جميل الجعدبي -
لم يعد لائقاً في ظل المحنة التي تمر بها بلادنا بقاء الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاعلة في دائرة المكايدات، ومسلسل تبادل الاتهامات المعتادة، وعليها تأجيل خلافاتها المزمنة لتأمين اللحمة الداخلية للبنيان الوطني ،وصد مؤامرة عدائية ومخططات خارجية تُحاك بإتقان ضد اليمن والمنطقة العربية.
ولن تتمكن احزاب المشترك من فعل ذلك ما لم يكن لها مواقف واضحة من التمرد المسلح في صعدة، وأعمال العنف والتخريب في بعض المحافظات الجنوبية، ودعوات فك الارتباط ومساعي الفرقة والتجزئة المبذولة في الخارج ، ولو خسرت تلك الاحزاب ماتعتقد انها ورقة رابحة لابتزاز المؤتمر، لان بقاءها ولو ظاهرياً في ساحة المتفرج المتشفي يجعلها محل شبهة في رعاية أعمال التخريب وتنميتها وهذا بحد ذاته يكبدها خسائر فادحة من رصيدها الشعبي وخاصة لدى البسطاء، الذين لايعنيهم اتفاق فبراير ولا التعديلات الدستورية، ولا مبادرات المؤتمر ولا رؤى المشترك، بقدر مايعنيهم الشعور بالأمن وحماية اهلهم في صعده من نيران قذائف الإرهابي الحوثي، وعودة ابنائهم واخوانهم من أبناء القوات والمسلحة والأمن من جبهات القتال سالمين.
محلول إرواء وطني
فلا تحتاج المرحلة الراهنة لغير قليل من الصدق مع الله والوطن والنفس، وشيء من الموضوعية ، وخلط الاثنين معاً في إناء المصلحة الوطنية العليا؛ لإنتاج أسهل محلول إرواء وطني لحل معظم المشاكل، وتأمين بلادنا من شر كل متربص وحمايتها من رجس كل شيطان رجيم.
التماهي ومهادنة أعمال العنف والتخريب، وتبرير الاعتداءات المتكررة على أفراد القوات المسلحة والأمن ومحاولات إلباسها ثياباً سياسية حقوقية، كما دأبت عليه أحزاب المشترك، ممارسات أثبتت الأحداث تجرع المشترك عواقبها الوخيمة ،واكتواءه بنيران أعمال التخريب ، قبل أن يستثمر نتائجها في إضعاف المؤتمر.
تبدوا أحزاب المشترك بحاجة ماسة لفك الارتباط، ولو مؤقتاً لإعلان مواقفها الحقيقية انفرادية ، بما يعكس قناعات قواعد تلك الأحزاب وقياداتها الوسطية، بدلاً من تستر هذا التحالف وراء مواقف رمادية تتفق على كل ماهو محل إجماع كتحميل الدولة مسئولية كل شيء، ولا تجرؤ على مناقشة تفاصيل وأسباب فتنة صعدة خشية أن تزيد الطين بلة، حسب رئيس المجلس الأعلى للمشترك في المؤتمر الصحفي الخميس الماضي.!
وخلافا لكل احزاب المعارضة في الدنيا ،ترحب المعارضة في بلادنا بأي تدخل خارجي في شئوننا، بل وتسعى جاهدة لمحاورة منظمات أجنبية وأطراف دولية في شأن يمني، فهل تتعلم احزاب المشترك من المعارضة المصرية - كمثال قريب- حينما تصدت بشدة صبيحة اليوم التالي لما اعتبر خطاباً تحريضياً للأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله اواخر العام الماضي ضد أمن مصر واستقرارها؟ فرغم خلافات المعارضة المصرية مع النظام المصري، لم يمنعها ذلك من الفوز بقصب السبق لادانة خطاب حسن واعتباره نوعاً من التدخل في الشئون المصرية الداخلية وتأليباً للجيش المصري وتحريضاً مرفوضاً شكلاً وموضوعاً، وفي بلادنا يتدخل حسن نصرالله، ومقتدى الصدر، وهمام حمودي العراقي، والعديد من مسئولي ايران نذكر منهم وزير الخارجية ، ومن بعده وزير الدفاع ، والذين شككوا في قدرات الجيش اليمني،وأصحابنا صامتون حيال تكرار التدخلات السافرة لمسؤولي ايران وحلفائهم في شان داخلي واستهدافهم مؤسستنا العسكرية ،، فاذا كانت الحكومة مقيدة بأعراف دبلوماسية وعلاقات البلدين، فبماذا نبرر صمت المشترك وارتياحها للتدخل الايراني؟
تمرد داخل المشترك
والواضح انه لم يعد مقبولاً في هذا الظرف تمترس أحزاب اللقاء المشترك وراء موقف جماعي متواطئ مع عناصر التخريب في المشروعين المتطرفين -حسب امين عام الإصلاح - وتخفيها في مواقف فردية غير معلنة حيال تلك المشاريع، وما تشهده ساحات أحزاب المشترك من تمرد داخلي ونزيف لكوادرها، وتصدع بنيانها التنظيمي، إلا نتيجة طبيعية لتلك المواقف الضبابية، وتغليب لحمة وتماسك المشترك على إرادة ورغبات ومصالح قواعد وأعضاء أحزابه جماعات وفرادى، بل والمصلحة الوطنية.
نزيف حاد في الاشتراكي
الحزب الاشتراكي اليمني يتعرض لنزيف داخلي وتضييق رسمي، وإعاقة لا إرادية داخل تحالف المشترك.. وحملة تنكر وعصيان من قبل قيادات في الخارج وكوادر نشطة في الداخل، وكل هذا ما كان له أن يكون لو أن الحزب الاشتراكي بمبادئه الثورية التحررية وقيمه التحديثية لا يزال يعبر عن مصالح قواعده ومنظماته، ويترجم مبادئه وراؤه التي أبهرتنا ذات يوم بنبذها حمل السلاح فإذا بها اليوم تتماهى مع من يرفعون السلاح بوجه الدولة ويعتدون على افراد الامن والجيش ويقطعون الطرقات وينهبون الممتلكات العامة والخاصة بقوة السلاح.!!
بالأمس أعلن عضو البرلمان عن الحزب الاشتراكي صلاح الشنفره استقالته من الحزب، وقيادة الحزب قرأت الخبر مثلنا عبر الصحف، وقبله بعام أقر الحزب فصل النائب محمد السقاف عبدالرحمن بالغيث لما قال إنها مخالفات جسيمة للنظام الداخلي ارتكبها بالغيث، حينما أيد انتخاب المحافظين، خلافاً لموقف حزبه المرتبط بموقف المشترك، ولم يشفع للبرلماني الاشتراكي اعتبار موقفه (رأي شخصي) ووجهة نظر مغايرة، كما هو حال رؤية المجلس الأعلى للمشترك حسن زيد -حالياً- حيال تمرد صعدة، المغايرة للجميع..! واللافت في الامر سرعة فصل بالغيث من عضوية الاشتراكي ، وعدم اتخاذ اجراء مشابه مع علي سالم البيض الذي خالف الأمة بالاجماع.! ومثله العطاس الذي تنصل عن اشتراكيته على الملأ.!
غليان في الاصلاح
حزب الإصلاح لم يعد هو الآخر بأفضل حال من حليفه على متن القطار المعطوب.. فقواعد الإصلاح ودعاته وشريحة واسعة من كوادره لا تخفي تبرمها من رهن مصير التجمع بمصالح تحالف المشترك، على حساب المصالح الوطنية، ووحدة الأمة، وسلامة وأمن البلاد.. وهو ما يدفع الإصلاح لإعلان مواقف انفرادية من حين لآخر، لامتصاص غضب كوادره، والعمل على استنساخ كيانات أخرى في المشترك مثل لجنة الحوار الوطني، بعد اقتناع الإصلاحيين بتعذر تقدم باص المشترك إلى الأمام خطوة واحدة، رغم جهود الشيخ حميد الأحمر لتحويل (باص المشترك المتعثر) الى طائرة تتنقل في بعض العواصم العربية والأوروبية برؤية الانقاذ وما يعتقد أنها قضايا وهموم الشعب اليمني .. واتخيل السيد / بيترديمتروف - المدير الإقليمي السابق للمعهد الديمقراطي الأمريكي(ndi) - مبتسما بسخرية وهو يتابع اخبار حوار المشترك في الخارج ، إذ انهم لم يتوقفوا لقضايا الشعب على طريق الباص ،فكيف سيلتفتون لها وهم معلقون في السماء في رحلات مكوكية وفي ابراج عالية خلال استراحاتهم في فنادق عربية واوروبية .!
وليس من الصعب إدراك مواقف للإصلاح مغايرة لمواقفه في بيانات المشترك، خاصة فيما يتعلق بالثوابت الوطنية (الجمهورية، الثورة، الوحدة) وهي مواقف محسوبة له، لكن عدم إعلانها، وإظهار غيرها ينال من قيم وآداب ونهج الإصلاح الذي يتسم بالوضوح وينبذ الفساد الأخلاقي قبل المالى والاداري، فعلى سبيل المثال في البيان الأخير للمؤتمر الصحفي لأحزاب المشترك يرحب الأستاذ/ عبدالوهاب الآنسي -الأمين العام للإصلاح- بالجهود المخلصة للأشقاء والأصدقاء لمعالجة ما اسميت بـ(القضايا الوطنية الملتهبة)، لكنه يشترط أن لا (تدخل هذه الدول أنفها في الموضوع الداخلي)، كون ذلك سيشكل حسب الآنسي (تداعياً خطيراً على اليمن والمنطقة)، وهنا يسجل الإصلاح موقفاً انفرادياً يتضح منه رفض الإصلاح لأي جهود خارجية في الشأن اليمني، مبطلاً بذلك مفعول الترحيب بهم، وكما لو انهم ضيوف غير مرغوبين..
نوبات قومية في الناصري
التنظيم الوحدوي الناصري ليس من السهل على كوادره أبداً أن يعلن حزب سياسي مصري إدانته لاعمال التمرد المسلح في صعدة، ويبدى انزعاجه من الدعم الإيراني للمتمردين في ظل الصمت اللا إرادي لحزبهم، اتساقاً مع مواقف المشترك، وحتى لا يظهر أن ثمة خلافاً وتبايناً في مواقف المشترك، ولا شك أن تنامي المخاوف العربية من التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني وانبراء الجامعة العربية ومصر ودول الخليج العربي وسوريا ومعظم الدول العربية لمواجهة المد الإيراني صوب بلادنا، حدث لن يمر بسهولة على حزب ينضح عروبة وقومية، وما يفلت من تصريحات الأمين العام الأستاذ/ سلطان العتواني، والقيادي/ محمد الصبري من مواقف هازئة بـ(دعاة فك الارتباط) في غيرصحيفة (الوحدوي) الا خير دليل على ذلك.! فلا يعقل لحزب كهذا ان يتوارى صامتاً أمام مخططات عدائية خارجية وأطماع استعمارية تحاك ضد بلاده .! الموقف الحقيقى للتنظيم الناصري من الاحداث الجارية بدا واضحاً في حيثيات المؤتمر الصحفي لاحزاب المشترك الخميس الماضي حينما اكد الصبري عدم احتياجهم في لجنة الحوار والمشترك لعقد مؤتمرات في الخارج، وهى صحوة ناصرية كانت ستبدو اكثر شموخاً واباء لو انها جاءت قبل التجهيز لمؤتمر بيروت -قبل فشل عقده- الذي طار اليه (باص المشترك) دونما حتى اشتراط (تهيئة الأجواء السياسية)..!{
Jadaby5000@hotmail.com