طه العامري -
كثيرة هي العوامل والروابط المشتركة التي تجمع اليمن والسعودية، إذ بين الدولتين والشعبين الكثير من الخصائص والقواسم التي قد تكون متميزة عن تلك التي تجمع (الشعوب العربية)، فاليمن والسعودية لا تجمعهما الشراكة التاريخية والجغرافية وكذا الثقافية والتراثية وكل التراكم الحضاري الذي صقله (الدين والتاريخ والجغرافية) بل هناك ما يمكن إضافته لهذه العوامل الكلية وهو عامل (المصير) بقيمه الحتمية التي تجعل اليمن والسعودية في (قارب حضاري) واحد، هذا (القارب) لا قدر الله وتعرض لمشكلة ما فإن (البلدين) يواجهان الخطر كراكبين على هذا القارب، وعليه فإن معطيات وتداعيات الراهن اليمني تلقي بظلالها بصورة آلية ومباشرة على (المملكة) والحال أيضا ينطبق على اليمن إذا ما تعرضت المملكة لأي طارئ أو أزمة فإن ظلال هذا (الطارئ أو الأزمة) تنتقل بصورة آلية ومباشرة على اليمن وهكذا دواليك شاءت الأقدار أن تجعل اليمن والمملكة في بوتقة مصيرية واحدة وفي مسار حضاري واحد.
بيد أن المتغيرات الحضارية الراهنة بما حملت معها من قيم ومفاهيم حتمت على اليمن والسعودية التعامل مع مسارهما (القدري) بصورة مباشرة وبالتالي لم يعد التكامل اليمني السعودي فعلاً من (ترف) ولا دعوة تندرج في سياق (الأماني القومية) أو (العواطف) المدفوعة بعوامل (الدين والأخوة) بل هناك روابط جديدة فرضتها وحتمتها متغيرات (العصر) بما تحمل هذه المتغيرات من تحديات (أمنية وعسكرية) بل وتصل إلى النطاق الديموغرافي والتركيبة السكانية والسلم الأهلي في كلا (الدولتين) وهذا يجعل من و(حدة المصير) بين الدولتين حقيقة حتمية ويصبح العمل وفق هذه المعطيات فعلاً له الأولوية أو يجب أن يكون كذلك في حسابات النظامين اليمني والسعودي وفي أجندتهما السياسية والاقتصادية والحضارية ومسارهما وتفاعلاتهما الوطنية والقومية، فاليمن يجد في السعودية وفق حقائق التاريخ والجغرافية الجار الشقيق والشريك الحضاري والتاريخي، وهذ يعني ان أمن اليمن مرتبط بصورة أساسية وجذرية بأمن المملكة كما ان تقدم المملكة واستقرارها وأمنها مرهون بصورة جذرية بتقدم واستقرار وأمن اليمن، في معادلة ليست وليدة الصدفة ولا هي حصيلة تداعيات الراهن ولكن ميزة الراهن وأحداثه انه فتح آفاق الرؤية لدى المعنيين على هذه المعادلة الحتمية بطريقة أكثر وضوحا وهي الطريقة القادرة على جعل الرؤية بما تحمل من مفاهيم وأطياف تتجسد في مواقف وممارسات عملية يعمل عليها شركاء الجوار والجغرافية من خلال تنسيق استراتيجي كامل وشامل وبعيد عن أي حسابات سياسية آنية كانت أو استراتيجية، لكن الأولوية التي يجب التعامل بها من قبل الدولتين هي ما يتصل بالتحديات (الأمنية) ومكافحة الجيوب الإرهابية التي تستغل التضاريس الحدودية والتكامل الجغرافي وتستغل الكثير من الروابط التي تجمع الشعب اليمني بشقيقه الشعب السعودي في تمرير المخططات المقلقة للسكينة والمهددة للسلم الاجتماعي في البلدين الجارين، خاصة وثمة محاور إقليمية ودولية غدت اليوم وبكل وضوح تعمل على ضرب مكونات النسيج الاجتماعي في البلدين ومحاولة تمزيق أواصر الترابط المجتمعي في اليمن والسعودية لدوافع سياسية وعلى خلفية أطماع هذه المحاور ورغبتها في التوسع والنفوذ والهيمنة والنفوذ على حساب الوجود العربي القومي والحضاري والتاريخي وعلى حساب الشرعية الحضارية للأمة العربية، متخذين من اليمن والمملكة ما يمكن وصفه بمسرح لوجستي ترى فيه محاور النفوذ الدولية المكان الأكثر مناسبة لمرور مشاريعها السياسية الكبيرة التي تأمل محاور النفوذ أن تعيد بها ومن خلالها (هيكلة المنطقة وإعادة رسم خرائطها) أو تعديل بعض من هذه (الخرائط) بما يتسق مع أحلام وتطلعات هذه المحاور العاملة اليوم على زعزعة السكينة الاجتماعية والعزف على أطياف المكونات الاجتماعية من خلال توظيف وتسخير العديد من المفاهيم التي جاءت بها المتغيرات الراهنة بدءا من قضية الشراكة (الكلية) واندماج الثقافات الانسانية في بوتقة من المفاهيم العصرية الجديدة مثل (العولمة والانفتاح والشراكة الحضارية) ولهذه المفاهيم أدوات مثل (الديمقراطية والتعددية وحرية الصحافة وحقوق الإنسان ومساواة الرجل بالمرأة وكفالة حرية الأديان والعمل على كفالة حرية وحقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية) وكل هذه المفاهيم تعني باختصار المس بكل ثوابت وقيم المجتمعات وتراثها وروابطها وهويتها، بغض النظر عن كل هذه المفاهيم التي قد تندرج في سياق ( دعوات حق يراد بها باطل) لكن في الأخير نحن أمام سيناريوهات مثيرة وخطيرة ليس في أهدافها ولا في غايتها ودوافعها تقدم الشعوب والمجتمعات، بل الهدف من كل هذا هو تفتيت المكونات العربية وتمزيق نسيجها وبعثرة قدراتها المادية والمعنوية، خدمة لأعداء الأمة وأعداء الشعوب والمجتمعات العربية، فتقدم الشعوب لا يأتي من خلال تمزيقها وتفتيت نسيجها وضرب مقوماتها الحضارية بل وتدمير كل القيم الوطنية التي كفلت الترابط الوطني للشعوب وشكلت هويتها الحضارية، وحين تصبح هوية المجتمعات غاية تقصدها مقصلة التقدم باسم التقدم فإن الخطر هنا يصبح مضاعفاً ويصبح الاصطفاف وطنيا وقوميا وإقليميا غاية وهدفاً استراتيجياً وعلى المستهدفين العمل وفق هذه الغايات وهذا هو حال اليمن والسعودية - اليوم - وهما يواجهان (الثلاثي الإجرامي) المتمثل بفتنة (الحوثي) وإرهاب (القاعدة) ودعاة (الانفصال) وهذا الثالوث الإجرامي الذي ينشط في اليمن ويستهدف أمنها واستقرارها وتقدمها ومكاسبها وسيادتها هو ذات (الثالوث) الذي له خلايا نائمة في (المملكة) فإذا ما انتصر هذا (الثالوث الإجرامي) في اليمن فإنه تلقائيا سوف ينتقل للمملكة ليعمل فيها ما عمل في اليمن ولهذا يصبح التكامل اليمني السعودي فعلاً حتمياً يمكن البلدين والشعبين من درء مخاطر سيناريوهات التمزيق والتفتيت وأعداء السكينة والاستقرار والتقدم والتحولات الحضارية، وقد لا نختلف على حقيقة نعيشها وهي ان مخطط استهداف اليمن والمملكة يخيم على سماتنا وقد تطاير رذاذه إلى سماء المملكة وهروب بعض من عصابات التمرد (الحوثية) الى داخل أراضي المملكة هو دليل حي وملموس لرسوخ حقيقة (المصير الواحد) الذي يجمع البلدين والشعبين، فإذا سلمنا بجدلية هذه المعادلة التي لا تحتاج لجدل حولها أو عنها فإن من المنطقي والحال كذلك أن تعمل اليمن والمملكة في تكامل وتنسيق وشراكة وتفاعل كاملين في درء المخاطر والأخطار والتحديات التي تواجه الشعبين وهي تحديات تعيد ظواهرها أطياف (الماضي) وتعمل بعض المحاور على إعادة إنتاج هذا (الماضي) ودوافعه وبطريقة توحي كل مؤشراتها على ان من يقف ورا وخلف كل هذه الأزمات التي تقلق السكينة اليمنية يستهدف بصورة مباشرة المملكة وقدراتها كما يستهدف استراتيجيا السيطرة والتحكم في النطاق الجغرافي الذي تسيطر عليه اليمن والمملكة انطلاقا من دوافع تقول ان من يتحكم بهذه الجغرافية يحكم المنطقة ويتوسع نفوذه إلى ما ورائها.
ameritaha @ gmail.com
|