السبت, 15-أغسطس-2009
الميثاق نت - عائشة الكعبي الميثاق نت - متابعات -
في مجموعتها القصصية الأولى «غرفة القياس» للكاتبة والرسامة عائشة الكعبي، الصادرة عام 2007 ضمن إصدارات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، غالبا ما تبدو النساء بمفردهن، ووحيدات رغم كل ما حولهن من صخب العائلة أو حتى صخب الوحدة، لكن السرد هنا هو الذي يفضح تلك العزلة عبر مواقف تشير وتومئ ولا تقول الأمر صراحة. تعلّق الكاتبة عائشة الكعبي على ذلك بالقول: «ليست العزلة وحدها مَنْ دفع بالمرأة باتجاه وضع كهذا بل هو المجتمع أيضا الذي يدفع، عبر تواطؤاته وتواضعاته والبعض من قيمه، بالمرأة بحيث تكون العزلة خيارا فرديا أحيانا، لكن المرأة بشكل عام معزولة في المجتمعات العربية كلها، رغم ما نشهده من انفتاح هنا أو هناك». غير أن هذه الأجواء الأكثر إثارة للحزن والأسى تخرج منها إلى فضاءات سردية أرحب وتنشغل بالإنسان عموما في مجموعة قصصية جديدة لم تختر لها عائشة الكعبي عنوانا بعد، وتقول عنها «إنها تجربة جديدة قمت بنشر البعض منها في الصحافة المحلية، ولا أدري، حقيقة، إذا كان ينبغي على أن أعلق عليها، لكن يمكنني القول إن القصص فيها تنتمي إلى ما يعرف بالقصة القصيرة جدا، وحاولت فيها التقاط مشاغل صغيرة للناس بحيث تنبلج في آخر المشهد صورة جديدة قد تكون مفاجئة تقدم معنى جديدا هو بدوره غير متوقع». وبحسب الاطلاع على ما أمكن من قصص هذه المجموعة، فهي بالفعل مشاهد صغيرة من المشاهد العادية التي تراها عين العابر ولا تأبه إليها، لكن عائشة الكعبي تخلق انحرافا في السرد من نوع ما يجعل المرء يتوقف مليا أمامها ويفكر فيها بوصفها تعبيرا عن الواقع الاجتماعي بكل إشكالياته، أي أنها تعيد إنتاج واقع ما ربما لم يحدث لكن من الممكن حدوثه، ببساطة. أما على صعيد الشكل والأسلوب فقد احتفظت عائشة الكعبي من مجموعتها الأولى «غرفة القياس» بالسرد الذي يومئ ويشير بهدف صدم القارئ ربما، لكن الشكل والوعي به يبدو أكثر نضجا هنا، فلقد غادرت الكاتبة طزاجة الكتاب الأول وبراءة الوعي واقتربت خطوة أخرى من ضرورة إدراك الشكل والتأمل فيه، أسلوبيا، بإعطاء أهمية كبيرة للعنوان، مثل قصة «تلاص» التي تعبر عن أدوات الكاتبة ربما أكثر من سواها حيث تكتب: «هنا إذن يضع رأسه الحبيب!.. أغمضت عينيها وجسدت بخيالها وجهه ملتصقا بنفس البقعة التي تعانقها هي الآن. أحست بأنفاسه التي طالما نفثها هنا. انسلت إلى أنفها رائحة طيبة لاذعة، ذكرتها برائحة الأرض الظمأى بعد ارتوائها بالمطر. فكرت .. أتراه سيشم بقايا عطري حين يلامس وجهه هذه البقعة في المرة المقبلة؟ هل ستخبره زوجته أنني كنت هنا وأنني... شعرَت بوخزة في كتفها وجاء صوت زوجته يقول: لا أقصد مقاطعة صلاتك ولكني خشيت عليك حين طال سجودك!!» وتقول عائشة الكعبي، المترجمة أيضا، بأنها منفتحة على أفق عالمي، هي التي يصدر لها قريبا عن مشروع كلمة الذي يتبع دائرة الثقافة والتراث بأبوظبي كتاب من المختارات القصصية العالمية بعنوان: كيف كتبت الرسالة الأولى، يشتمل على قصص لعدد من الكتّاب العالميين الذين باتوا كلاسكيي القصة القصيرة في العالم من أمثال: تشيخوف وإيتالو كالفينو وطاغور وكبلنغ وكابوتي. لكنها في الوقت نفسه تعترف بأن اطلاعها على المشهد القصصي المحلي والعربي ضعيف مع أنها قد كتبت أول قصة لها بأثر من قراءتها يوسف إدريس. وتقول أيضا «إن وزارة الثقافة تعمل على إصدار موسوعة للقصة القصيرة الإماراتية وأنها تأمل من خلال هذه الموسوعة تجاوز هذا القصور». ويبقى القول إن مشروع عائشة الكعبي في القصة القصيرة جدا في مراحله الأخيرة ليجري بعد ذلك صدوره خلال الخريف المقبل.
أحد النصوص القصصية المترجمة للكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو: (الرجل الذي هتف: «تيريزا»)
نزلت عن الرصيف، تقهقرت بضع خطوات إلى الوراء وعنقي مشرئبة نحو الأعلى، ومن منتصف الشارع، قوست كفيّ حول فمي مثل البوق وصحت باتجاه الطوابق العليا للمجمع السكني: « تيريزا..!» ذعر ظلي من القمر فربض بين قدميّ. مرق شخص ما. هتفت مجدداً: « تيريزا..! » . تقدم الرجل مني وقال: « إن لم تصح بصوت أعلى فلن تتمكن من سماعك، دعنا نحاول سوية. طيب، سأعد إلى ثلاثه وبعد الثلاثة نصرخ معاً . ثم قال « واحد، اثنان، ثلاثة»، فهتفنا معاً : « تيرييييزااا.. » . رآنا جمع من الأصدقاء كانوا في طريق عودتهم إما من المسرح أو المقهى. بادرونا قائلين: « هيا، نحن أيضاً سنضم أصواتنا إليكم « والتحقوا بنا حيث كنا وقوفاً في وسط الطريق .. ثم قال الرجل الأول : « واحد، اثنان، ثلاثة » بعدها صاح الجميع : «تي- رييييي- زاااا..!! » شخص آخر كان عابراً فانضم إلينا، وفي غضون ربع ساعة تحلق حولي عصبة من الرجال، قرابة العشرين. ولا يزال أشخاص جدد يتقاطرون صوبنا. لم يكن تنظيم أنفسنا للوصول إلى الصيحة المثلى بالمهمة السهلة، كان هنالك دوماً من يبدأ قبل الثلاثة أو من يمد صيحته أكثر من الآخرين، إلا أننا في النهاية قد تدبرنا أمرنا بشكل جيد نوعاً ما. اتفقنا على أن نهتف المقطع «تي» بنغمة منخفضة ممدودة، ومقطع « ري » بصرخة عالية مطولة، ولتكن «زا » بدرجة منخفضة قصيرة. بدت رائعة. باستثناء مشاكسات طفيفة كانت تنشب بين الحين والآخر إذا ما شذ أحدنا عن اللحن. كنا في سبيلنا لإتقان النغمة، حين سأل أحدهم بصوت لو أردت مطابقة وجه عليه، لاخترت له وجها منمشا لا محالة . « إنما هل أنت واثق من وجودها بالمنزل؟ » أجبت « لا » « هذا سيئ » قال آخر « قد نسيت مفتاحك، أليس كذلك؟ » « في الواقع» دمدمت « إن مفتاحي بحوزتي » « إذن؟! « سأل بعضهم « لم لم تصعد؟! » « هاه..!! لكني لا أقطن هنا « أجبتهم. » أنا أقطن في الطرف الآخر من المدينة. « « طيب إذن ، اغفر لي فضولي « سأل الرجل ذو الصوت المنمش بحذر « لكن من الذي يسكن هنا؟! » قلت : « ومن أين لي أن أعلم ..!! » انزعج الجمع بعض الشيء. «إذن هلا تكرمت وشرحت لنا ..» سأل شخص بصوت مسنن حاد « لم أنت واقف هنا تنادي على تيريزا ؟!» « على حد علمي، بوسعنا المناداة على اسم ثان أو المحاولة في مكان آخر. ليست معضلة..!!» بدا عليهم الضيق. « أتمنى أنك لم تكن تسخر منا يا رجل؟! « سأل المنمش بارتياب «ماذا؟!» صحت ممتعضاً واستدرت مواجهاً الآخرين للتأكيد على حسن نيتي. لاذ الباقون بالصمت في إشارة إلى أن حيلة التملق لم تنطل عليهم. وتسيدالموقف حرج اللحظة. « اسمعوا» قال شخص بمزاج مرح « لم لا ننادي على تيريزا للمرة الأخيرة ثم نعود أدراجنا ؟!» وكان ذلك ما فعلنا « واحد، اثنان، ثلاثة، تيريزا..! « إلا أنها لم تخرج على نحو حسن، تفرق الجمع عائدين إلى بيوتهم، أحدهم في اتجاه والبعض في الاتجاه الآخر. كنت قد انعطفت باتجاه الميدان حين ظننت أنني سمعت صوتاً ينادي «تي-ريييي- زاااا..!!» لا ريب أن شخصاً ما قد تخلف ليواصل الهتاف.. شخص عنيد..!!
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:35 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-11280.htm