أبيجيل لافين - أحدث شهر سبتمبر من العام الجاري تطورا غير مسبوق في الشرق الأوسط، حيث أقامت حكومةالرئيس اليمني علي عبدا لله صالح انتخابات رئاسية تنافسية مفتوحة . خمسة مرشحين للرئاسة استطاعوا إقامة مهرجاناتهم الانتخابية بحرية تنافسية وعرض التلفزيون اليمني تلك المهرجانات بشكل متكافىء . ورحب اليمن بالصحافة العالمية والمراقبين على الانتخابات. إن هذه الخطوة اليمنية نحو الديمقراطية تمثل تجربة سياسية رائعة واذا ما نجحت ستكون مثالا لدولة عربية إسلامية ذات ديمقراطية حقيقية التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل فيها .
وبالطبع فاز صاحب المنصب ، علي عبد الله صالح ، وهو ثاني رئيس بعد الرئيس الليبي معمر القذافي أكثر بقاءا في السلطة في الشرق الأوسط ، لكن لم يكن من المدهش أن يتم إعادة انتخاب صالح رئيسا لولاية رئاسية جديدة . إنما كان مدهشا – كما ذكرت افتتاحية صحيفة اليمن تايمز- أن اليمن أزالت 99% من النصر الرتيب .
فاز الرئيس صالح بنسبة 77.2% من أصوات الناخبين ، بينما فاز أقرب منافسيه فيصل بن شملان – وهو وزير نفط سابق- حصل على نسبة 21.8%. إن هذه النسبة تختلف كثيرا عن الانتخابات الرئاسية السابقة التي أعطت صالح نسبة 96% من الأصوات .
الانتخابات"الحرة" الأخيرة التي جرت في الشرق الأوسط منحت صاحب المنصب الفاشستي في جمهورية مصر 88.6 % و نسبة 94.5 للرئيس التونسي. يقول لزلي كامبل- مدير المعهد الديمقراطي بالشرق الأوسط والذي ساهم في مراقبة الانتخابات اليمنية - رؤساء حملة الرئيس صالح كانوا بالفعل قلقين. وأعتقد أنه بالنسبة للزعماء العرب يكون الأمر صعبا لتقبل نسبة 70% من الأصوات . لم يكن هذا مجرد استعراضا انتخابيا .
وصفت بعثة الإتحاد الأوروبي الانتخابات اليمنية بأنها كانت منافسة مفتوحة وحقيقية . ويقول كامبل "وفيما لا يزال هناك مجال كبير للتطور، إلا أن هذه الانتخابات حققت الكثير ما لم تتمكن منه دول الخليج . لقد راقبت التطورات الديمقراطية لعشر سنوات في الشرق الأوسط ، ولكن هذه الانتخابات قد تكون الأكثر أهمية . إنه ولأول مرة في دولة عربية يقوم فيها الرئيس بخلق وضع كان فيه احتمال – وإن كان ضئيلا- الهزيمة . لقد كانت حقيقة لا تصدق أن ترى في مكان ما نسبة 20- 30 من السكان يشعرون بحرية وهم يصوتون لمرشح المعارضة ".
إن حملات الانتخابات الرئاسية شيء غير معهود في الشرق الأوسط، حيث أن فكرة قيام جنرال عسكري حكم أكثر من ربع قرن بتنظيم حملة انتخابية للفوز بولاية جديدة قد تبدو فكرة لا تعقل بالنسبة للكثير. لكن الرئيس صالح نظم حملته الانتخابية ليتغلب على تهديد متصاعد من قبل بن شملان الذي خاض الانتخابات تحت شعار "رئيس من أجل اليمن ، لا يمن من أجل الرئيس".
حاول حزب المؤتمر الشعبي العام أن يرسم صورة نضال قائده خلا ل ثمان وعشرين عاما "كفارس العرب ومحقق المعجزات الوطنية" الذي ظل متعهدا بمكافحة الإرهاب والفساد. الكثير من القادة الفاشستيين يقيمون انتخابات زائفة سعيا منهم لتطوير صورتهم ، لكن الانتخابات اليمنية لم تكن مجرد مسرح سياسي. في مقابلة بثتها قناة الجزيرة الإخبارية التي أجراها أحمد منصور قبل بدء الانتخابات بأسبوع، قال الرئيس صالح" إنني فخور لأني أسست هذه التجربة التي لم يفرضها أحد علينا. لم يفرضها الشارع ولا القوى السياسية ولا الغرب ولا حتى الولايات المتحدة."
هناك سببان للسعي نحو الديمقراطية . السبب الأول أن الرئيس صالح قد أدرك أهمية اللامركزية ليحكم شعبه العنيد، فاليمن هو مجتمع قبلي، ذو مناطق جبلية تسكنها جماعات مسلحة بما فيها الجهاد يون، والتي واجه نظام حكم الرئيس صالح صعوبة في السيطرة عليها .
هذا التهديد الأمني تم التسليط الضوء عليه قبل الانتخابات بخمسة أيام وحينها تمكنت قوى الأمن من إفشال عمليات انتحارية كانت تستهدف منشئات نفطية . وأحيانا يواجه المسئولون في صنعاء حركة انفصالية عنيفة من شيوعي الجنوب سابقا وكذلك توترات بين الشيعة . إن أفضل طريق للتعامل مع هذه القلاقل هو إدماج الجماعات المنشقة في نظام سياسي تنافسي . والسبب الثاني للتحول الديمقراطي في اليمن هو الفقر المدقع . اليمن هي أفقر دولة في الشرق الأوسط ويتوقع أن ينضب احتياطه من النفط خلال العقد القادم.
إن اليمن بحاجة ماسة للمساعدات الأجنبية التي قلصها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نتيجة للفساد. الجهود الحقيقية للتغير الديمقراطي من شأنها أن تزيد من المساعدات الخارجية التي هي هامة لازدهار سكان اليمن البالغ 21 مليون نسمة والذي يعيش حوالي نصفهم تحت خط الفقر.
وبالرغم أن الانتخابات التي جرت هذا العام قد شابها النقص ، فهي أيضا دليل لتقدم غير مسبوق نحو التحرر الديمقراطي في الشرق الأوسط . وبمقدور الإصلاحات في هذا البلد أن تكون عامل مساعد للتغيير في جميع أنحاء المنطقة. لزلي كامبل رئيس المعهد الديمقراطي يرسم صورة ذهنية لوضع تقول فيه الدول المجاورة "أنظروا إلى اليمن ! إذا كان هذا البلد الفقير والصغير استطاع بالفعل أن يجري انتخابات محترمة، فإذاً لم لا نستطيع؟"
* أبيجيل لافين عضو مساعد في هيئة تحرير "ويكلي ستاندرد"
|