فائز بن عمرو -
أجمعت كثير من المصادر والدراسات والبحوث ان ما يهدد امن واستقرار اليمن يتجاوز صراعاً مسلحاً في رقعة جغرافية محددة أو معارضة فكرية كما تزعم المعارضة اليمنية، فقد بدأت هذه المصادر تعتبر القتال في صعدة يهدد أمنها القومي ومرشحاً للتوسع والتأثير على دولها والتي تبعد قارات بعيدة لان الأمن القومي في عرف الدول والأحزاب والنخب البعيدة النظر يتجاوز القارات والمحيطات.. ان ما يسمع ويردد من قبل الاحزاب المعارضة أو بعض النخب السياسية في قراءتها لكثير من الأحداث يتسم بالسطحية والنظرة العفوية وإغفال الأسباب واعتماد المنفعة الذاتية فضلا عن تقديم مصلحة الوطن أو النظر الى الأمن القومي اليمني أو الإقليمي في هذه الصراعات ذات المرجعيات الدولية والإقليمية والتي تطمح ان تغير وجه اليمن والمنطقة انطلاقا من قمم جبال مران.
. فلا يمكن قبول هذه الأطروحات وسيل المبادرات المقدمة من أحزاب المشترك وبعض شخصياتها التي ترجع الصراع في صعدة لأسباب مطلبية وحقوقية وانه يسعى الى نيل الحقوق والبعض يصفه التمرد والخروج على الدولة والدستور والنظام الجمهوري بأنه ذو أهداف وطنية ويدعو الدولة الى تقديم المزيد من التنازلات والتخلي عن مفهوم الدولة لحل هذا الصراع ؟!
لا يمكن قبول هذه المبادرات والحلول والنظرات السياسية لبعض الاحزاب والتي ترفع شعار العمل الديمقراطي والممارسة الحزبية القانونية والالتزام بالدستور إلا انه من باب الديمقراطية القاتلة والزائفة والتي عبر عنها احد الأدباء والمفكرين بديمقراطية رجب في تقييمه لبعض الديمقراطيات في الدول العربية بأنها تناقش وتتبنى الامور الشكلية والهامشية بينما امن المواطن والوطن يتعرض لخطر حقيقي وداهم.
ان مواقف أحزاب المشترك والشخصيات المصرة على إدخال اليمن في إشكاليات مصطنعة وتقزيم الأحداث التي تهدد امن اليمن والجزيرة ورفضه للممارسة السلمية الديمقراطية وذلك في بيانات المشترك للانتخابات التكميلية لملء الشواغر في مجلس النواب يوجب على رئيس الجمهورية الدفاع عن الدولة وأمنها الوطني والقومي وذلك باتخاذ موقف حازم في محاسبة تلك الاحزاب إذا استمرت في تجاهل المخاطر التي تحيط بالأمن القومي لليمن ورفضها العمل الانتخابي والمرجعية السلمية عبر صندوق الاقتراع فيجب على الرئيس حل تلك الاحزاب وفرض القوانين التي تحفظ امن البلد وسلامته وسلامة مواطنيه وتكون الأولوية لأمن المواطن وتوفير الاستقرار وترسيخ مفهوم الدولة على كل شبر من أراضيها.. لا شك ان هذا خيار صعب ومرير على شخصية قائدة وصانعة للدولة اليمنية الحديثة والتي سعى الرئيس خلال فترة حكمه لترسيخ وفرض النظام الديمقراطي والنظام الدستوري والقانوني.. هذا خيار صعب لكن يجب ألاَّ يكون غير مستبعد، ولا بد من القيادة ان تحذر تلك الاحزاب ان سياستها تقود الى هذا الخيار وتقفل كل أبواب الحوار والحلول أمام القيادة السياسية والالتجاء الى ذلك الخيار سيكون ضرورة وليس حاجة فإذا ترسخ مفهوم الدولة ومؤسساتها وزال الخطر المهدد للأمن القومي حينئذ يشرع في تأسيس ديمقراطية صحيحة وقائمة على أسس متدرجة تراعي اليمن وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية وتواضع نخبه وأحزابه ذات الثقافة الأيديولوجية المتخلفة.
الرئيس وتطوير النظام الديمقراطي :
لقد أدرك الأخ الرئيس منذ وقت مبكر أهمية تطوير العمل السياسي والتشريعي وإرساء مؤسسات مدنية للدولة اليمنية الحديثة وكان هذا ناتجاً عن تمسكه بمبادئ ثورة سبتمبر والتي تنص على إيجاد دولة ومؤسسات قوية وتطوير العمل السياسي والانفتاح على العالم الخارجي، فشرع الرئيس في تأسيس المؤتمر الشعبي العام وذلك ليكون الدافع والمحرك للعمل السياسي ولتطوير مؤسسات الدولة، فالهدف من المؤتمر الشعبي العام في فكر الرئيس هو الخروج من العمل الفردي الى العمل الجماعي والمؤسسي، وبعد ان تحققت الوحدة المباركة تقدم الرئيس بعدة مبادرات دستورية وديمقراطية من خلال برامج المؤتمر الانتخابية، وبلغت هذه الإصلاحات ذروتها في التعديلات الدستورية ذات النقاط العشر التي كانت ترتكز على الاعتراف بالتنوع الثقافي في الجمهورية اليمنية والذي يمكن استيعابه عن طريق الحكم المحلي واسع الصلاحيات، إضافة الى تطوير نظام الحكم المحلي وتوسيع السلطة التشريعية وإشراك أكثر الفئات في إدارة الدولة ومؤسساتها.
ان جوهر هذه المبادرات في رأيي هو الحكم المحلي وذلك لوجود خلط مقصود وغير مقصود بين القضايا التنموية والمحلية والقضايا السياسية وتوسيع الحكم المحلي سيخرج القضايا المحلية من الجدل السياسي لبعض الاحزاب التي تعتبر كل قضية وطنية وتنموية قضية سياسية يمكن استثمارها، لكن العائق في المضي بهذا المشروع الرئاسي المتقدم هو عدم وجود قاعدة تنفذ هذا البرنامج المتقدم بل تحالفت كثير من القوى لعرقلته ورفضه والالتفاف عليه، فصارت المشكلة ليس في البرنامج الرئاسي، ولكن من سينفذه، ومن جانب آخر وقفت هذه الاحزاب المعارضة لرفض هذا البرنامج وعدم الاعتراف به وتقديم بيانات ومبادرات صريحة ترفضه ولا تعترف به، ولم تقدم برامج بديلة للحوار والدراسة والنقاش بل اتسمت مواقف تلك الاحزاب بالآتي :
ـ الرفض الصريح للمبادرة.
ـ الاعتراف بها في بعض البيانات ورفضها في البعض الآخر.
ـ تحريف بعض أوجه المبادرة كقبول الحكم المحلي وتنفيذه عن طريق أقاليم كرؤية للانقاذ الوطني. ـ تقديم حلول تجهض العمل الديمقراطي والسياسي واقتراح مؤسسات بديلة للدولة ومؤسساتها.
أسباب عرقلة الهامش الديمقراطي وعدم قدرة النخب علي ايجاد الحلول:
1ـ تواضع الاحزاب والنخب السياسية وعدم قدرتها على تطوير العملية الديمقراطية وضعف الأسس الحزبية والمجتمعية والفكرية لهذه الاحزاب والتي لم تمكنها من قراءة الأحداث بشكل صحيح وابتعادها عن إيجاد ثقافة حزبية وجماهيرية، فقد أجرى الدكتور عمرو حمزاوي دراسة لمعهد كارنجي الأمريكي وهو من المعاهد التي تعتمد الإدارة الأمريكية دراساته وأبحاثه عن حزب الإصلاح كحزب معارض وقدرته على التغيير والتطور وتوصل في دراسته لتواضع مخرجات هذا الحزب وعدم قدرته على قيادة البلاد.
2ـ ساد الممارسة الديمقراطية في اليمن نوع من التوافقية أو المحاصصة حيث اعطيت الوزارات الخدمية مثل التربية والاوقاف والصحة لحزب ديني ابعد عنها الطابع الوطني ورسخ فيها ثقافة حزبية ضيقة تخالف الولاء الوطني واعطيت بعض الوزارات لحزب آخر، ولذلك ظلت كثير من الاحزاب تبحث عن مصالحها وترفض في كل خطاباتها فكر الدولة بل تحاربه وترفضه صراحة وتقف الى أية جهة ترفع شعار مناوىء للدولة وإقامة مؤسساتها.
3ـ قصور قانون الاحزاب عن حصر العمل الحزبي في أحزاب وطنية وذات أهداف انتخابية فقط فتوسعت الاحزاب في الساحة اليمنية وظهرت أحزاب طائفية ومذهبية ودينية وأيديولوجية لجأت بعضها الى ممارسة أساليب وأعمال تخالف المسار الديمقراطي وبعضها رفعت شعارات طائفية ومذهبية صريحة وبعضها رفعت السلاح في وجه الدولة ومؤسساتها.
4ـ عدم الفصل بين الدولة ومؤسساتها وبين الاحزاب السياسية.
5ـ السير غير المدروس وغير المتدرج في تطبيق الممارسة الديمقراطية التي تتوافق مع ثقافة وفكر المجتمع اليمني وذلك من خلال ضغط الدول المانحة والبنك الدولي باعتماد مبدأ المشاركة الشعبية والانتخابية في كل المستويات مما أدى الى مؤسسات خالية من الكوادر المتخصصة والكفؤة.
6ـ تجذُّر بعض الأفكار القديمة لدى بعض الاحزاب والتي كانت تسعى من خلال العمل السياسي الى الوصول الى السلطة وفرض أنظمة قديمة وأيديولوجية.
7ـ عدم تخلي كثير من النخب والأحزاب عن أطماعها ومصالحها النفعية واعتمادها على مرجعيات غير ديمقراطية.
8ـ عدم الاعتماد على مراكز الأبحاث والدراسات وضعف التنشئة الحزبية، فكثير من قرارات هذه الاحزاب وقيادتها تتصف بالشخصية ويغلب عليها الطابع العشوائي.
الحلول من اجل ممارسة ديمقراطية وسياسية مثمرة :
أ ـ إعادة تقييم التجربة والممارسة الديمقراطية في ظل المخاطر التي تهدد الأمن القومي لليمن وإعطاء الأولوية لأمن الوطن والمواطن.
ب ـ مراعاة التنوع والاختلاف والتمايز بين مناطق وبيئات اليمن من خلال الحكم المحلي واسع الصلاحيات.
ج ـ إنشاء هيئة دستورية تفسر القوانين وتكون الحكم عند الخلاف، يكون أفرادها من التكنوقراط وليس لهم ارتباطات سياسية.
د ـ تجاوز الفكر الرافض للدولة ومؤسساتها وذلك برفض قبول أي أحزاب أو جماعات أو جمعيات تقوم على أساس ديني أو طائفي أو مناطقي.
هـ ـ تطوير المؤتمر ليكون قادراً على تنفيذ برامج ومبادرات الأخ الرئيس ويراعي المتغيرات القادمة من خلال :
ـ العمل الحزبي فكر راقٍ يمارسه نخبة في كل دول العالم فيجب التخلي عن الاعتماد على الكم والانتقال الى الكيف والنخبة وان يتم الاهتمام بالتدريب.
ـ لا بد من إيجاد مؤسسات ومراكز دراسات والاعتماد على التأهيل والتدريب لصوغ قرارات وأفكار صحيحة.
ـ يجب الفصل الكامل بين العمل الحزبي السياسي والعمل التنفيذي لتطوير عمل المؤتمر ومؤسساته أو على الأقل قصر هذا الشرط على بعض المناصب، وان لم يطبق هذا القرار المتكرر في قرارات المؤتمرات الحزبية فهذه علامة موت سريري.
ـ لا بد من التفكير في تجاوز الجمود التنظيمي من خلال إيجاد كادر شبابي غير خاضع لمؤثرات تاريخية وجغرافية تعطى له دفة القيادة، كما يجب توسيع عدد القيادات وتجاوز الهيكلة التنظيمية لكسر الخلافات وتفعيل العمل وكذلك يجب اعتماد مبدأ الترفيع الحزبي في المؤسسات الجامدة.{