الميثاق نت- فيصل الحزمي - رغم انه لم يخطئ
فتح عيناه ببط ... شعر بإنهاك في كل عضلة من عضلات جسمه .. وبالتهاب في مفاصله ودوار وثقل في رأسه وسخونة تلتهب من وسطه جبينه وتشعل قصبة انفه وأنحاء وجهه ككل وفجأة .. تقلصت ملامحه ومرت في طرف انفه حرارة من نوع مألوف .. و .. اّاّتشووم .... عطس ... ثم عطس بحرارة اشد وتوالت العطسات قبل أن يسيطر على تمرد جيوبه الأنفية ويمسح ما جادت به من سائل لزج ويدعك عيناه وجبينه وتسري قشعريرة في أطرافه ... إن هذه العطسات تعني إصابته بالأنفلونزا .. والأنفلونزا قد لأتكون من النوع العادي ... بل قد تكون ( خنازيرية ) ! .... وهنا تملكه الرعب ... وشعر أن قواه تخول بأشد من ذي قبل .. وقبل أن تستعرض ذاكرته الأسماء والمواقف التي قد تكون هي السبب في نقل العدوى إليه .. سمع طرقات على باب حجرته قبل أن يُفتح الباب وتطل ملامح رسم عليها الزمن خطاته الطويلة لكنه لم يستطع محو مآبها من حنو ومحبه وملائكية وقالت بابتسامة دافئة :
- الساعة الآن تعلن اقتراب موعد وصول طائرة أخيك ... علينا أن نكون جميعا في استقباله في المطار .. يجب أن يشعر باعتزاز به وبشهادته التي آت بها من تلك البلاد البعيدة .. انهض سريعا واختفى وجه أمه .. وأغلق خلفه الباب . !
آه .. أخاه سيصل اليوم من أوروبا .. وعليه أن يكون ضمن مجاميع المستقبلين له في المطار .. لكن .. هذا الزكام اللعين ... هل يسمح له باحتضان أخيه وتقبيله لإطفاء نار اشتياقه إليه.. ! كلا ... يجب أن لا يتساهل في امراً كهذا .
( يكفي سلام بالأيدي ) .. ثم أن أخاه قادم من منطقة تفشى بها الوباء وقد يكون ... لم يستطع ترك الفكرة تكتمل في رأسه ... ( كلا .. فليحفظه الله ..) اقنع الجميع أن يسبقوه إلى المطار في سيارته الخاصة التي سيقودها شقيقه الأصغر على أن يلحق بهم في إحدى الحافلات ... ولم يفهم احدهم سر هذا القرار الغريب ..!!
في الحافلة حرص على الجلوس جوار النافذة واخرج رأسه من فراغ النافذة ليمكنه العطس دون إيذاء أو إخافة احد .. لكن الجالس بجواره كان ثرثاراً جداً ولم يكتفي بالردود المقتضبة التي اغتصبها صاحبنا دون أن يدخل وجهه من النافذة .. مما حدا بالثرثار إلى القول عند وصوله إلى محطة نزوله :
- بعض البشر يفتقدون إلى الذوق .!! انه يشيح بوجه عني طوال الوقت وأنا أحدثه .. هه .. مع أن ملامحه ليست أكثر وسامة من ملامحي على أية حال ليداخله هذا الغرور ..!
- وابتسم .. وهز رأسه باستغراب لتفسير الرجل للأمر مع انه عطس مرتين خلال حديثهما .. لماذا لم يعتقد الرجل انه يريد تجنيبه الأذى وعدم نقل العدوى إليه ؟ ! ..
عندما وصل إلى المطار كان أخاه ينهي إجراءات مغادرة المطار والجميع من حوله يبثونه أشواقهم وقبلاتهم والتفت القادم ليرى أخاه الأكبر وقد مد كفه إليه من على بعد خطوات ...
ونظر إلى الكف الممدودة بدهشة .. ثم دفع بجسده ليحتضن أخاه الأكبر .. لكن الأخير ابتعد ردة فعل مفاجئة أذهلت الجميع
- صاحت انه بصوت جعل وجه كثيرة غريبة تلتفت صوبهم :
ألا تريد عناق أخيك يا متكبر .؟ !
اصر على موقفه واحتضنت كفه كف أخيه الذاهل وتمتم بخجل وارتباك :
- المصافحة آمرا رمزي .. ما في القلب في القلب ..!
ثم استدار وغادر المطار بخطوات سريعة قبل أن تفلت من عطسة ضاعت في زحام رواد المطار..
في المساء تلقى اتصالا هاتفيا من خطيبته طلبت أن تلقاه في ذات الكفتيريا .. ورغم انه كان يشعر بأن إعياءه قد تضاعف وان حركته صارت أبطأ إلا انه ذهب للقاء ها .. ووقف على بعد خطوات .. قالت معاتبة : - لماذا تقف على مبعدة ؟!
ج : أنا لم آتي من الخارج مثل أخيك الذي رفضت عناقه والترحيب به بشكل لائق .. ولست مصابه بداء معدي قال بابتسامه باهته : لم اتهمك أو اتهمه بذلك .. بل أنا المصاب بالزكام .. وأخشى نقل العدوى قبل أن أتأكد من حقيقة وضعي الصحي .. قالت بضيق : كان عليك التأكد من أخصائي قبل أن تتصرف مع من حولك بهذه الجلافة ..! ثم حملت حقيبتها من على طاولة الكفتيريا وانصرفت غاضبه بلا كلامة وداع ..!
في اليوم التالي كان يستلقي على سرير الفحص واعتدل الطبيب في وقفته قبل أن يبتسم قائلا : مجرد زكام عادي .. ليس من نوع ( اتش ون إن ون ) ..مجرد تأثر عادي بتغير المناخ ..! أطمئن وشعر بالاطمئنان ..لكنه سرعان ما نسي اطمئنانه عندما تذكر أن التزامه الوقائي قد كدر صفو علاقته بمن حوله وان أمامه الآن مهمة اكبر من علاج الزكام ..! إنها مهمة إصلاح ما أفسدته محاولاته الوقائية بينه وبين شقيقه وبينه وبين خطيبته .. رغم انه لم يخطئ .. ابدآ
|