احمد غيلان -
أن تشهد إحدى مدن إيران عملية تفجير إرهابية بعد أيام قليلة من عمليات مشابهة شهدتها مناطق في المملكة العربية السعودية وعلى حدودها فإن ذلك لا يلغي حقيقة يعرفها الجميع، مفادها أن أحد منفذي العمليات في المملكة »العتيبي« التحق بتنظيم القاعدة داخل إيران.
> وأن يكون التفجير في مكان يتواجد فيه عدد من القادة العسكريين لا ينفي حقيقة انه ينتمي لذات النوع من العمليات التي استخدمتها إيران منذ بداية الثمانينيات.
> إيران تحتاج إلى ما هو أكثر من التضحية بستة ضباط وخمسين جندياً ومواطناً لإثبات براءة نظامها من الإرهاب الدولي.. كما تحتاج إلى مشروع أكثر نضجاً من العنصرية والتطهير الطائفي ومحاكمة السياسيين واعتقال الصحفيين لترسخ استقراراً سياسياً داخلياً في بلد يجمع داخله على حاجته لإصلاحات سياسية جذرية، كما يجمع محيطه والعالم من حوله على حاجته لتغيير جوهري في سياساته وعلاقاته التي تمر بأسوأ حالاتها.. في حين يصر نظام هذا البلد على اعتماده نظرية "مواجهة العدو البعيد بضرب الخصم القريب".. وهي ذات النظرية التي خاضت الأنظمة الإيرانية على أساسها الحرب مع جارتها العراق منفردةً وتحت إبط الغرب.. وتختلق على ضوئها ذرائع النزاع مع جيرانها لتخويف إسرائيل... وتزرع التنظيمات الإرهابية في بلدان عدة استعداداً لما تزعمه من مواجهة حتمية مع ما تسميه " الشيطان الأكبر " ..!
> تلك هي المؤشرات التي يقرأ الخبراء والمختصون بالشأن الايراني العملية الانتحارية التي خلفت ما يزيد عن 40 قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً في مدينة سرباز بمحافظة سيستان وبلوشستان الأحد 18/10/2009م.
وليس صحيحا الجزم -أو حتى التخمين- أن أجهزة ومراكز صنع القرار في نظام إيران لا تدرك حقيقة الأخطار المحدقة بها.
> وبعيداً عن الأسباب والسياسات والأخطاء والمواقف التي تفاقمت وتراكمت وتآلفت مؤخراً لتحيط إيران بكثير من العداءات والخصوم وقلة قليلة -لا تكاد تُذكر- من الحلفاء الذين لا تحصد إيران من وراء تحالفاتها معهم سوى مزيد من السخط والعداوات والخصوم.. في وقت تحتاج فيه إلى كثير من الحلفاء والأصدقاء والداعمين لمواجهة جملة من الاحتمالات المفتوحة التي تفرزها ملفات سوداء تبدأ بالملف النووي ولا تنتهي عند دعم وإيواء ومساندة الإرهاب الدولي!. فضلاً عن ملفات نزعاتها التوسعية التي جعلتها في نزاعات مستمرة مع معظم جيرانها الذين لم تتوقف إيران عن اختلاق ذرائع ومبررات منازعتهم على أراضيهم في البر والبحر.
نهج القاعدة وطالبان
> مثلما هو معلوم أن معظم - إن لم يكن كل- التنظيمات التي أطلقت عليها تسمية "الجهادية" في ثمانينيات القرن العشرين احتشدت إلى شرق آسيا لتكون إحدى رؤوس حرب وحربة الغرب ضد الاتحاد السوفييتي السابق، قبل سقوطه وهزيمته وتفكيكه بدعم وتمويل وتدريب وتخطيط أجهزة المخابرات الأمريكية وتعاون أنظمة وحكومات وأجهزة عالمية أخرى من ضمنها عربية وإسلامية لا تستبعد منها إيران.
> وكذلك معلوم أن قوات التحالف الغربي التي أطاحت بنظام صدام حسين واحتلت العراق بدعم ومساندة إيران.. التي خاضت المعركة قبل قوات التحالف ومعها وبعدها، وجنت ثمار ذلك بالتساوي مع التحالف الغربي، إذ انفردت بحكم العراق وسلطته وإعادة ترتيب شؤونه عبر التيارات الموالية لها، مقابل انفراد بقية المتحالفين بالثروات النفطية.
_ ومثلما تحول الدعم والتحالف بين التنظيمات التي قاتلت السوفييت وبين أمريكا إلى عداء لا تزال معاركه قائمة حتى الآن، يبدو أن إيران تسير على ذات النهج وفي نفس الطريق مع حليفتها في احتلال العراق.. هذا التشابه في سيناريو البدء والمسار والمصير ما لم يكن نتيجة طبيعية لتحالف استراتيجي قديم وأزلي بين التنظيمات الإرهابية والنظام الإيراني، فليس ثمة ما ينفي أنه يغذي تحالفاً جديداً ظهرت مؤشراته وأوراقه وشواهد إثباته.
الحسابات الخاطئة
> السياسة -وإنْ تعددت جزئياتها - هي جملة من الحسابات والعمليات التي تتأثر وترتبط ببعضها وتتناسب مع بعضها وتلقي بعضها بظلالها على البعض الآخر أثراً ونتيجة.. سلبا وإيجابا.. وهو ما يتجسد في الحال الإيرانية ترابطاً وثيقاً بين الوضع السياسي الايراني على المستويين الإقليمي والدولي والواقع السياسي الداخلي المضطرب، بالانقسامات والصراعات بين مراكز ومراجع القوى ودوائر صنع القرار ورموز وتكتلات التيارات السياسية والدينية على حد سواء.. وهو واقع لم يعد متوارياً في الدهاليز المغلقة، بل خرج إلى الشارع وظهر على كافة المستويات.. ليس أثناء الانتخابات الرئاسية الإيرانية وحسب، بل وامتد عقبها ولا يزال ممتدا إلى اللحظة، وكان سبباً في تأجيج وإثارة نقاط صراع اختلط فيها السياسي بالديني بالطائفي بالجهوي.. لدرجة لجأت معها التيارات المتصارعة لخيارات العنف الفردي والمنظم.. لا لتصفية الخصوم فقط.. كما هو الحال بما يمارس ضد الطائفة السنية.. بل وللتضحية ببعض الموالين، لاختلاق ذرائع ضرب الخصوم.. كما هو الحال في العملية الأخيرة التي تمت فيها التضحية بستة من كبار القادة في الحرس الثوري.. لأهداف سياسية داخلية وخارجية.. ضمنها إيجاد ذريعة لضرب الطائفة السنية.. التي يبدو أنها تحالفت مع أحد أطراف الصراع السياسي في الآونة الأخيرة.. وهو ما يكفي لتقديمها "كبش فداء" بتهمة الإرهاب، ولتكون أحد الأدلة التي يستشهد بها النظام الإيراني في إطار محاولاته المستميتة إخفاء علاقته وتحالفه الاستراتيجي مع تنظيمات الإرهاب الدولي.. ولا ضير على النظام الإيراني إن يقدم في سبيل ذلك تضحية قوامها ستة ضباط وبضع وخمسون جندياً ومواطناً أو حتى أكثر.
جريمة في وكر المجرمين
> وفي ضوء ما سبق يبدو من الراجح أن التفجير الانتحاري الذي شهدته مدينة سرباز عملية مخابراتية إيرانية من حيث التخطيط.. وهي إرهابية »قاعدية« من حيث التنفيذ.. وليس في بيان الحرس الثوري وتصريحات رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية الإيرانية- التي استبقت أية تحقيقات، وتسابقت إلى تسويق التهمة شرقاً وغرباً ويميناً ويساراً- إلا ما يؤكد الحرص على توزيع التهم أكثر من الحرص على التحقيق في العملية وكشف ملابساتها.. ما يعزز فرضية الرغبة في قتل الحقيقة، والتعامل مع فرضيات سيناريو معد سلفاً، هدفه اختلاق مبررات ضرب خصوم الداخل لمحاولة تخفيف ضغط عدو الخارج المزعوم؟!.