الإثنين, 28-سبتمبر-2009
الميثاق نت -    ‮ ‬التقاه‮ ‬في‮ ‬القاهرة‮: ‬عبدالولي‮ ‬المذابي -
رأس قيمته 50 الف جنيه ذهب، الفرعون الشيخ مقدمي الحدا - محمد غالب الاحمر، الرائد، واسماء اخرى كلها تعني 23 معركة ناجحة من رداع الى باقم.. شخصية قيادية لها اسهامات بارزة في الدفاع عن الثورة اليمنية في المحور الشمالي (صعدة).. في اول لقاء صحفي يستكشف الدور الذي‮ ‬قامت‮ ‬به‮ ‬هذه‮ ‬الشخصية‮ ‬وأدوار‮ ‬اخرى‮ ‬واراء‮ ‬جديدة‮ ‬قد‮ ‬تكون‮ ‬لها‮ ‬اثرها‮ ‬في‮ ‬تصحيح‮ ‬تاريخ‮ ‬الثورة‮.‬

اللواء محمد عبدالله من مصر أتى مفعماً بالايمان والقومية العربية ليشارك في تأمين ثورة 26سبتمبر الوليدة.. لم يكن يدرك اين سيحارب وفي اية ظروف، ولكن شيئاً واحداً كان يملأ قلبه باليقين هو ان هناك اناساً في اليمن من حقهم ان يعيشوا حياة الحرية بعد ان حرموا منها طويلاً‮. ‬ظل‮ ‬هذا‮ ‬الرجل‮ ‬منسياً‮ ‬ولم‮ ‬يحصل‮ ‬على‮ ‬اي‮ ‬تكريم‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬نظير‮ ‬الادوار‮ ‬المهمة‮ ‬التي‮ ‬قام‮ ‬بها‮ ‬في‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر‮ ‬وحسم‮ ‬المعركة‮ ‬مع‮ ‬الملكيين‮ ‬في‮ ‬المحور‮ ‬الشمالي‮..‬

ولا يفوتني هنا ان اشير الى دور السفير عبدالعزيز الكميم سفير اليمن السابق لدى القاهرة من اجل الوصول الى هذه الشخصية النضالية المهمة الذي قام باصطحابي في زيارة خاصة الى منزل اللواء محمد عبدالله بحي النزهة في القاهرة، وكان قد تعرف عليه من خلال والده المناضل ناصر‮ ‬الكميم‮- ‬رحمه‮ ‬الله‮-.‬

وقد قام سعادة السفير بنقل تحيات القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وتمنياته له بالشفاء، معبراً عن امتنان الشعب اليمني للأدوار القومية البطولية التي قام بها اللواء محمد عبدالله في معركة الدفاع عن الثورة اليمنية الى جانب المناضلين‮ ‬من‮ ‬جمهورية‮ ‬مصر‮ ‬العربية‮ ‬الذين‮ ‬ضحوا‮ ‬بدمائهم‮ ‬وارواحهم‮ ‬من‮ ‬اجل‮ ‬انتصار‮ ‬الحق‮ ‬والعدل‮ ‬والحرية‮ ‬في‮ ‬اليمن‮.‬

>> يقول اللواء محمد عبدالله عندما ركبنا البواخر من (الاديبية) كنا نتوقع ان نصل الى ارض مشتعلة بالمعارك.. وكانت البداية في يوم 3 اكتوبر عندما وصلنا الى ميناء الحديدة وكنا قد امضينا اربعة ايام في البحر ومن الحديدة ركبنا الشاحنات العسكرية باتجاه صنعاء وصراحة لم اشعر انني وصلت الى اليمن الا بعد ان قطعنا عشرين كيلو متراً نحو صنعاء حين بدأنا نشق طريقنا وسط الجبال والمنحدرات الضيقة، عرفت بعد ذلك اننا قادمون على معارك في ارض صعبة التضاريس لن تكون مأمونة في كل الاحوال لأنها تخالف الارض التي تعودنا على الحروب فيها.

قطعنا الطريق من الحديدة الى صنعاء في يومين بسبب حركة (القول) وهي قافلة من المدرعات وناقلات الجنود.. الطريق كان محفوفاً بالخطر على الرغم من أنه الطريق الوحيد المغطى بطبقة من الاسفلت حينها، وقد شيده الصينيون حسب علمي وفيه تعلمنا جيداً كيف يكون العمل في اليمن‮.. ‬فقد‮ ‬كنا‮ ‬نجد‮ ‬السائقين‮ ‬يفشلون‮ ‬في‮ ‬السيطرة‮ ‬على‮ ‬شاحناتهم‮ ‬في‮ ‬تلك‮ ‬المنحدرات‮ ‬القاسية‮ ‬والمدقات‮ ‬الجبلية‮ ‬الوعرة‮.‬



أين‮ ‬الثورة؟

وصلنا الى صنعاء ولم نجد رائحة الثورة ولم نر اثراً لها في الشوارع.. كانت الاوضاع هادئة في المدينة.. استقبلتنا الشرطة العسكرية المصرية في ميدان العرضي وتقرر حينها توجيهنا الى منطقة صعدة، وعندما سألنا اين تقع صعدة وكيف نذهب اليها قيل لنا لا توجد اية خرائط.

المعارك‮ ‬كانت‮ ‬دائرة‮ ‬على‮ ‬أشدها‮ ‬في‮ ‬محور‮ ‬صعدة‮ ‬حيث‮ ‬يتحصن‮ ‬الامام‮ ‬البدر‮ ‬في‮ (‬الاهنوم‮) ‬وعندما‮ ‬ارسلت‮ ‬اليه‮ ‬كتيبة‮ ‬صاعقة‮ ‬فر‮ ‬الى‮ ‬منطقة‮ (‬ساقين‮) ‬اما‮ ‬سيف‮ ‬الاسلام‮ ‬الحسن‮ ‬فكان‮ ‬قد‮ ‬خرج‮ ‬من‮ ‬اليمن‮.‬

بدت لي المهمة في اليمن غاية في الصعوبة لأن الناس كانوا يعتقدون بأن الامام هو ظل الله على الارض وامره من امر الله، ولعل ما افشل جميع الثورات السابقة لثورة 26سبتمبر هي تلك العقيدة الراسخة لدى اليمنيين.

ومن الاشياء التي سمعنا عنها واستغربنا لها ولست متأكداً منها ان وزارة الصحة أوكلت قبل الثورة الى القاضي عبدالسلام صبرة وكان عليه ان يدفع رواتب الموظفين ويصرف على الوزارة ويكون له ريعها.. وكذلك الحال في بقية الوزارات.

لم‮ ‬يكن‮ ‬هناك‮ ‬ميزانية‮ ‬للدولة‮ ‬في‮ ‬عهد‮ ‬الإمام‮.. ‬كان‮ ‬الإمام‮ ‬لديه‮ ‬كراسة‮ ‬يضع‮ ‬فيها‮ ‬ميزانية‮ ‬الدولة‮ ‬كلها‮ ‬ويحدد‮ ‬فيها‮ ‬من‮ ‬القبيلة‮ ‬التي‮ ‬دفعت‮ ‬والقبيلة‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تدفع‮.‬



من‮ ‬سرق‮ ‬الثورة؟

سمعت من الناس في صنعاء ان الثورة قام بها 26 ضابطاً شاباً جميعهم برتبة الملازم بقيادة الملازم علي عبدالمغني، اما الذي استفاد من النزعة الثورية لدى هؤلاء الشباب فهم مجموعة من الضباط الكبار الذين درسوا في العراق امثال عبدالله السلال وحمود الجايفي وحسن العمري ومحمد الرعيني وهادي عيسى.. ودفعوا بالضباط الشباب لمطاردة الامام الهارب وفلول الإمامة فقال الملازم يحيى المتوكل انا اتولى المطاردة في الاهنوم وقال حمود بيدر وانا سأذهب الى ريدة، وانتشر البقية لحماية الثورة في مناطق مختلفة بينما استولى الضباط الكبار على المناصب‮ ‬الحساسة‮ ‬في‮ ‬الدولة‮ ‬مستغلين‮ ‬بذلك‮ ‬ميزة‮ ‬احترام‮ ‬الكبير‮ ‬الذي‮ ‬عرف‮ ‬بها‮ ‬اليمنيون‮.‬

عرفت احد الضباط الكبار وهو هادي عيسى وصادقته وكنت قد سمعت عن هذا الرجل ما يشيب الرأس.. كان يأخذ معه سياف الامام دائماً، وعرف عنه انه رجل دموي وكان إذا قال للسياف افعل ما أمرك به الله يطيح برأس الرجل الذي يقف امامه على الفور.



خذلوا‮ ‬الثوار‮..‬

الثورة كلها كانت في صنعاء.. لم يستمر الضباط الشباب في مطاردة فلول الملكيين لأكثر من شهر.. كان الواحد منهم يستغيث ويطلب من القيادة في صنعاء ان يمدوه بالذخيرة والمال اللازم للجيش فلا أحد يستجيب له.. وكان هناك جيش آخر قد نشأ.. كل ضابط كان يأخذ معه مائتين أو ثلاثمائة مقاتل وينطلق بهم.. ولكن عندما وجد هؤلاء الضباط الشباب ان من وراءهم استولوا على كل شيء ولم يعيروهم اهتماماً ا ضطروا الى ترك مواقعهم وعادوا.. الثورة كانت محصورة في صنعاء حول قصور الإمام والقوات المصرية كانت تتواجد في صنعاء.. ولعل هذا ما دفع احد الرجال‮ ‬من‮ ‬سكان‮ ‬صنعاء‮ ‬للقول‮: «‬الله‮ ‬يعينكم‮ ‬في‮ ‬حربكم‮ ‬يا‮ ‬مصاريه‮».. ‬وذلك‮ ‬عندما‮ ‬سألته‮ ‬عن‮ ‬الثورة‮.. ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬هناك‮ ‬احد‮ ‬والجميع‮ ‬يبحث‮ ‬عن‮ ‬مصلحته‮ ‬الخاصة،‮ ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬ملامح‮ ‬الثورة‮ ‬في‮ ‬البداية‮.‬

ولا انسى هنا ما قاله احد مشايخ خولان الذي انقلب على الجمهوريين وقد عرفت هذا الرجل عن قرب وصادقته وقال لي ذات مرة «انا من الثوار.. ولكنني وجدت ان البلد قد اخذها البعض ولم احصل على شيء، ففضلت ان ارجع بكرامتي الى منطقتي الاعروش».. وكما يقال عندنا من خرج من داره‮ ‬قل‮ ‬مقداره‮» ‬الرجل‮ ‬شعر‮ ‬بأنه‮ ‬ليس‮ ‬له‮ ‬قيمة،‮ ‬فاضطر‮ ‬الى‮ ‬العودة‮ ‬وقال‮ ‬لهم‮: «‬انا‮ ‬سأربيكم‮ ‬واخليكم‮ ‬تأتوا‮ ‬الى‮ ‬عندي‮».‬



أصدقاء‮ ‬أم‮ ‬خصوم؟

وهناك‮ ‬قصة‮ ‬اخرى‮ ‬لهذا‮ ‬الرجل‮ ‬في‮ ‬مؤتمر‮ ‬حرض‮ ‬عام‮ ‬1965م‮ ‬الذي‮ ‬انعقد‮ ‬بناءً‮ ‬على‮ ‬الاتفاق‮ ‬الذي‮ ‬تم‮ ‬بين‮ ‬الملك‮ ‬سعود‮ ‬والرئيس‮ ‬جمال‮ ‬عبدالناصر‮ ‬لحل‮ ‬المشكلة‮ ‬بين‮ ‬الملكيين‮ ‬والجمهوريين‮.‬

اقمنا معسكرين منفصلين للطرفين في حرض لأننا كنا نظن انهم سيضربون بعضهم البعض، ولذا فقد بقينا في المنتصف للحيلولة دون ذلك، ولكننا فوجئنا بالملكيين والجمهوريين من لحظة نزولهم من الطائرات يسلمون على بعضهم بالاحضان والقبل.. «يا نهار اسود امال احنا خايفين ليه» كانت‮ ‬حالة‮ ‬غريبة‮ ‬وجديدة‮ ‬علينا‮ ‬لأننا‮ ‬تصورنا‮ ‬انهم‮ ‬اعداء‮ ‬ولو‮ ‬كنا‮ ‬عرفنا‮ ‬انهم‮ ‬اصدقاء‮ ‬لأقمنا‮ ‬لهم‮ ‬معسكراً‮ ‬واحداً‮ ‬فقط‮.‬

ظللنا نستقبل الطائرات التي كانت تأتي من الخارج لمدة اسبوع، اما الجمهوريون فكنا نأخذهم معنا من صنعاء على طائراتنا.. ولم يحضر ذلك الشيخ الى المؤتمر الا في اليوم التاسع من اقامة المعسكر، وعندما سألته عن الاسباب قال لي بلهجة ا ستعلاء: «إعقل انا شيخ»، فقلت له أعرف ذلك، انت شيخ قبيلة كبيرة ومعروف للجميع، فقال: «لو أتيت مع هؤلاء الناس لما أخذت سوى خمسة آلاف جنيه ذهب فقط، ولكنهم كلما قالوا لي احضر المؤتمر رفضت، فقام احد الامراء بإعطائي خمسين الف جنيه ذهب في كيس وقالوا لي هذا نصيبك فحضرت.. ولو كنت قبلت من البداية لما‮ ‬اعطوني‮ ‬سوى‮ ‬خمسة‮ ‬آلاف‮ ‬مثل‮ ‬بقية‮ ‬المشايخ‮ ‬الموالين‮ ‬وقال‮: «‬هذا‮ ‬حقي‮ ‬ويقصد‮ ‬انها‮ ‬قيمته‮.‬

ويتابع قائلاً: هم الذين صنعوا الشيخ (....) واوجدوه، وهم يعرفون انه يقبل من هؤلاء ويقبل من الآخرين، لقد تعلمت في اليمن ان القبيلة واحدة والانتماء لها فقط ولكن الاتجاهات تتعدد حسب المصلحة.. مثلاً الشيخ يكون موالياً للجمهوريين ويدفع بأخيه ليكون موالياً للإمامة‮ ‬ليحصل‮ ‬منهم‮ ‬على‮ ‬مبلغ‮ ‬من‮ ‬المال‮ ‬وخلال‮ ‬اسبوع‮ ‬من‮ ‬الاحتفال‮ ‬به‮ ‬يعود‮ ‬ليعلن‮ ‬ولاءه‮ ‬للجمهوريين‮ ‬والعكس‮ ‬يحدث‮ ‬تماماً‮.‬

قال لي ذلك الشيخ ذات مرة «تعلم مني.. الثورة اليمنية هذه بقرة.. ضرع (....) وضرع مصري واليمنيين هم الذي يحلبونها..» هذا الكلام دار بيننا في مؤتمر حرض الذي استمر لمدة ثلاثة اشهر ولم يتم التوصل خلاله الى شيء وجاء العيد وتركنا الجميع وذهبوا.



حرب‮ ‬على‮ ‬مضيق‮ ‬العمشية

خلال‮ ‬فترة‮ ‬تواجدي‮ ‬في‮ ‬منطقة‮ ‬حرف‮ ‬سفيان‮ ‬وهي‮ ‬منطقة‮ ‬الشؤون‮ ‬الادارية‮ ‬والامداد‮ ‬لمحور‮ ‬صنعاء‮ ‬صعدة‮ ‬كان‮ ‬هناك‮ ‬محور‮ ‬يفترض‮ ‬ان‮ ‬يتم‮ ‬فتحه‮ ‬ولكنه‮ ‬لم‮ ‬يفتح‮ ‬وهو‮ ‬محور‮ ‬الحزم‮ «‬حزم‮ ‬الجوف‮».‬

وقد‮ ‬لاحظت‮ ‬اثناء‮ ‬تنقلاتي‮ ‬المتكررة‮ ‬بين‮ ‬صعدة‮ ‬وحرف‮ ‬سفيان‮ ‬وجود‮ ‬تحركات‮ ‬غريبة‮ ‬من‮ ‬قبيلة‮ ‬بني‮ ‬عوير‮ ‬في‮ ‬مضيق‮ ‬وادي‮ ‬العمشية‮ ‬وشاهدت‮ ‬كمائن‮ ‬قبلية‮ ‬مسلحة‮.‬

كان اقرب من يمكن ابلاغه بالنسبة لي هو العقيد حافظ قدري - رحمه الله - فذهبت اليه وطلبت منه ان يطلع على الموقف ويقرر ما يجب عمله كون المنطقة تتبع الصفراء التي تتواجد بها احدى الكتائب العسكرية التابعة له وهي الكتيبة (19 مشاه) وبها ضابطان برتبة المقدم هما (سعد سليم وحسن ابو سعدة) وكانت الكتيبة قد احتلت قلعة الصفراء وتقيم فيها، وفي كل يوم يحدث تبادل الهجوم بين الكتيبة والملكيين لأن هذه القلعة مواجهة لجبل شرمات (معقل الإمامة) وكان يقود جيش الإمامة في وادي شرمان محمد بن الحسن.

وكان‮ ‬واحد‮ ‬من‮ ‬افراد‮ ‬الاسرة‮ ‬الحاكمة‮ ‬قد‮ ‬استقل‮ ‬بمنطقة‮ ‬يحارب‮ ‬فيها‮ ‬وكانوا‮ ‬يتلقون‮ ‬اموالاً‮ ‬من‮ ‬الخارج‮ ‬لتمويل‮ ‬الحرب‮ ‬ضد‮ ‬الثورة‮ ‬والنظام‮ ‬الجمهوري‮.‬

الى الامام قليلاً باتجاه (نشور وصعدة ومجز) كان سيف الاسلام الحسن هو الذي يقود الجيش هناك بنفسه والبقية كانوا اولاد اخوته واصهاره وهم مجموعة من الشباب المتعلمين ومنهم عبدالله بن الحسين الذي كان يدرس في الكلية الحربية في مصر عام 1958م عندما كانت هناك وحدة بين اليمن ومصر ولم تستمر سوى سنتين بعدها اعلن الامام احمد انسحابه منها بعد ان تلقى خبراً من جواسيسه بأن الوحدات العسكرية المصرية التي جاءت الى اليمن تنوي الايقاع به والقيام بثورة ضده، وهذه القوات بقيادة الرائد احمد ابو زيد - رحمه الله.

وعودة‮ ‬الى‮ ‬موضوعنا‮ ‬اتصل‮ ‬العقيد‮ ‬حافظ‮ ‬قدري‮ ‬بالكتيبة‮ ‬المتواجدة‮ ‬في‮ ‬منطقة‮ ‬الصفراء‮ ‬للاستفسار‮ ‬عن‮ ‬الوضع‮ ‬فقالوا‮ ‬له‮ ‬لا‮ ‬يوجد‮ ‬اي‮ ‬شيء‮ ‬غريب‮.‬



الإماميون‮ ‬يستولون‮ ‬على‮ ‬المضيق

ولكن بعدها حدث ان كانت وحدة عسكرية مصرية تمر في وادي العمشية وطوله 12 كيلو متراً تقريباً ويصل حتى المسحاط.. وفي الطريق بئر بناها الامام وبركة مملوءة بالمياه التي تتجمع عند نزول الامطار الصيفية وهي المصدر الوحيد لمياه الشرب في هذا الطريق وتوقفت الوحدة للشرب فخرج عليها كمين بقيادة (عثمان العلابي) من قبيلة بني عوير ومعه مجموعة من المشايخ الصغار في المناطق المجاورة وهجموا على الكتيبة وقتل في الهجوم 25 جندياً مصرياً ودمرت آلياتهم العسكرية وتم الاستيلاء على المضيق.

اقترحت الكتيبة 19 فتح المضيق وحشدت قوات على مدخل المضيق ولكن اليمنيين افضل من المصريين في حرب الجبال.. كانوا يبنون دشماً «عبارة عن احجار مرصوصة» ويتمترسون خلفها ويطلقون النيران بدون ان يهجموا.. اما الجنود المصريين فكانوا يهجمون من السطح الامر الذي عرضهم للضرب‮ ‬واضطرارهم‮ ‬للهروب‮ ‬وترك‮ ‬المكان‮ ‬ومعداتهم‮ ‬ايضاً‮.. ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ ‬بمنتهى‮ ‬الصراحة‮.‬

قامت الكتيبة 19 بإنزال سرية بقيادة ضابط برتبة نقيب اسمه (المنزلاوي) واخذت السرية وضعاً مرتفعاً وسيطرت على نصف المضيق ولكن المضيق ظل مقفلاً والسرية مرابطة لمدة شهرين.. بعدها تم نقل القوات بالطيران من صنعاء الى صعدة.

لا انسى هنا فضل الشيخ عبدالله ذيبان شيخ منطقة حرف سفيان هو وقبيلته كنت استعين بثلاثمائة من رجاله لتأمين الطعام والذخيرة للمنزلاوي وسريته وكنا نقوم بتجهيز سبع شاحنات بالمؤن واذهب مع اربعين من رجاله الى المسحاط، وكان رجاله يقومون اولاً بتفتيش المنطقة وتأمينها ثم نقوم بانزال المؤن وتسليمها للمنزلاوي وسريته وهكذا كل اسبوع.. ويبدو ان مضيق العمشية من الاسفل يتبع حرف سفيان اما الاعلى فيتبع بني عوير الموالية للملكيين، ولذلك لم نكن نتعرض للضرب عندما نتقدم من الاسفل.



أهم‮ ‬واجب‮ ‬في‮ ‬اليمن

جاءت‮ ‬اشارة‮ ‬من‮ ‬المشير‮ ‬عبدالحكيم‮ ‬عامر‮ ‬وهو‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬يحضر‮ ‬مؤتمراً‮ ‬هناك،‮ ‬وحملت‮ ‬الاشارة‮ ‬امراً‮ ‬الى‮ ‬انور‮ ‬القاضي‮ ‬قائد‮ ‬القوات‮ ‬تقول‮ ‬له‮ ‬بان‮ ‬فتح‮ ‬مضيق‮ ‬العمشية‮ ‬اهم‮ ‬واجب‮ ‬في‮ ‬اليمن‮.‬

في‮ ‬هذه‮ ‬الاثناء‮ ‬تعرضت‮ ‬الكتيبة‮ ‬المتواجدة‮ ‬في‮ ‬منطقة‮ ‬الاعروش‮ ‬خولان‮ ‬لهجوم‮ ‬وقتل‮ ‬عدد‮ ‬كبير‮ ‬من‮ ‬الجنود‮ ‬المصريين،‮ ‬فقام‮ ‬انور‮ ‬القاضي‮ ‬بتشكيل‮ ‬غرفة‮ ‬عمليات‮.‬

كان الوضع لا يحتمل نقل قوات من صنعاء الى صعدة لفتح مضيق العمشية لذا طلب انور القاضي من القيادة في القاهرة ارسال اللواء الذي تم تجهيزه بالطيران على وجه السرعة وكان اللواء عبارة عن مجموعة من الكتائب هي (31، 25، 24) وكتيبة صاعقة جاءت قبلهم.

سألت الرائد وهبة عن هذه الكتيبة وكفاءتها فقال انها جيدة ولكنها ستقوم بالتدريب هنا على مسرح العمليات، فاقترحت على اللواء انور القاضي اشراك مقاتلين يمنيين فقال ومن اين نأتي بهم فقلت لهم انا استطيع ان احضر 4 آلاف مقاتل يمني من عند «ابويا الشيخ غالب الاحمر» فقال‮ ‬ومن‮ ‬اين‮ ‬تعرف‮ ‬غالب‮ ‬الاحمر‮ ‬فقلت‮ ‬له‮: ‬انا‮ ‬محمد‮ ‬غالب‮ ‬الاحمر‮ ‬الذي‮ ‬كنت‮ ‬ابعث‮ ‬لك‮ ‬بالاشارات‮ ‬عن‮ ‬المواقف‮ ‬هناك‮.‬

كان غالب الاحمر هو قائد المحور وقد تصدى لعبدالله بن الحسين عندما اراد ان يستولي على حرف سفيان ولم أكن استطيع ان ارسل البلاغات باسم محمد عبدالله فكنت ارسلها باسم محمد بن غالب الاحمر سألني اللواء انور القاضي: هل تستطيع ان تحضر رجالاً من عند الشيخ غالب الاحمر فقلت له: غداً في الظهر سيكون عندك اربعة آلاف مقاتل، فقال: هل لك تأثير عليهم قلت: نعم.. فوضعني امام الامر الواقع وقال لي: هذا الامر الاداري امامك تحرك به الآن ولديك اربعين عربة »ناقلة جنود«.



نزاع‮ ‬على‮ ‬القيادة‮..‬

نزلت في تلك الليلة الى (خمر) ووصلنا بعد الفجر فوجدنا حرباً قائمة بين الشيخ غالب الاحمر والشيخ عبدالله بن حسين الاحمر ويقف معه الشيخ مجاهد ابو شوارب وكانت هذه اول مرة اعرف فيها الشيخ عبدالله والشيخ مجاهد.

اما سبب حربهما مع الشيخ غالب فهو اعتراضه على ان يتولى الشيخ مجاهد وهو فتى صغير السن قيادة الجيش في الحرب ضد الإماميين الذين هجموا عليهم وأرادت حاشد الرد عليهم وتأديبهم وكان الجميع مع الجمهورية ولكنهم اختلفوا على القيادة مما أدى الى تفريق المقاتلين فانضمت (ذيبين‮) ‬وما‮ ‬جاورها‮ ‬الى‮ ‬الشيخ‮ ‬مجاهد‮ ‬والى‮ ‬جانبه‮ ‬الشيخ‮ ‬عبدالله‮ ‬ومعه‮ »‬خمر‮« ‬فيما‮ ‬انضمت‮ »‬حوث‮« ‬الى‮ ‬الشيخ‮ ‬غالب‮ ‬الاحمر‮ ‬وهي‮ ‬بلده‮ ‬الاصلي‮.‬

اقترحت عليهم ان يأخذ الشيخ مجاهد والشيخ عبدالله نصف الجيش ويذهبوا الى الجبل لتأديب الإماميين ويأتي الشيخ غالب ورجاله معي لفتح مضيق العمشية فقبل الجميع بالحل ولكن عدد رجال الشيخ غالب لم يتعد (1500) رجل..

فكرت ورأيت ان اللواء انور القاضي سيسخر مني اذا عدت اليه بألف وخمسمائة رجل وقد وعدته بأربعة آلاف فقررت اللجوء الى المقدم عبدالله عبدالسلام صبرة وكان أيامها حاكماً بعمران، وكان قد قال لي ذات مرة لو احتجت الى رجال تعال وخذ من »عيال سريح« (500) رجل فذهبت اليه ولكنني وجدت »عيال سريح« متأهبين لأن مجاهد ابو شوارب سيصعد الى الجبل.. المفاجأة انني وجدت الرئيس عبدالله السلال عند عبدالله صبرة وكنت اول مرة اقابله وعندما وجدني اتحدث مع صبرة عن حاجتي للرجال قال لي الرئيس السلال: دعك من عيال سريح واذهب الى العرضي ستجد الف رجل‮ ‬من‮ ‬الحدا‮ ‬فسألته‮ ‬من‮ ‬الحدا؟‮.. ‬فقال‮ ‬لي‮: ‬قبائل‮ ‬من‮ ‬الجنوب‮ ‬ورجال‮ ‬اشداء‮.. ‬قلت‮ ‬له‮: ‬اكتب‮ ‬لي‮ ‬امراً‮ ‬فحرر‮ ‬لي‮ ‬الى‮ ‬قائد‮ ‬العرضي‮ ‬فأخذت‮ ‬الناقلات‮ ‬وذهبت‮..‬



أمر‮ ‬السلال‮!!‬

تصورت انني حين اعرض امر رئيس الجمهورية على قائد (العرضي) سيقفز من مكانه ويهتم بالموضوع ولكن ما حدث كان العكس تماماً.. اجابني بلامبالاة وهو يضع القات في فمه قائلاً: كلهم تحت.. هناك ستجدهم »يتغذوا«.. فعرفت بعد ذلك انه ضاجر منهم لأنهم يتذمرون بسبب انه لا يعطيهم‮ ‬طعاماً‮ ‬كافياً‮.‬

نزلت‮ ‬اليهم‮ ‬وحاولت‮ ‬ان‮ ‬اجمعهم‮ ‬فاحضروا‮ ‬لي‮ ‬الشيخ‮ ‬علي‮ ‬بن‮ ‬ناجي‮ ‬القوسي‮ ‬وهو‮ ‬رجل‮ ‬ضخم‮ ‬الجثة‮ ‬طولاً‮ ‬وعرضاً‮ ‬يثير‮ ‬الفزع‮ ‬في‮ ‬من‮ ‬امامه،‮ ‬ويلبس‮ ‬احزمة‮ ‬متداخلة‮ ‬مطرزة‮ ‬بالذخيرة‮.. ‬عرفته‮ ‬بنفسي‮.‬

وعندما رأى امر السلال معي نادى الشيخ القوسي رجاله فحضروا، وجدت فتياناً اعمارهم تتراوح بين الثانية عشرة والسابعة عشرة وبينهم ثلاثة شيوخ تقريباً منهم مسعد البخيتي عمره حوالى سبعون سنة، ولكنه اثبت لي انه مقاتل شديد.. كان جيشاً لا يعلم به الا الله.. طلب منهم الشيخ‮ ‬ان‮ ‬يركبوا‮ ‬في‮ ‬السيارات‮ ‬فركبوا‮.‬



مع‮ ‬الحدا

تحركنا بالسيارات باتجاه (ريده) وبعد حوالى ثمانية كيلو مترات وصلنا الى ريدة حوالى الساعة الثالثة عصراً، وظللنا نسير طوال الليل حتى وصلنا حرف سفيان في التاسعة صباحاً.. وفضلت ان نواصل السير ولا نتوقف حتى نصل الى مضيق العمشية على بعد 40 كيلو متراً تقريباً.

وهناك‮ ‬في‮ ‬العمشية‮ ‬قابلنا‮ ‬اللواء‮ ‬صلاح‮ ‬ياقوت‮ ‬قائد‮ ‬المحور‮ ‬الذي‮ ‬وصل‮ ‬من‮ ‬صنعاء،‮ ‬وكانت‮ ‬الكتائب‮ (‬25‭.‬24‮) ‬أيضاً‮ ‬قد‮ ‬وصلت‮.‬

اجتمعت برجالي من قبيلة الحدا فوجدتهم قد جهزوا قرارات جديدة.. قالوا لي ما دمت احضرتنا الى هنا وهذه أول مرة ندخل فيها هذه المنطقة فنحن على مسؤوليتك وهذا عهد منا بأننا لا نعرف شيخاً سواك نتسلم منك الذخيرة والمال شخصياً.. جاريتهم ووافقت لأننا داخلون على حرب.

ثم جمعتهم باللواء صلاح ياقوت واستمع اليهم فوجدوه رجلاً عاقلاً كبيراً في السن وطلبوا منه أن يكون معهم، فقال ما دمتم تريدون ذلك فالرائد محمد عبدالله (بتاعكم) معكم خذوه لكم.. فقلت له وحاشد..فقال: حاشد معك أيضاً.

وزعت عليهم الذخيرة استعداداً لبدء الهجوم في السادسة صباحاً وكانت الخطة تقضي بأن أقوم أنا والمجموعة اليمنية بتبطين جبل بني عوير وتسلقه(وهو يتكون من سبع قرى) وكل قرية ندخلها نشعل ناراً فيها وعندما ترى القوات المصرية المرابطة الدخان تتقدم، وكانت القوات المصرية‮ ‬تدعمنا‮ ‬بمدافع‮ ‬الهاون‮ ‬خلال‮ ‬تقدمنا‮.‬

مع أول قرية دخلناها بدأت الكتيبتان (24، 25) تتقدمان وتتخذان لهما مواقع فيها، وبعد أن دخلنا أول قريتين وجدت رجال الحدا هم الذين يتقدمون على الثالثة ويديرون هجوماً مستمراً لا يتوقف.. كان إقداماً فريداً من نوعه.

حرقنا القرى السبع وانتهت الحرب في الساعة الثانية عشرة ظهراً وبحثت عن رجال الحدا فلم أجدهم وعند حوالى الساعة الخامسة رأيت غباراً يتصاعد من ناحية الغرب فإذا بهم قد عادوا بالغنائم من حدود ساقين التي يتحصن فيها البدر المخلوع.

وعندما‮ ‬أبلغت‮ ‬اللواء‮ ‬صلاح‮ ‬ياقوت‮ ‬بأن‮ ‬الرجال‮ ‬عادوا‮ ‬ومعهم‮ (‬الفيد‮) ‬أي‮ ‬الغنائم‮ ‬قام‮ ‬بالإبلاغ‮ ‬بأن‮ ‬قواته‮ ‬تقف‮ ‬على‮ ‬حدود‮ (‬ساقين‮).‬

في المساء اتخذت القوات العربية مواقعها في الجبال ونحن نمنا في القرى لوحدنا. هذه العملية جعلتني أؤمن بأن (الحدا) مقاتلون أشداء طالما أن أحداً لا يأخذ حقهم من الغنيمة المشروعة في الحرب، وبعد يومين أقاموا سوقاً للغنائم في قرية المهاذر قرية جيد أبو عبيد.

وبدأ‮ ‬الناس‮ ‬في‮ ‬الشمال‮ ‬يعرفون‮ (‬الحدا‮) ‬تماماً،‮ ‬ولم‮ ‬يكونوا‮ ‬قد‮ ‬شاهدوا‮ ‬اناساً‮ ‬مثلهم‮ ‬من‮ ‬قبل‮.. ‬وكانوا‮ ‬يشبهونهم‮ ‬بالجراد‮ ‬بينما‮ ‬هم‮ ‬يؤمنون‮ ‬بأنهم‮ ‬يحاربون‮ ‬باسم‮ ‬القانون‮.‬



مسرحية‮ ‬مفزعة‮ ‬للجيش

كان‮ ‬الجيش‮ ‬يقيم‮ ‬في‮ ‬حرف‮ ‬سفيان‮ ‬وينفق‮ ‬على‮ ‬القبائل‮ ‬لأن‮ ‬الناس‮ ‬هناك‮ ‬كانت‮ ‬ظروفهم‮ ‬صعبة،‮ ‬وبالمقابل‮ ‬كانت‮ ‬النساء‮ ‬تقوم‮ ‬بإعداد‮ ‬الطعام‮ ‬للجيش‮.‬

طالت مدة بقائنا فبدأ الرجال يتذمرون من أن النساء يرفضن إعداد الطعام لهم وعندما يطلبونه منهن ترد النساء بالقول: الطعام في (شرمات).. بقصد السخرية من الجيش لعجزه عن الهجوم على جبل شرمات الذي يتحصن فيه سيف الإسلام الحسن.

اشتكى الرجال وقالوا لي: إما أن تجد لنا حلاً أو نهجم على (شرمات).. مكثنا.. شهراً فأصابني القلق على رجالي، خصوصاً ونحن لم نتعود على التوقف، وخفت أن يقوم الرجال بأعمال شغب أو يرتكبوا حماقات، ثم جلست مع المشائخ الذين أخبروني بأن سوق سفيان سيقام في الغد، وطلبوا مني الذهاب الى السوق للتأكد من أن العسكر لا يقومون بأفعال خاطئة، وطلبوا مني أيضاً بأن أقوم بضرب اثنين أو ثلاثة من رجالي وأقول لهم بأن يعودوا الى منطقتهم (الحدا)، وأعطيهم (60) ريالاً لكي يشتروا »عجلين« أو ثلاثة ويأتون بها ويذبحونها إرضاءً (هجر) للرائد- يقصدونني‮- ‬لكي‮ ‬أعفو‮ ‬عنهم‮.‬

وافقت‮ ‬على‮ ‬طلبهم‮ ‬وحدث‮ ‬ما‮ ‬قالوا‮ ‬بالضبط‮ ‬وعرف‮ ‬الناس‮ ‬أنني‮ ‬ضربت‮ ‬العسكر‮ ‬وطردتهم،‮ ‬وان‮ ‬الجيش‮ ‬سيفشل‮ ‬ولابد‮ ‬من‮ ‬إرضاء‮ ‬الرائد‮ ‬ليعفو‮ ‬عنهم‮.‬

أتى الرجال ينشدون الزامل ومعهم (العقير) أي العجول المعدة للإرضاء وقاموا بعمل حلقة تحت (القشلة) وتقدم الجزار وذبح العجول وبدأ الرجال يدورون حول الذبائح وهم يرددون الزوامل على مرأى ومسمع القوات العربية والقبائل.

وخلال ذلك قام الرجال بعمل أفزع الجميع ولم نر مثله من قبل.. كان الواحد منهم يدخل الى الحلقة رافعاً خنجره وهو ينشد الزامل ثم يقترب من الذبيحة ويغرف بيده من دمها ويشرب ثم يقطع بخنجره من لحمها ويأكلها.

هذا المنظر أثار الفزع وجعل القوات العربية وقبائل سفيان يخافون ويدخلون الى البيوت.. وبعد ذلك لم تعد النساء ترفض إعداد الطعام للجيش.. وجاءني العميد العدوي ناصف وقال لي لا يمكن أن تبقى هنا مع هؤلاء الرجال الذين يشربون الدم ويأكلون اللحم لقد اهتزت قلوب العساكر‮ ‬من‮ ‬الخوف‮.. ‬وهذه‮ ‬قصة‮ ‬من‮ ‬قصص‮ ‬كثيرة‮ ‬حدثت‮ ‬وصنعت‮ ‬سمعة‮ (‬الحدا‮) ‬والفرعون‮ ‬الذي‮ ‬يقودهم‮.‬



العملية‮ (‬اكتساح‮)‬

بعد‮ ‬كل‮ ‬أربعة‮ ‬أشهر‮ ‬من‮ ‬القتال‮ ‬كنا‮ ‬نتوقف‮ ‬لمدة‮ ‬شهر‮ ‬نعطي‮ ‬فيه‮ ‬الجنود‮ ‬إجازة‮ ‬ليعودوا‮ ‬الى‮ ‬أهلهم،‮ ‬وكنت‮ ‬أسألهم‮ ‬من‮ ‬منهم‮ ‬سيتزوج‮ ‬وأعطيه‮ ‬مساعدة‮ ‬مالية‮.‬

خلال شهر الإجازة تكون خطة العمليات الجديدة ووجهتها قد تحددت، وفي هذه المرة كانت خطة العمليات قد وضعها العقيد كمال حسن علي رئيس العمليات (رحمه الله) والذي تعيّن بعد حرب اليمن مديراً للمخابرات العامة المصرية ورئيساً لوزراء مصر. هذا الرجل قال لي بعد أربع سنوات من الحرب بأنه سيضع خطة للانتهاء من حرب اليمن، ووضع خطة عمليات أسمها (اكتساح).. ووفقاً لهذه الخطة تتقدم القوات اليمنية بقيادتي من صعدة حتى حرم و رازح. وتتقدم القوات المصرية من حرض الى ميدي وجيزان ومعها لواء دبابات ولوائي مشاه وخطة عمليات مصاحبة بقيادة يسير‮ ‬العقاد‮(‬رحمه‮ ‬الله‮)‬،‮ ‬أما‮ ‬أنا‮ ‬ومجموعتي‮ ‬فنتقدم‮ ‬مشياً‮ ‬على‮ ‬الأقدام،‮ ‬وأخذنا‮ ‬معنا‮ ‬رجالاً‮ ‬من‮ ‬المناطق‮ ‬التي‮ ‬سنتقدم‮ ‬نحوها‮ ‬لكي‮ ‬يقوموا‮ ‬بإقناع‮ ‬أهلها‮ ‬بفتحها‮ ‬دون‮ ‬مقاومة‮.‬



انتصارات‮ ‬متوالية

بدأنا بالتحرك وأتى معي جميع مشائخ منطقة (سحار) ومنهم قائد مجلي وفيصل الصربي، وذهب مع القوات المصرية الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لكي تظهر الخطة بتنفيذ يمني يشارك فيه المحور الشمالي بأكمله، بالنسبة لي أنا ورجالي من قبيلة الحدا وبقية المتعاونين لم يشترك أحد معنا سوى بـ(اللقاء والملقى وافتح بابك احنا مجمهرين) وغير ذلك من الكلام الذي تعودنا عليه، أما القتال فكنا نقوم به نحن لأن الحدا كان لابد لها أن تحارب وتؤمن نفسها لأنها ليست من المنطقة ونفذنا ثلاث معارك في (مجز، قلت الربيع، خولان بن عامر) وبنجاح كبير وبعد أسبوع كنا نرابط تحت (قلعة حرم) ولم يستغرق فتح حرم سوى عدة ساعات من الصباح حتى الساعة الثانية ظهراً، وفي هذه المعركة قتل الأمير محمد بن المهدي الذي كان متزوجاً من ابنة الامام أحمد (أخت البدر) ومازلت احتفظ بجنبيته الى اليوم في منزلي بعد أن أهداها إليّ أحد رجالي‮.‬

مكثنا‮ ‬أسبوعاً‮ ‬بعد‮ ‬الاستيلاء‮ ‬على‮ ‬حرم‮ ‬وفي‮ ‬نشوة‮ ‬النصر‮ ‬جاءتني‮ ‬إشارة‮ ‬من‮ ‬قائد‮ ‬القوات‮ ‬تأمرنا‮ ‬باحتلال‮ ‬جمرك‮ (‬بني‮ ‬مروة‮) ‬بحجة‮ ‬أن‮ ‬احتلاله‮ ‬سيغلق‮ ‬الطريق‮ ‬أمام‮ ‬هروب‮ ‬البدر‮ ‬المتحصن‮ ‬في‮ ‬منطقة‮ (‬ساقين‮).‬

عندما وصلت الى قلعة حرم أخذت المشائخ والرهائن ووضعتهم في (القشلة)، وهذا المبدأ تعلمته من اليمنيين، وتحت السيطرة على الجبل كله، وعندما جاءت الاشارة عينت حراسة وأخذت دليلاً من حرم بالاضافة الى (120) شخصاً فقط لأنني لا أستطيع أخذ الجيش بأكمله.

كان علينا أن نصل الى جبل آل صلاح الذي يقع في أسفل جمرك (بني مروة) ومشينا حوالى عشرين كيلو متراً كنا نقترب فيها من السحب ولم نكن قادرين على الرؤية لأكثر من متر الى الامام، ولو عرف أحد الاماميين أن الرائد محمد عبدالله الذي وضع لرأسه خمسين ألف جنيه ذهب يمر من‮ ‬هنا‮ ‬لا‮ ‬نقض‮ ‬عليه‮ ‬وقتله‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬يراه‮.‬

حسب ما سمعت كان جمرك بني مروة عبارة عن خيمة منصوبة على (الخبت) أسفل جبل آل صلاح وتقع على معبر السيارات المتجهة الى (جيزان)، لذا أخذت معي مدفعاً صاروخياً ورشاشين ومعي 120 شخصاً فقط ومشينا لمدة ست ساعات حتى وصلنا إلى القرية المطلة على الجمرك والخبت وقابلنا الناس وأكدوا لنا مناصرتهم للثورة والجمهورية، اعتلينا قمة الجبل وقمنا بتأمين المنطقة ونصبنا الأسلحة وتناولنا العشاء.. وبعد أن مرت علي الدوريات أردت أن انام بعد إرهاق المشي المتواصل على الجبال واخترت مكاناً بجوار صخرة ومعي ثلاثة من رجالي وخلدت إلى النوم.

لا‮ ‬أدري‮ ‬كم‮ ‬نمت‮ ‬حين‮ ‬جاءني‮ ‬أحد‮ ‬الرجال‮ ‬يوقظني‮ ‬ويقول‮ ‬لي‮ ‬بفزع‮: ‬يا‮ ‬عم‮ ‬محمد‮ ‬الإماميون‮ ‬يصعدون‮ ‬إلى‮ ‬الجبل‮.‬



نعم‮ ‬بكيت‮ ‬حسرة

فتحت عيناي ففوجئت بمنظر رهيب لم أر مثله في حياتي كان الجبل عالي الارتفاع وباتجاه القمة يصعد حوالى 4000 فانوس كما قيل لي وكل من معي لا يتجاوزون 120 شخصاً في هذه الليلة بكيت لا خوفاً بل حسرة لأن محمد عبدالله (مقدمي الحدا) سيؤسر ويؤخذ سلاحه.. بكيت لأنني وضعت في موقف كهذا وأنا حاربت الإماميين في كل مكان تكون هذه نهايتي.. لم أخف من الموت لأنني أعرف ان من سيأخذني سيحتفظ بي حياً ليحصل على الخمسين ألف جنيه ذهب التي حددت ثمناً لرأسي طمعآً في الجائزة الثمينة لرأس هذا المحارب الذي طهر شرمات وحرم وبراش ومناطق الشمال من الإمامة.. انتفضت من مكاني وقلت لست أنا من يموت بهذه الطريقة لقد حاربت وتعرضت للخطر في أماكن كثيرة.. لن أستسلم حتى تأتيني طلقة في رأسي وأموات.. أطلقنا عدة طلقات بالمدفع الصاروخي بدون فائدة لأننا لا نعلم أين تنزل هذه القذائف، وظللنا مستيقظين حتى الفجر ثم فوجئنا بصوت الدوشان ينادي علينا وقد أقبل حاملاً عصاه وقال لي: (يارائد.. القبيلة تريد منك الوجه والأمان) فقلت في نفسي( يخرب بيتك وجه إيه وأمان إيه؟!) فإذا بقبائل آل صلاح عندما سمعوا أن الحدا جاءت هربوا.. على سمعة الحدا السابقة أكل اللحوم الميتة وشرب الدم والنهب‮ ‬ومعهم‮ ‬رجل‮ ‬فاسق‮ ‬الذي‮ ‬هو‮ ‬أنا‮.. ‬يضحك‮.‬

لو‮ ‬سألت‮ ‬كل‮ ‬مناطق‮ ‬الشمال‮ ‬لعرفت‮ ‬ان‮ ‬هذه‮ ‬القبائل‮ ‬من‮ ‬صنعاء‮ ‬إلى‮ ‬مجز‮ ‬اذا‮ ‬ما‮ ‬سمعت‮ ‬أن‮ ‬الحدا‮ ‬تستعد‮ ‬للحرب‮ ‬تجد‮ ‬كل‮ ‬ذي‮ ‬أسرة‮ ‬ومال‮ ‬يهرب‮ ‬إلى‮ ‬الجبال‮ ‬خوفاً‮ ‬ويقولون‮ ‬الجراد‮ ‬قادم‮.‬

كانت هذه السمعة تساعدنا كثيراً في فتح المناطق التي يسيطر عليها الإماميون أما المناطق التي كان نصفها ملكياً ونصفها جمهورياً فكنا نذهب لنأدبهم فقط مثل منطقة »قلت الربيع« التي مكثنا فيها شهراً وتركناها فقيرة مجدبة لا مال فيها ولا طعام وكان هذا مجرد تأديب.



سقوط‮ (‬شرمات‮)‬

دخلنا شرمات في الساعة الثانية ظهراً وهذا عرف جديد في الحرب لأن الهجوم عادة يبدأ في الليل الساعة الثانية بعد المنتصف دخلنا مواقع الإماميين وهم يتجهزون للغداء فلم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم أو حتى المواجهة فهربوا ودخلنا كل القرى في وادي شرمات وأعلنا فيها إشارة‮ ‬النصر‮ ‬وهي‮ ‬الإحراق‮.‬

وفي الساعة السادسة مساءً استولينا على مركز القيادة الذي كان يتحصن فيه سيف الإسلام الحسن ووجدنا في جرف ببطن الجبل ما يقارب من 1500 لغم مضاد للدبابات كانت تثير الفزع في المحور الشمالي وما يقارب من 300 صندوق للذخيرة.

ومن المواقف الظريفة التي حدثت أنني كنت أحاول ان أعطي اشارة بجهاز اللاسلكي لإبلاغ القيادة بأننا استولينا على مركز قيادة الإماميين ومنصة الأمير الحسن فإذا بطلقة مرت بجوار أذني وقصفت هوائي الإرسال اللاسلكي.

بدأت القوات العربية تؤمن بأن دخولها وراءنا بعد أن نتلقى انا ورجال الحدا الصدمة الأولى ضمانة بأنها ستدخل بدون خسائر لأن القوات العربية كانت تتكبد خسائر كبيرة نظراً لأن الجنود لا يستطيعون أن يحاربوا بكفاءة في مناطق الجبال وعلى سبيل المثال اللواء 117 دخل إلى منطقة‮ ‬أرحب‮ ‬فخرج‮ ‬بنصف‮ ‬العدد‮ ‬وكان‮ ‬قوام‮ ‬هذا‮ ‬اللواء‮ ‬أربعة‮ ‬آلاف‮ ‬جندي‮ ‬وهذه‮ ‬المعلومات‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬مصرحاً‮ ‬لنا‮ ‬الإعلان‮ ‬عنها‮.‬

ولعل‮ ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬جعل‮ ‬الإيمان‮ ‬بقبيلتي‮ (‬الحدا‮) ‬يتعاظم‮ ‬وكنت‮ ‬قد‮ ‬قسمتها‮ ‬إلى‮ ‬كتائب‮ ‬بأسماء‮ ‬الخلفاء‮ ‬الراشدين‮ ‬ونفذت‮ ‬معها‮ ‬أشد‮ ‬وانجح‮ ‬المعارك‮.‬



أعتز‮ ‬بالملابس‮ ‬اليمنية

كنت البس مثل الرجال الذين معي تماماً وأنا أعتز كثيراً بلبس القبائل اليمنية وفي إحدى المرات ونحن عائدون إلى صنعاء قابلتنا سيارة تابعة للشرطة العسكرية المصرية وتقدم ضابط مصري برتبة نقيب اسمه عصمت وسألني (انتو قبائل أيه سيدنا الشيخ؟ فقلت له بلهجتي المصرية وأنا ألبس الزي اليمني : يا عم روح اتهلي بعيد عني طبعاً الرجل انذهل عندما سمعني أتحدث هكذا ووقف متبلداً ويبدو انه انزعج فقلت له ما تزعلش يا ابني.. أنا تعبان من السفر فقال لي: مين حضرتك؟ أنامحمد عبدالله فلما سمع كاد أن يغمى عليه وقال لي: يافندم الجيش كله بيسمع عنك‮ ‬حكايات‮ ‬مثيرة‮ ‬حتى‮ ‬ظننا‮ ‬انك‮ ‬اسطورة‮ ‬تشبه‮ ‬طرزان‮ ‬طول‮ ‬بعرض‮ ‬فضحكت‮ ‬وتابعنا‮ ‬المسير‮.

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 02:33 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-11837.htm