الخميس, 12-أكتوبر-2006
محمد محمد المعافا -
‮ ‬الحمد‮ ‬لله‮ ‬رب‮ ‬العالمين‮ ‬وصلى‮ ‬الله‮ ‬على‮ ‬سيدنا‮ ‬محمد‮ ‬وآله‮ ‬وصحبه‮ ‬ومن‮ ‬والاه‮ ‬وبعد‮..‬
فقد فرض الله الزكاة لأنها تقضي على الفقر الذي تقترض الحكومات للحد من مشاكله وتقضي على الجوع الذي يحصد الآلاف من البشر ويجبر البعض على التورط في الحرام والإجرام بسبب منع الزكاة، فما جاع فقير إلاّ ببطنه غنى، وتسد حاجة السائل وتفرج كربة المهموم وتمنع وقوع الجريمة من سرقة ورشوة واختلاس وتغني المحتاج عن الشحذ والسؤال، وبالزكاة يقف المعتدي وقاطع الطريق عن شنيع أعماله، فبإخراج الزكاة يحس المجتمع بالتكافل والتعاون وبأنهم كالبنيان أو كالبنان يشد بعضه بعضاً واستجابة لأمر الله ويكفي الغني قول الله تعالى »خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم« فهي طهارة لمن أداها طيبة بها نفسه من الشح والبخل وحب المال والطمع بالدنيا ومؤاثرتها على الآخرة، ويحفظ الله بها المال من الهلاك والتلف ويضمن الله العوض والزيادة في المال المزكى ويدفع بها البلاء.. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "حصّنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع"، إضافة إلى مايدخره الله من الأجر والثواب إلى يوم القيامة، فهؤلاء الأنصار عندما بذلوا أموالهم وجادت به نفوسهم ذكرهم الله في كتابه وانزل فيهم آيات تتلى إلى يوم القيامة فقال تعالى "والذين تبوؤا الدار والايمان يحبون من هاجر إليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".. وإذا كان أي مجتمع هكذا.. بالله عليكم هل يبقى متسول ومحتاج وقاطع طريق وعاق لوالديه؟ هل يبقى مريض وسجين وجائع.. هل يبقى غل وحسد وعداوة؟.. لايبقى إلاّ مجتمع كما وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم »مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"..
الإنسان بغريزته محب للمال كما قال تعالى: "وتحبون المال حباً جما« إلاّ أن القرآن مليئ بالآيات التي تدعو إلى الانفاق "ها أنتم هؤلاء تُدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء".
والإسلام دائماً يدعو إلى الجود والكرم فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان، وشن الإسلام حربه على الشح والبخل، ففي الحديث »السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد‮ ‬من‮ ‬الناس‮ ‬بعيد‮ ‬من‮ ‬الجنة‮ ‬قريب‮ ‬من‮ ‬النار‮ ‬ولجاهل‮ ‬سخي‮ ‬أحب‮ ‬إلى‮ ‬الله‮ ‬تعالى‮ ‬من‮ ‬عابد‮ ‬بخيل‮".‬
قال السيد قطب رحمه الله "الفقر معرة إذا لصقت بالإنسان احرجته، وهبطت به دون المكانة التي كتب الله للبشر وإنها لتوشك ان تحرمه الكرامة التي فضَّل الله بها الإنسان على سائر الخلق، وإنه لعزيز على النفس أن ترى شخصاً مشقوق الثياب أو ترى شخصاً حافي الأقدام، أو ترى شخصاً فقيراً مدقعاً ذا عيال، أو ترى طالب علم لايجد قيمة قلم أو كتاب، أو ترى مريضاً لايجد قيمة علاج، أو ترى صاحب عاهة يشكو إلى الله من ألم المرض وشدة الزمان، أو ترى جوعاناً يمد عينيه إلى شتى الأطعمة ثم يرده الحرمان وهو حسير.. ومن يرى هذه الصور ولايكترث بها سوءاً ليس من البشر وليس بمؤمن، فالبدار البدار في اخراج الزكاة واغتنام الفرصة في هذا الشهر الكريم فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أجود الناس وأجود مايكون في رمضان وذلك لعدة أسباب: منها شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه لقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصدقة صدقة في رمضان" واخراجها في رمضان إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعة الله فيستوجب المعين لهم مثل اجرهم، والجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة ففي الحديث عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها قالوا لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيّب الكلام واطعم الطعام وأدام الصيام وصلى باليل والناس نيام" وإن الجمع بين الصدقة والصيام أبلغ في تكفير الخطايا، وان الصيام لابد ان يقع فيه خلل ونقص والصدقات مما يجبر ذلك.
الزكاة هي بذل المال إظهاراً لحب الله وتطهيراً لنفس المزكي عن رذيلة البخل وشكراً لله على نعمة المال طلباً للمزيد وعلى المزكي ان يعجل في أدائها وان تكون سراً فإن ذلك أبعد عن السمعة والرياء قال تعالى: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتأتوها الفقراء فهو خير‮ ‬لكم‮" ‬وان‮ ‬يظهرها‮ ‬حيث‮ ‬يعلم‮ ‬أن‮ ‬في‮ ‬إظهارها‮ ‬ترغيباً‮ ‬للناس‮ ‬وان‮ ‬لايفسد‮ ‬صدقته‮ ‬بالمن‮ ‬والأذى‮ ‬كما‮ ‬قال‮ ‬تعالى‮: "‬ولاتبطلوا‮ ‬صدقاتكم‮ ‬بالمن‮ ‬والأذى".‬
وان يستصغر العطية فاستعظامها من العجب، والعجب من المهلكات، وان ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه فإن الله طيب لايقبل إلاّ طيباً "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، فيا أحباب محمد كونوا من المتقين الذين قال الله فيهم: "يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون" كونوا من "الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".. كونوا من الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".. ولاتكونوا من الذين قال الله فيهم "ولايحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم".. اللهم اجعلنا أتقيا أسخيا منفقين في السراء والضراء، نعوذ بك من البخل والجبن وغلبة الدين، تقبل منا واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم ياخير الغافرين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:11 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1261.htm