علي صالح الجمرة - ما بين الهجرة والفتح ثمان سنوات ملئت بالأحداث العظام.. فمن غزوة بدر الكبرى الى غزوة احد، ومنهما الى غزوة الخندق فإلى صلح الحديبية فغزوة مؤتة الى غير ذلك من الغزوات العظام التي اظهرت واشهرت الدعوة الاسلامية وارعبت طواغيت الارض وعبدت الاصنام وفتحت الباب واسعاً امام نشر دين الله.
ما بين الهجرة النبوية وفتح مكة تبلورت الدعوة الى الاسلام في شكل امة لها ارادتها السياسية ولها قوتها القتالية، ولها قوانينها التنظيمية المناسبة لظروفها، ولها قبل هذا .........
الزمن الى ان يرث الله الارض ومن عليها.
من كل ما سبق كانت ثوابت العقيدة الاسلامية راسخة في قلب وعقل اصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وكان لابد لهم من ان ينهضوا بها لأنهم استوعبوها وتشبعوا بها فكراً وقولاً وتلاوة وصلاة وصوماً وزكاة وعملاً في كل حقل.
كانت السنوات الممتدة ما بين الهجرة من مكة الى المدينة حتى فتح مكة هي سنوات التجارب الأولى لاستيعاب الرسالة قولاً وعملاً، سلماً وحرباً، وكانت غزوة الحديبية في العام السادس للهجرة تمثل الجانب السياسي البارع الذي قام به رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، اذ استطاع الرسول "صلى الله عليه وسلم" ان يستغل منع قريش له من القيام بالعمرة في المسجد الحرام فانتزع منها الاعتراف بوجوده وجماعة المسلمين في واقع الحياة العربية، ووقع معهم ما يسمى بصلح الحديبية والذي ينص على:
- ان تضع الحرب اوزارها بين الفريقين عشر سنين.
- ان يرد الرسول "صلى الله عليه وسلم" من يأتيه من قريش مسلماً بدون اذن وليه.
- الا تلزم قريش برد من يأتي اليها من عند محمد.
- ان من احب الدخول في عقد قريش وعهدها فله ذلك، ومن اراد ان يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه.
- ان يرجع الرسول "صلى الله عليه وسلم" هذا العام من غير عمرة على أن يأتي في العام التالي فيدخل مع اصحابه مكة بعد ان تخرج منها قريش ويقيم بها ثلاثة ايام، وليس معهم من السلام إلاّ السيوف في القرب "الاغماد".
فزع المسلمون من هذا الصلح ولم يدركوا جوهره، لكنهم ادركوا اهميته بعد ذلك عند ان جنوا ثمرة الصلح، ففي العام التالي قام الرسول "صلى الله عليه وسلم" ومعه المسلمون بالعمرة وطافوا بالبيت العتيق آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لمدة ثلاثة ايام، فكانت العمرة في العام السابع هي المقدمة لفتح مكة في العام الثامن للهجرة.
نقضت قريش عهدها مع الرسول "صلى الله عليه وسلم" إذ اعتدى البكريون حلفاء قريش على الخزاعيين حلفاء رسول الله "صلى الله عليه وسلم" واستعانوا في حربهم بأوليائهم من قريش فايدتهم قريش سراً بالعدة والرجال.. استنجد الخزاعيون بحلف رسول الله "صلى الله عليه وسلم".. رأي الرسول ان ذلك من قريش نقض للعهد وبذلك عادت حالة الحرب بين قريش وبين المسلمين.. فجهز رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جيشه واخذ عدته لفتح مكة.
بينما الرسول "صلى الله عليه وسلم" يجهز الجيش حدثت زلة للصحابي حاطب بن ابي بلتعه، فقد بعث بخطاب الى قريش مع امرأة مسافرة اليهم ليخبرهم ان النبي يستعد لنجدة الخزاعيين وسيفتح مكة، اخبر الله رسوله بالخبر فبعث رسول الله "صلى الله عليه وسلم« بعلي بن ابي طالب والزبير بن العوام ليحضرا الخطاب الذي حملته المرأة الى قريش قبل ان تذهب به فاحضرا الخطاب.
نزلت اول سورة الممتحنة لتوضح ذلك ولتنبه المسلمين الى ضرورة الحرص على اخفاء المعلومات عن أعين الاعداء حتى لا يستفيد العدو منها.. انطلق المسلمون صوب مكة دون ان تعرف قريش بذلك، ووجه رسول الله "صلى الله عليه وسلم« قادة الفتح ان يدخلوا مكة من الجهات الأربع وألا يريقوا دماً او يقاتلوا احداً الاّ من قاتلهم.. وكان ابو سفيان قد جاء الى الطريق مستطلعاً فقبض عليه المسلمون حتى اتوا مكة، فإذن له الرسول "صلى الله عليه وسلم" بأن ينادي قريشاً بأن من دخل بيت ابي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن اغلق عليه بابه فهو آمن.
بوصول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الى مكة وقف امام باب الكعبة قائلاً:
"لا إله إلاّ الله وحده، نصر عبده، واعز جنده، وهزم الاحزاب وحده.. يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية او تعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب.. ثم تلا الآيات الكريمة: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) »الحجرات:٣١"، ثم قال: يا معشر قريش.. ما ترون اني فاعل فيكم؟؟ قالوا: خيراً، اخ كريم وابن اخ كريم.. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء".
هذه سماحة الاسلام وروحه المنطلقة من لدن حكيم عليم.
|