نجيب غلاب -
أحزاب المشترك لم تقبل الانتخابات إلا كأمر واقع، والمسألة هنا لا تتعلق بإجراءات الانتخابات هل هي صحيحة أم مخالفة للقانون؟ فلو شهد العالم كله بنزاهتها وهي على قناعة بأنها تعبير فعلي وواقعي عن إرادة الجماهير لما وجدت من تفسير يتواءم مع طبيعتها إلا القول بتزويرها وزيفها، والأمر يعود إلى طبيعة التركيبة الفكرية لهذه الأحزاب والتناقض الذي تعيشه ما بين القناعات الحقيقية والخطاب المعلن، والنتاج سلوك سياسي مخادع فأحزاب المشترك لا تؤمن بالدولة الوطنية بالمفهوم الذي تؤسس له الديمقراطية بأبعادها الليبرالية ولا بالديمقراطية كقيم ومفاهيم تشكل كلاً متماسكاً، والقبول على مستوى الخطاب المعلن لا يركز إلا على الإجراءات ويطرحها كرؤية مثالية متعالية وهذا ما يدفعها إلى نفيها من حيث الوجود في الواقع رغم تحققها وهذا ربما يعطينا تفسيراً جزئياً لفهم تعامل المشترك وحاشيته من »المستقلين« مع الديمقراطية ونتائجها.
من جانب آخر على المستوى الفكري نجد أن أحزاب المشترك تعاني من أزمة مركبة فيما يخص انتماءها للدولة الوطنية بفعل الإيديولوجية التي هي أصل وكل ما عداها خادم لها، فالأيديولوجيا فوق الدولة وفوق المجتمع وفوق الفرد وهذا يجعل من التزامها بما يُنظّم الدولة ويؤسس لها ضعيف، فالمرجعية الأساسية لها ليس الدستور ولا الدولة ولا حاجات المجتمع ولا حتى مشروعها السياسي »الذي اتفقت عليه لتجاوز تناقضاتها ومحاربة الحاكم به« وإنما الايديولوجية التي تؤمن بها وهي ايديولوجيات متناقضة مع الفعل الديمقراطي، وهذا ربما يفسر لنا عدم قدرتها على التعامل بمنطق العقل والسياسية مع الإحداث..
فالتعامل مع الدستور الذي يمثل أبا القوانين كلها ومانح شرعية الفعل السياسي للجميع يتم بطريقة غامضة ومشوشة وبالتالي فالدستور ومؤسسات الدولة وقانونها لا يعني لها شيئاً ويمكن فهم ذلك من خلال رفض شرعية النظام السياسي ولأنها تخاف من أن يرفضوها الناس فأنها تتعامل بطريقة ذكية للتمويه على ذاتها وعلى المجتمع وحتى على الحاكم فترفض الدستور اما بالمطالبة بتعديله واما بالقول ان الدستور حبر على ورق أو أن المؤسسات الناتجة منه هياكل فارغة.. كما أن الديمقراطية والحقوق والحريات التي يحتويها الدستور غير موجودة على أرض الواقع كما تعتقد المعارضة اذاً فالدستور باطل وان تم ترجمة الحقوق والحريات على أرض الواقع فهي ناقصة وزائفة حتى وان تم تحقيقها فإن الحاكم لو لم يكن مستفيداً منها لما حققها وهكذا يدخلونك في دوامة من الاتهامات والتناقضات والسبب أن الأحزاب الايديولوجية ترفض فلسفة الدولة الوطنية وهويتهم ليست من الواقع بل هي في السماء أو في طوباوية قومية أو إنسانية حالمة والبعض هويته محصورة في مصالح ذاتية وهنا تصبح الهوية في الهوى وعبادة الذات.
وهذه الرؤية السابقة هي التي حددت موقفهم من الانتخابات، أما لماذا دخلوا الانتخابات؟ كان لديهم قناعة تامة أن الانتخابات ربما تصل بهم إلى السلطة وان لم يصلوا فإنهم قد اثبتوا وجودهم وقوتهم ويستغلون ذلك بتهديد الحاكم للحصول على مصالح وقد فشلت كل خططهم فأصبح القول بالتزوير طريقهم الوحيد لتحدي الحاكم والتشكيك بشرعيته الشعبية.
فالأحزاب التي تحكمها الايدولوجيا لا تؤمن مطلقا بأن هويتها الوطنية تقع في الدولة وإنما في الفكر الذي تؤمن به وهذا لا يعني رفض أو تحدي الانتماء الفكري أو المذهبي أو العرقي ونحن هنا نتحدث عن الانتماء السياسي الذي يجب أن يكون للدولة وحدها.
ممارسة السياسة بالأزمات
والمتابع للشأن اليمني يجد أن الأحزاب المشكّلة للمشترك هي أحزاب عبر تاريخها كله صانعة للمشاكل والأزمات سواء أكانت في السلطة أو المعارضة وأسلوبها في التعامل مع السياسية قاد اليمن إلى الاحتقانات والتأزيم السياسي ثم العنف ورغم انها كانت متفرقة ومتصارعة مع بعضها إلا أن نتائج سياساتها وقراراتها متشابهة وليس غريبا ان تجتمع الآن في سلة واحدة، وكل صراعها مهما تخفى خلف شعارات سياسية إلا أن الثروة والسلطة وغنائمها ظلت هي الحلم وما رفعها للشعارات الديمقراطية في المرحلة الحالية إلا للتعامل مع المرحلة وتحسين صورتها أمام الجمهور.
فهذه الأحزاب بنيتها الفكرية وتاريخها وسلوكها الراهن يوضح ان الديمقراطية ليست إلا شعاراً وهذا لا ينفي وجود قوى ديمقراطية حقيقية وواعية للتحولات داخل هذه التيارات ولكنها قليلة ومستبعدة من صناعة القرار داخل الأحزاب أو محاصرة لصالح القوى المؤدلجة وصقور المصالح.
صناعة الفشل وإعادة إنتاجه
المتابع لسلوك المعارضة وحاشيتها في يمننا الحبيب يلاحظ أنها مستمرة في صناعة الفشل وإعادة إنتاجه وبصورته القديمة وكأنها مدمنة على ذلك وهذه الطريقة تضعفها ويخسر الشعب والديمقراطية قوة سياسية لو تعاملت مع السياسة بعقلانية لخدمت مصالحها ومصالح أهل اليمن، فالمعارضة تعيد إنتاج نفسها على مستوى الخطاب وطريقة التفكير وآليات العمل، مما يجعل عملها ونتائجه يقع في خانة السلب لا الإيجابية الفاعلة الخادمة للمجتمع والدولة.
فالمعارضة تعاني من الجمود والركود فيما يخص تعاملها مع القضايا فلديها عجز تام في إنتاج مفاهيم ورؤى جديدة للتعامل مع الواقع ومتغيراته والسبب هيمنة فئة ديكتاتورية وقوى مستبدة من قيادات الحرس القديم ، تدعهما نخبة حزبية مسيطرة ومتحكمة بكل القرارات وتفاصيلها، وأية محاولة من الأعضاء المجددين يتم قتلها ونبذها، لاحظ سلوك الإصلاح مع القيادات التي تختلف مع خط القيادات الحزبية المهيمنة على مسارات الحزب يتم محاصرتها وتتهم وتطرد ثم تنبذ ثم تلعن في نهاية المطاف.
والخطاب المعارض مصاب بداء الجمود ومازال قابعاً في مربع صناعة الأزمات مع الواقع وإعادة إنتاج التفسيرات ذاتها رغم تغير الظروف والأوضاع، والرضوخ لمفاهيم وتفسيرات تجاوزها الزمن، واتضح من خلال تجربتها ان نتائجها العملية سلبية على المعارضة والوطن وهذا جعل المعارضة غير قادرة على تجاوز مشاكلها بل مازالت سائرة في نفس السياقات الماضية مما جعلها تغرق في مشاكل كثيرة أقلها غموض الرؤية وأعلاها عدم قدرتها على فهم واقع اليمن وواقعها، ويمثل خطابها السياسي خير دليل على فشلها فخلال ستة عشر عاماً وأساليب المعارضة ثابتة لا تتغير تكرر نفس المقولات وتعيد صيغتها بطريقة مختلفة، وكلما كررتها زاد ضعفها وتعاظمت قوة الحاكم.. وتشكل الانتخابات الأخيرة ونتائجها خير دليل وبرهان عملي يوضح مدى فشل خطابها وعجزه عن فهم الواقع وحاجات الناس وطموحاتهم.
فالعقلية المعارضة محكومة بنزعة الاتهام والتشكيك ونفي الشرعية وتتسم بنزعة ناقمة وغاضبة وممزوجة لدى البعض بالحقد والكراهية وفوق كل ذلك على استعداد ان تقدم تنازلات متناقضة مع ادعاءاتها المثالية من أجل مصالح النخبة الحزبية.. كل ذلك افقدها القدرة على التحليل وتفسير الواقع الذي تعمل فيه وان فسرته اعتمدت على العقلية السابقة ممتزجة بنزعة ايديولوجية فأصبحت رؤيتها المقدمة غامضة ومشوشة ومعزولة عن واقعها ويمثل موقفها من الانتخابات الأخير دليلاً واضحاً.
أصبح هناك إجماع خارج المعارضة من المراقبين المحايدين ومن قوى معارضة ناضجة أن خطابها السياسي هو سبب هزائمها المتلاحقة ولكنها تعيد انتاج الخطاب وترفض النقد والتقييم وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن الاحتمال الكبير ان تفقد بقايا قوتها وقدرتها على المواجهة وقد ينتهي الأمر بها في بروج عاجية معزولة لا تخاطب إلا نفسها ويتحول خطابها إلى خطاب متداول بين نخبها السياسية وقياداتها في الصحف المعارضة ومواقعها العنكبوتية والمقايل التي تجمعهم.
غياب الاستراتيجية
وفساد التفسير
فالمعارضة حتى الآن لا تملك استراتيجية واضحة المعالم فهي مبدعة في النقد وتشويه كل القضايا التي تمثل مصدر فخر لأهل اليمن وآخرها الانتخابات رغم ما أصابها من اختلال إلا أنها ناجحة وكلنا قد عشنا هذه التجربة الفريدة وشاركنا بكل تفاصيلها ونعلم ان نتائجها إفراز حقيقي وواقعي لطبيعة القوى المجتمعية.
اما قبولها كأمر واقع وان الاستبداد هو الحاكم وان فشل المعارضة سببها الحاكم وجهل الشعب وأميته فهكذا تفسيرات تعبير عن مدى الفساد الفكري الذي تعاني منه القوى المعارضة فالتفسيرات المقدمة مبنية على أوهام وهدفها صناعة أوهام جديدة وهي خداع وتمويه لحقيقة الواقع وحركته وطبيعة القوى الفاعلة فيه ومخادعة للذات والأنصار ونوع من المقاومة لتخفيف وطأة الضربة القاصمة التي تلقتها المعارضة من الشعب بعد ان وصلت إلى قناعة قبل الانتخابات ـ نتيجة قراءاتها الخاطئة ـ أنها منتصرة لا محالة.
وتفسيراتها تعيد إنتاج الفشل ويضر بالتحولات الديمقراطية ويفقدها القدرة على الحركة مستقبلا بشكل صحيح.» سنتناول هذا الموضوع في المقال القادم ان شاء الله«
في مقابلة بالعربية ألمح محلل سياسي معارض ان نسبة ما حصل عليه الرئيس صالح والمؤتمر هي نسبة الأمية في اليمن والبعض أشار في مقالة الى أن العالم كله من أمريكا إلى مراقبين إلى قوى إقليمية إلى..الخ قد شارك أو ساعد الحاكم في تزوير الانتخابات وان الحاكم لا شرعية له والبعض اتهم المؤتمر ومؤيديه وناخبيه بالفساد.. الخ ما عليك إلا أن تتابع ما تنتجه المعارضة وحاشيتها من خطاب لتصل إلى نتيجة ان تفسيراتهم عاطفية وحماسية ومتحيزة واتهامية ليس للحاكم بل للشعب والمراقبين والمواقف الدولية حتى أن البعض اتهم أهل اليمن بأنهم قطيع من الأغنام والجهالة والمتخلفين والعبيد لانهم انتخبوا المؤتمر وتم اتهام مؤيدي السلطة من النخب المثقفة ومراكز القوة أنهم قليلو ذمة ومروجو أكاذيب ووصل الأمر بالبعض إلى القول ان النظام بكليته يقع في خانة الاستبداد وكل من انتخب المؤتمر فاسد ومرتشٍ وزائف.
ان منطقاً كهذا يجهل الواقع وفاسد وفيه تعالٍ ومكابرة وتحقير للجميع وهذه التفسيرات تائهة وضائعة ووظيفتها خلق الأوهام لتجعل منها حقائق مطلقة وهنا يختفي المنطق والعقل لصالح الغضب والمفاهيم والقيم الايديولوجية.. ان هذه التفسيرات ليست إلا تراجيديا مضحكة تقبع في زوايا التسطيح والسذاجة، واتباع هذا الأسلوب يجعلنا نقول أن المعارضة ذاهبة إلى الهاوية ان لم تعدل من خطابها وتفسيرها للواقع..
واقع الهزيمة يفرض النقد وإعادة التقييم ولكن العقل المؤدلج يتهم العالم كله بالفساد إلا ذاته، والهزيمة تتحول إلى نصر وإذا كان واقع الهزيمة كفلق الصبح ولا يمكن إنكاره يُتهم الآخر انه سبب الهزيمة فالحاكم زور الانتخابات وإذا كانت الإجراءات صحيحة فالشعب جاهل لا يعرف مصالحة وإذا صوتت الفئات المتعلمة للمؤتمر فلأنها انتهازية ومحكومة بمصالحها الأنانية، كل نقد ممكن إلا نقد الذات، وهذا يعمق الفشل والهزيمة.
تبرئة الذات من الخطاء تعبر عن نزعة متعالية والمؤدلج محكوم بعقلية لا تعترف بالخطأ وتنزه الفكر والذات من الخطأ بل وتصنع أساطير وأوهاماً حول ذاتها فكرا وسلوكا وأشخاصا، فالتقديس سلوك طبيعي في الأحزاب الايديولوجية، والوجه الآخر لهذه المسألة اتهام الآخر المعادي بكل عيب وكل نقيصة ومذمة وتحميله أخطاء الواقع وسلبيات الذات.. وهي من جانب آخر هروب من محاسبة الذات وتعبئة الأنصار والقواعد حتى لا يتم محاسبة القادة والسياسات المتبعة وحتى لا تشوه صورة القادة ومنتجي الخطاب فتفقد القاعدة تماسكها وفي ظل الفقر في القيادة ومنتجي الخطاب فإن الاعتراف بالخطأ والواقع يعني أن تخسر القيادة الحالية لصالح قيادات جديدة، ولان القيادة الجديدة غير مهيأة فإن ذلك يهدد وجود الأحزاب ذاتها لانها ادعت انها المعبّر عن الشرعية الشعبية فأفقدتها الانتخابات هذا الادعاء فأصبح رفضها مباشرة من قبل كُتّابها وقبولها كأمر واقع رسميا هو نوع من تأكيد شرعية الوجود والاستمرار في الادعاء انها المعبّر عن إرادة الشعب، كما انها تعتقد ان الاعتراف بالانتخابات يمثل اعترافاً تاماً بخطأ خطابهم وخطأ تفسيراتهم ولأنهم قيادات هزيلة غير قادرة على تحمل المسئولية فإنهم لابد ان يستمروا في العزف بالطريقة السابقة بل وبلهجة أقوى ولا يهم أن هذا سلوك قد اثبت الشعب خطأه من خلال رفضه انتخابيا بل المهم البقاء وحفظ ماء الوجه بعد أن ضاع في ماراثون ديمقراطي هو الأول من نوعه في المنطقة العربية.
العقل هو المنقذ
على المعارضة ان تقرأ الواقع بطريقة علمية ومنهجية وان تتجاوز العاطفة والتحيز والرأي المسبق ومصالحها الأنانية حتى تكون قادرة على معالجة أخطائها وتنتقل من الاتهام إلى محاولة فهم الآخر كما هو لا كما تريد أن يكون عليه, وأن تنتقل إلى النقد الذي يفكك بنية الواقع بالتحليل والتفسير بهدف البناء لا للهدم والانتقام والنكاية وان تعيد قراءة مشاريعها السياسية وطريقتها في التعامل مع القضايا المختلفة وان تعيد بناءها بما يتوافق مع الواقع والمرحلة، ومن الأفضل لها أن تمارس النضال بطريقة عاقلة ومتزنة بما يتواءم مع المتغيرات وحاجات الناس لا نخبتها الحزبية.. ويمثل بعث الديمقراطية في أطرها الحزبية والتواصل مع الناس وفهم حاجاتهم وتشكيل حكومة ظل تراقب وتطرح السياسات البديلة ان لم تتوافق مع رؤية الحكومة هذه الطريقة تخدم البلاد وتسهم في تحسين أداء النظام السياسي.
أما تصريحات الصحف والمواقع الكترونية والانغلاق على الذات في مجالس القات وتداول الأفكار بين أعضاء النخبة بمعزل عن الناس وحركة الواقع فإن هكذا طريقة سينتهي بالمعارضة في الغرف المغلقة وفي بروج عاجية ومن ثم يصبح خطابها موجهاً لنفسها.
الحاكم والبحث عن معارضة قوية
الحاكم يبحث عن معارضة قوية وجادة وقادرة على المحاسبة والمراقبة بتعقل واتزان اما رفض الشرعية وتوجيه الاتهامات في كل اتجاه فإن ذلك لا يخدم المعارضة ويجعل منها عدمية لان النتائج تقود إلى الصراع والتحزب والمواجهة والرفض المتبادل والشك والمعارضة هي الخاسر الأكبر لانها لا تملك قوة الحاكم كما ان الجماهير لن تستجيب لأي خطاب تخريبي فالجماهير تبحث عن من يدافع عن مستقبلها لا من يجرها إلى الماضي لتفجير المستقبل.
على المعارضة أن تقدم الدراسات والبرامج العملية وان تتجاوز وضعها الحالي المحصور في زاوية تكرار المقولات الاستهلاكية المملة والمناكفات السياسية التي تذكرني بعناد الجاهل الذي يريد اغاظة وتعكير مزاج منافسه بأية وسيلة، والتعامل معه كعدو.
وطريقة المعارضة الحالية لا تخدم إلا الحاكم فهي كلما أغرقت في رفض شرعية الحاكم وقاومت نتائج الديمقراطية وكلما زادت في النقد بأسلوب النكاية والمناكفة منحته الشرعية والقوة وعمقت من شعبيته وفي الاتجاه المقابل عزلت نفسها وتحولت إلى أداة ضرورية لتزيين الأجواء الديمقراطية.
استطلاعات الفشل
نتائج الانتخابات أوضحت ان المشترك وحاشيته من المستقلين لا يفقهون شيئاً فكل تحليلاتهم وقراءاتهم كانت عاطفية ومتحيزة ولا تملك من الموضوعية شيئاً، محكومة بالحقد والخبث والكراهية فأعمتهم عن فهم واقعنا اليمني، فما عليك إلا أن تطّلع على تنبؤاتهم التي قدموها من خلال الكتابات والتصريحات ومراكز الاستطلاعات التابعة لهم لتصل إلى نتيجة أنهم كانوا يمارسون سلوكاً هو أقرب إلى الكهانة منه للعلم لقد أفسدوا الصحافة والثقافة والعلم وما عليك إلا أن تقرأ الاستطلاعات الفاسدة التي قدمها المشترك وحاشيته لتجد مدى الفساد والإغراق فيه حتى تجعل المرء يتقيأ من شدة فسادها أما التصريحات النارية التي أطلقها قادة المشترك والدعاية التي اتبعوها لم تؤتِ أكلها وتحولت إلى سم زعاف ذاق وباله مرشحهم الرئاسي ومرشحوهم في المحليات.
صديقي المعارض والمشترك
كان لي صديق عزيز ويتمتع بثقافة عالية ومستقل ومصالحه ليست مع الحاكم وهذا جعله يتبنى رؤية معارضة لنظام صالح وكان يشدّنا بقوة ويبهرنا بقدراته غير العادية في نقد النظام السياسي.. وفي الانتخابات الأخيرة تحول إلى مؤيد للحكم والسبب خطاب المعارضة وتعاملها مع الواقع الذي أفقده أي أمل في معارضة جادة قادرة على قيادة التغيير وبرر تحوله "ان صالح يملك مشروعاً واضحاً وواقعياً ومنسجماً مع الواقع وهناك نخبة واسعة مؤيدة للمشروع ولديه امتداد من القوى والمؤيدين ولديه القوة والثقة والكاريزما ما يجعله قادراً على حماية المشروع والدفاع عنه وتطويره وتحقيقه اما المعارضة لم افهم مشروعها كما انها متناقضة مع ما تقول" .
وبعد الانتخابات زاد خوفه من المعارضة ورغم رغبته في ان تحصل المعارضة على نسبة كبيرة في الانتخابات الأخيرة يمنحها الثقة والقوة وتصبح الوجه الآخر للحاكم ولكن ما باليد حيلة فالإرادة الشعبية هي القوة المانحة للشرعية وليس التحليلات الصحفية وأحلام اليقظة والأماني، وموقفها من النتائج ولد لديه قناعة ان المعارضة فاشلة ليس بسبب خسارتها في الانتخابات "فالصراع السياسي السلمي جولات ولكن موقفها جعلنا نقتنع انها غير قادرة على فهم الواقع ولن تكون مؤهلة للدفاع عن المستقبل وحمايته".
اتصل بي بعد الانتخابات بعد أن قرأ المقالات الصحفية والأخبار التي تتحدث عن تزوير الانتخابات والتحليلات التي ترفض شرعية الحكم ونتائج الانتخابات وقال لي "أصبحت على قناعة انهم لا يفقهون معاني الوطنية وان طموحهم محصور في غنيمة السلطة ولا هم لهم إلا مصالحهم الأنانية وليذهب الوطن إلى الجحيم."
ثم أشار إلى مقالة في صحيفة الوسط لكاتب مستقل معارض وقال:"إذا كان المتخصص داخل المعارضة يفكر بعقلية الحزبي المنغلق والمناكف السياسي المنتقم فكيف بالسياسي المتحزب؟"
والكاتب لا يمكن ذكر اسمه لان نزعته السلبية والتشاؤمية وغروره وكبره جعلت منه ناقماً حتى لمحاوريه ومجرد تلميح بسيط على خطأ رؤيته يتحول قلمه إلى طاقة جبارة لتلفيق التهم وتزييف الحقائق وهذه الدكتاتورية والاستبداد في مواجهة الخصوم مع قدرته الفذة في قلب الحقائق جعلت منه مبدعاً ويخاف منه الآخرون ويستطيع ان يحول ملاكاً إلى شيطان والعكس صحيح، وتنبؤاته لنتائج الانتخابات كانت حقائق مطلقة وناجزة ورغم ان الانتخابات فضحت تكهناته إلا أنه مُصِرّ ان الخطأ ليس بالتنبؤ إنما في الواقع والتزوير والحاكم ولله في خلقه شئون..
قال لي "نحن هنا لا نناقش رؤية أشخاص ولكننا بصدد تناول الخطر الجاثم الذي تواجهه المعارضة فقد تحولت الكتابات الصحفية الطارئة إلى رؤى استراتيجية لدى المعارضة" وهذا معلَم آخر لفشلها وضعفها، "فالعجز والخمول الفكري لدى القيادات جعل منها فريسة سهلة لقوى مستقلة من خارج الأطر التنظيمية للأحزاب وأصبحت آراء الكُتاب واستشاراتهم بما فيها من تناقض وتعجل وخلل في البناء الفكري هي الفلسفة الحاكمة لحركة المعارضة" وهذا أدخلها في أزمة مع نفسها ومع محيطها وأصبحت الأحزاب المعارضة بكل تفاصيلها خاضعة لعدد بسيط من القيادات العليا والناطقين باسمها وبعض كُتابها الغاضبين.. ثم أردف مشكلة المعارضة يا صديقي"أن قراراتها الاستراتيجية مرتبطة بنخبة سياسية قديمة أكل عليها الدهر وشرب وهذه النخبة ذكية فهي تقوم بمحاصرة ونبذ العقليات الشابة الناضجة والمبدعة والأكثر قدرة على استخدام عقلها وتحاربها وتتهمها بالخيانة والعمالة للحاكم وتقرب منها الشباب الغاضب الذي يملك روحاً ثورية مؤدلجة فيسهل توجيههم، وان لم تجد فانها تستفيد من الكُتاب المستقلين من خارج أحزبها في الداخل والخارج"..
صديقي والقبيلة والمشترك
تابع صديقي حديثة قائلاً: والمشكلة الكبيرة يا عزيزي "ان القبيلة ظلت جامدة ومازالت بعض الأطراف تعمل على تجميدها وتجهيلها والواقع خير دليل فمن بداية الثورة حتى الآن وبعض مناطق القبيلة تعيش في حالة مزرية لا بسبب الدولة وإنما لعبت بعض القيادات المشائخية دوراً أساسياً فنسبة التعليم منخفضة والفقر منتشر والعادات السيئة موجودة فقد استطاعت بعض الأطراف ان تحول القبيلة إلى أداة بيدها لتهديد السلطة المركزية في حالة تهديد مصالحها وقد استطاع الرئيس صالح من خلال القيادات العسكرية التي تم دمجها في المؤسسة العسكرية أن تلعب دورا تحديثيا داخل القبائل من خلال فتح المدارس ودفع أبناء القبائل للتعليم وتشجيعهم على الانخراط في المؤسسة العسكرية والمؤسسات الحديثة وهناك حالات كثيرة يمكن دراستها يا صديقي"
ثم أردف قائلا "لعب المؤتمر دورا تحديثيا داخل القبيلة وحرك سكونها وادخلها لعبة السياسة وأصبح المشائخ والأعيان يبحثون عن شرعية وجودهم من خلال البحث عن المشاريع وخدمة المواطنين".
"الملاحظ يا صديقي العزيز ان بعض التيارات السياسية كالإخوان المسلمين ارتبطت سياساتهم بالشيخ وتم ربط الشيخ بالحركة دون إحداث أي حراك داخل القبيلة بل تركها وشأنها وتركها لأنها في تصورهم تابعة للشيخ وهو القادر على تحريكها فيما يخدم مصالحهم السياسية.. لم تستطع ان تلعب دوراً تغييرياً داخل القبيلة بل ظلت حاجزاً وعائقاً أمام تطورها وحاصرت القوى الحديثة من اختراق القبيلة بل وحولت القبيلة إلى أداة لمحاربة القوى الحداثية وتحويلها إلى قوة محاربة ورادعة للقيم الحديثة.. لعبت دور إعاقة التغير من الداخل وحاصرت القوى الحديثة من لعب دور من خارج القبيلة لدفعها نحو قيم التطور والتقدم".. ثم قال بمرارة " الخطير في الأمر ان القوى الحديثة والمثقفة من الفئات العصرية أصبحت قوة داعمة للقبيلة لمقاومة المشروع التحديثي وبناء الدولة المعاصرة الذي يحمله الرئيس صالح والنخبة الداعمة له".. لم ينتهِ النقاش ربما نكمله في مقالة قادمة.