؤتمر في تثبيت الديمقراطية وقدرته على قيادة البلاد والحفاظ على مكاسبها السياسية ، فأن تحالف المشترك قد حقق بعض المكاسب المتمثلة في إعادة حضوره السياسي ولو على المستوى الإعلامي، وبما قد يمكنه من تجديد قناعاته وولائه للوطن لو اراد وتغيير برامجه ومواقفه كي يكون شريكاً في العملية السياسية مستقبلا ومعارضاً شريفاً في إطار لتبادل السلمي للسلطة منطلقا من المصلحة العامة للوطن، ولكن لابد أن ذلك يتطلب منه إعادة هيكلة حزبية وتصحيح مواقفه من الشأن الوطني العام والخروج من التحالفات المتناقضة داخليا والمتناقضة مع الأهداف الوطنية العلياء، وتجديد قبوله بالمنافسة بالتأكيد على حق الأخر في المشاركة الوطنية الذي يتطلب منه تغيير خطابه وممارساته تجاه كل القوى والأحزاب ، وأن يكون مستعدا للحوار مع كل القوى الوطنية الأخرى التي منحته الفرصة للحوار أكثر من مرة وأمنت بان الوطن للجميع وأحسنت الولاء للوطن أولا فلم تختزل مكاسب الوطن لمصلحة خاصة ولم تنفرد بالقرار الوطني فجعلته شريكا فيها، فهل يراجع المشترك حساباته ؟.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:01 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1122.htm