عبدالحفيظ النهاري -
لابأس أن أستعير مصطلح »المعترك« من قاموس الأخ الزميل الأستاذ أحمد الشرعبي باعتباره ماركة مسجلة باسمه منذ معترك 94م، ويبدو أن قدر اليمن يشاء أن لا ينقضي عقد حتى تدخل البلاد في معترك جديد.
وفي المعترك الراهن تتعرض الجمهورية، والوحدة، والديمقراطية لتهديد ثلاثي جديد ومتجدد ، ويشاطر اليمن في القلق على مكتسباته تلك ،أشقاء وأصدقاء، إقليمياً ودولياً، بل ويقدرون المسؤولية المشتركة في الحفاظ على سلامة اليمن ووحدته واستقراره، باعتبار ذلك منجزاً يحسب للأمة العربية كلها وليس لليمن فحسب، وهم يقدرون أهمية إسناد اليمن في الحفاظ على مكتسباته الوطنية، بل تجاوز الأمر الإسناد السياسي والمعنوي إلى المشاركة في خندق حماية أمن الإقليم بمجرد أن وضعت مسلمة ارتباط أمن المنطقة والوطن العربي استراتيجياً بأمن اليمن على المحك، وخطورة التهديد الذي تجاوزت نيرانه حدود الجوار.
وفي ظل هذه التداعيات لأفعال عناصر التخريب والإرهاب الحوثية في صعدة وحرف سفيان والتي طالت الجيران، وما نجم عن ذلك من تفاعل وانفعال إقليمي لمواجهة المخاطر التي تسببها ولمواجهة مثل تلك الأفعال الصبيانية والجاهلة، يتشكل اصطفاف إقليمي جاد في وجه عناصر الإرهاب والتخريب الحوثية باتجاه تحجيمها ومحاصرتها وعدم السماح للأجندة الخارجية التي تقف وراء تلك التصرفات بأن تشعل الفتنة في الجزيرة العربية وتهدد أمنها، وهي المنطقة الأكثر حساسية في عالم اليوم.
لكن الغريب أنه، ومقابل هذا الاصطفاف الإقليمي الممتد والمستشرف لخطر التصرفات الطائشة العميلة، وإزاء تلك التفاعلات الإقليمية المساندة لليمن، تطالعنا أحزاب اللقاء المشترك ببيان غريب الوجه واليد واللسان.
البيان صدر عن »أحزاب اللقاء المشترك« في السابع من نوفمبر الحالي، أي بعد اضطرار المملكة العربية السعودية الشقيقة إلى دخول الحرب الدائرة دفاعاً عن أمن حدودها من امتدادات الفتنة.
يتحدث البيان عن حرب تدور في صعدة يذكر فيها السعودية و ـ السلطة ـ بحسب تعبيره، في حربهما ضد مجهول،ويصفها بالحرب العبثية التي لا يعرف لماذا تقوم ، وما هي دوافعها ومن هم الفاعلون فيها، وماذا يراد باليمن من ورائها.. بدت الحرب كما لوكانت مع طواحين الهواء، وبدا »المشترك« كمن هبط من الفضاء الخارجي على جزر »هونولوللو«.
وفي مرحلة وطنية حساسة مثل هذه كان يجدر بالمشترك أن يقدم تشخيصاً مسؤولاً للأحداث وتداعياتها الوطنية والإقليمية والدولية ، والتعبير عن مواقف وطنية مسؤولة إزاء ما يحدث تتمثل دور المعارضة السياسية ، تتسق وقراءة بقية الأطراف في الداخل والخارج لكي يكتسب مصداقية مقبولة ،كما يستلزم موقعه في المعارضة السياسية أن يتعاطى بمسؤولية مع القضايا الوطنية المصيرية مثل : الجمهورية ، والوحدة ، والديمقراطية ، وتحديات بناء الدولة اليمنية الحديثة.
أما أن يسكت البيان عن جرائم عناصر الإرهاب والتخريب والتمرد الحوثية في صعدة وسفيان، فيعد موقفاً ناقصاً لا يقبله اليمنيون، وبالمثل فوجود غريم واحد يحارب نفسه في أكثر من جبهة هو »السلطة« كلام مردود على المشترك الذي يتربص بها بدافع النكاية، وبحثاً عن وراثة غير شرعية وغير ديمقراطية من خلال ركوبه موجات العنف التي يتصور خطأ تحقيقها على أنقاض الوطن، وخرابه الذي لن يبقى فيه تل يتربع المشترك عليه.
البيان قراءة ناقصة وخاطئة لما يحدث ، يقصر المشترك في تقديمها ، لن تحسب في ميزان أعماله السياسية والتاريخية ودوره في منعطف تاريخي وطني مهم تتعرض فيه مكتسبات الوطن وأمنه واستقراره إلى الاستهداف من عناصر الإرهاب والتخريب والتمرد الحوثي في صعدة من جهة ، وعناصر التحريض والعنف وبث الكراهية المناطقية من جهة أخرى.
إن المشترك بذلك البيان الأعرج ينضم إلى جوقة الإجهاز على الوطن من خلال رؤاه الانقلابية على الديمقراطية وتفكيره خارج المنظومة الديمقراطية ذات المرجعية الدستورية والمؤسسية.
قرأ البيان الصيرورة الوطنية بعيون المجهزين على البلاد والمتكالبين والمتعاونين على خرابها دون أدنى تأنيب ضمير أو نقد ذاتي ، أو اتساق مع إرادة الجماهير ووعيهم ، بل إنه ممارسة تخذل البطولات والصمود والتضحيات التي تقدمها قواتنا المسلحة الوطنية والأمن التي تذود عن وحدة واستقرارالبلاد.
البيان لا يقيم وزناً لدماء اليمنيين التي تسفك من قبل عناصر التخريب والإرهاب والعنف سواء في صعدة من قبل الحوثيين، أو التي تقترف القاعدة سفكها في أكثر من مكان، أو عبر عناصر العنف والفوضى في بعض المحافظات الجنوبية.
وأخيراً يمكن أن نحيل المشترك إلى المعارضات المتقدمة ليتعلم منها كيف تكون المعارضة في القضايا الوطنية المصيرية مثل مواقف : الحزب الديمقراطي، والجمهوري الأمريكيين إزاء حرب جيشهم في العراق وأفعانستان، بالرغم من الاختلاف على طبيعة تلك الحروب وعلى تفسير المصلحة الوطنية فيها، أو موقف حزب المحافظين في بريطانيا إزاء مشاركة الجيش في الحربين المذكورتين. .فهل يتعلم المشترك؟