محمد يحيى شنيف -
في العام 1999م، صدر قانون »الخصخصة« رقم »45«.. حيث تم تعريف الخصخصة بأنها : »نقل الملكية العامة الى الملكية الخاصة، أو انتقال تشغيلها الى أطراف أخرى«.. وذلك بهدف ادارة الدولة للاقتصاد وفقاً لاقتصاديات السوق، وتخفيض أعباء نفقاتها على الوحدات الاقتصادية المملوكة لها، ورفع كفاءة الاداء التنافسي، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، وتوسيع مشاركة الملكية، وتدفق الاستثمارات الجديدة، وتشجيع قيام السوق المالية.. على ان يتم ذلك في اطار الاساليب التي حددها القانون، مثل الاكتتاب العام، وحصص العاملين، والادارة او الايجار، وبيع أسهم وحصص الدولة في القطاع المختلط، وايضاً بيع الأصول المملوكة للدولة واعادة الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة الى ملاكها الشرعيين السابقين قبل صدور قرارات التأميم.
الحكومة كانت قد انتهجت عملية الخصخصة قبلها، أي منذ عام 1995م، وذلك ضمن الاصلاحات التي أعلنت عنها، ولكن لعدم وجود تشريعات تنظم ذلك فلم تقم الحكومة إلاّ بتصفية الوحدة الاقتصادية العامة..
ومع هذا-وبحسب ورقة عمل المكتب الفني للخصخصة المقدمة للقاء الموسع لقيادات الوحدات الاقتصادية الذي عقد بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة- للفترة »1 - 3 / 8 / 2009م« الذي شاركت في كافة جلساته، اتضح ان اجمالي الوحدات الاقتصادية التي تم خصخصتها من عام 1991م حتى عام 1999م »ستون« وحدة اقتصادية.. ومن العام 1999م حتى عام 2008م »إحدى وأربعون« وحدة اقتصادية.. أي ان اجمالي الوحدات الاقتصادية التي خصخصت فعلاً من عام 1991م حتى العام الماضي 2008م بلغت »مائة وواحد« وحدة اقتصادية.. في قطاعات الصناعة، والتجارة، والزراعة، والسياحة، والثقافة، والنقل، والطلاء، والاتصالات، والقطاعات المالية، والسمكية، والنفطية.
من هذا نلاحظ ان عملية الخصخصة ونتائجها أبرزت اشكاليات عدة ومشكلات معقدة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، أثرت سلباً بصورة كبيرة على البلاد والعباد حتى اللحظة لتصبح »الخصخصة« سيئة الذكر، عبئاً ثقيلاً بحاجة لإعادة النظر ووضع استراتيجية جديدة ورؤية وطنية تراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتنموية.. لعوامل سأكتفي بذكر ثلاثة منها هي :
1- ان تعريف الخصخصة، واساليب وطرق تنفيذها قاصرة، وغير ذات جدوى اقتصادية وغير علمية وعملية.
2- انها لا تتوافق والسياسات العامة للدولة الهادفة لبناء اقتصاد وطني قوي، وتنمية اجتماعية سليمة، لما واكب الخصخصة من عشوائية في التنفيذ، وتعددية في الجهات القائمة عليها، وتجاوزات للقوانين، وازدواجية في المعايير، وقصور في البيانات والمعلومات، وعدم تنفيذ التوجيهات القيادية العليا التي أكدت على عدم المساس بالوحدات الاقتصادية الرائدة الكبرى او الصغرى التي تمثل احد مصادر الرزق وتشغيل العمالة، او اعادة تأهيل الوحدات الاقتصادية المتعثرة.
3- ان غالبية الوحدات التي خصخصت، بيعت لمستثمرين هدفهم المتاجرة بأراضي تلك المشروعات لارتفاع اسعارها، وبيع الالآت كخردة، مع طرد العمالة للشارع.. بمعنى ان عائدات الخصخصة الايجابية لاتمثل أكثر من »3٪« تقريباً.. بينما »97٪« أصابها الفشل في البعدين الاقتصادي والاجتماعي.
حول الانحرافات الاخرى المتعلقة بالخصخصة وتفكير البعض في الاتجاه نحو مؤسسات الدولة ذات الموارد الكبيرة التي ترفد بها خزينة الدولة لخصخصتها، أو بمعنى أدق البدء في ضمها لموضة »الخصخصة« والنتائج العبثية غير المدروسة. لنا أكثر من عودة..